بلومبرغ
في أواخر يونيو كان دونالد ترمب يخطط لولايته الرئاسية الثانية في معتزل فاخر في نادي مارالاغو، رغم أن الموسم لم يكن مواتياً وربما غادره مرتادوه سعياً لبرودة الطقس، لكن مزاج ترمب كان جيداً.
كانت استطلاعات الرأي تظهر أن هناك تقارباً شديداً في سباق الرئاسة بينه والرئيس جو بايدن، وأن حصوله على التبرعات كان فائقاً. كما تبين أن 34 إدانةً تلقاها لارتكاب جنايات لم تقلب السباق رأساً على عقب. كان ذلك قبل يومين من الصدمة الكبيرة التي وقعت في المناظرة الرئاسية الأولى، التي ترنح بعدها بايدن، كما أن ذلك سبق حدثاً أكبر وقع في 13 يوليو، عندما نجا ترمب بأعجوبة من رصاصة الاغتيال.
زيّن المجلس في مارالاغو برج عالٍ من بالونات حمراء تخللتها أخرى ذهبية كبيرة لترسم الرقم 47 في إشارة إلى تسلسل الرئيس العتيد، وكان ذلك هديةً من أحد المعجبين المحليين، وقد جعل في أعلاه لوحة تحمل عبارة: "أفضل قائد أعلى عرفته أميركا". وبناءً على إصرار من ترمب، جلب أحد الموظفين قطعة تمثل موضة جديدة رائجة يستمتع بتقديمها لضيوفه، وهي قبعة حمراء تعبر عن تيار ”لنعد لأميركا عظمتها“ وقد نُقش عليها: "كان ترمب محقاً في كل شيء".
ليس العالم خارج بوابات مارالاغو متيقناً من تلك المقولة. فهنالك قلق حيال ما قد تجلبه رئاسة ترمب الثانية. بدأت شركات وول ستريت، من ”غولدمان ساكس“ وصولاً إلى ”مورغان ستانلي“ و”باركليز“، بتحذير العملاء من توقع ارتفاع التضخم، مع تزايد احتمالات عودة ترمب للبيت الأبيض وفرض سياسات تجارية حمائية.
كما يخشى عمالقة الاقتصاد الأميركي، مثل ”أبل“ و“إنفيديا“ و“كوالكوم“، مدى تأثير مزيد من المواجهة مع الصين عليهم وعلى الرقائق التي يعتمد عليها الجميع. وتشعر الديمقراطيات في جميع أنحاء أوروبا وآسيا بالقلق إزاء دوافع ترمب الانعزالية، واهتزاز التزامه بالتحالفات الغربية، وعلاقاته مع الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فيما تُظهر استطلاعات الرأي عالمياً أن الناخبين الأميركيين يفضلون إدارة ترمب للاقتصاد على إدارة بايدن، فهنالك كثر ممن لا يتضح لهم ما الذي سينالهم بالضبط إن اختاروه لولاية أخرى.
هو ينفي هكذا مخاوف، ويقول إن "اقتصاد ترمب" يعني ”أسعار فائدة وضرائب منخفضة“، وإنه "حافز هائل لإنجاز الأمور وإعادة الأعمال إلى بلدنا". سيحفر ترمب مزيداً من آبار النفط والغاز، وسيكون أسهل من حيث القواعد الناظمة. وكان سيغلق الحدود الجنوبية، ويضغط على الأعداء والحلفاء على حد سواء من أجل شروط تجارية أفضل. كما كان سيطلق العنان لصناعة العملات المشفرة، ويكبح جماح شركات التقنية الكبرى المتهورة. باختصار، سيجعل الاقتصاد عظيماً مرة أخرى.
على الأقل هذا ما تقوله دعايته. الحقيقة الواضحة هي أنه لا أحد يعرف حقاً ما يمكن توقعه. لذا، ذهبت مجلة "بلومبرغ بيزنسويك" إلى مارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا، للضغط على ترمب سعياً لإجابات.
في مقابلة شاملة حول الأعمال والاقتصاد العالمي، قال ترمب إنه لو فاز، سيسمح لجيروم باول باستكمال مدة ولايته رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، والتي تستمر حتى يناير 2028. ويريد ترمب أن يجعل ضريبة الشركات 15%، وأنه لم يعد يخطط لحظر ”تيك توك“. وقد يفكر في تعيين جيمي ديمون، رئيس مجلس إدارة ورئيس ”جيه بي مورغان أند تشيس“، وزيراً للخزانة.
كما أنه ليس متحمساً لفكرة حماية تايوان من عمل عسكري صيني، وكذلك نحو سعي الولايات المتحدة لمعاقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب غزو أوكرانيا، فقد قال: "أنا لا أحب العقوبات". كما أنه ما ينفك يذكر الرئيس ويليام ماكينلي، الذي يقول إنه جمع ما يكفي من إيرادات التعرفة الجمركية خلال رئاسته في مطلع القرن الماضي، فتمكن من تجنب فرض ضريبة دخل اتحادية، لكنه لم يحصل على العرفان المناسب.
يصر ترمب (الذي يميل إلى المواربات) على أنه لن يعفو عن نفسه إن أدين بجريمة اتحادية في القضايا الفيدرالية الثلاث المعلقة ضده: "لن أفكر في ذلك". قد لا يضطر إلى ذلك، إذ أن قاضياً اتحادياً، كان ترمب من عينه، أسقط في 15 يوليو اتهامات ضده بإساءة التعامل مع وثائق سرية. (وقد سارع المستشار الخاص في القضية للإعلان بأنه سيستأنف القرار).
الآن، أنا أعرف الجميع. الآن، أنا من ذوي الخبرة حقاً
ترمب
ربما لا تختلف الخطوط العريضة لسياسة ترمب الاقتصادية عما كانت عليه خلال ولايته الأولى، والجديد هو العزم على الإسراع والكفاءة في تفعيلها. وهو يعتقد أنه يفهم أدوات السلطة بشكل أعمق بكثير الآن، بما في ذلك أهمية اختيار الأشخاص المناسبين للوظائف المناسبة. قال: "كان لدينا أناس رائعون، لكن كان لدي أناس لم أكن لأختارهم مرّة أخرى… الآن، أنا أعرف الجميع. الآن، أنا من ذوي الخبرة حقاً".
