ماذا يعني الدولار الرقمي بالنسبة لمستقبل محفظتك؟

time reading iconدقائق القراءة - 15
الدولار الرقمي - المصدر: بلومبرغ
الدولار الرقمي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

من المحتمل أن تكون عملة الاحتياطيات النقدية العالمية على وشك أن تتحول إلى عملة رقمية، وتغير معها الطريقة التي يتحرك بها الأمريكيون ويستخدمون أموالهم.

يوم الأربعاء، وجّه البيت الأبيض الوكالات الفيدرالية من وزارة الخزانة إلى وزارة التجارة للبحث في عدد من الموضوعات المتعلقة بالعملات المُشفرة، بما في ذلك إيجابيات وسلبيات إصدار الدولار الرقمي. حيث إنه بالنسبة للمستهلكين، تعني هذه الخطوة معاملات منخفضة التكلفة، وقدرة أكبر في الوصول إلى النظام المالي، لكنها من جهة أخرى، تهدد خصوصيتهم، وتضر بالبنوك الأمريكية التي تعتمد على الودائع.

وكل ذلك سيحصل فقط، في حال تمكنت الحكومة من تنفيذ المهمة، والتي ستكون على الأرجح معقدة ومثيرة للجدل.

ضمن الأمر التنفيذي الذي أصدرته الإدارة لتكليف الوكالات الفيدرالية سالفة الذكر، قالت، إن الدولار الرقمي سيتمتع بقدرة على دعم المعاملات الفعّالة ومنخفضة التكلفة، لا سيما المدفوعات العابرة للحدود، مضيفةً أنه سيعزز من فرص الوصول إلى النظام المالي. ويقول مؤيدو هذه الخطوة، إن النسخة الرقمية من الدولار ستوفر بعض مزايا العملات المشفرة، وعلى رأسها إتاحة نظام دفع أكثر أماناً وأسرع وأكثر مرونة.

الخط الزمني

على الرغم من التوجيهات الجديدة الصادرة عن البيت الأبيض، إلا أنه لن يتم إقرار عملة البنك المركزي الأمريكي الرقمية في أي وقت قريب، حيث من المتوقع أن تكون هذه العملية طويلة ومصحوبة بالكثير من التساؤلات حول مدى قدرة معاملات الدولار الرقمي على توفير ذات الكفاءة والسهولة اللتين يتمتع بهما النظام المالي الحالي. لكن الأهم من ذلك، أنّ هذه الخطوة من المحتمل أن تمنح الحكومة إمكانية الوصول إلى البيانات المالية للمستخدمين، وهو ما يصفه منتقدوها بأنه انتهاك للخصوصية.

يقول إدوارد مويا، كبير محللي السوق في وسيط تداول العملات الأجنبية والخدمات المالية "أواندا" (Oanda): "ما نراه الآن يشير بأن الحكومة أدركت بأن العملات الرقمية ليست موجة صاعدة وستنتهي. بل أنها تشكل سوقاً يتمتع بإمكانيات النمو، ويمكنه أن يكون مصدر الموجة التالية من الابتكارات الضخمة". وأضاف: "مع ذلك فإن الواقع القاسي يقول بأن ذلك، على الأرجح سينطوي، على عمليات متتالية من المراحل التجريبية".

نظام مالي جديد

وفي الوقت الحالي، تمثل المدفوعات الرقمية جزءاً كبيراً بالفعل من الطريقة التي ينجز بها المستهلكون في الولايات المتحدة معاملاتهم المالية بصورة يومية، وذلك عبر وسائط تتراوح بين تطبيقات الهاتف المحمول مثل "فينمو" و"آبل باي" إلى بطاقات الخصم والتحويلات المصرفية وخدمات الدفع الأخرى. وظاهرياً، لن يختلف الدولار الرقمي كثيراً عن الاحتفاظ بالأموال في حساب بنكي إلكتروني. لكن في الخلفية، ستتغير الآلية التي يتم من خلالها تحويل الأموال عبر النظام المالي الأمريكي.

تعد عملية إصدار العملات الرقمية المدعومة من البنوك المركزية التي تسمى اختصاراً (CBDCs)، مسؤولية تترتب على البنك المركزي الوطني بشكل مباشر، وليس على المؤسسات التجارية. الأمر الذي سيقلل من اعتماد المستهلكين على وسطاء الطرف الثالث، حيث سيعملون بشكل أساسي مع الحكومة لإتمام معاملات معينة بصورة مباشرة. ويقول الخبراء، إن ذلك سيمكن الطرفين من إتمام تسويات شبه فورية بالإضافة إلى تخفيض الرسوم. كما يعني أنه لن تكون هناك حاجة للقلق بشأن الانهيارات المصرفية أو تأمين الودائع. أيضاً، يمكن أن يوفر الدولار الرقمي للحكومة طريقة أسرع لإرسال بعض المبالغ إلى المواطنين مثل تلك المتعلقة بالمبالغ المرتجعة من الضرائب، وشيكات التحفيز المالي، وإعانات البطالة.

يقول ويليام لوثر، زميل "معهد سياسة بتكوين" والأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد في "جامعة فلوريدا أتلانتيك": "بشكل أساسي، إذا كانت هذه تقنية أكثر فاعلية، فإنها ستتيح إجراء المزيد من المعاملات وتخفض تكلفة تلك المعاملات أيضاً، ما سيؤدي إلى قيام الشركات ببيع منتجاتها بأسعار أقل".

