بلومبرغ
سرَّع ماسايوشي سون من وتيرة استثماراته في الشركات الناشئة على نحو كبير خلال العام الجاري، وفي أقل من 9 شهور، ضاعف عدد شركات محفظة صندوقه للاستثمار "صندوق رؤية 2" 5 مرات.
أبرم مؤسس "سوفت بنك غروب" 115 صفقة العام الحالي، بحسب تقديرات وكالة بلومبرغ على أساس بيانات نشرتها الشركة. يفوق ذلك إجمالي عدد الصفقات التي أبرمها صندوق "رؤية" الأول منذ انطلاقه في عام 2017، وهو ما يظهر أن "سون" يبقى على ثقة من أمكانياته الاستثمارية رغم الأخطاء الفادحة في شركة خدمات مساحات العمل المشتركة "وي وورك" (WeWork) وشركة الخدمات المالية "غرينسيل" (Greensill).
الرحيل
يثير تسارع وتيرة إبرام الصفقات بكل تأكيد التساؤلات حول ما إذا كان سون يخاطر بالوقوع في أخطاء مشابهة، خصوصاً وأنها تأتي في ظل توالي مغادرة موظفين كبار، ما يؤدي إلى استنزاف لأفضل المواهب لدى صندوق "رؤية". رحل عن الشركة 7 من شركاء إداريين منذ شهر مارس 2020. كما كشف ديب نيشار، الشريك الإداري رفيع المستوى الوحيد والمتميز في اختصاص الذكاء الاصطناعي، الأسبوع الماضي، عن عزمه الرحيل عن الشركة بحلول نهاية العام الحالي.
من جهته، قال أمير أنفارزاده، كبير المحللين الإستراتيجيين في شركة "أسيميترك أدفيزورس" (Asymmetric Advisors) الذي يوصي بتخفيف المراكز في أسهم "سوفت بنك": "لم تكن مسيرة سجل أداء صندوق رؤية على مستوى جيد في بدايته، لكن حالياً، يقومون بالمزيد من العمل بعدد أقل من الأفراد". تابع: "من المؤكد أن معدلات الفشل المحتملة ستكون أعلى، ولكن يمكنك أن تتخيل أن سون يلجأ للمخاطرة متخلياً عن حذره ويسعى لتحقيق النجاح مستغلاً خبرته الكبيرة".
تراجع إجمالي عدد موظفي "سوفت بنك إنفستمنت أدفيزورس" التي تدير صندوقي "رؤية"، من نحو 500 موظف مطلع العام الماضي إلى 400 شخص تقريباً حالياً، بحسب ما ذكره مصدر مطلع على الأمر. كما قالت مصادر مطلعة على الموضوع إن شعوراً متزايداً بالإحباط كان وراء مغادرة عدد من الموظفين رفيعي المستوى والذي تسبب فيه التأثير الطاغي لـ "سون"، وهو ما قلص من سلطاتهم الفعلية. كما تسبب هيكل مكافآت صندوق "رؤية" في حدوث قلاقل، خاصة في ظل محدودية استفادة المديرين التنفيذيين من الشركات الناشئة الناجحة التي قدموها إلى سون، وذلك على حد قول المصادر.
رفض متحدث باسم صندوق "رؤية" التعليق على هذه الرواية. هبطت أسعار أسهم "سوفت بنك" بنسبة 3.3% في بورصة طوكيو يوم الاثنين، لتسجل خسائرها 40% تقريباً من ذروتها التي حققتها في شهر مارس الماضي.
كشف مصدر مطلع على الأمر أن نهج خفض الموظفين في العام الماضي ركز على الحد من موظفي خدمات الدعم والأعمال الإدارية في صندوق "رؤية". وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن المؤسسة عينت ثلاثة موظفين إداريين منذ مارس الماضي، في حين ارتفع إجمالي عدد المستثمرين إلى 145 مستثمراً بعد إضافة 40 مستثمرا آخرين منذ مطلع شهر أبريل الماضي.
استثمارات أكثر بتخصيص أقل
تعزز "سوفت بنك" استثماراتها في الوقت الذي يشتعل فيه نشاط رأس المال المخاطر. سجلت قيمة التمويل الممنوح عالمياً للشركات الناشئة رقماً قياسياً بواقع 156 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام الجاري، بحسب "سي بي إنسايتس". في غضون ذلك، رفع سون حجم السيولة المخصصة لاستثمارات صندوق "رؤية 2" من 10 مليارات دولار في مستهل العام الجاري إلى 40 مليار دولار في شهر يونيو الماضي. كما يخطط الملياردير لضخ 2.6 مليار دولار استثمارات من ماله الخاص في الصندوق.
حذر كيرك بودري، المحلل في شركة "ريديكس ريسيرش" في طوكيو قائلاً: " يتمثل أحد المخاوف في زيادة التنافس من المستثمرين الآخرين، علاوة على أن التقييمات يبدو أنها مبالغ فيها بالفعل، وهذا يعني تحقيق عائدات أقل لـ(سوفت بنك) في المستقبل". تابع: "يوجد سبب آخر للقلق وهو يتعلق بعملية صنع القرار لدى المجموعة، سيكون من الصعب إتمام الفحص النافي للجهالة بكفاءة عند الاستثمار في عدد شركات يصل إلى 30 أو 40 شركة في هذا الإطار الزمني المحدود".