ينظر ترمب إلى رسالته الاقتصادية باعتبارها أفضل سبل التغلب على الديمقراطيين في نوفمبر، مع تخصيص الجمهوريين الليلة الافتتاحية لمؤتمرهم الرئاسي لموضوع "الثروة". هو يراهن على أن أجندته غير التقليدية المعتمدة على التخفيضات الضريبية، ومزيد من النفط وتنظيم أبسط وزيادة التعرفة الجمركية وتقليل الالتزامات المالية الأجنبية، ستجذب عدداً كافياً من الناخبين في الولايات المتأرجحة ليكسب الانتخابات.
من المقامرة أيضاً أن يتجاهل الناخبون السمات السلبية التي ميزت فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض: المعارك بين الموظفين، وعكس المسار في بعض السياسات، وكذلك التصريحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تأتي عند السادسة صباحاً. وبالطبع هناك مسألة محاولة التمرد في 6 يناير 2021.
تظهر استطلاعات الرأي فعلاً مؤشرات على أن الذكور من السود واللاتينيين يميلون نحو الحزب الجمهوري، بعدما سئموا من ارتفاع أسعار الطعام والسكن والبنزين، والتي وصلت إلى مستويات تاريخية. الآن يدعم نحو خُمس الرجال السود ترمب، برغم أن بعض النقاد يعتقدون أن هنالك مبالغة في هذه النسبة.
في كلتا الحالتين، يكافح بايدن ليقنع الناخبين الرئيسيين بسجله الاقتصادي، الذي يتضمن معدل بطالة شديد الانخفاض وارتفاعاً في الأجور. كما يواجه ارتباكاً بينهم حيال سنه. قد يفوز ترمب في نوفمبر، ويشعر كثير من القادة الديمقراطيين بقلق متزايد من أنه سيمنح الجمهوريين السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ إلى جانب البيت الأبيض.
في هذه الحالة، سيكون لديه نفوذ غير مسبوق في تشكيل الاقتصاد الأميركي، وكذلك أجواء الشركات العالمية والتجارة مع الحلفاء. أظهرت ولايته الأولى أنه يفضل العمل فردياً، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الرؤساء التنفيذيين وقادة العالم الذين لديهم أفضل العلاقات معه ميزةً، بينما يترك أعداءه في حالة سيئة، بل ربما في خشية مما قد يفعله. إن كان هنالك ما يبرز من مقابلة "بيزنسويك" مع ترمب، فهو أنه يدرك تماماً هذه القوة، ولديه كل النية لاستخدامها.
الاقتصاد الأميركي
كان ترمب يرتدي بزة داكنة وربطة عنق في مجلس بمنتجع مارالاغو يمتاز بألوان ذهبية وأقمشة منقوشة، وقد مالت إنارته للخفوت في ساعات بعد الظهر. وكان حريصاً كعادته على لعب دور المضيف السخي. فكان يأخذ على عاتقه أن يطلب ”كوكا كولا“ و“كوكا كولا دايت“ لزواره قبل أن يباشر سرد رؤيته لولايته إن أعيد انتخابه في نوفمبر.
قادة الأعمال يقدرون الاستقرار واليقين، لكنهم لم يحصلوا على كثير من أيهما خلال ولايته الأولى. هذه المرة، تُدار حملته باحترافية أعلى، لكنه لم يقدم أجندة مفصلة للسياسة الاقتصادية لطمأنتهم. وأثار ذلك الفراغ ارتباكاً بين من يخططون لرئاسته الثانية.
في أواخر أبريل، سرب عدد قليل من مستشاري ترمب السياسيين غير الرسميين إلى صحيفة وول ستريت جورنال مسودة اقتراح نارية تناولت تضييقاً شديداً لاستقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي. جلب ذلك استدلالاً بين كثير من الناس على أن ترمب أيد الفكرة، التي لا تبدو مبالغةً في ظل هجماته السابقة على باول.
في الواقع، أصرت حملة ترمب على أنه لم يؤيد الاقتراح ولا التسريب، الذي أغضب كبار مسؤولي حملته. لكن هذه الحادثة كانت نتيجة لغياب الوضوح في سياسة ترمب، وهو ما ترك خبراء من مؤسسات بحثية مثل مؤسسة ”هيريتدج“ يكافحون لملء فراغات التفاصيل كي يكسبوا نفوذاً. وكان رجال الأعمال المحافظون الآخرون يدفعون بمقترحات لخفض قيمة الدولار أو فرض ضريبة بلا شرائح.
في مارالاغو، أوضح ترمب أنه سئم من المبادرات الشخصية دون تخويل، واشتكى قائلاً: "هناك كثير من المعلومات الزائفة“، وإنه حريص على وضع الأمور في نصابها الصحيح في عدة مواضيع.
العلاقة مع باول
أولاً، هناك مسألة باول، وقد قال لشبكة "فوكس نيوز" في فبراير إنه لن يعيد تعيين رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وهو الآن يعلن صراحةً أنه سيسمح لباول بإتمام ولايته، التي ستستمر لفترة طويلة من إدارة ترمب الثانية المفترضة. قال ترمب: "سأسمح له بإنهاء هذه المهمة، خاصة إن ظننت أنه يتصرف بشكل صحيح".
مع ذلك، لدى ترمب أفكاره حول سياسة أسعار الفائدة أقلّه على المدى القريب. ويحذر من أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يمتنع عن خفض الفائدة قبل انتخابات نوفمبر، إذ أن ذلك من شأنه أن يعطي دفعة لبايدن عبر الاقتصاد. تتوقع وول ستريت خفضين لأسعار الفائدة قبل نهاية العام، ومن ذلك تخفيض يسبق الانتخابات. لكنه قال: "إنه شيء يعرفون أنه لا ينبغي عليهم الإقدام عليه".
