المستثمر ديفيد ساكس يدعم ترمب بعدما جرب المنافسين

المستثمر الجريء يرسخ مكانته في أوساط اليمين السياسي في وادي السيليكون

time reading iconدقائق القراءة - 18
صورة لديفيد ساكس تعود لعام 2018 - المصدر: بلومبرغ
صورة لديفيد ساكس تعود لعام 2018 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

سلك المستثمر ديفيد ساكس مساراً متعرجاً قبل أن يصبح مؤيداً للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. فقد قدم 50 ألف دولار في 2012 لميت رومني، وفي 2016 خصص لحملة هيلاري كلينتون 33400 دولار، ثم غاب عن السباق الانتخابي لعام 2020، وقال إثر أعمال العنف في مبنى الكابيتول إن "ترمب فقد أهلية ترشحه مجدداً على المستوى الوطني".

في بدايات دورة 2024 الانتخابية، دعم روبرت كينيدي جونيور ورون ديسانتيس، بل كان له دور علني في إطلاق الحملة الرسمية لديسانتيس التي شابتها مشكلات تقنية عديدة. كما شارك في استضافة فعاليات لجمع التبرعات لصالح كينيدي وفيفيك راماسوامي.

لكن المطاف انتهى بساكس هذا الشهر في نفس الموقع الذي وجد معظم الجمهوريين أنفسهم فيه هذا العام. فقد استضاف حفلاً لجمع التبرعات لصالح حملة ترمب، وهو المرشح الوحيد الذي له فرصة جدية ليهزم الرئيس جو بايدن.

أُقيم حفل جمع التبرعات الذي بلغ سعر بطاقة حضوره 300 ألف دولار للشخص في منزل ساكس المصمم على الطراز الإيطالي في منطقة باسيفيك هايتس في سان فرانسيسكو والتي يسميها "برودكليف"، وتتميز بمشهد أخاذ للخليج.

قال ساكس في مقابلة في مكتبه: "وجهت كثيراً من الانتقاد لأداء جو بايدن خلال السنوات الأربع الماضية، ولا أرغب بأن يفوز بولاية ثانية... لقد اطلعت على كافة الخيارات البديلة وبدأت أعرفها".

دعم لترمب في وادي السيليكون

إلا أن توقيت الحفل ربما يكون غريباً، فقد جاء بعد أسبوع من إدانة ترمب في نيويورك في 34 جناية على صلة بإخفاء فضيحة جنسية مزعومة عشية الانتخابات الرئاسية لعام 2016. إلا أن ساكس يرفض هذه التهم ويعتبرها ذات دافع سياسي، حتى أنه يرجح أن تزيد الإدانة من حظوة ترمب.

بعد ساعات على إصدار هيئة المحلفين الحكم، أعلن شون ماغواير من شركة "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital) عبر منشور على موقع "إكس" عزمه أن يقدم 300 ألف دولار لحملة الرئيس السابق. ونشر ساكس تعليقاً جاء فيه: "لدى ترمب مؤيدون كثر في وادي السيليكون، وكثير من هؤلاء يخشون الإقرار بذلك. لكن كل عمل شجاع مثل هذا (الحفل)، يفتح ثغرة في السد".

اجتاحت موجة تأييد متجددة لترمب أوساط المحافظين في وادي السيليكون، في وقت يبدو فيه موقف بايدن ضعيفاً، إذ لا يتردد كثيرون في مجال التقنية في تحميله مسؤولية التضخم، فيما ينتقدون نهج إدارته في مجال مكافحة الاحتكار وتنظيم الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة.

تموضع ساكس في مقدمة هذا التحرك، فإلى جانب وجود عدد كبير من المتابعين على "إكس"، هو مقرّب أيضاً من مالك الموقع إيلون ماسك، الذي أصبح أحد أبرز مؤيدي السياسات اليمينية في قطاع التقنية. كما أنشأ ساكس منبراً له عبر بودكاست (All-In) الذي يشارك في تقديمه منذ 2020.

يتطرق عبر تلك المنصة، وكذلك يفعل المستثمران تشاماث باليهابيتيا وجايسون كالاكانيس ورائد الأعمال ديفيد فريدبرغ، إلى شؤون قطاع التقنية، ويتناولون السياسة خلال حلقاته الأسبوعية التي غالباً ما تبلغ 90 دقيقة. وقد أصبح (All-In) جزءاً حيوياً من المنظومة الإعلامية في وادي السيليكون، إذ يتابعه حوالي 430 ألف شخص عبر "سبوتفاي".

نظراً لشعبية البودكاست، يتجنب الجمهوريون الرافضون لترمب وغيرهم من الخصوم السياسيين، الحديث علناً عن ساكس لتجنب التعرض لانتقادات علنية في البودكاست.

