المودعون في البنوك اللبنانية يخوضون معارك قضائية من أجل مدخراتهم

time reading iconدقائق القراءة - 18
في ظل الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان، فرضت البنوك قيوداً على سحب الودائع - المصدر: بلومبرغ
في ظل الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان، فرضت البنوك قيوداً على سحب الودائع - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

رويترز

عندما أبلغ بنك لبناني عارف ياسين أنَّه أغلق حسابات بقيمة 20 مليون دولار تخص النقابة المهنية التي يرأسها، وأصدر بدلاً من ذلك شيكاً بخُمس القيمة الاسمية للحسابات؛ رفع نقيب المهندسين الأمر إلى المحكمة.

فهذه الأموال، التي تم توفيرها من اشتراكات المهندسين، وأُودعت في "فرنسبنك" مخصصة للرعاية الصحية والمعاشات التي تغطيها النقابة لحوالي 100 ألف شخص يواجهون الآن خطر فقدان شريان الحياة في بلد يعصف به انهيار اقتصادي منذ ثلاث سنوات.

وقال ياسين: "هذه أموال تكوّنت من اشتراكات المهندسين والانتسابات والرسوم النسبية التي تأتي من أعمال المهندسين عبر سنوات طويلة. وهذه حقوق للمهندسات والمهندسين. وبما أنَّ الأعمال تراجعت عموماً، بالتالي؛ أصبحت استعادة مدخرات وأموال نقابة المهندسين من البنوك دون مبالغة مسألة حياة أو موت للمهندسين عموماً".

وقال "فرنسبنك"، إنَّ قواعد السرية المصرفية تقتضي ألا يسمح البنك بالكشف عن معلومات حول العميل.

انهيار مالي

وفشلت النخبة الحاكمة في لبنان حتى الآن في وضع خطة للتعافي لمعالجة الانهيار المالي الذي تعاني منه البلاد منذ أواخر 2019، وتتفاقم الأزمة الآن في المحاكم بين المودعين والبنوك.

وانطلاقاً من الشعور بالخوف على مدخرات حياتهم؛ يقاضي مزيد من أصحاب الحسابات البنوك على أمل الحصول على أموالهم. ويقول محامو المودعين، إنَّ المزيد من البنوك تقوم، رداً على ذلك، بإغلاق الحسابات وإصدار شيكات دون استشارة العملاء.

ولم يتفق الساسة الحاكمون بعد على طريقة للتصدي للخسائر المالية الفادحة التي تكبّدها النظام المالي عندما انهار الاقتصاد تحت وطأة الديون المتراكمة على مدى عقود من الفساد، والمحسوبية، وسوء الإدارة.

ولم يقروا أيضاً قانوناً لمراقبة رأس المال للتصدي لما يصفه البنك الدولي بأنَّه أحد أسوأ موجات الانهيار المالي في العالم على الإطلاق. ومن شأن مثل هذا القانون أن يضمن معاملة عادلة للمودعين.

وما تزال أكثر من 100 مليار دولار محتجزة في البنوك اللبنانية، وتتزايد المعارك القضائية للوصول إلى أي أموال ما زالت باقية في النظام المصرفي.

وفي واحدة من أبرز القضايا، حكمت محكمة في لندن لصالح مدخر يسعى للحصول على 4 ملايين دولار مودعة لدى بنك "عودة"، وبنك "سوسيتيه جنرال" في لبنان.

لا يريدون الدفع

تقول البنوك، التي تطالب بقانون لمراقبة رأس المال، إنَّ الحكم الصادر في لندن يترتب عليه ضعف السيولة الباقية للمودعين الأقل حظاً الذين لا يستطيعون القيام بمثل هذا الإجراء.

قال فؤاد دبس، الشريك المؤسس لاتحاد المودعين، الذي يضم محامين ونشطاء، إنَّ صغار المودعين هم الأشد تضرراً.

ورفع الاتحاد حوالي 300 دعوى بالنيابة عن مدخرين في لبنان والخارج منذ 2019. وتشمل الدعاوى قضايا طلب تحويل أموال وإعادة فتح حسابات مغلقة. لكنَّه قال إنَّه لم يتم البت لصالح المودعين سوى في 12 قضية فقط.

وقال دبس: "إنَّهم يغلقون ببساطة حسابات الناس لأنَّهم لا يريدون رد أموالهم.. وهم يفعلون ذلك بصورة أكثر تكراراً لأنَّهم لا يرون أنَّ هناك هيئة تنظيمية تقف ضدهم".