التالي في ذهنه هو التضخم. لقد انتقد ترمب إدارة بايدن للاقتصاد على الدوام. لكنه يرى، في الغضب الناتج عن ارتفاع الأسعار وأسعار الفائدة، فرصة لجذب ناخبين ممن لا يميلون للجمهوريين عادةً، مثل الرجال السود واللاتينيين. قال ترمب إنه سيخفض الأسعار من خلال فتح الولايات المتحدة أمام مزيد من التنقيب عن النفط والغاز، وقال: "لدينا ذهب سائل (نفط) أكثر من أي أحد".
والثالث هو الهجرة. وهو يعتقد أن القيود الصارمة هي مفتاح تعزيز الأجور المحلية والتوظيف. ويصف القيود المفروضة على الهجرة بأنها "العامل الأكبر على الإطلاق" في كيفية إعادة تشكيل الاقتصاد، مع فوائد خاصة للأقليات التي يتوق إلى كسبها.
وقال: "السود سيسحقهم الملايين الذين يأتون إلى البلاد… إنهم يلمسون ذلك فعلاً، فقد انخفضت أجورهم بشدة. كما يستولي المهاجرون بشكل غير قانوني إلى البلاد على وظائفهم“. (وفقًا لمكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل، فإن غالبية زيادة التوظيف منذ 2018 كانت لصالح المواطنين الأميركيين المتجنسين والمقيمين القانونيين وليس المهاجرين غير الموثقين).
هنا بدأ كلام ترمب يشبه وصفاً لنهاية العالم، فقال: “سيموت السكان السود في هذا البلد بسبب ما حدث، وما سيحدث لوظائفهم، بل وظائفهم ومساكنهم وكل شيء… أريد أن أوقف ذلك".
لنضع التنقيب عن النفط جانباً، لم يقدم ترمب تفاصيل عن خطة لخفض الأسعار. إن قناعته الشخصية بأن التعرفة الجمركية الشديدة التي يقترحها ستحقق مكاسب غير متوقعة في الولايات المتحدة لا يشاركه فيها جمهور خبراء الاقتصاد، الذين يحذرون من أنها ستحفز مزيداً من التضخم وستصبح بمثابة زيادة ضريبية على الأسر الأميركية.
يقدر تقرير صادر عن "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" أن نظام التعرفة الجمركية الذي يطرحه سيفرض تكلفة سنوية إضافية قدرها 1700 دولار على الأسرة متوسطة الدخل. وتشير تقديرات "مجموعة أكسفورد إيكونوميكس"، وهي مجموعة بحثية لا حزبية، إلى أن الجمع بين التعرفة الجمركية وقيود الهجرة والتخفيضات الضريبية الموسعة التي يحبذها ترمب، قد تؤدي أيضاً إلى زيادة التضخم وإبطاء النمو الاقتصادي. قال برنارد ياروس، كبير الاقتصاديين الأميركيين في "جامعة أكسفورد إيكونوميكس"، إن الخط الفاصل بين هذه السياسات هو "زيادة توقعات التضخم".
كما أن هنالك مسألة عجز الميزانية. إن رغبة ترمب في تجديد قانونه التاريخي لخفض الضرائب وزيادة الوظائف لعام 2017 - وتقدر تكلفة ذلك بنحو 4.6 تريليون دولار - وكذلك مواصلة خفض الضرائب على الشركات، لن تؤدي إلى توازن في الميزانية وفقاً لما أوضحه هو أو مستشاروه حتى الآن. إلى جانب الضغوط التصاعدية على أسعار الفائدة التي يتوقعها الاقتصاديون من سياساته الحمائية، يمكن لخطط ترمب أن تؤدي إلى تفاقم عبء الديون المتزايد على البلاد.
لكن في النهاية، قد تكون مواقف ترمب الأخرى كافية للتأثير على قادة الأعمال لصالحه. كتب هارولد هام، أحد المتبرعين لترمب وهو الرئيس التنفيذي لشركة النفط العملاقة ”كونتيننتال ريسورسيز“، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “يبدو أن هناك عداءً صريحاً للأسواق الحرة في إدارة بايدن. ونتيجة لذلك، فإن رأس المال يقف متفرجاً. لماذا؟ بسبب عدم اليقين التنظيمي، وفي بعض الحالات العداء التنظيمي الصريح تجاه قطاعات معينة“. استشهد هام بالإيقاف المؤقت الذي فرضه بايدن على مشاريع الغاز الطبيعي المسال في يناير كمثال على ذلك. وتوقع أنه "عندما يُعاد انتخاب ترمب، فإن رأس المال الذي كان متوقفاً على الهامش سيُطلق له العنان مجدداً“.
رؤيته لقادة الأعمال
ما تزال الشركات الأميركية تتكيف مع احتمال عودة ترمب. سراً لا يشعر كثير من الرؤساء التنفيذيين بسعادة غامرة حيال ذلك. قال جيفري سونينفيلد، الأستاذ في كلية الإدارة في "جامعة ييل" الذي يدير معهد قيادة للرؤساء التنفيذيين وهو على اتصال منتظم مع كثير من كبار المسؤولين التنفيذيين: "إنهم لا يطيقونه". لكنهم يدركون أن عودته قد تكون وشيكة.
في 13 يونيو، التقى ترمب بشكل خاص في واشنطن مع عشرات من أبرز الرؤساء التنفيذيين في البلاد، وهي المجموعة التي ضمت ديمون من ”جيه بي مورغان“ وتيم كوك من ”أبل“ وبريان موينيهان من ”بنك أوف أميركا“. وكانت المناسبة "دردشة على الهامش" نظمتها ”بزنس راوندتيبل“، وهي مجموعة ضغط غير حزبية.
جمعت هذه المناسبة ترمب وجهاً لوجه مع عدد من قادة الشركات الذين كانت تربطه بهم علاقة متوترة منذ فترة طويلة، وكان كثير منهم حذرين منه منذ بداية رئاسته. تحدث بعضهم علناً بعد هجمات أنصاره في 6 يناير على مبنى الكابيتول، وأدان كل من كوك وديمون وموينيهان أعمال العنف، كما وصفها كوك بأنها "فصل حزين ومخز في تاريخ أمتنا". مع ذلك، بعد أسابيع فقط من إدانة هيئة محلفين في مانهاتن ترمب بارتكاب 34 جناية، اجتمعوا جميعاً للتواصل معه، وهي علامة لا لبس فيها على آليات تغير السلطة.
