كان الربع الأول مثالياً بكل المقاييس لـ"بنك أوف أميركا"، لكنه كان كارثياً على "غولدمان ساكس". فالأول جنى ثمار استراتيجيته طويلة الأمد المنظمة جيداً، التي حصلت على دفعة إضافية من بعض الاستثمارات المستهدفة. أما الثاني فتعثر بين محاولات إصلاح الإخفاقات الأخيرة له، بعدما تراجع نمو واحد من أكبر أقسامه.
كان الفرق بين الاثنين صارخاً في العائدات السوقية الناتجة عن تداول السندات وأسعار الفائدة والعملات والسلع، والمعروفة اختصاراً باسم (FICC). كما أوضحت الخدمات المصرفية للمستهلكين فرقاً لافتاً آخر جديراً بالانتباه، فبينما كان "غولدمان" يحاول لملمة خسائره جزئياً بعد توسعه الفاشل في علامة "ماركوس" (Marcus) التجارية التابعة له واستحواذه على "غرين سكاي" (GreenSky)، ظهر "بنك أوف أميركا" وكأنه ملاذ آمن لبعض المودعين خلال ربع شهد فشل ثلاثة بنوك أميركية أصغر حجماً.
أداء متناقض في الربع الأول
ليس هذا وحسب، فقد أعلن "بنك أوف أميركا" أيضاً عن أفضل ربع له خلال عقد كامل في تداول السندات وأسعار الفائدة والعملات والسلع، بعدما فاق التوقعات وحقق إيرادات أفضل بنسبة 30% تقريباً من الربع الأول من العام الماضي، مقارنة بتسجيل "جيه بي مورغان تشيس آند كو" إيرادات ثابتة و"سيتي غروب" لارتفاع طفيف يناهز 3.5%. أما "غولدمان ساكس" فانخفضت عائداته من هذه التداولات بنسبة 17%.
كانت أكبر مشكلات "غولدمان ساكس" هي الانخفاض الحاد في عائدات تداول السلع الرئيسية هذا الربع، بعدما اقتربت من الوصول لمستوى قياسي العام الماضي، وساعدت في رفع إيرادات التداول للربع الأول في 2022 بأكثر من 20% على أساس سنوي.
قال ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لـ"غولدمان ساكس" إن جني عائدات تبلغ 4 مليارات دولار من تداول السندات وأسعار الفائدة والعملات والسلع الرئيسية ما يزال يمثل مردوداً قوياً لأهم أعمال "غولدمان". لكن في الوقت نفسه، تراجعت أعمال تمويل هذه التداولات في الربع الأول بعدما أثارت اهتماماً كبيراً، وكان من المفترض أن تضيف الاستقرار إلى إيرادات التداول، وتقلصت باستمرار على منحنى الأداء الفصلي للبنك منذ بلوغها ذروتها في منتصف 2022. يبدو أن السبب الأساسي في ذلك هو ارتفاع تكاليف التمويل التي تقلص إيرادات الفوائد المحتملة للبنك.
انتعاش جماعي في "بنك أوف أميركا"
كانت الصورة مختلفة تماماً في مكاتب تداول السندات وأسعار الفائدة والعملات والسلع الرئيسية التابعة لـ"بنك أوف أميركا"، حيث مثلت هذه التداولات درة التاج لبعض الاستثمارات التي أجريت في توقيت مثالي بقطاع السندات الحكومية وغيرها من "منتجات السوق الكلية" – كما يطلق عليها- والتي ساعدت جميعاً في انتعاش البنك.
كما أسفر التقلب الناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة خلال العام الماضي - بالإضافة إلى الاضطرابات المحيطة بأزمة البنوك الصغيرة في مارس الماضي- عن مزيد من التداولات في هذه القطاعات، وذلك تزامناً مع إمساك "بنك أوف أميركا" بكل خيوط السوق في يديه. وتعافت تداولات سندات الشركات خلال العام الجاري، وهي قوة تاريخية مؤثرة على استثماراته، بينما كان البنك أقل انكشافاً على القطاعات التي تباطأت، مثل الأسواق الناشئة.
في الخدمات المصرفية التقليدية، لم يشهد "بنك أوف أميركا" مكاسب في إجمالي ودائعه على مدار الأشهر الثلاثة الأولى مثل "جيه بي مورغان"، لكنه شهد انعكاساً قوياً خلال الفصل الماضي في أرصدة الحسابات الجارية للمستهلكين، حيث أنهى الربع الأول وهو أعلى قليلاً فيها.
بيع قروض "غولدمان ساكس"
يناقض هذا أيضاً ما حدث في "جيه بي مورغان" الذي انخفض إجمالي صافي دخل الفائدة الذي حققه في الربع الأول بشكل طفيف مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، لكنه ما يزال يفوق توقعات المحللين، وربما يعود الفضل في ذلك إلى ضخ مزيد من السيولة النقدية الفائضة في ودائع البنك المركزي ذات العائد المرتفع، والأصول قصيرة الأجل بين البنوك.
في هذه الأثناء، باع "غولدمان ساكس" نحو مليار دولار من القروض الشخصية التي قدمها لعملاء "ماركوس"، ووعد بالتخلص من الباقي بمرور الوقت. وكما يبدو فإن طرح كل هذه القروض للبيع يعني أنه ربما سيتخلص أيضاً من مخصصات الديون الرديئة التي استحوذ عليها العام الماضي، مع خفضها بنحو 440 مليون دولار. لكن بيع هذه القروض اضطر البنك إلى عرض كل القروض المتبقية لديه بعد تحديد القيمة البيعية المتوقعة، مما أسفر عن خسارتة نحو 470 مليون دولار.
الالتزام بالاستراتيجية الجيدة
أكد سولومون أيضاً على ما نُشر في تقرير "بلومبرغ نيوز" حول أن بنك "غولدمان كان يدرس بيع شركة "غرين سكاي" المتخصصة في تمويل أعمال تحسين المنازل، والتي اشتراها مقابل 2.24 مليار دولار قبل أقل من عامين.
أُبرمت هذه الصفقة في ذروة الحماس نحو شركات التكنولوجيا المالية، وبعد تقييمها بمبلغ كبير نسبياً حسبما اعتقد بعض المستثمرين والمحللين حينها وحتى الآن. وقد يكبد بيع الشركة الآن - في خضم اقتصاد متباطئ وأسعار فائدة أعلى بكثير- البنك خسارة فادحة.
ختاماً، يمكن القول إن الاختلاف بين نتائج الربع الأول في 2023 لمصرف "غولدمان" و"بنك أوف أميركا" توضح لنا أنَّ الأفضل دائماً هو الالتزام بالاستراتيجية التي تعرفها. لكن إحقاقاً للحق، يجب القول إن الحظ لعب دوراً أيضاً في تقرير مصير البنكين، لا سيما في اختيار التوقيت.