بلومبرغ
هناك طرق لكبح التضخم أفضل من تدمير الطلب عبر زيادة أسعار الفائدة، وفق نيلا ريتشاردسون، كبيرة الاقتصاديين في مزودة خدمات إدارة الموارد البشرية، "أوتوماتيك داتا بروسيسينغ" (Automatic Data Processing).
شاركت ريتشاردسون في بودكاست "وات غوز أب" (What Goes Up) لإبداء رأيها عن سوق العمل القوية وأعلى تضخم منذ عقود وعلامات الضعف في سوق الإسكان.
إليكم بعض من أبرز النقاط الواردة في المحادثة التي لُخصت وحُررت قليلاً بغرض الوضوح.
سوق العمل تتمتع بالقوة، فهل تتوقعين أي تباطؤ محتمل؟
التباطؤ أمر لا مفر منه في بيانات الوظائف، فقد رأينا ذلك بالفعل. لا يمكنك توقع أن يولد اقتصاد في وضع طبيعي أو أقرب إلى الطبيعي كما سنشهد من الآن فصاعداً نصف مليون أو 400 ألف وظيفة شهرياً، فهذه ليست طبيعة الاقتصاد الأميركي أو أي اقتصاد أعرفه، بل إن الأرقام الأقرب إلى الطبيعي ستكون منطقية أكثر.
أعتقد أن ما تراه ليس بالضرورة تباطؤاً، بل عودة مكاسب سوق العمل لطبيعتها بعد الوباء. لذلك، ما زلنا نشهد بعض النمو القوي للوظائف، كما أن ما نسمعه من عملاء "أوتوماتيك داتا بروسيسينغ" هو أنهم ما زالوا يحاولون إيجاد عمال مؤهلين، فهذا هو الشاغل الأكبر لكثير من عملائنا من الشركات، خاصة الشركات الصغيرة التي واجهت منافسة الشركات الكبرى التي كانت شديدة الشراسة في التوظيف خلال العام الماضي، ويتراجع التوظيف في هذه الشركات الكبرى، ما يتيح المجال أمام الشركات الصغيرة للتوظيف، بالتالي نعتقد أننا سنشهد بعض المكاسب الثابتة مستقبلاً، لكنها ستكون أبطأ مما رأيناه خلال الأشهر الستة الماضية.
هل تعتقدين أن الطريقة الوحيدة لكبح التضخم تتمثل جزئياً في إضعاف سوق العمل قليلاً؟
لا أعتقد أن هذه هي أفضل طريقة على الإطلاق، بل إنها طريقة سيئة للغاية لكبح التضخم عبر تدمير الطلب، وأعتقد أنها أسوأ طريقة.
لكن أفضل طريقة تتعلق بالإنتاجية، فهي التي تقضي على التضخم. عندما يعمل المزيد من العمال على زيادة الإنتاجية مقابل نفس القدر من التكلفة، فهذا هو المقصود بالإنتاجية. هذا ما يخرجك من دوامة التضخم والأجور والأسعار، لكن الأمر يتطلب بعض العضلات الأخرى التي لم يستخدمها الاقتصاد استخداماً كافياً، فهو يتطلب استثماراً تجارياً واستثماراً حكومياً في الوظائف والعمال، ويتطلب مزيداً من الشراكات مع الكليات المجتمعية لبناء قوة عاملة مرنة وماهرة في المجالات التي يحتاجها الاقتصاد. هناك أدوات أفضل، لكننا لم نستخدمها في بيئة الاقتصاد الحالية حتى الآن.
هل يجب أن يكون لأرقام التضخم الرئيسي تأثير أكبر على بنك الاحتياطي الفيدرالي؟
أرقام التضخم الرئيسي يجب أن يكون لها تأثير أكبر على الاحتياطي الفيدرالي لأنها تغذّي توقعات المستهلك، ونحن ندرك أن المحرك طويل المدى للتضخم هو معتقدات الناس بشأن ما سيحدث للتضخم، لذلك إذا كنت تعتقد أن الأسعار ترتفع، فإنك ستتصرف بطريقة تؤدي في الواقع إلى ارتفاع الأسعار، مثل التوجه إلى سلسلة "تريدر جوز" (Trader Joe’s) وتخزين بعض القهوة في عربة التسوق لأنك تعتقد أنها ستكون أعلى سعراً الشهر المقبل.
لذلك، بينما لا ينظر الاحتياطي الفيدرالي إلى القهوة أو الطعام أو الغاز على وجه التحديد عندما يركز حقاً على سياسة أسعار الفائدة، فإنه يدرك جيداً، كما ندرك نحن أيضاً جميعاً، أن المستهلكين ينظرون إلى هذه السلع ويحكمون على الوضع من خلالها. وإذا كان ذلك يغذي توقعات التضخم طويلة الأجل، فإننا لدينا مشكلة تتخطى إطار تنفيذ الاحتياطي الفيدرالي لسياسته.
هل المعادلة التي يحاول الاحتياطي الفيدرالي حلها الآن هي أن التضخم يكاد يكون الخطر المزعزع لاستقرار المجتمع والاقتصاد أكثر من الركود، أي أن الركود أخف الضررين بالنسبة للفيدرالي الذي يحاول رسم مساره؟
دائماً ما يُصنف الضرر على أنه تضخم أو ركود، لكنني متشائمة بما يكفي لأعتقد أنه يمكنك المعاناة من كليهما. بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، ومن وجهة نظري أيضاً، التضخم هو المهمة الأهم بالنسبة للاقتصاد، فبدون السيطرة على التضخم، لا يستفيد العمال من الاقتصاد المتنامي، فهو يلتهم أجورهم بأكملها.
ولتحقيق مستوى إنتاجية يؤدي إلى نمو، يجب أن تكون قادراً على التحكم في معدلات التضخم، ولا يعمل الاقتصاد دون استقرار الأسعار، لذلك أعتقد أن قائمة أولويات الاحتياطي الفيدرالي مرتبة بالترتيب الصحيح، فالأمر يجب أن يتعلق بالتضخم حتى يصبح تحت السيطرة.
ما مدى واقعية هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% بشأن التضخم؟
ربما يرغبون في تعديل تلك الأهداف المعلنة، خاصة أن بعض تلك القوى الانكماشية التي اعتمدنا عليها خلال العشرة أعوام الماضية السابقة للوباء لم تعد فعالة الآن، وتتمزق إلى حد كبير فكرة العولمة بأكملها وما تشمله من خفض الأسعار وامتلاك مخزون في الوقت المناسب بما يبقي على انخفاض الأسعار والتكاليف.
لا شك أن الطريقة التي نحصل بها على أشياء مثل أشباه الموصلات حول العالم تغير مشهد التضخم. بالتالي، من وجهة نظري، فإن الحلقة الحالية من التضخم هي مجرد جزء من عالم مستقبلي يكون فيه التضخم أكثر تواتراً واستمراراً. وهذا يعني أن الاحتياطي الفيدرالي لا يخوض معركة واحدة ونهائية مع التضخم، بل ستكون حرباً مستمرة، بالتالي فإن ما يفعلونه الآن سيحدد الطريق في المستقبل على ما أعتقد.