إن ترمب متناغم جداً مع موقفه مع زعماء الشركات الأميركية، وهو يتأرجح بين رغبة بتأييد منهم وأمل بإخضاعهم لإرادته. في مارالاغو، عندما قدمنا له عدد يوليو من بزنسويك وعلى غلافه صورة برنار أرنو، الرئيس التنفيذي لشركة ”لوي فيتون مويت هينيسي“، أشار إليه، وهو أحد أغنى الرجال في العالم، باعتباره "رجلًا رائعاً، أعتقد أنه صديق لي"، وسأل عما إذا كانت هذه العلاقة مذكورة في التقرير. (لم ترد في التقرير).
يغضب ترمب عندما يُقال له إن حملته لم تتلق مساهمة علنية من أي رئيس تنفيذي لشركة من قائمة ”فورتشن 100“ (Fortune 100) علناً. (لقد تعهد إيلون ماسك بعد ذلك التاريخ بتقديم دعم مالي). وما يزال ممتعضاً من تغطية قناة "سي إن بي سي" لاجتماع المائدة المستديرة للأعمال، الذي تضمن اقتباسات من مدير تنفيذي مجهول انتقد ترمب ووصفه بأنه ”يفتقر بوضوح إلى بوصلة… وأنه عشوائي الحركة".
يصر ترمب أن اللقاء كان على العكس من ذلك، وأنه كان أشبه بـ “مهرجان حب… سأقول لكم عندما لا أكون محبوباً لأنني أشعر بذلك أكثر من أي شخص آخر… اتصلت بي قناة سي إن بي سي واعتذرت لي، لأنهم أدركوا أننا عقدنا اجتماعاً رائعاً". كتب متحدث باسم "سي إن بي سي": "لم نعتذر. تحدثنا إلى الرئيس السابق حول إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة".
قال ترمب إنه ذكّر المديرين التنفيذيين المجتمعين بأنه في 2017 خفض الضريبة على الشركات "من 39% إلى 21%" (في الواقع كانت من 35% إلى 21%)، وتعهد بدفعها إلى مستوى أدنى، إلى 20%. استذكر قائلاً: "لقد أحبوا ذلك وكانوا سعداء“، وأضاف أنه يريد خفضها إلى مستوى أقل من ذلك: "أود أن أخفضها إلى 15%".
لكن ترمب يدرك أيضاً أن أي "حب" ربما عبر عنه الرؤساء التنفيذيون كان مدفوعاً في نهاية المطاف بمصالحهم الذاتية، فهم يستوعبون استطلاعات الرأي الانتخابية كما غيرهم. قال: "أياً كان القائد، فإنه يحصل على كل الدعم الذي يريده… لو كانت لي شخصية كما القريدس، سيأتيني الجميع".
لكن لم يكن الحال هكذا دوماً. حين تعرض ترمب للخزي وبدت حياته السياسية وكأنما بلغت نهايتها بعد سعيه لإلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، كان مجتمع الأعمال الجمهوري جزءاً من ائتلاف حريص على تعيين حامل جديد للواء الحزب. وبدأوا يغدقون المال والاهتمام على جيل صاعد من السياسيين الداعمين للأعمال التجارية، بقيادة حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، وحاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة نيكي هالي، وحاكم فرجينيا غلين يونغكين، الذي شغل أيضاً منصب الرئيس التنفيذي المشارك لشركة الاستثمار ”كارلايل“ (Carlyle). لكن في 2024، انهارت حملة ديسانتيس الرئاسية، وتلاشت حملة هيلي، ولم تنطلق حملة يونغكين. وقد أصابت الخيبة والحزن قادة الأعمال عندما اختار ترمب أن يترشح.
قال ليام دونوفان، أحد أعضاء جماعات الضغط التجارية الجمهوريين: "لقد كانت قراءة الجميع لهذا مغلوطةً… كان هناك افتراض أساسي بأن ترمب قد انتهى. لكن ديسانتيس لم يكن أبداً هو الرجل المناسب، وكذلك هيلي. رأى الناس فرصة لطي الصفحة وحاولوا تحقيق ذلك، لكن ذلك لم يحدث. لقد أرادت القاعدة الجمهورية ترمب”.
معروف عن ترمب أنه يترك ضغائنه، وقد تعهد ”بالاقتصاص“ في مؤتمر المحافظين العام الماضي، لكن عندما سُئل في مارالاغو عما إذا كان سيلاحق الرؤساء التنفيذيين الذين لا يحبونه، اعترض. يقول: "ليس لدي (خطط) للانتقام من أحد".
لكنه أحيا نزاعاً طويل الأمد مع رئيس ”ميتا بلاتفورمز“ التنفيذي مارك زوكربيرغ، ومع جيف بيزوس مؤسس ”أمازون دوت كوم“ الذي يملك صحيفة "واشنطن بوست". بيزوس يثير حنقه على وجه الخصوص، إذ تنشر صحيفته سجلاً للادعاءات الكاذبة التي أطلقها ترمب حين كان رئيساً (وعددها بلغ 30573). قال ترمب إن بيزوس "ألحق ضرراً كبيراً بنفسه“، وجعل لنفسه "كثيراً من الأعداء" من خلال حيازته للصحيفة.
برغم كل منتقديه وأعدائه في الشركات، فإن ترمب لا يفتقر إلى دعم من مجالس الإدارات و من وول ستريت. قال سكوت بيسنت، الرئيس التنفيذي لشركة ”كي سكوير كابيتال مانجمنت“ (Key Square Capital Management) وهو أحد كبار المتبرعين لترمب: "كان اقتصاد ترمب جيداً جداً... لقد نجح الأمر مع من هم في القمة ومن هم في القاع. السوق كان جيداً، وارتفعت الأجور الحقيقية. كان ذلك زمناً جميلاً جداً".