أرجع أحد المصادر تسارع "سوفت بنك" جزئياً إلى تصاعد المنافسة من قبل شركات رأس المال المخاطر. أوضح المصدر أن الشركة اعتادت انتظار مدة زمنية تصل إلى شهر لاتخاذ قرارات استثمارية، كما أنها بصدد تعيين شركات استشارية كبرى على غرار "ماكينزي آند كو" و"بين آند كو" و"بوسطن كونستالتينغ غروب" للمساعدة في تنفيذ مهمة الفحص النافي للجهالة اللازمة.
تستغرق "سوفت بنك" حالياً أسبوعين في الغالب لاتخاذ قرار استثماري، وعادة ما تقدم مستوى أقل على صعيد الفحص النافي للجهالة، وهو ما ينعكس في إبرام صفقات أصغر في الحجم. في كثير من الأحيان، يطلب الشركاء المؤسسون الرد على استفساراتهم خلال اليوم التالي، وهو ما يدفع "سوفت بنك" لدعوة لجنتها للاستثمار إلى عقد اجتماع طارئ، حسبما ذكر المصدر.
يخصص سون مبالغ استثمار أصغر كثيراً لأي شركة يختارها. ويصل متوسط جولة التمويل لدى صندوق "رؤية 2" نحو 330 مليون دولار أو نصف متوسط حجم استثمارات صندوق "رؤية الأول" تقريباً، بحسب تقديرات وكالة بلومبرغ القائمة على بيانات شركة "كرانش بيس".
غالباً ما تتخطى قيمة صفقات الصندوق الأول حاجز المليار دولار، تخطت الـ 10 مليارات دولار في "ديدي تشوكسينغ"، و7.7 مليار دولار في "أوبر" و4.4 مليار دولار في "وي وورك". على الناحية الأخرى دخل صندوق "رؤية 2" في ثلاثة استثمارات فقط تفوق قيمتها المليار دولار، بما في ذلك استثمار بقيمة 1.3 مليار دولار في الشركة الصينية "كيه إي هولدينغز"،التي تشغل خدمة موقع "بيك" (Beike) العقارية على الإنترنت.
الأنشط
بجانب صندوقي "رؤية"، أسست "سوفت بنك" صندوقاً للاستثمار مخصص لمنطقة أمريكا اللاتينية بقيمة 5 مليارات دولار، وضخ استثمارات في 48 شركة منذ انطلاقه في شهر مارس 2019. وقد رفع سون رأس المال المخصص لهذه المنطقة بنحو 3 مليارات دولار إضافية في وقت سابق من الشهر الجاري.
في أحدث إفادة موجزة عن نتائج الأعمال في شهر أغسطس الماضي، قال سون إن إجمالي محفظة استثمارات "سوفت بنك" ضمت 300 شركة في الصناديق الثلاثة المختلفة. كما أوضح أن استراتيجية الاستثمار بقيت كما هي دون أي تغيير، من حيث مواصلة دعم الشركات الناشئة التي تعتمد على مجال الذكاء الاصطناعي لتغيير طريقة سير الأعمال التقليدية.
قال سون في تقريره الموجز عن نتائج الأعمال في شهر أغسطس المنقضي: "لدى اعتقاد راسخ بأن الذكاء الاصطناعي سيخلق ثورة في كافة القطاعات". تابع: "بصفتنا أحد المستثمرين في هذا الفضاء الثوري خلال الأربع سنوات الماضية، فإننا نتحرك بأقصى طاقة لدينا".
بدأت "سوفت بنك" في بناء فريق صندوق "رؤية" عندما كان سون يخطط لتأسيس صندوق جديد ضخم كل بضع سنوات. كان يرمي في الأساس لجمع تمويل بقيمة 108 مليارات دولار لصندوق "رؤية 2" من خلال مستثمرين خارجيين يشملون "أبل" و"مايكروسوفت". أدى انهيار شركة "وي وورك" بنهاية عام 2019 إلى تدمير هذه الخطط.
لايزال "رؤية 2" أكبر صندوق رأس مال مخاطر يستثمر بنشاط إلى حد كبير على مستوى العالم. أنفق الصندوق 19.5 مليار دولار بالفعل حتى نهاية شهر يونيو الماضي، أي ما يصل إلي نصف رأس ماله المخصص. ويفوق ذلك ما جمعته "سيكويا كابيتال" عبر 30 صندوقا مختلفاً والبالغ 19.2 مليار دولار، وما جمعته "أندريسين هوروويتز" (Andreessen Horowitz) عبر 20 صندوقاً والبالغ 18.2 مليار دولار، بحسب بيانات "كرانش بيس". وجمعت "تايغر غلوبال مانجمنت" أقرب منافس له، ما يصل إجماليه إلى 23.4 مليار دولار عبر 8 صناديق استثمار.
في الوقت الذي كان يميل فيه الصندوق الأول بشدة للاستثمار في شركات خدمات استدعاء السيارات للركوب وشركات مشاركة مساحات العمل، إلا أن صندوق "رؤية 2" استثمر في نطاق أوسع من الشركات. مثلت الشركات الاستهلاكية الناشئة 22% من استثمارات المحفظة حتى نهاية شهر يونيو الماضي، وبلغت حصة قطاعات المشاريع والخدمات اللوجستية 20% لكل منهما. وحصلت شركات التكنولوجيا المالية، التي لم تنل اهتماماً كبيراً من قبل صندوق "رؤية" الأول، على حصة بلغت 16%.
قال بودري: "من الصعب تخيل أن تشهد منهجية سون هذا التحول الكبير. يعد تقاربه من رواد الأعمال أمراً يقلق المستثمرين دائماً". تابع: "يبقى الأمل في أن صندوق "رؤية" بات يتمتع بخبرة أوسع في الوقت الحالي وهو ما يجعل لديهم قدرة على حماية أنفسهم من تبعات ذلك التغيير".