أوروبا تنتصر بحرب الطاقة لتواجه أزمة ركود تلوح في الأفق

دورة رفع البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة لن تُعالج علل الاقتصاد الأوروبي

time reading iconدقائق القراءة - 16
متظاهرون فرنسيون يحتجون على تعديل نظام التقاعد - المصدر: بلومبرغ
متظاهرون فرنسيون يحتجون على تعديل نظام التقاعد - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بعد مرور عام على غزو أوكرانيا، تجنبت أوروبا السيناريو الأسوأ لركود حاد مدفوع بالطاقة. عاد سعر الغاز الطبيعي إلى مستويات ما قبل الحرب، ومرة أخرى، يزيد إنتاج المصانع، ويعلن قادة، مثل أورسولا فون دير لاين، انتصارهم على فلاديمير بوتين، الذي "خسر حرب الطاقة التي بدأها".

لكن أوروبا تخاطر الآن بتجنب ركود واحد فقط لتواجه ركوداً آخر صنعته بنفسها بسبب سلسلة من رفع في أسعار الفائدة من جانب محافظي البنوك المركزية القلقين. بلغ معدل التضخم "الأساسي" في منطقة اليورو -باستثناء الطاقة والغذاء- أعلى مستوى له على الإطلاق عند 5.6% في فبراير، ويبدو أن البنك المركزي الأوروبي مهيأ لرفع أسعار الفائدة إلى مستوى قياسي يبلغ 4%.

يكمن الخوف السائد في أنه من دون المزيد من هذا التشديد للسياسة النقدية، ستبدأ حلقة مفرغة جديدة من ارتفاع الأسعار، مدفوعة بزيادة الأجور.

عواقب النهج المتشدد

قد يكون صانعو السياسة النقدية مخطئين كثيراً في اتباعهم نهجاً متشدداً للغاية، تماماً مثلما أخطأوا بشدة في عام 2021 عندما كانوا راضين عن مستوى التضخم ظناً منهم أنه كان "مؤقتاً". كتب الاقتصاديون في "باركليز بي إل سي" الأسبوع الماضي، أن اقتصاد منطقة اليورو تجنب الركود حتى الآن، لكنه لا يزدهر. بينما بالكاد تقترب مؤشرات مديري المشتريات من منطقة التوسع.

انكمش الاقتصاد الألماني 0.4% في نهاية العام الماضي، أكثر مما كان متوقعاً. وتقترب البطالة من أدنى مستوياتها على الإطلاق، لكنها ارتفعت في العديد من البلدان، بما في ذلك إسبانيا وإيطاليا. تقول كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إن النية ليست "كسر الاقتصاد" برفع أسعار الفائدة. لكن الشروخ بدأت تظهر بالفعل. لقد تراجعت عملياً توقعات المستهلكين بشأن تضخم منطقة اليورو في المستقبل بشكل كبير.

إنجاز يصعب تكراره

إن "الانتصار" الذي تم تحقيقه في العام الماضي ضد ارتفاع أسعار الطاقة على أساس استراتيجية تقليل الطلب، وخفض مستويات المعيشة، والاستثمار، لم يكن إلى حد كبير بمثابة انتصار بالنسبة إلى المستهلكين، وكذلك بالنسبة إلى الشركات مثل "باسف" (BASF SE). رغم تجنب الركود، إلا أن ذلك لم يكن بفضل التوقيت المثالي لمحافظي البنوك المركزية، بل لأن الدول بذلت جهوداً كبيرة لزيادة الإنفاق -بمبلغ يقترب من تريليون دولار- لحماية الأسر، وتسهيل التخلي عن الاعتماد الذي تقوده ألمانيا على الغاز الروسي. سيكون تكرار هذا الإنجاز في 2023 صعباً، كما يشير زميلي خافيير بلاس، إذ توضع "قاذفات صواريخ" الإنفاق جانباً، بينما ترتفع تكاليف الاقتراض.

اقرأ أيضاً: أسوأ مرحلة في أزمة الطاقة بأوروبا لم تنتهِ بعد

بطبيعة الحال، لا يزال التضخم الرئيسي عند 8.5% مرتفعاً لدرجة بالغة الصعوبة (على الرغم من تباطؤه مؤخراً)، إذ يعني انخفاض القوة الشرائية، ليس فقط تدفئة أقل، بل أيضاً أن الأوروبيين باتوا يأكلون أقل: انخفض متوسط استهلاك المواد الغذائية 4.6% العام الماضي في فرنسا، وهو أمر لم نشهده منذ أن بدأت السجلات في عام 1960، ويُرجّح أن يثير ذلك احتجاجات تهدد بتعطيل البلاد.

