اهتمام "أبوظبي الأول" بشراء "ستاندرد تشارترد" يكشف طموحاته العالمية

المصرف الأكبر في الإمارات درس فكرة شراء البنك العالمي، لكنه تراجع عنها مؤخراً

time reading iconدقائق القراءة - 14
العلم الوطني لدولة الإمارات يرفرف خارج فرع بنك أبوظبي الأول والمبنى الإداري في منطقة الخبيرة بأبوظبي، الإمارات العربية المتحدة  - المصدر: بلومبرغ
العلم الوطني لدولة الإمارات يرفرف خارج فرع بنك أبوظبي الأول والمبنى الإداري في منطقة الخبيرة بأبوظبي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في أبريل الماضي، انسحب بنك أبوظبي الأول من صفقة بمليار دولار للاستحواذ على أكبر بنك استثماري في مصر. بعد أشهر فقط، اتجهت أعين البنك إلى صفقة أكبر بكثير.

قال بنك أبوظبي الأول، الذي أصبح أكبر بنوك الشرق الأوسط من حيث الأصول منذ إنشائه من خلال عملية دمج قبل نحو 6 سنوات، الخميس الماضي، إنه درس عرضاً لشراء بنك "ستاندرد تشارترد"، لكنه صرف النظر عن فكرة شراء المُقرض الذي يتخذ من لندن مقراً له.

كانت تلك الخطوة لتصبح صفقة ناجحة تجعل من أبرز بنوك المنطقة أحد عمالقة قطاع البنوك في الأسواق الناشئة بأصول تبلغ قيمتها أكثر من تريليون دولار – أي ثلث حيازات "إتش إس بي سي" – وكانت ستصبح أكبر صفقة استحواذ من الخارج لبنك خليجي.

طموحات متنامية

يشير استكشاف بنك أبوظبي الأول لإمكانية الاستحواذ على "ستاندرد تشارترد" إلى الطموح المتنامي لدى البنوك في الشرق الأوسط، والدول الثرية الغنية بالنفط التي تدعمها، كما يُظهِر أيضاً طموحات أبوظبي في لعب دور أكبر بالساحة الدولية، وكان سيمثل نقطة تحول في فترة تولي الرئيسة التنفيذية، هناء الرستماني منصبها قبل عامين.

قال محمد على ياسين، المستثمر والمستشار المستقل لأسواق رأس المال الذي يتخذ من أبوظبي مقراً له: "حقيقة أن بنك أبوظبي الأول درس عملية دمج مع بنك دولي بحجم (ستاندرد تشارترد) تشير إلى طموح (أبوظبي) في توسيع نطاق خدماته المالية ليشمل مناطق جغرافية جديدة". كما أضاف أن اهتمام البنك أيضاً "يؤكد على طريقة تفكيره بالسعي للنمو بشكل مطرد بدلاً من النمو التدريجي، لتحقيق قفزة من حيث الحجم بهدف تجاوز المنافسة المحلية والإقليمية".

أغلقت أسهم بنك أبوظبي الأول بتراجع 2.3% أمس الجمعة، لتصبح قيمة البنك السوقية 50.2 مليار دولار، أي نحو ضعفي قيمة "ستاندرد تشارترد".

سيولة كبيرة

رغم أن أي صفقة كانت ستكون معقدة وطموحة، نظراً للاختلاف في حجم ونطاق البنكين، لكن بنك أبوظبي الأول يحصل على دعم بعض أكبر المستثمرين في العالم، الذين وهو ما كان البنك قد يحتاج إليه من أجل إتمام مثل هذه الصفقة.

قال شابير مالك، محلل الأبحاث الذي يغطي أسهم القطاع المالي للإمارات العربية المتحدة والسعودية للمجموعة المالية "هيرميس"، ويتخذ من دبي مقراً له: "لم يكن الاستحواذ ممكناً بالميزانية العمومية الحالية. كانوا سيضطرون للقيام بطرح خاص للمستثمرين الحاليين، وكان المساهمان الرئيسيان، وهما شركة (مبادلة للاستثمار) والأسرة الحاكمة في أبوظبي، سيضطران للمشاركة".