وتبدي الحكومة قلقاً متزايداً بشأن الأحكام المؤيدة للمودعين وأوامر محاكم أخرى بتجميد أصول بعض من أكبر البنوك اللبنانية، في حين يحقق قاض في معاملاتها مع البنك المركزي.

وقد أكد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي أنَّه يجب ألا نشعر بالارتياح بسبب حالات الحجز التي تقع على المصارف، أو أي حركات أخرى أيضاً؛ لأن مايحدث من حركات هو من صنع كبار المودعين، وبالتالي؛ إن وضعوا أيديهم على الأموال، فلن يبقى أي شيء للصغار.

ويتهم الكثير من المودعين النخبة الحاكمة في لبنان بأنَّهم يبذلون جهوداً لحماية الأثرياء والبنوك التي يرتبط بعضها بسياسيين كبار بصفتهم مساهمين فيها أكبر من الجهود التي يبذلونها لحماية أصحاب الحسابات الصغيرة.

قالت دانا تروميتر، وهي مخرجة أفلام تبلغ من العمر 48 عاماً وتعيش في بريطانيا، إنَّ "النخبة تقوم على الدوام بتحويل الأموال إلى الخارج"، مضيفة أنَّ "الأشخاص العاديين" لا يحظون بالمعاملة نفسها.

ليس عدلاً

بالرغم من أنَّ معظم المدخرين يعجزون عن الوصول إلى أموالهم؛ إلا أنَّ عدم وجود قانون لمراقبة رأس المال يعني عدم وجود سبب قانوني لوقف التحويلات. وقال مصدر مطّلع، إنَّ بعض البنوك حوَّلت أموالاً لسياسيين وحلفائهم.

ولم ترد جمعية مصارف لبنان على الفور على طلب للتعليق. وتقول البنوك، إنَّها تسعى إلى معاملة جميع المودعين بإنصاف، وتقصر معظم التحويلات على الاحتياجات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية.

ورفعت دانا دعوى قضائية قبل عامين في لبنان للوصول إلى مدخرات تقاعد والدتها المحجوزة في البنك، لكن دون جدوى.

قالت: "هذا ليس عدلاً"، وأضافت أنَّ والدتها "لا تستطيع حتى الحصول على أقل القليل من البنك لمساعدتها في كل يوم.. تشتري الضروريات اليومية فقط".

وقال المحامي علي زبيب، إنَّ المعدل المتسارع لإغلاق الحسابات في البنوك ربما يكون سببه الحكم الذي صدر في لندن لصالح رجل الأعمال البريطاني فاتشي مانوكيان، الذي كان يقدّم المشورة له.

أضاف زبيب: "ربما تهدف البنوك بالتالي إلى منع تكرار الموقف نفسه من خلال إغلاق الحسابات بشكل استباقي".

وقال دبس، إنَّ أكثر من 50 مودعاً بريطانياً على اتصال منذ صدور الحكم لأنَّ حساباتهم أُغلقت من جانب واحد، أو لأنَّهم يخشون من إغلاقها.

وأضاف أنَّ معظمهم لديهم حسابات في بنكي "بلوم" و"عودة".

وقال المستشار القانوني لبنك "بلوم"، إنَّ البنك أغلق بعضاً من حسابات اللبنانيين والأجانب خلال الأزمة، وإنَّ العقد الذي يوقِّعه العملاء يمنح البنك الحق في إغلاق الحسابات من جانب واحد دون إشعار مسبق.

وقال البنك، إنَّ بعض الحسابات المغلقة كانت لمواطنين أو مقيمين بريطانيين، وإنَّ بعض الحسابات أُغلقت منذ حكم لندن.

وقال بنك "عودة" الذي لم يعلّق على هذا التقرير بعد حكم لندن، إنَّه يطلب من المقيمين في المملكة المتحدة تطبيق الشروط السارية على كل من يفتح حساباً جديداً، بمعنى أنَّه لن تكون هناك تحويلات دولية أو أي سحب نقدي. وقال البنك، إنَّه سيغلق الحساب في حالة عدم قبول ذلك.

قال كريم ضاهر، رئيس لجنة حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، إنَّه يتلقّى مكالمات منتظمة من مودعين يشعرون بالانزعاج، ويجدون صعوبة في الوصول إلى جزء فقط من أموالهم.

وأضاف: "هؤلاء الناس يخصصون أموالاً للتقاعد، ولإرسال أطفالهم إلى المدارس والجامعات.. هذا وضع كارثي".

تصنيفات

قصص قد تهمك