مُغالاة الشركات في رفع الأسعار

يعتقد المتشددون حيال التضخم أنه من دون علاج صارم بواسطة أسعار الفائدة، فإن تأثيرات مساعدات الطاقة المذكورة أعلاه، ستتسرب إلى بقية الاقتصاد، من ارتفاع الأسعار إلى زيادات الأجور. على سبيل المثال، وافقت شركة "إنديتكس" (Inditex) -مالكة العلامة التجارية "زارا" (Zara)- مؤخراً على زيادة أجور العاملين في متاجرها في إسبانيا بمعدل 20%.

لكن مثل هذه الزيادات تحتاج أيضاً إلى وضعها في سياقها. كانت الشركات سريعة بشكل ملحوظ في رفع الأسعار: إذ إن إجمالي هوامش الربح الذي يشير إلى القوة التسعيرية، ارتفع في المتوسط خلال العام الماضي بالنسبة لأكبر الشركات في منطقة اليورو.

في يونيو، أعلنت "إنديتكس" عن هامش إجمالي قدره 60%، تفاخرت به الإدارة بأنه الأعلى منذ عقد. وفي غضون ذلك، لم تواكب رواتب العمال والموظفين التضخم. فوفقاً لورقة بحثية أعدتها إيزابيلا ويبر وإيفان واسنر من "جامعة ماساتشوستس في أمهرست"، فإن "العمالة كافحت للعودة فقط إلى نصيبها في الدخل القومي الذي كان لديها قبل انتشار الوباء".

ضرورة التدخل الحكومي

إذا كانت المشكلة المطروحة تبدو أقرب إلى كونها نابعة من قوة التسعير لدى الشركات، عوضاً عن كونها من زيادة طلب المستهلكين، فستكون هناك حاجة إلى نقاش مختلف وأدوات مختلفة. يقول إغنازيو فيسكو من البنك المركزي الأوروبي، إنه "سيراقب عن كثب" ما إذا كانت الشركات التي رفعت الأسعار في العام الماضي ستمرر الآن إلى المستهلكين هبوط الأسعار الناجم عن تراجع تكاليف الطاقة.

لكن الإشارات لا تبدو إيجابية. فعلى سبيل المثال، قالت شركة "بيبسي كو" في العام الماضي إن "خفض" الأسعار كان مسألة "يصعب" الإجابة عنها، وإن التركيز ظل على العلامات التجارية التي تجذب المستهلكين "المستعدين لدفع المزيد". لذا، قد تكون الأدوات الأكثر شدة لسياسة الحكومة، أفضل من مطرقة الزيادات الحادة لأسعار الفائدة، التي من شأنها سحق الاستثمار والنمو إلى جانب التضخم.

تأخر أوروبا

آخر شيء تحتاج إليه أوروبا الآن، هو انكماش يحرّكه البنك المركزي الأوروبي. ففي الوقت الذي تضخ فيه الولايات المتحدة مبالغ لا متناهية تقارب 400 مليار دولار أميركي في مشروعات مستدامة، وتتهيأ الصين لأن تصبح ثاني أكبر دولة مصدرة في العالم لمركبات الركاب، تحتاج أوروبا إلى الاستثمار للتعويض عن العقد الضائع، والبقاء في مقدمة العقد التالي.

وفقاً لنيكولاس غوتزمان، كبير الاقتصاديين في شركة إدارة الأصول "فينانسير دو لا سيتي" (Financiere de la Cite)، ارتفع الاستثمار الأميركي 35.9% بين الربع الأول من عام 2008 ومنتصف عام 2022، بينما كان الرقم في أوروبا 4.8%. كانت الولايات المتحدة أيضاً أكثر جرأة خلال جائحة "كوفيد-19"، حيث وسّعت نسبة الدين مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي أكثر مما فعلت منطقة اليورو.

ربما سيدرك صانعو السياسة النقدية الأوروبيون أن التكامل المالي الأوثق هو المفتاح لتلبية احتياجات الإنفاق، كما جادل معهد "رويال إنستيتوتو إلكانو" (Elcano Royal Institute). لكن من الممكن أن تكون المواقف الحذرة من قبل محافظي البنوك المركزية أيضاً، جديرة بالتجربة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

فرانكفورت

9 دقائق

3°C
غيوم متناثرة
العظمى / الصغرى /
31.5 كم/س
77%
الآراء الأكثر قراءة