كما أشاد رؤساء تنفيذيون بارزون آخرون ممن لا يُعرفون بأنهم من أنصار ترمب برئاسته. قال ديمون في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا في يناير: ”لنكن صريحين… لقد كان على حق في ما يتعلق بحلف شمال الأطلسي، وكان على حق في ما يتعلق بالهجرة. لقد نما الاقتصاد بشكل جيد. نجح الإصلاح الضريبي. وكان على حق بشأن بعض ما يتعلق بالصين … لم يكن مخطئاً بشأن بعض هذه القضايا الحاسمة، ولهذا يصوتون له”.
ترمب يحب المجاملة. فقد غيّر وجهة نظره عن جيمي ديمون بعدما هاجمه على موقع ”تروث سوشال” (Truth Social) العام الماضي، فقد وصفه ترمب بأنه ”مناصر للعولمة أُعطي حجماً يفوق حجمه"، لكنه يقول الآن إنه يمكنه أن يتصور أن يجعل ديمون، الذي يُشيع أنه يفكر بالانضمام للعمل السياسي، وزيراً للخزانة. قال ترمب: “إنه شخص أضعه في الاعتبار”. (وقد رفض متحدث باسم ديمون التعليق).
برغم كل سخطه المتكرر على قادة الأعمال، يبدو ترمب حريصاً على تنصيبهم في إدارته الثانية. كان حاكم ولاية داكوتا الشمالية، دوغ بورغوم، وهو رئيس سابق لشركة تقنية، ضمن قائمة ترمب المختصرة لمنصب نائب الرئيس، ويُرجح أن يضمه إلى حكومته. وبيسنت أيضاً مرشح لمنصب وزير الخزانة. حتى أن ترمب يحتضن رؤساء تنفيذيين كانوا منذ وقت غير بعيد يعتبرون منافسين محتملين. قال بعد انتهاء المقابلة: "غلين يونغكين شخص رئيسي… أود أن يكون في إدارتي“. وكان جي دي فانس، الذي اختاره ترمب نائباً، صاحب رأس مال جريء على مرّ سنين.
مع ذلك، يخشى كثير من الرؤساء التنفيذيين عودة ترمب. قال كين تشينولت، الرئيس والمدير التنفيذي السابق لشركة ”أميركان إكسبريس“، إن تهديدات ترمب كان لها تأثير مروع على قادة الشركات. وقال: "الناس يبقون على الهامش، لأنهم يخشون بشدة أن يطالهم انتقام". طرح تشينولت أمثلة أخرى على ما حدث خلال رئاسة ترمب، كمعارضته لاندماج ”إيه تي أند تي“ مع ”تايم وارنر“ في صفقة حجمها 85 مليار دولار، وكذلك مخاوف من أنه كان يحاول فرض بيع شبكة "سي إن إن" لاستيائه من تغطيتها لإدارته.
بيّن تشينولت أن الرؤساء التنفيذيين الحاليين تعتريهم المخاوف من أن ينتهي بهم الأمر هدفاً لترمب، وقال: “الخوف حقيقي”.
السياسة الخارجية
كرئيس، حطم ترمب العقيدة الجمهورية القديمة المتمثلة في تفضيل التجارة الحرة. وقال إنه سيذهب إلى أبعد من ذلك إن عاد رئيساً. ودافع في مارالاغو بحماس عن التعرفة الأميركية - فقد كان يقرأ عن ماكينلي وأطلق عليه لقب "ملك التعرفة الجمركية" - ليوضح أنه ينوي زيادة الرسوم ليس فقط على الصين، بل على الاتحاد الأوروبي أيضاً.
قال ترمب: "لقد جعل ماكينلي هذا البلد غنياً… لقد كان الرئيس الأقل تلقياً للعرفان". وفقاً لقراءة ترمب للتاريخ، لقد أهدر خلفاء ماكينلي إرثه عبر برامج حكومية مكلفة مثل الذي يسمى "الصفقة الجديدة" (الأمر الذي يتعلق بالمتنزهات والسدود، حسب وصفه) وقضوا دون حق على أداة مهمة في إدارة الحكم الاقتصادي.
قال ترمب: "لا أستطيع أن أصدق عدد الناس الذين يعارضون التعرفة الجمركية وهي أداة ذكية بحق… يا لها من أداة تفاوض قوية. كان هنالك أناس ودول يُحتمل أن تناصبنا العداء وقد أتوني يقولون: سيدي، من فضلك أحجم عن موضوع الرسوم الجمركية”.
لقد روّع إبقاء بايدن على تعرفة ترمب الجمركية على الصين كثيراً من مجموعات الأعمال والمستهلكين، حتى أنه زاد التعرفة على الصلب والألومنيوم وأشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والبطاريات وغيرها من السلع. قال يائيل أوسوسكي، نائب مدير مركز اختيار المستهلك، وهي مجموعة مناصرة غير حزبية، في مايو: "سيؤدي هذا إلى زيادة تضخم الأسعار في جميع المجالات، وكل ذلك تحت عنوان سياسة الرجل القوي في عام انتخابات".
مع ذلك، في عالم ترمب، يُنظر إلى تصرفات بايدن على أنها تأكيد على أن ترمب كان على حق، وأن الديمقراطيين مخطئون بشأن التهديد الذي تشكله الصين على الاقتصاد والأمن الأميركيين.
يحرص ترمب على التوصية باستخدام مزيد من هذا الدواء، بحيث يشمل الحلفاء الأوروبيين. إضافة إلى استهداف الصين بتعرفة جمركية جديدة تتراوح بين 60% إلى 100%، يقول إنه سيفرض تعريفة شاملة بنسبة 10% على الواردات من البلدان الأخرى، مستشهداً بسلسلة مألوفة من الشكاوى حول عدم شراء الدول الأجنبية ما يكفي من البضائع الأميركية.
قال ترمب: "يبدو الاتحاد الأوروبي جميلاً للغاية… نحن نحب اسكتلندا وألمانيا. نحن نحب كل هذه الأماكن. لكن بخلاف ذلك نجدهم يعاملوننا بعنف”. يذكر عزوف أوروبا عن استيراد السيارات والمنتجات الزراعية الأميركية كمسبب رئيسي للعجز التجاري الذي يتجاوز 200 مليار دولار، وهي الإحصائية التي يعتبرها مقياساً بالغ الأهمية للعدالة الاقتصادية.
