بلومبرغ
كشفت "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms)، الشركة الأم لـ"فيسبوك"، عن نموذج ذكاء اصطناعي جديد قوي وصفه الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ بأنه الأحدث، مشيراً إلى أنه سينافس نماذج مماثلة من منافسين مثل "أوبن إيه آي" (OpenAI) و"غوغل"، التابعة لشركة "ألفابت".
استغرق النموذج الجديد، المعروف بـ"لاما 3.1" (Llama 3.1) والذي أُطلق أمس، عدة أشهر لتدريبه ومئات الملايين من الدولارات من قدرة الحوسبة. وأوضحت الشركة أن هذا النموذج يُعد تحديثاً رئيسياً لـ"لاما 3" (Llama 3) الذي صدر في أبريل الماضي.
في مقابلة مع برنامج "ذا سيركيت" (The Circuit) الذي تقدمه الصحفية إيملي تشانغ عبر "بلومبرغ أوريجنالز" (Bloomberg Originals)، قال زوكربيرغ: "أعتقد أن القيمة الأهم لمساعد الذكاء الاصطناعي تعتمد على مدى ذكائه"، و"نماذج لاما التي نعمل عليها من بين الأكثر تقدماً في العالم". أضاف أن "ميتا" تعمل بالفعل على تطوير "لاما 4" (Llama 4).
قدرات تكنولوجية جديدة
أكد مسؤولون تنفيذيون في "ميتا" أن النموذج، الذي يُستخدم بشكل أساسي لتشغيل روبوتات الدردشة داخل "ميتا" ومن قبل المطورين الخارجيين، يتمتع بمجموعة واسعة من القدرات الجديدة، مثل التفكير المحسن لحل المشكلات الرياضية المعقدة أو تلخيص كتاب كامل على الفور. إضافة إلى تميزه بخصائص الذكاء الاصطناعي التوليدي التي يمكنها إنشاء صور حسب الطلب بناءً على النصوص المدخلة. وتوفر ميزة تُسمى "تخيل نفسك" للمستخدمين تحميل صورة لوجوههم واستخدامها لإنشاء صور لهم في مشاهد وسيناريوهات مختلفة.
تستخدم "ميتا" نماذج "لاما" لتشغيل روبوت الدردشة الذكي الخاص بها، والذي يُعرف باسم "ميتا إيه آي" (Meta AI)، ويعمل داخل تطبيقاتها مثل "إنستغرام" و"واتساب"، وكذلك كموقع إلكتروني منفصل. أوضح زوكربيرغ أن "ميتا" لديها مئات الملايين من المستخدمين لروبوتها للدردشة، متوقعاً أن يصبح البرنامج الأكثر استخداماً في العالم بحلول نهاية العام. كما يتوقع أيضاً أن يستخدم الآخرون خارج "ميتا" نموذج "لاما" لتدريب نماذجهم للذكاء الاصطناعي.
أوضح أن نموذج شركته "سيكون بمثابة معلم يسمح للعديد من المنظمات بإنشاء نماذجها الخاصة بدلاً من الاعتماد على نماذج الذكاء الاصطناعي الجاهزة التي يقدمها الآخرون".
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي
ضخت "ميتا" استثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي. فقد أشار زوكربيرغ إلى أن تكلفة تدريب "لاما 3" بلغت مئات الملايين من الدولارات، لكنه يتوقع أن تكون تكلفة النماذج المستقبلية أكبر، حيث قال إن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي سيكلف من الآن فصاعداً كثيراً من مليارات الدولارات.
في 2023، حاولت "ميتا" خفض بعض نفقاتها على التقنيات المستقبلية والتدرجات الإدارية، مما أدى إلى شطب آلاف الوظائف في ما أطلق عليه زوكربيرغ عام الكفاءة. ومع ذلك، لا يزال الرئيس التنفيذي مستعداً لإنفاق المال في سباق الذكاء الاصطناعي.
قال زوكربيرغ: "أعتقد أن هناك احتمالاً كبيراً بأن العديد من الشركات تبالغ في استثماراتها الآن، وأننا سننظر إلى الوراء ونقول: ربما أنفقنا جميعاً مليارات الدولارات أكثر مما كان يجب علينا"، لكن "من ناحية أخرى، أعتقد أن قرارات الشركات التي تستثمر في ذلك عقلانية لأن التخلف عن الركب يعني أنك ستكون خارج المنافسة في أهم تكنولوجيا خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة".
