الشرق
تواجه البنوك المغربية تحدّياً مزدوجاً يتمثل بموجة تضخم غير مسبوقة في البلاد ستؤثر على مستوى الاقتراض ونسبة الديون المتعثرة، إضافةً إلى رفع سعر الفائدة مؤخراً من قِبل بنك المغرب المركزي إلى 2%.
في النصف الأول من العام، سجلت أرباح ستة بنوك مغربية مدرجة في بورصة الدار البيضاء أرباحاً إجمالية بلغت 6.8 مليارات درهم (حوالي 620 مليون دولار) بارتفاع 10.7% على أساس سنوي.
ترى وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، في تقرير صادر مطلع الأسبوع، أن رفع المغرب لسعر الفائدة "سيزيد من صافي دخل فوائد البنوك، لكن الربحية الإجمالية ستنخفض في ظلّ ارتفاع التضخم".
قرر بنك المغرب المركزي، بنهاية سبتمبر، رفع سعر الفائدة الرئيسي بواقع 50 نقطة أساس إلى 2%، وهو أول رفع للفائدة منذ 14 عاماً، بهدف مواجهة معدل التضخم الذي وصل نهاية أغسطس إلى 8%.
تعثر المقترضين
ناهز متوسط معدل الفائدة على القروض المصرفية بشكلٍ عام 4.29% في الربع الثاني من العام الحالي. ويلفت المحلل المالي زكرياء كارتي لـ"الشرق" إلى أن "التساؤل يدور بالوقت الراهن حول ما إذا كانت البنوك ستلجأ إلى رفع معدلات الفائدة على القروض، وهو ما يمكن أن يتسبب في زيادة نسبة الديون المتعثرة، سواء بالنسبة للشركات أو الأفراد".
بحسب بنك المغرب، تمثل نسبة الديون المتعثرة 8.4% من إجمالي 1011 مليار درهم كقروض جارية، كما في نهاية يوليو، تشمل تلك الموجهة للقطاعين العام والخاص والأسر. وتسود نسبة القروض المتعثرة بالأساس لدى الأسر والشركات الخاصة.
يؤكد كارتي أن ارتفاع نسبة الديون المتعثرة، نتيجة وضعية التضخم وارتفاع تكلفة الاقتراض؛ "سيؤثر لا محالة على أداء البنوك المغربية في النصف الثاني من العام بعدما سجلت أداءً جيداً في النصف الأول".
أشار محللو "موديز"، في تقريرهم حول القطاع البنكي المغربي، إلى أن الربحية الإجمالية للبنوك "ستنخفض بشكل طفيف في غضون 12 إلى 18 شهراً المقبلة، نتيجة ارتفاع تكاليف التشغيل، وتأثير الضغوط التضخمية على قدرة المقترضين، ما قد يؤدي إلى ارتفاع حالات التعثر في السداد".
تمثل قروض الأسر 31% من إجمالي القروض عام 2021، والشركات الصغيرة حوالي 25%، وهي التي ستكون أكثر عرضةً لارتفاع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي مقارنةً بالشركات الكبيرة، وفقاً لوكالة "موديز".
سلبي وإيجابي
سيكون لرفع الفائدة الأخير من قِبل "المركزي" تأثيران متفاوتان على البنوك المغربية؛ "الأول إيجابي يتمثل بارتفاع هامش الربح لدى البنوك، والثاني سلبي يتجلّى بانخفاض الإقبال على القروض بسبب ارتفاع معدلات الفائدة"، وفقاً للمحلل الرئيسي بالشركة المتخصصة في البورصة "إم.إس.إن" (M.S.IN) نوفل أوراغ لـ"الشرق".
بينما يَعتبر كارتي أن رفع الفائدة الرئيسي "سيؤثر أكثر على المواطنين، لأن البنوك ستحافظ على هامش الربحية، بينما سيخضع المقترضون لفوائد أكبر".
يُعدُّ القطاع البنكي في المغرب من القطاعات التي لا تتأثر كثيراً بالأزمات. ويُنوّه أوراغ بأن "إطلاق الحكومة لبرامج قروض مضمونة قد يُسهم في تحقيق دينامية رغم رفع سعر الفائدة الرئيسي. لكنه أشار، في المقابل، إلى أن الشركات التي كانت تخطط لاستثمارات قد تؤجل ذلك إلى حين بسبب ارتفاع التكلفة، وهو أمر ينطبق أيضاً على الأسر فيما يخص اللجوء إلى القروض العقارية لشراء المساكن بشكلٍ أساسي".
سيناريوهات نهاية العام
الهدف وراء رفع سعر الفائدة الرئيسي هو كبح جماح التضخم الذي قفز إلى أعلى مستوى منذ التسعينيات. وهو هدف يوضح المحلل الاقتصادي يوسف الكراوي أن "تحقيقه سيكون نسبياً من خلال خفض الاقتراض".
كان بنك المغرب استبعد في يونيو رفع سعر الفائدة الرئيسي بدعوى أن التضخم المسجل في البلاد مستورد، لكن غيّر رأيه خلال سبتمبر وسار على نهج البنوك المركزية العالمية برفع سعر الفائدة الرئيسي.
الكراوي قال لـ"الشرق" إن قرار بنك المغرب "سيؤثر سلباً على معدلات فائدة قروض الاستهلاك واقتناء العقارات والسيارات، وهو ما سينتج عنه تراجع في الطلب وبالتالي انخفاض معاملات البنوك". مضيفاً: "رفع سعر الفائدة الرئيسي سينعكس على أداء القروض البنكية من خلال تراجع الإقبال، وهذا هو هدف البنك المركزي من أجل التحكم نسبياً في التضخم".
عن آفاق نهاية العام بالنسبة للقطاع المصرفي في البلاد، توقّع الكراوي أن تشهد البنوك "تراجعاً طفيفاً في معاملاتها، وبالتالي انخفاض أرباحها السنوية، إلاّ في حال اعتماد الحكومة لإجراءات تحفيزية قد تدفع لرفع الطلب على التمويلات البنكية".