كما هو الحال مع أشياء أخرى كثيرة، ينظر ترمب إلى التجارة من منظور شخصي. فهو يتحدث عنها كما لو كانت مفاوضات خاصة بينه وبين زعماء أجانب متعنتين يدركون تمام الإدراك أنهم يستغلون الولايات المتحدة، وبالتالي يجب لجمهم. لقد كان متحمساً حين روى محادثة مع أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا آنذاك، ويستذكر أنه سألها: "أنجيلا، كم عدد سيارات (فورد) أو (شيفروليه) في وسط ميونيخ الآن؟“ ثم قلد لكنة ميركل الألمانية في ردها: "أوه، لا أعتقد أن هناك كثيراً منها“. وقال إنه أجابها: ”ما رأيك إن كان الجواب ليس هنالك أي منها“.
بعدما اقتنع أنه أوضح وجهة نظره، اتجه ترمب إلى مراسلي "بيزنسويك". وقال: "إنهم يعاملوننا بشكل سيئ جداً… لكنني كنت أغير كل ذلك، كل تلك الثقافة". وقال إنه سيتم المهمة إن عاد إلى البيت الأبيض.
إن رؤية ترمب التجارية للسياسة الخارجية ورغبته في "الفوز" بكل صفقة يمكن أن تكون لها تداعيات في جميع أنحاء العالم، بل قد تمزق التحالفات الأميركية.
حين سُئل عن التزام أميركا بالدفاع عن تايوان في مواجهة الصين، التي تنظر إليها باعتبارها مقاطعة انفصالية وليست كديموقراطية مستقلة، برغم الدعم الأخير من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتايوان، يظهر ترمب فاتراً في أفضل الأحوال بشأن الوقوف في وجه عمل عسكري صيني.
يعود جزء من شكوكه إلى استياء اقتصادي. قال: "لقد أخذت تايوان منا أعمال الرقائق الخاصة بنا.. أعني، كم نحن أغبياء؟ لقد أخذوا كل أعمالنا المتعلقة بالرقائق. إنهم أثرياء جداً". ما يريده هو أن تدفع تايوان للولايات المتحدة مقابل الحماية. وتساءل قائلاً: "لا أعتقد أننا نختلف عن بوليصة تأمين. لماذا؟ لماذا نفعل ذلك؟".
هناك عامل آخر يغذي شكوكه وهو ما يعتبره الصعوبة العملية للدفاع عن جزيرة صغيرة على الجانب الآخر من الكرة الأرضية. يقول: "تايوان تبعد 9500 ميل (15000 كيلومتر)… إنها تبعد 68 ميلاً (110 كيلومتراً) عن الصين". إن التخلي عن الالتزام تجاه تايوان سيمثل تحولاً جذرياً في السياسة الخارجية الأميركية، لا يقل أهمية عن وقف الدعم لأوكرانيا، لكن ترمب يبدو مستعداً لتغيير شروط هذه العلاقات بشكل جذري.
وعلى النقيض من ذلك، فإن وجهات نظره بشأن المملكة العربية السعودية أكثر ودية. ويقول إنه تحدث مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال الأشهر الستة الماضية، رغم أنه رفض التطرق إلى طبيعة محادثاتهما أو تواترها. عندما سُئل عما إذا كان يخشى أن تنزعج السعودية، التي ترغب بالحفاظ على تفوقها في مجال الطاقة، من زيادة الولايات المتحدة لإنتاجها من النفط والغاز، أجاب ترمب بأنه لا يعتقد ذلك، مشيراً مرة أخرى إلى وجود علاقة شخصية. قال عن الأمير محمد بن سلمان: “تجمعني به مودة. سيحتاجون دائماً إلى الحماية... فهم ليسوا محميين بشكل طبيعي… سأحميهم دائماً". يلقي ترمب باللوم على بايدن والرئيس السابق باراك أوباما في تآكل العلاقات الأميركية مع المملكة العربية السعودية، قائلًا إنهما دفعا البلاد نحو خصم رئيسي. قال: "إنهم لم يعودوا معنا بعد الآن… إنهم مع الصين. لكنهم لا يريدون أن يكونوا مع الصين. إنهم يريدون أن يكونوا معنا”.
لديه أسباب تتجاوز السياسة الخارجية الأميركية لتفضيل علاقات أوثق مع السعودية، فهنالك مئات ملايين الدولارات على المحك بالنسبة له. في أول يوليو، أعلنت منظمة ترمب و”دار غلوبال“ عن خطط لبناء برج ترمب وفندق فاخر في جدة. كما حصل صندوق استثماري أسسه صهره جاريد كوشنر على استثمار بقيمة ملياري دولار من صندوق تابع للحكومة السعودية.
يتخذ الحلفاء الغربيون، الذين أصبحوا الآن على دراية بنهج ترمب الشخصي والمتقلب في السياسة الخارجية، تدابير واسعة النطاق للتحضير لعودته المحتملة إلى البيت الأبيض.
تشمل تحضيراتهم زيادة الإنفاق الدفاعي، ونقل السيطرة على المساعدات العسكرية لأوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، والسباق لتحسين العلاقات مع مستشاري ترمب ومؤسسات الفكر والرأي التابعة له، والتواصل مع الحكام الجمهوريين وقادة الفكر لتحري نواياه.
في قمة الناتو في واشنطن، حث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الحلفاء على التحرك بسرعة لمساعدة بلاده على صد الغزو الروسي، بدلاً من انتظار نتائج الانتخابات في نوفمبر لتحديد ما يجب فعله.
قال دان كالدويل، مستشار السياسات في مركز أولويات الدفاع للأبحاث ذي الميول اليمينية، إنه "في الواقع من مصلحة أوروبا أن تعد دفاعاتها بحيث تكون غير معتمدة على أميركا وأن تبدأ العمل على افتراض أن الولايات المتحدة لديها أولويات أمن قومي أخرى أكثر إلحاحاً وأولويات محلية كذلك”.