تدير أبوظبي ثروات سيادية يبلغ حجمها أكثر من تريليون دولار، كما أنها تضم صناديق مثل "القابضة" (ADQ)، وجهاز أبوظبي للاستثمار وشركة "مبادلة للاستثمار"، التي تملك ما يقرب من نصف بنك أبوظبي الأول بجانب أسرة آل نهيان الحاكمة، وهي أغنى أسرة في العالم، إذ تبلغ ثروتها 300 مليار دولار.

الإمارات تسعى لتنويع اقتصادها

تستثمر الإمارات، التي تحتوي على 6% من احتياطي النفط المؤكد في العالم، مليارات الدولارات لتنويع اقتصادها بعيداً عن الخام، بفضل السيولة النقدية التي حصلت عليها من فترة ازدهار سوق السلع الأساسية العام الماضي، وبتحفيز من جيرانها الطموحين بالقدر نفسه، مثل قطر والسعودية.

يُعدّ الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، أحد الأعضاء الذي يتمتعون بالنفوذ في الأسرة الحاكمة ورئيس مجلس إدارة بنك أبوظبي الأول، شخصية محورية في هذه الطموحات. في السنوات الأخيرة، أصبح للشيخ طحنون دوراً أبرز في قيادة الأجندة السياسية والاقتصادية بالإمارة، كما أنه يرأس أيضاً "رويال غروب" (Royal Group) والقابضة "ADQ"، التي تشرف على الكثير من الأصول الرئيسية في أبوظبي، مثل موانئها والبورصة المحلية.

النمو الاقتصادي

تأسس بنك أبوظبي الأول، حينما دمجت أبوظبي اثنين من أكبر بنوكها، وهما بنك أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول. كان الهدف الرئيسي من الكيان الجديد هو دفع النمو الاقتصادي في الإمارات العربية المتحدة من خلال الإقراض لكيانات تابعة للدولة والقطاع الخاص المحلي. ركّز بنك الخليج الأول بشكل رئيسي على قطاع التجزئة المصرفية وكروت الائتمان، فيما كان بنك أبوظبي الوطني أكبر في الخدمات المصرفية للشركات، وتوسع البنك على المستوى العالمي بقيادة رئيس تنفيذي أمضى عقدين في "ستاندرد تشارترد".

في السنوات الأخيرة، أسس "أبوظبي الأول" نشاطاً مربحاً في الخدمات المصرفية الاستثمارية، وجمع أصولاً تبلغ قيمتها نحو 312 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، مقارنةً بما جمعه "ستاندرد تشارترد" بقيمة 864 مليار دولار. ويستفيد البنك أيضاً من روابطه الوثيقة مع حكومة أبوظبي، إذ تحتفظ شركات الدولة والقطاع العام بحسابات كبيرة لدى البنك.

"أبوظبي الأول" يسجل أعلى أرباح فصلية في تاريخه بدعم من صفقة "ماغناتي"

يحقق بنك أبوظبي الأول حوالي ثلاثة أرباع عائداته من الإمارات، على الرغم من حضوره في 19 دولة خارج سوقه المحلية، وفقاً للعرض التقديمي للبنك على المستثمرين في نوفمبر الماضي. يجني البنك، الذي يعمل به حوالي 7 آلاف موظف، نحو 43% من إيراداته من خلال الخدمات المصرفية الاستثمارية، وفي العام الماضي عمل على العديد من المعاملات الكبيرة على امتداد منطقة الخليج العربي وسط موجة من الصفقات والطروحات العامة الأولية.

عمليات استحواذ

اشترى بنك أبوظبي الأول الوحدة التابعة لبنك "عودة" في مصر خلال عام 2021، لكنه لم يقم بأي عمليات استحواذ بارزة أخرى. وفي العام الماضي، سحب البنك عرضاً بقيمة مليار دولار لشراء بنك الاستثمار "إي إف جي هيرميس" بعد أن واجه تأخيرات تنظيمية طويلة في مصر.