رغم كل هذه الاستثمارات، توفر "ميتا" نموذج "لاما" للجمهور مجاناً، بشرط الالتزام بسياسة الاستخدام المقبول للشركة. ويأمل زوكربيرغ أن تسهم استراتيجية الوصول المفتوح في جعل تقنيات الشركة أساساً لنجاح العديد من الشركات الناشئة والمنتجات، مما يمنح "ميتا" تأثيراً أكبر في تحديد مسار الصناعة المستقبلية.
لطالما شعر زوكربيرغ بالإحباط بسبب اعتماد "ميتا" على توفر تطبيقاتها الاجتماعية على الهواتف وأنظمة التشغيل الخاصة بـ"غوغل" و"أبل"، لكنه قال إنه "إذا كان الذكاء الاصطناعي بنفس أهمية تطبيقات الهواتف المحمولة في المستقبل، فلا أريد أن نكون في موقف نحتاج فيه إلى الوصول إلى الذكاء الاصطناعي عبر منافس لنا". وأضاف: "نحن شركة تكنولوجيا، ونحتاج إلى تصميم الأشياء ليس على مستوى التطبيقات فحسب، بل على جميع المستويات، لذلك فإن هذه الاستثمارات الضخمة أمر مجدٍ بالنسبة لنا".
نهج مفتوح المصدر
على الرغم من الالتزام بجعل "لاما" مفتوح المصدر، يحتفظ زوكربيرغ وكبار المسؤولين في الشركة بسرية مجموعات البيانات المستخدمة في تدريب نموذج "لاما 3.1". قال رئيس "ميتا" إنه "حتى وإن كان مفتوح المصدر، فإننا نصممه لأنفسنا أيضاً". وتستخدم "ميتا" المنشورات العامة المتاحة على "فيسبوك" و"إنستغرام"، بجانب مجموعات البيانات الشخصية المرخصة من جهات أخرى، لكنه لم يوضح مزيداً من التفاصيل.
كما رفض أيضاً فكرة أن تدريب "لاما" على بيانات من منشورات "فيسبوك" و"إنستغرام" يشكل ميزة كبيرة، قائلاً إن الكثير من البيانات العامة على هذه الخدمات نسمح بفهرستها في محركات البحث، لذلك أعتقد أن (غوغل) وغيرها قادرون على استخدام هذه البيانات أيضاً.
أبلغت "ميتا" المستثمرين في أبريل أنها تخطط لإنفاق مليارات الدولارات أكثر مما كان متوقعاً هذا العام، حيث تشكل الاستثمارات الكبيرة في الذكاء الاصطناعي سبباً رئيسياً لذلك. ويُتوقع أن تمتلك الشركة نحو 350 ألف وحدة معالجة رسوميات من نوع "إنفيديا إتش 100" (Nvidia Corp) بحلول نهاية العام، وفق مدونة للشركة. تُعتبر شرائح "إتش 100" التقنية الأساسية المستخدمة في تدريب نماذج لغوية كبيرة مثل "لاما" و"تشات جي بي تي" التابع لشركة "أوبن إيه آي"، وتكلف كل منها عشرات الآلاف من الدولارات.
النموذج مفتوح المصدر يضر أميركا
يشير نقاد النهج المفتوح المصدر لـ"ميتا" في عالم الذكاء الاصطناعي إلى احتمالات سوء الاستخدام، أو الخوف من اعتماد شركات التكنولوجيا لدى المنافسين الجيوسياسيين مثل الصين على تقنية "ميتا" لمواكبة نظيراتها الأميركية.
من جانبه، يشعر زوكربيرغ بقلق كبير بشأن الضرر الذي سيسبه إغلاق مثل هذه التكنولوجيا أمام أجزاء أخرى من العالم في النهاية.
قال زوكربيرغ إن "هناك أفكاراً تقول إننا بحاجة لإغلاق كل شيء. لكني أعتقد أن هذا خطأ كبير لأن الولايات المتحدة تزدهر بالابتكار المفتوح واللامركزية. أعني أن هذا هو النهج الذي يعمل به اقتصادنا، وهكذا نبني أشياء رائعة. لذا، أعتقد أن إغلاق كل شيء سيعيق تقدمنا، ويجعلنا أقل احتمالية لنكون القادة".
أضاف أن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستتفوق على الصين بأعوام في مجال الذكاء الاصطناعي اعتقاداً غير واقعي، لكن حتى التقدم البسيط لبضعة أشهر يمكن أن "يتضاعف" مع الوقت ليمنح الولايات المتحدة ميزة واضحة.