وادي السيليكون
خلال فترة رئاسته وما بعدها، كثيراً ما استهدف ترمب صناعة التقنية الأميركية. خلال معظم ذلك الوقت، كان ”تويتر“ (المعروف الآن باسم ”إكس“) هو منصته المفضلة للتنفيس عن استيائه من شركات مثل ”فيسبوك“ و“غوغل“ وحتى ”تويتر“ قبل استحواذ إيلون ماسك عليها.
في 2020، وقع على أمر تنفيذي لتقليل الحماية القانونية لمنصات التواصل الاجتماعي بموجب المادة 230 من قانون آداب الاتصالات لعام 1996. وأطلقت حكومته تحقيقات لمكافحة الاحتكار في شركات ”أمازون“ و“أبل“ و“فيسبوك“ و“غوغل“، وهي إجراءات نُفذت ووُسعت في عهد بايدن.
لم تكن هجمات ترمب على شركات التقنية الكبرى تقتصر على تصريحات صارمة بشأن السياسة أو المبدأ. كما الحال مع مقترحاته بشأن التعرفة الجمركية، فقد خدمت على الأقل كأدوات قوة في مواقفه التفاوضية التي يحتم على الشركات والرؤساء التنفيذيين الاستجابة لها.
كانت الشكوى الرئيسية التي اعتاد هو والجمهوريون طرحها هي أن شركات التقنية كانت متحيزة ضد المحافظين، وأنها كانت تحظرهم خفية وتحذفهم من منصاتها. كما زعموا أنها تحجب المصادر ذات الميول اليمينية في نتائج البحث. اليوم، ينصب تركيز ترمب على تهمة أكثر جاذبية على نطاق أوسع: وهي أن شركات التقنية الخارجة عن السيطرة تلحق الضرر بالأطفال إلى درجة التسبب في وباء انتحار على مستوى البلاد. قال: "لقد أصبحوا أكبر وأقوى مما ينبغي… إن لها تأثيراً سلبياً كبيراً على الشباب بشكل خاص".
وربما ينبع هذا الموقف من فهم ترمب للكيفية التي يمكن بها للدراما المتلفزة أن تشكل الرأي العام. في فبراير، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ للمسؤولين التنفيذيين في مجال التقنية، تعرض زوكربيرغ لما يشبه التنمر لإجباره على الاعتذار لأسر كانت تحضر الجلسة قالوا إن إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دفعت أطفالهم إلى الانتحار. لقد كانت لحظة مثيرة للاهتمام، وقد استغل ترمب هذه التهمة في حملته الانتخابية. ويقول عن شركات التواصل الاجتماعي: “لا أريدهم أن يدمروا شبابنا… أنت ترى ما يفعلونه، ومن ذلك الانتحار".
لم تمض دقائق حتى انتقل ليدافع عن كثير من المنصات ذاتها باعتبارها حصوناً حيوية ضد التفوق التقني الصيني. يريد ترمب أن يهيمن شخصياً على الشركات الأميركية، لكنه لا يريد أن يحل المنافسون الأجانب محلها. وقال مشيراً إلى الشركات التي كان يهاجمها تواً: "أنا أحترمهم كثيراً… إذا ركزت عليهم بشدة، يمكنك تدميرهم. لا أريد تدميرهم".
في مارالاغو، برز ”تيك توك“ كاستثناء أوحد من ادعائه بعدم رغبته بالإضرار بشركات التقنية الأميركية وتفضيل الشركات المحلية على الأجنبية. حين تناول احتضانه حديثاً لمنصة التواصل الاجتماعي التي تملكها الصين، وعليها يتمتع بشعبية كبيرة، ذكر ترمب أن حظرها في الولايات المتحدة من شأنه أن يفيد شركةً ورئيساً تنفيذياً لا يرغب بمكافأتهما. قال: "الآن فيما أفكر في هذا، أنا أؤيد (تيك توك) لضرورة المنافسة… إن لم تكن هنالك (تيك توك) سيكون ما لديك هو (فيسبوك) و(إنستغرام) أي زوكربيرغ كما تعلمون". هذه حصيلة لن يقبل بها وهو ما يزال يشعر بالصدمة من قرار "فيسبوك" بحظره إلى أجل غير مسمى بعد هجمات 6 يناير. تذمر قائلاً: "فجأة، انتقلت من المرتبة الأولى إلى لا أحد".
كان نأيه عن العملات المشفرة يشابه هذا من حيث آليته. منذ وقت ليس ببعيد، انتقد ”بتكوين“ ووصفها بأنها "عملية احتيال" و"كارثة تكاد تقع". والآن يقول إن هذه العملة والعملات المشفرة الأخرى يجب أن تكون "مصنوعة في الولايات المتحدة الأميركية". إنه يصور هذا التحول كضرورة عملية. ويقول: "إذا لم نفعل ذلك، ستكتشف الصين الأمر، وستحصل عليه الصين - أو أي طرف آخر".
ليس من قبيل الصدفة أن صناعة العملات المشفرة - التي يرفضها الحزب الديمقراطي وهي مكتنزة بالمال وتتوق لصداقات في واشنطن - وجدت طريقها الآن إلى ترمب. قال جاستن سلوتر، مدير السياسات في شركة ”باراديغم“ الاستثمارية التي تركز على العملات المشفرة: ”كان لإجراءات اتخذتها لجنة الأوراق المالية والبورصات كبير الأثر في أن إدارة بايدن وجدت نفسها مناهضةً للعملات المشفرة… بالنظر إلى أن حوالي 20% من الديمقراطيين يحوزون عملات مشفرة، وفقاً لاستطلاع الرأي، وأن ملكيتها تغير ميول فئتي الشباب وغير البيض، فإن هذا كان يفتقر للحكمة سياسياً".
لقد تحرك ترمب لاحتلال هذه الساحة، فأعلن في خطاب في مايو أنه "سيوقف حملة جو بايدن لسحق العملات المشفرة". في الشهر التالي، حصد الفوائد، فقد جمع أموالاً ممن يعملون بتعدين ”بتكوين“ في حملة جمع تبرعات في مارالاغو. ثم أعلنت حملة ترمب أنها "ستبني قوةً من المنخرطين في العملات المشفرة"، وهي تقبل الآن مساهمات بالعملات المشفرة.
