بلومبرغ
عادةً، يُفترض أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى إبطاء الاقتصاد، ولكن ماذا لو تبين أن ذلك يدعمه؟
تبدو هذه الفكرة غريبة لدرجة تداني الهرطقة، ولكن فيما يستمر أداء الاقتصاد الأميركي بالتحسن مربكاً الخبراء الذين حذّروا من ركود وشيك، يبدو أن مزيداً من المستثمرين على استعداد أقلّه للنظر في أمر هذا النموذج الاقتصادي العجيب الذي كان قد روجه أتباع نظرية النقد الحديثة.
المستفيدون من رفع أسعار الفائدة يزيدون الإنفاق
إلا أن معارضي هذه النظرية، ومنهم اليوم شخصيات بارزة، من أمثال مدير صناديق التحوط ديفيد أينهورن وخبير السندات في شركة "بلاك روك" ريك رايدر، يعتبرون أن ارتفاع أسعار الفائدة من الصفر تقريباً إلى أكثر من 5% خلال السنتين الماضيتين، أتاح للأميركيين الاستفادة من إيرادات كبيرة تدرّها عليهم سنداتهم وحساباتهم الادخارية لأول مرة منذ عقدين.
قال كيفن موير، المتداول السابق في المشتقات المالية، الذي ينشر حالياً رسالة إخبارية استثمارية بعنوان "ماكرو توريست" (Macro Tourist)، إن "واقع الأمر هو أن الأميركيين باتوا يملكون مزيداً من المال". بحسب نظريته، ينفق أولئك الأفراد والشركات جزءاً كبيراً من هذه السيولة التي اكتسبوها حديثاً، وذلك بما يكفي لزيادة الطلب والحفاظ على النمو.
في الدورات العادية لرفع أسعار الفائدة، لا يكفي الإنفاق الإضافي من طرف بعض الأفراد أو الشركات ممّن يتلقون عوائد الفائدة، لتعويض الانخفاض في الطلب الناجم عن توقف آخرين عن الاقتراض، بما أن ارتفاع أسعار الفائدة يزيد تكاليف الرهون العقارية وإصدار السندات. تتسبب هذه العوامل بما يُعرف عادة بالانكماش الاقتصادي الكلاسيكي الذي يحدثه الاحتياطي الفيدرالي (ويؤدي ذلك نظرياً إلى انخفاض في المقابل لمعدلات التضخم).
عجز الميزانية
لكن الوضع مختلف الآن، وذلك لعدّة أسباب بحسب معارضي نظرية النقد الحديثة، أهمّها الازدياد الكبير في عجز الميزانية الأميركية، إذ أن معدلات الفائدة الإضافية التي تضطر الحكومة الأميركية لدفعها على ديونها تضع مزيداً من الأموال في جيوب الأميركيين والمستثمرين (الأجانب) في السندات.
في أبريل وحده، بلغت الفائدة التي سددتها الحكومة الأميركية 102 مليار دولار، وهذا أكثر من ضعفي ما كانت عليه قبل عقد.
قال أينهورن من شركة "غرينلايت كابيتال" (Greenlight Capital)، الذي يُعد من أبرز مستثمري القيمة في وول ستريت، إن الأسر الأميركية تتلقى الفائدة على أصول قصيرة الأجل تتجاوز قيمتها 13 تريليون دولار، أي نحو ثلاثة أضعاف ما مقداره 5 تريليونات دولار من الديون الاستهلاكية، مع استثناء الرهون العقارية، ويتوجب دفع فوائد عليها. (تمكّن كثير من الأميركيين من الحصول على قروض عقارية لمدة 30 سنة بفائدة ثابتة منخفضة جداً خلال فترة الجائحة، ما حماهم من كثير من الأضرار التي تسبب بها رفع أسعار الفائدة). بحسب تقديرات أينهورن، فإنه استناداً إلى معدلات الفائدة اليوم، يُترجم هذا الفارق إلى ربح صاف يبلغ نحو 400 مليار دولار في السنة لصالح الأسر.
المسنون يسهمون في زيادة الإنفاق
أمّا التغيير الثاني فهو ذو طابع ديمغرافي. فمع تقاعد جيل طفرة المواليد، أصبح المسنون المحرك الأكبر للاستهلاك في الولايات المتحدة. بالتالي، صبت مصائب رفع أسعار الفائدة على المقترضين منخفضي الدخل، في صالح المتقاعدين الذين لديهم القدر الأكبر من المدخرات، ويسهمون بنحو 20% من الإنفاق الاستهلاكي، حسب رايدر من "بلاك روك".
تكاملاً مع النظرية القائلة إن رفع أسعار الفائدة يعزز النمو، هناك فكرة أخرى تفيد بأن خفض أسعار الفائدة قد يدفع معدلات التضخم إلى الانخفاض بدل الارتفاع.
قال رايدر في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" إن "الناس ينفقون الأموال، سواء المسنين أو أصحاب الدخل المتوسط إلى المرتفع، جميعهم ينفقون الأموال، ويبقون التضخم مرتفعاً في قطاع الخدمات... يمكنني أن أزعم حتى أنه إذا خفضت أسعار الفائدة، فإنك ستخفّض التضخم".
للتوضيح، ما يزال معظم الخبراء الاقتصاديين والمستثمرين يؤمنون بشدة بالمفهوم التقليدي بأن رفع أسعار الفائدة يخنق النمو. ودليلهم على ذلك ارتفاع حالات التخلف عن سداد ديون بطاقات الائتمان وقروض السيارات، وتباطؤ نمو التوظيف برغم أنه ما يزال قوياً نسبياً.
تحدث كبير الخبراء الاقتصاديين لدى "موديز أناليتكس" (Moody’s Analytics) مارك زاندي نيابة عن التقليديين حين اعتبر أن النظرية الجديدة "مغلوطة"، ولكن حتى زاندي نفسه أقرّ بأن "رفع أسعار الفائدة لم يجلب ويلات اقتصادية كما كان الحال في ما مضى".