اليوان الرقمي

على الجانب الآخر، ربما جاء إعلان الحكومة الأمريكية بصورة جزئية استجابةً للضغوط الخارجية. حيث وضعت العديد من الحكومات حول العالم خططاً لتوفير عملات رقمية بديلة، بهدف الحفاظ على قدرتها التنافسية إزاء العملات المشفرة والعملات الرسمية للدول الأخرى. كما يمكن للعملات الرقمية المدعومة من البنوك المركزية أن توفر حلاً بديلاً للنظام المصرفي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وربما تُستخدم أيضاً كوسيلة لتجنب العقوبات.

في هذا الإطار، تعد الصين من أبرز الدول التي اعتمدت ذلك النهج، حيث بدأت تجربة عملتها الرقمية في أواخر عام 2019، وشجعت على استخدامها في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، التي أقيمت في بكين، في وقت سابق من هذا العام.

وفي نهاية عام 2021، بلغ إجمالي المعاملات التي تمت باستخدام اليوان الرقمي ما يعادل 14 مليار دولار.

عن ذلك، يقول مويا: "على الأرجح، سنتفهم وجود بعض المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لمعرفة أيهما تسيطر على كيفية تنفيذ معاملات التجارة العالمية. لا يزال الدولار يتمتع بميزة تنافسية، وطالما كان الأمر كذلك، وعليه فإن احتمالية تمتع الدولار الرقمي بتلك الميزة لا تزال قائمة".

تنافسية عالمية

وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن هناك نحو 100 دولة في مراحل مختلفة من استكشاف إصدار العملات الرقمية من قبل البنوك المركزية الوطنية فيها، بما في ذلك الهند، التي فاجأت عالم المدفوعات بإعلانها أن بنكها المركزي سيصدر روبية رقمية مع بداية السنة المالية في الأول من أبريل.

غير أن التحدي الرئيسي الذي يواجه الحكومات التي تدرس إصدار العملات الرقمية يتمثل بمدى تمكنها من تطوير التقنيات اللازمة لجعلها تعمل بسلاسة مثل القطاع المصرفي التقليدي، حيث يمكن أن تقوض المشاكل في إدارة الطرح ثقة الجمهور فيها.

وعلى هذا النحو، فإن تطوير الدولار الرقمي سيعيد إلى الواجهة جدالاً طال أمده في الولايات المتحدة، وهو يدور حول ما إذا كانت بعض الخدمات يجب أن تكون خاصة أم عامة، وفقاً لما قاله جو كارلاسار، الشريك في "سميث اموندسن" (SmithAmundsen) للمحاماة، والذي يترأس مجموعة الشركات التابعة لها في قطاعات العملات المشفرة والبلوكتشين والتكنولوجيا المالية.

يقول كارلاسار: "إن النظام المصرفي التجاري فعال للغاية. فهو يوفر قدراً كبيراً من السرعة فيما يتعلق بإنجاز المعاملات، وهناك تريليونات المعاملات التي تتم بانتظام من خلال النظام المصرفي التجاري. لن يكون الاحتياطي الفيدرالي أكثر ابتكاراً من ذلك".

مخاوف الخصوصية

على صعيد آخر، يثير الدولار الرقمي تساؤلات حول الخصوصية المالية. حيث من المحتمل أن يتم تشغيل السجل المالي الذي تقوم عليه العملة من قبل الحكومة، الأمر الذي قد يمنحها القدرة على مراقبة المعاملات أو وقفها أو مصادرة الأرصدة.

يقول لوثر من "معهد سياسة بتكوين": "إذا كانت الحكومة تسيطر على السجل المالي للمعاملات، فهناك خطر من أنها ستراقب تلك المعاملات دون المرور بالقنوات القانونية الشرعية لذلك، كونها لا تعتمد على معلومات من جهة أخرى، فهي تبحث في المعلومات الخاصة بها وحسب".

وفي سياق منفصل، قال لوثر، إن البنوك والمؤسسات المالية، التي تعتمد على ودائع العملاء لإدارة أعمالها وتمويل الإقراض، قد تتعرض لضربة إذا أصبح الدولار الرقمي شائعاً. وفي وقت سابق من العام الجاري، أصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي ورقة مناقشة قال فيها إن العملة الرقمية يمكن أن تقلل من حجم الأموال في النظام المصرفي، وتزيد من تكلفة القروض، وتقلل من توافر القروض للأسر والشركات.

أكثر ثباتاً

من جهةٍ أخرى، تعني الضجة التي أثارها الرأي العام حول العملات المشفرة أن الحكومة الأمريكية لم يعد بإمكانها تجاهل إمكانية وجود عملة رقمية وطنية. لكن بصرف النظر عن التقنية، سيكون الدولار الرقمي مختلفاً من حيث المفهوم عن العملات المشفرة مثل "بتكوين"، والتي لا تزال متقلبة للغاية، وغير مقبولة بشكل كافٍ لتكون مفيدة للمدفوعات.

يقول جين هوفمان، مدير منصة البلوكتشين "شيا نتورك" (Chia Network): "يحظى الدولار الرقمي بنفس القدر من الدعم الذي يحظى به دولارك المادي. ولكنك تتوقع أن يحظى بقبول أكبر على مستوى العالم وأن يكون أقل تقلباً، في حين أن العملات المشفرة لا تزال في مراحل الاعتماد الأولية وهو ما يقودها إلى التقلبات".

ومع ذلك، لدى "بتكوين" خاصية لا يمكن للدولار الرقمي أن يتمتع بها، ألا وهي عدم وجود طرف مركزي يتحكم بها.

يقول كارلاسار: "الطلب على عملات مثل "بتكوين"، وغيرها من العملات المشفرة، يرجع إلى كونها تتمتع بخصائص لا تتوافر في الدولار".

تصنيفات

قصص قد تهمك