لقد تعلم البعض في وادي السليكون أن أفضل طريقة لحمل ترمب على تغيير موقفه بشأن شيء ما، هي مناشدته مباشرة. كان هذا بالتأكيد هو الحال بالنسبة لتيم كوك. في 2019، بدا أن ”أبل“ ستكون ضحية لحرب ترمب التجارية مع الصين، مع وجود مليارات الدولارات على المحك، فقد أعلن الرئيس عن تعرفة جمركية على الواردات نسبتها 25%. ثم رفض علناً طلب ”أبل“ باستثنائها. وكتب عبر "تويتر" آنذاك: "لن تُمنح (أبل) إعفاءً أو تخفيفاً من التعرفة الجمركية على أجزاء (ماك برو) المصنوعة في الصين… اصنعوها في الولايات المتحدة الأميركية من دون رسوم جمركية!".
في مارالاغو، يتحدث ترمب باعتزاز عن كوك، ويكشف كيف أقنعه رئيس "أبل" التنفيذي بالتراجع. ويتذكر أن كوك تواصل معه على انفراد وسأله: "هل يمكنني القدوم لرؤيتك؟" وأعرب ترمب عن تقديره لمبادرة الاحترام التي أبداها رئيس الشركة التي كانت في ذلك الوقت الأعلى قيمة في العالم.
قال ترمب: "هذا مثير للإعجاب… قلت: نعم، فلتأتِ". يستذكر ترمب أن كوك كان صريحاً: "قال لي: أنا بحاجة إلى مساعدة، لديك تعريفة جمركية بنسب 25% و50% (على منتجات أبل المستوردة من الصين)… هذا سيضر عملنا حقاً. من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تدمير أعمالنا». (رفض متحدث باسم ”أبل“ التعليق).
لم يكن ترمب يرغب بذلك، بل أراد في الأساس أن يثبت أنه قادر على إعادة وظائف التصنيع إلى الولايات المتحدة، كما وعد أن يفعل. وفي روايته، أقنع كوك بتوسيع الإنتاج المحلي. يتذكر ترمب قائلاً: "قلت: سأفعل شيئاً من أجلكم ولكن عليكم البناء في هذا البلد". وبعد أربعة أشهر، أعلنت ”أبل“ أنها بدأت أعمال البناء في موقع في أوستن.
نقل البيان الصحفي عن كوك قوله: "إن بناء جهاز (ماك برو)، أقوى جهاز من (أبل) على الإطلاق، في أوستن هو مصدر فخر وشهادة على القوة الدائمة للإبداع الأميركي". ثم أهدى كوك ترمب جهاز "ماك برو" قيمته 5999 دولاراً، وهو أحد أوائل الأجهزة التي أنتجها مصنع تكساس.
هل أجبر ترمب كوك؟ هذا مشكوك به. كانت ”أبل“ قد أعلنت في الأصل قبل عام أنها ستستثمر مليار دولار في موقع جديد في أوستن، وكانت أجهزة ”ماك برو“ تجمع في منشآت تكساس الحالية منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ومع ذلك، فقد اعتبر ترمب هذه الحادثة إيجابيةً ووضعت كوك على نقيض زوكربيرغ في قائمة الرؤساء التنفيذيين لديه. كما أنشأت أيضاً خريطة طريق محتملة لكيفية تعامل الرؤساء التنفيذيين في مجال التقنية مع ولاية ثانية لترمب.
قال عن كوك: "لقد وجدت فيه رجل أعمال جيداً جداً".
المستقبل الغامض
إن ما يعتقده ترمب بشأن الشركات الأميركية ومن يديرونها أصبح فجأة أكثر أهمية من أي وقت مضى. وكذلك الحال بالنسبة لآرائه بشأن بنك الاحتياطي الفيدرالي والاقتصاد وكل قضية مهمة حول العالم.
أدت صدمة أداء بايدن المتعثر في المناظرة في 27 يونيو إلى زيادة التشكك بالصحة الإدراكية للرئيس الحالي، وأغرقت الحزب الديمقراطي في أزمة وجودية. كما أعطت ترمب تقدماً ملموساً في كثير من استطلاعات الرأي، أضف إلى ذلك نجاته من اغتيال كان وشيكاً، الذي ربما يكون قد ضخم شعوراً عظيماً لديه بأن له حرمةً سياسيةً.
قال في مكالمة متابعة في 9 يوليو، أي قبل أربعة أيام من إطلاق النار: "كان للمناظرة تأثير كبير بالتأكيد… لقد بدأت تفضيلات كثير من الولايات تتبين وفيها تأرجح كبير جداً." لدى سؤاله عما إذا كان ينبغي لبايدن أن ينسحب من السباق، قال: "هذا قرار يتعين عليه اتخاذه. لكنني أعتقد أن بلادنا في خطر كبير سواء بقي أو انسحب”.
وحول نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تعتبر بديلاً محتملاً على رأس قائمة المرشحين الديمقراطيين، قال ترمب: "لا أعتقد أن ذلك سيحدث فارقاً كبيراً. تعريفي لها هو نفس تعريفي له”. ومع بقاء أشهر قبل يوم الانتخابات، هناك متسع من الوقت لتغيير آليات السباق.
لكن حتى بالعودة إلى مارالاغو، قبل أيام قليلة من تعثر بايدن في المناظرة، بدا أن ترمب يلازمه شعور متزايد بحسن الحظ. عندما أتى مدير المنتجع المخضرم خلال الحوار، أشار ترمب بفخر إلى أن النادي سيزيد رسوم بدء العضوية من 700 ألف دولار إلى مليون دولار في أكتوبر، مع فتح أربع خانات جديدة - في إشارة، على ما يبدو، إلى زيادة القيمة نظراً لقرب احتمال تنصيبه قائداً أعلى.
في ختام المقابلة، حاول ترمب، الذي كان متفاخراً حتى النهاية، توديع مراسلي "بيزنسويك" بهدية هي القبعة الجديدة لمناصري ”لنعيد لأميركا عظمتها“ وقد نُقش عليها "كان ترمب محقاً في كل شيء“، وقد رفضناها بأدب. إن هذا أمر يقرره الناخبون في نهاية المطاف.