بلومبرغ
يشي سلوك المستثمرين في السندات إلى أن الإصلاح الحكومي يحظى بأهمية أكبر من السياسة النقدية في الأسواق الناشئة.
منذ مطلع أبريل، بدأ المستثمرون في بيع كميات كبيرة من السندات مرتفعة العائد التي أصدرتها دول خففت حكوماتها إجراءات السياسة المالية العامة، بل ويسعى هؤلاء المستثمرون إلى شراء سندات ذات عائد منخفض أو سلبي حتى، طالما تبذل الدول المصدرة جهوداً لتحقيق الحذر المالي.
يظهر ذلك في اتجاه الأداء خلال الربع الثاني من العام، فالدول الأفضل أداءً، ومن بينها الأرجنتين وتركيا ومصر، كلها تجري إصلاحات مالية، مقارنة بدول أخرى يتزايد فيها عجز الموازنة، مثل المكسيك والبرازيل.
وبحسب أدريان دو توا، مدير بحوث ائتمان الأسواق الناشئة في شركة "أليانس برنشتاين" فإن "آليات المالية العامة تتجه لأن تصبح محور اهتمام المستثمرين. يرجع ذلك - ضمن أسباب أخرى - إلى نتائج الانتخابات المفاجئة، وحقيقة التداخل بين السياسة وآليات المالية العامة. قد يُعزى ذلك أيضاً إلى شعور بأن التيسير النقدي قد لا يكون كبيراً أو مجدياً في حالة الإبقاء على أسعار الفائدة لفترة أطول".
منذ سنتين حتى مارس الماضي، دأب المستثمرون في سندات الأسواق الناشئة على السعي وراء العائدات المرتفعة، وقدمت الدول التي كانت بنوكها المركزية أكثر تشدداً في السياسة النقدية أفضل العائدات.
خلال تلك الفترة، حصل المستثمرون في السندات بالعملة المحلية في المكسيك على عائد نسبته 37%، وبلغ العائد في البرازيل 22%، فيما وصل في بولندا وكولومبيا إلى 18%. أما الدول الأسوأ أداءً، مثل تركيا والأرجنتين وجنوب أفريقيا، فتمت معاقبتها نظراً للتيسير المفرط في سياساتها النقدية.
منذ ذلك الوقت، دفعت عودة تقلب أسعار العملات مديري الأصول إلى تغيير مسارهم، واعُتبرت علاوات المخاطرة عاملاً مهماً مجدداً، مع إطلاق العنان لاستراتيجيات التجارة بفوارق معدلات الفائدة، فيما سجل العائد الإضافي للسندات الحكومية المقومة بالدولار على عائد سندات الخزانة الأميركية أكبر ارتفاع فصلي منذ 2022.
دول تجني ثمار الإصلاحات المالية
حالياً، تجني الحكومات التي تتخذ قرارات صعبة بشأن سياسة المالية العامة المنافع الأكبر. فأصبحت الأرجنتين، على سبيل المثال، صاحبة الأداء الأفضل في السندات المقومة بالعملات المحلية خلال الربع المنتهي في يونيو، بعد أن تغلب الرئيس خافير ميلي على عقبات للحصول على موافقات لتطبيق إجراءات ضريبية من شأنها أن تساعد الدولة في تحقيق أهدافها المالية والسيطرة على التضخم الجامح.
بالمثل، تحصد السندات المصرية ثمار تحضيرات الرئيس عبد الفتاح السيسي لإجراء إصلاح اقتصادي شامل، وجاءت سنداتها المقومة بالدولار في المرتبة 9 من بين الـ10 الأفضل أداءً بالأسواق الناشئة الاثنين، مواصلة ارتفاعها في الأسبوع الماضي. كما يكافئ المستثمرون تركيا على العودة إلى السياسات المالية التقليدية.
تركيز المستثمرين على المالية العامة مستمر
قالت إيفيت باب، مديرة محفظة استثمارية في شركة "ويليام بلير إنفستمنت مانجمنت" (William Blair Investment Management) إن "التركيز على إصلاحات المالية العامة في الأسواق الناشئة موجود بالتأكيد. نرجح أن يواصل المتعاملون في السوق تركيزهم على مصداقية سياسات الاقتصاد الكلي".
قلصت البرازيل خسائر سنداتها الأسبوع الجاري، بعد أن أعلن وزير المالية فرناندو حداد عن خفض الإنفاق لدعم الموارد المالية للدولة، وكانت سنداتها الأسوأ أداءً في الأسواق الناشئة خلال الربع الماضي.
شهدت سندات إندونيسيا موجة بيع كثيف أولية، بعد أنباء عن أن الإدارة الجديدة سترفع مستويات الدين، رغم تراجعها عن ذلك منذ ذلك الحين. على جانب آخر، انخفضت أسعار سندات نيجيريا بعد عدم توسيع حكومة الرئيس بولا تيوبو نطاق الإصلاحات المرتبطة بأسعار الصرف لتشمل جانب المالية العامة.
قال جوزيف كوثبرتسون، محلل السندات السيادية في الأسواق الناشئة لدى شركة "باين بريدج إنفستمنتس" (Pinebridge Investments): "سيتوقع المستثمرون رؤية التحفظ المالي والتشديد النقدي معاً".
الإصلاحات المالية ليست سهلة
مع ذلك، توضح أعمال الشغب في كينيا خلال الأسابيع الماضية، مدى صعوبة تنفيذ الإصلاحات المالية، حيث خلفت الاحتجاجات المعارضة لاقتراح إدارة الرئيس ويليام روتو زيادة الضرائب، 41 ضحية على الأقل. وأعلنت الحكومة منذ ذلك الوقت أنها ستلجأ للحصول على قروض أخرى لتعويض خطط الضريبة التي تخلت عنها.
وقال تشارلز روبرتسون، مدير الاستراتيجية الكلية في شركة "إف آي إم بارتنرز" (FIM Partners): "المشكلة في الإصلاحات المالية أنها تفاقم معاناة شعوب تعاني بالفعل. تشير الاحتجاجات في كينيا إلى أن هناك حدوداً لمدى سرعة تنفيذ تلك الإصلاحات المالية. ويمثل ذلك مصدر الضبابية الأساسي الذي يجب على المستثمرين مواجهته".
رغم أن بداية بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المقبلة في التيسير النقدي ستساعد على خفض تكاليف الاقتراض عالمياً، يجب على الأسواق الناشئة إيجاد طريقة للسيطرة على الديون دون الإضرار بالنمو الاقتصادي، بحسب دو توا من شركة "أليانس برنشتاين".
وأشارت ناتالي مارشيك، محللة مخاطر الديون السيادية في الأسواق الناشئة في "إتش إس بي سي"، إلى أن "المهم للحكومات ألا تفرط في وعودها وألا تفي بها، حيث إن رد الفعل السلبي للسوق قد يكون بالغ القوة".