قال "مالك": "الفكرة الرئيسية هي أن بنك أبوظبي الأول حريص للغاية على التوسع غير العضوي، وأنه مستعد للقيام بذلك على نطاق واسع إذا أُتيحت الفرصة المناسبة. كان من الممكن أن يشكّل ذلك مهمة صعبة بالنسبة إلى إدارة البنك، أولاً جمع التمويل، ثم بعد ذلك إنفاق النطاق المطلوب لمواجهة التحديات التشغيلية".

رئيسة تنفيذية

تولت هناء الرستماني، التي تخرجت من جامعة جورج واشنطن، منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة في يناير 2021، لتصبح واحدة من السيدات الاستثنائيات اللواتي تولّين منصب الرئيس التنفيذي في الصناعة المصرفية، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، ولكن على الصعيد العالمي أيضاً.

منذ ذلك الحين، باشر بنك أبوظبي الأول إصلاحاً إدارياً واسعاً أدى إلى مغادرة العديد من المديرين التنفيذيين، فيما صرّح الرئيس المالي، جيمس بورديت مؤخراً بأنه سوف يتقاعد من منصبه.

كانت "الرستماني" قد صرحت في عرض نتائج الربع الثالث لبنك أبوظبي الأول أكتوبر الماضي، بأن الظروف العالمية الصعبة "تبعث على الحذر" في ظل مخاطر الركود بالعديد من الاقتصادات.

وأضافت: "على الرغم من أننا نواجه هذه الرياح المعاكسة، فإننا واثقون من المرونة التي تتمتع بها هذه المنطقة، وما زلنا نحظى بوضعية جيدة للغاية تخوّل لنا تحقيق عائدات رائدة للمساهمين في السوق مع كوننا محركاً للنمو الاقتصادي والتنوع في المنطقة".

النمو العالمي

على الصعيد الإقليمي، تنافس بنك أبوظبي الأول لفترة طويلة مع بنك قطر الوطني على مكانة أكبر بنك مقرض في الشرق الأوسط. وكشف كلا البنكين عن نواياهما بشأن النمو على الصعيد العالمي، لكن هذا التوسع اقتصر حتى الآن على أسواقهما المحلية ودول المنطقة مثل تركيا ومصر.

كانت البنوك التي تتخذ من منطقة الخليج العربي حالياً مقراً لها بدأت استكشاف أسواق في نطاق أبعد من المنطقة. فقد أصبح البنك الأهلي السعودي أحد أكبر المساهمين في مجموعة "كريدي سويس غروب إيه جي" من خلال استثماره في أواخر العام الماضي.

اعتادت البنوك الأوروبية، مثل "ستاندرد تشارترد"، منذ فترة طويلة على هذا الدعم من قبل المستثمرين الأثرياء في الشرق الأوسط. فمن جانبه، يعتبر "كريدي سويس" كلاً من مجموعة العليان السعودية الضخمة و"جهاز قطر للاستثمار" من بين كبار المستثمرين في البنك. كما تدخلت بعض الصناديق في المنطقة لاستثمار المليارات في مؤسسات الإقراض، بما في ذلك "باركليز" و"كريدي سويس" و"سيتي غروب"، خلال الأزمة المالية التي اندلعت في عام 2008.

أما بالنسبة إلى بنك أبوظبي الأول، فإن بيانه الصادر يوم الخميس يعني أنه ممنوع من تقديم عرض للاستحواذ على بنك "ستاندرد تشارترد" في الأشهر الستة المقبلة، باستثناء حدوث ظروف معينة بما في ذلك إعلان طرف ثالث عن نية مؤكّدة لتقديم عرض استحواذ.

يقول "ياسين" مستشار أسواق المال إنه من المنطقي أن يتمسك المقرض في أبوظبي بصفقة طموحة أخرى.

وأضاف: "ستستفيد السوق أكثر بكثير في المستقبل من مثل هذه الصفقات، إذا تمت، بدلاً من النظر إلى عمليات الاندماج المحلية في الإمارات التي لن تجني فوائد النمو لبنك أبوظبي الأول بالقدر نفسه من المزايا التي تحققها الصفقات العالمية للبنك".

تصنيفات

قصص قد تهمك