بقدر ما كان متوقعاً، رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة في سياسته النقدية بمقدار نصف نقطة مئوية وأعلن عن جدول زمني متسارع لتخفيض حيازاته من الأصول المالية. تُعدّ وتيرة التشديد هذه أسرع مما كان البنك المركزي يخطط له بعد اجتماعه السابق في مارس. وبالنظر إلى كون معدل التضخم عند 5.2% وفقاً للمقياس المفضل للاحتياطي الفيدرالي، وإلى ضعف الإشارات بأنه على وشك التراجع، فإن هذا التعديل منطقي. إلا أنه يترك بعض الأسئلة دون إجابة.
اقرأ أيضاً: بعد استبعاده رفع الفائدة بـ0.75%.. مخاوف التضخم المتفاقم تطارد الفيدرالي الأمريكي
ما من شكٍّ في أن مهمة الاحتياطي الفيدرالي في ظل الظروف الحالية صعبة للغاية. فبعد أن أدت الجائحة إلى تراجع الإنتاج في عام 2020، تعافى الاقتصاد بقوة مفرطة، كما اتضح فيما بعد، بفضل الحوافز المالية القوية التي أقرّها الكونغرس. كذلك كانت تأثيرات كوفيد ما تزال تُعقّد السياسة الاقتصادية عندما غزت روسيا أوكرانيا، ما دفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى فرض عقوبات قاسية أدّت إلى تعطيل أسواق الطاقة والسلع مرة أخرى. والآن، أدى النجاح الأولي الذي حقّقته الصين في احتواء الفيروس إلى عمليات إغلاق جديدة واسعة النطاق، ما زاد من الضغط على سلاسل التوريد العالمية.
في مواجهة مثل هذا الاضطراب، لا يمكن للسياسة النقدية أن تفعل الكثير. كما إن إبقاء الاقتصاد على مسار ثابت للنمو غير التضخمي أمر شبه مستحيل. وأقصى ما يمكن أن يفعله الاحتياطي الفيدرالي هو تجنب تفاقم المشكلة بفعل أخطاء عدم فرض سياسة نقدية.
مخاطر الركود
من المؤكد أن بعض النقاد يتهمونه بفعل ذلك بالضبط، من خلال إبقائه أسعار الفائدة قريبة من الصفر لفترة طويلة جداً. وقد أقرّ الاحتياطي الفيدرالي بأنه كان يجب أن يبدأ في التشديد النقدي في وقت أقرب، حيث بدأ عدد قليل من الاقتصاديين مثل وزير الخزانة السابق لاري سمرز في الحثّ على هذا خلال العام الماضي. ومع ذلك، لم يتضح إلا مؤخراً أن الارتفاع في التضخم أكثر ثباتاً مما اعتقده معظم المحللين في البداية. وما يزال خطر دفع الاقتصاد إلى الركود من خلال التشديد المفاجئ للغاية قائماً. ولذا تحتاج السياسة إلى تحقيق التوازن، وهي تبدو صحيحة في الوقت الحالي.
اقرأ أيضاً: هل يتسبب صعود الأسعار في حدوث ركود؟ إليك طريقة الاستعداد
مع ذلك، يمكن للاحتياطي الفيدرالي تحسين رسائله بطريقتين رئيسيتين. أولاً، يجب أن يستمر في التأكيد على أنه سيُعدل السياسة حسب ما تتطلبه الظروف. وهذا الأمر يستحق التكرار لأن منهج ما قبل كوفيد أكد (لسبب وجيه) على الالتزام بالحفاظ على أسعار الفائدة قريبة من الصفر حتى بعد عودة التضخم إلى هدفه البالغ 2%. لكن ما نجح في ذلك الوقت لم يعد ينجح، ويجب عدم ترك أي شكٍّ للمستثمرين في أنه قد تم التخلي عن هذا النهج السابق.
بشكل وثيق، يتعيّن على الاحتياطي الفيدرالي توضيح موقفه بشأن معدل الفائدة "الطبيعي" أو "المحايد"، والذي سرعان ما أصبح الهوس الجديد للمستثمرين. حيث قدّر الاقتصاديون أن هذا المعدل المتغير باستمرار يقارب نصف نقطة مئوية بالقيمة الحقيقية، مما يعني 2.5% بمجرد عودة التضخم إلى الهدف. لكن لا يمكنهم التأكد من ذلك، ناهيكم عما يجب أن يعنيه مصطلح "محايد" في ظل تذبذب الأسعار. وعندما سُئِل عن ذلك يوم الأربعاء، وافق رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بشكل ملائم على أن الفكرة غالباً ما تؤدي إلى "دقة زائفة". ومع ذلك، قال أيضاً (أكثر من مرة) إن الاحتياطي الفيدرالي كان يعمل بالفعل على إعادة أسعار الفائدة إلى الحياد.
وهذا يدعو إلى الارتباك من خلال الإيحاء للمستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي يضع في اعتباره نقطة نهاية عشوائية لأسعار الفائدة. والأمر ليس كذلك، أو لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يكون كذلك. بل يجب تعديل الأسعار لإبقاء الطلب على المسار الصحيح، حيث إن تغيير الظروف سيحدد ما يتطلّبه ذلك.
كما سيحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى أن يكون محظوظاً وماهراً لإعادة التضخم إلى الهدف دون التسبّب في ركود. إلا أن وظيفته ستكون أسهل قليلاً في حال وجه انتباه المستثمرين بعيداً عن الأهداف الخيالية ونحو ما يحدث للاقتصاد بالفعل.