بقلم: محمد العريان
مع استقرار عدد كبير من المحللين، دون أن نذكر حسابات السوق، على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيرفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس هذا الأسبوع، فمن المفهوم افتراض أن ما سيعلنه البنك المركزي في نهاية اجتماع السياسة النقدية الأربعاء بات "محسوماً". لكن هذا الموقف يبعد عن الحقيقة إلى أبعد مدى.
يظل أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي أمور تبعية عديدة ينبغي أن يحرز تقدماً بشأنها، إذا أراد أن ينتقل من وضعية أنه جزء من مشكلة المعاناة الاقتصادية والمالية إلى وضعية أن يصير جزءاً من الحل. وما يلي أهم أربع قضايا في نظري:
استرداد سردية السياسة النقدية عبر دليل مستقبلي يتميز بالمصداقية حول أسعار الفائدة
سارعت الأسواق ووضعت في اعتبارها مساراً تاريخياً من ارتفاع أسعار الفائدة على مدى العام الحالي، على خلفية افتقاد دليل استرشادي ذي مصداقية من الاحتياطي الفيدرالي، وما شهدته من أرقام للتضخم تميل إلى إثارة الدهشة في كل مرة بسبب ارتفاعها.
وبقدر ما يتحول مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى سردية تزيد فيها نزعة التشدد بهدف ملاحقة حسابات الأسواق، تميل الأسواق إلى أن تضع في حسبانها، ليس فقط زيادة عدد مرات رفع أسعار الفائدة وإنما أيضاً ارتفاع مقدار الزيادة مستقبلاً. ومع بداية هذا الأسبوع، تضمنت حسابات الأسواق زيادة الفائدة ثلاث مرات متتالية بمقدار 50 نقطة أساس في كل مرة.
إن الاحتياطي الفيدرالي في أمسّ الحاجة إلى استعادة السيطرة على سردية السياسة النقدية إذا كان سيمتلك أي فرصة في الهبوط بنشاط الاقتصاد بشكل سلس. ومرة تلو الأخرى، فشل في التأثير في الأسواق من خلال مسارات للسياسة النقدية واضحة وتحظى بالمصداقية.
وما دام الاحتياطي الفيدرالي مستمراً في ملاحقته العبثية للأسواق، فإن احتمالية ارتكابه خطأ خطيراً آخر في السياسة النقدية تزيد مع اضطراره إلى أن يسلك واحداً من بديلين أساسيين: إما إقرار وتحقيق توقعات السوق والمخاطرة بوقوع ركود اقتصادي باهظ التكلفة، وإما أن يخيب آمالها ويخاطر بمزيد من انفلات التوقعات التضخمية.
وضع مسار للتقشف الكمي
ستبحث الأسواق عن إشارات إلى توقيت وحجم تخفيض الاحتياطي الفيدرالي لميزانيته العمومية (قائمة المركز المالي). وفي غياب أي إشارات سيتزايد القلق من إمكانية أن يؤدي التقشف الكمي نفسه إلى زعزعة استقرار السوق وإضعاف نشاط الاقتصاد.
هذه الصورة أصعب مما تبدو عليه، فبعد أن تضخمت الميزانية إلى 9 تريليونات دولار أمريكي، لا يوجد لدينا دليل إرشادي تاريخي على كيفية إدارة عملية تخفيض هذه الميزانية بصورة تدريجية ومنظمة.
يواجه الاحتياطي الفيدرالي تحديات مركّبة، وهو الذي تأخر كثيراً في الاعتراف بمشكلات التضخم وفي اتخاذ الإجراءات السياسية الضرورية لمواجهتها، وعليه الآن أن يقلص حجم ميزانيته العمومية وأن يرفع أسعار الفائدة في نفس الوقت. في واقع الأمر، وفي ضوء أن مرور الوقت ليس في صالحه، سيحتاج البنك إلى كثير من المهارة والحظ حتى يتجنب تحول مشكلة التهاون في توصيف الأزمة إلى مشكلة المبالغة في توصيفها.
التحول من وضع سياسة رد الفعل إلى وضع سياسة الفعل الاستباقي
لقد تأخر كثيراً ظهور ما يطلق عليه اعتماد الاحتياطي الفيدرالي على المعلومات حتى يتحول من إطار السياسة النقدية التي تعتمد اعتماداً كثيفاً على رد الفعل إلى إطار استباقي أكثر ويتطلع إلى الأمام. يتطلب ذلك ما هو أكثر من مجرد الكلام في ما يتعلق بوضعه القائم على سياسة رد الفعل. فإما أن يطور الاحتياطي الفيدرالي "إطار سياسته النقدية الجديد"، وإما أن يعود إلى ما كان متبعاً قبل أغسطس 2021.
مرة أخرى هنا تصبح الأقوال أسهل من الأفعال.
إنّ تطوير إطار السياسة النقدية الذي صُمم لعالم يتسم بضعف الطلب الكلي ولكنه يطبق في عالم يتسم بضعف العرض الكلي يستغرق وقتاً. ورغم أن بديل العودة إلى الإطار السابق يحتاج إلى وقت أقل، فإنه ينطوي على مصدر آخر من مصادر الارتباك بالنسبة إلى احتياطي فيدرالي يعاني تدهوراً في المصداقية.
الإقرار بأخطاء الماضي القريب
على خلاف البنك المركزي الأوروبي، الذي أصدر نشرة في الأسبوع الماضي، لم يصدر الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن تقييماً حول أسباب الفشل الذريع لوسائله في توقع حركة التضخم في عام 2021، وفي ما انقضى من عام 2022 حتى الآن.
من دون هذا التقييم، بالإضافة إلى توضيح كيفية تحسين عمل هذه الأدوات، سيظل تدهور مصداقية الاحتياطي الفيدرالي بشأن التضخم عقبة أمام فاعلية سياسته في احتواء التوقعات التضخمية غير المستقرة والآخذة في الانفلات. ورغم أن مجموعة المؤشرات المسحية ومؤشرات السوق الضمنية حول مستقبل التضخم تختلف في ما بينها، فإنها تتفق على أمر واحد وهو أن معدل التضخم يرجح أن يستمر أعلى من مستوى 2% الذي يستهدفه الاحتياطي الفيدرالي لسنوات عديدة.
لا يوجد ما هو سهل بين هذه التحديات، غير أن تركها دون مواجهة لن يترتب عليه سوى جعل مستقبل النمو الاقتصادي الاحتوائي والاستقرار المالي الحقيقي أكثر صعوبة ومراوغة.