بلومبرغ
استطاع اقتصاد بريطانيا أن يخرج من هاوية الركود بوتيرة أسرع من التوقعات السابقة، محققاً أقوى معدل للنمو منذ أكثر من عامين، مدفوعاً بقطاع الخدمات والإنفاق الاستهلاكي.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية، اليوم الجمعة، إن الناتج المحلي الإجمالي حقق نمواً بنسبة 0.7% خلال الربع الأول من هذا العام، معدلاً بذلك تقديره السابق بمعدل نمو يبلغ 0.6%. ولم يكن معظم الاقتصاديين يتوقعون إجراء أي تعديل على هذا المعدل.
تدعم هذه الأرقام رأي رئيس الوزراء ريشي سوناك بأن الدولة تشهد تحولاً بعد الأزمة الطفيفة التي تعرضت لها العام الماضي، وذلك على الرغم من أن حزب المحافظين الذي ينتمي له يتخلف عن حزب العمال المعارض في استطلاعات الرأي السابقة للانتخابات التي ستجرى الأسبوع المقبل.
ويتوقع بنك إنجلترا نمواً مستقراً خلال ما تبقى من العام مع استفادة المستهلكين من ارتفاع الأجور وتراجع أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة.
ارتفع الناتج في قطاع الخدمات بنسبة 0.8%، بعد مراجعته بالزيادة من مستوى 0.7%، منهياً ثلاثة فصول متتالية من الانخفاض.
قادت أنشطة الخدمات المهنية والبحث والتطوير العلمي هذا الارتفاع. وأعلن مكتب الإحصاءات الوطنية أيضاً عن نمو قوي في التجارة والإنفاق الاستهلاكي.
كذلك تعافى الاقتصاد البريطاني بشكل ملحوظ على أساس نصيب الفرد. إذ ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5%، بعد مراجعته بالزيادة من مستوى 0.4%، بعد عدم تحقيق أي زيادة فيه على مدى سبعة فصول متتالية.
غير أن مكتب الإحصاءات الوطنية قال إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لايزال أقل بنسبة 0.6% عن مستواه قبل عام من الآن.
مستوى المعيشة في المملكة المتحدة
كشف تقرير المكتب أن مستويات المعيشة في المملكة المتحدة ارتفعت للفصل الثاني على التوالي إلى أعلى مستوى لها منذ النصف الثاني من عام 2021، مدفوعة بزيادة الأجور وانخفاض الضرائب.
وارتفع نصيب الفرد من دخل الأسرة القابل للإنفاق بنسبة 0.5% بعد تعديله وفقاً لمعدل التضخم، وذلك مقارنة بارتفاعه 0.4% في الربع الرابع من 2023.
من المؤكد أن حزب المحافظين الذي ينتمي إليه سوناك سيغتنم فرصة الاستفادة من هذه الأرقام في المعركة الانتخابية التي يخوضها حتى يتجنب الخسارة الفادحة أمام حزب العمال المعارض في الانتخابات العامة التي ستجري في 4 يوليو.
يحاول رئيس الوزراء أن يقنع المتشككين من الناخبين بأن بإمكانهم أن يثقوا في قدرة حزب المحافظين على إدارة الاقتصاد الذي يُظهر الآن علامات على التحسن، بعد أعنف أزمة في مستوى المعيشة شهدتها البلاد منذ عقود.
أوضح بول ديلز، كبير خبراء الاقتصاد البريطاني بشركة "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics)، أن هذه الأرقام "تحمل أخباراً سارة لمن سيصبح رئيساً للوزراء في الأسبوع القادم"، وأن الاقتصاد ربما أصبح "أقوى قليلاً من المستوى الذي يتجاوز إجماع التوقعات بالفعل".
تأجيل بنك إنجلترا خفض أسعار الفائدة
كذلك قد يثير النمو القوي قلق بنك إنجلترا بشأن الضغوط التضخمية المستمرة، مما قد يؤدي إلى تأجيل أول تخفيض في أسعار الفائدة منذ الجائحة.
وقال ديلز: "على الهامش، كل هذا قد يضعف شعور بنك إنجلترا بالارتياح لخفض أسعار الفائدة في أغسطس".
لا يزال تعافي بريطانيا من تأثير الجائحة متأخراً عن جميع أعضاء مجموعة الدول السبع باستثناء ألمانيا، حيث بلغ النمو 1.8% منذ نهاية عام 2019 قبل تفشي الفيروس. وعلى النقيض من ذلك، حققت الولايات المتحدة انتعاشاً بنسبة 8.6%.
ترتفع الأجور في المملكة المتحدة مرة أخرى بوتيرة أسرع من زيادة الأسعار، مما يساعد على إصلاح الأوضاع المالية للأسر التي تضررت من صدمة أسعار الطاقة والتضخم الذي تجاوز 10% في عام 2022.
ومن المتوقع أن يحدث مزيد من التحسن في الربع الجاري بعد خفض ضرائب الرواتب في أبريل والزيادات الكبيرة في مدفوعات الرعاية الاجتماعية ومعاش الدولة والحد الأدنى للأجور.
ومع ذلك، قد يستمر الدخل الحقيقي دون زيادة عند مستوى ما قبل الانتخابات السابق في عام 2019، وربما أقل.
إنفاق المستهلكين البريطانيين
ومع ذلك، هناك دلائل على أن المستهلكين مازالوا يلتزمون الحذر، إذ ارتفع معدل الادخار، الذي يُظهر مقدار ما يختار الناس عدم إنفاقه من الدخل المتاح، إلى 11.1% في الربع الأول من هذا العام، وهي أعلى نسبة ادخار منذ الربع الثاني من عام 2021، ويمثل ذلك تعارضاً صارخاً مع الوضع في الولايات المتحدة، حيث زاد المستهلكون الإنفاق وادخروا جزءاً صغيراً نسبياً من دخلهم.
ويتوقع بنك إنجلترا أن ينمو اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 0.5% في الربع الثاني، أي أسرع مما كان متوقعاً في السابق.
على صعيد آخر، أظهرت أرقام أخرى تراجع عجز الحساب الجاري، وهو الفرق بين الأموال الخارجة من المملكة المتحدة والأموال الواردة إليها، إلى 21 مليار جنيه إسترليني (26.5 مليار دولار)، أي 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي، في الربع الأول.
وباستثناء المعادن النفيسة، التي قد تكون تدفقاتها متقلبة، انخفض العجز بمقدار 2.5 مليار جنيه إسترليني إلى 23.8 مليار جنيه إسترليني. وجاء هذا التحسن مدفوعاً بانخفاض العجز التجاري، والذي قابله جزئياً ارتفاع العجز في تدفق الدخل من الاستثمار.