معارضة تمويل أوكرانيا

كثير من آراء ساكس محافظة تقليدية، فهو يعرب عن امتعاضه من الإسراف في الإنفاق الحكومي وتشديد القيود الناظمة. إلا أنه يتخذ موقفاً تحررياً لافتاً فيما يخص حرية التعبير، فهو يصف مثلاً مواقف اليمين من الاحتجاجات المعارضة للحرب على غزة في الجامعات الأميركية بأنها "مفرطة الحساسية".

لعل موقفه الأبرز هو المتعلق بأوكرانيا، إذ يطالب الحكومة الأميركية بإلحاح مرهق بأن تتوقف عن إنفاق مبالغ طائلة على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ويدعو كييف لتقديم تنازلات كبيرة لإنهاء الحرب مع روسيا. ينسجم ذلك مع موقف كثير من الجمهوريين المؤيدين لترمب، برغم تعارضه مع طريقة تفكير الحرس القديم في المؤسسة المحافظة.

قال ساكس إن مقدمي (All-In) عرضوا فكرة تسجيل مقابلة مع ترمب خلال حفل جمع التبرعات، لكن يبدو أن مثل هذه المقابلة ستُؤجل إلى وقت لاحق من العام. وكشف باليهابيتيا، الذي أدان ترمب عقب أحداث السادس من يناير ليعود ويشارك في استضافة حفل جمع التبرعات، إن (All-In) سبق أن طلب من بايدن المشاركة في البرنامج ولم يتلق رداً بعد.

لا يرى فريدبرغ غرابةً في زيادة انخراط أقطاب التقنية في السياسة نظراً للاهتمام المتنامي الذي يوليه المسؤولون الاتحاديون للقطاع. وكتب في رسالة إلكترونية: "أعتقد أنه طبيعي أن يرغب العاملون في وادي السيليكون بأن يشاركوا أكثر في الحياة السياسية على المستوى الوطني"، موضحاً أن تعليقه يأتي في السياق العام ولا يتعلق بشخص محدد.

تاريخ من الانخراط السياسي

يعود انخراط ساكس في القضايا السياسية والاجتماعية إلى أيام دراسته في جامعة ستانفورد في أوائل التسعينيات، حين كان يعمل في صحيفة "ستانفورد ريفيو" (Stanford Review) ذات التوجهات التحررية التي أنشأها المؤسس الشريك لـ"باي بال"، المستثمر بيتر ثيل.

تعاون ساكس وثيل أيضاً في تأليف كتاب "أسطورة التنوّع" (The Diversity Myth) عام 1995، الذي زعما فيه أن التسويق للتنوّع تحوّل إلى أداة لتقييد الحريات، وتوقعا عبر سطوره ببعض الحجج التي يستخدمها اليمين الأميركي اليوم للتصدي لحركة "الووك". كما طرحا تساؤلات حيال سياسات الجامعة في ما يخص قضايا الاعتداء الجنسي، التي اعتبرا أنها قد تؤدي إلى معاقبة أفراد على علاقات بتوافق أطرافها، وقالا إن "تهمة الاغتصاب في حال كان المعنيون بها من ثقافات مختلفة ربما لا تكون في الواقع أكثر من إعراب متأخر عن الندم". اعتذرا لاحقاً على هذه الأجزاء من الكتاب، وقال ساكس في مقابلة مع الصحافية كارا سويشر عام 2016 إن الكتاب "لا يمثّل من أصبحت اليوم وما أؤمن به".

بنى ساكس سمعته في مجال التقنية خلال عمله كمدير للعمليات في شركة "باي بال" (PayPal) للتحويلات المالية التي أسسها ثيل وماسك في نهاية التسعينيات. وبعد بيع "باي بال" إلى "إي باي" (eBay) عام 2002، جرّب حظه في هوليوود، حيث أنتج الفيلم الساخر (Thank You for Smoking) الذي ركز على طريقة عمل جماعات الضغط السياسية لجعل ما لا يُستساغ مقبولاً.

عاد بعدها إلى وادي السيليكون، وأنشأ شركة "يامر" (Yammer) للتواصل في مكان العمل التي اشترتها "مايكروسوفت" في 2012 مقابل 1.2 مليار دولار. وفي 2017، أسس ساكس شركة رأس المال المغامر "كرافت" (Craft) التي استثمرت في شركات "بورينغ" (Boring) و"نيورالينك" (Neuralink) و"سبيس إكس" (SpaceX) التي يملكها ماسك. كما حققت الشركة أرباحاً من استثماراتها في شركة "بيرد" (Bird) لتشارك الدراجات، عند طرحها في البورصة من خلال شركة استحواذ ذات أغراض خاصة في 2021، وقد أشهرت "بيرد" إفلاسها في ديسمبر.

استثمرت "كرافت" أيضاً في شركات تتبنى مفاهيم حرية التعبير التي يؤمن بها ساكس، ومنها شركة البودكاست الاجتماعي "كولين" (Callin) وموقع "ريديت" (Reddit) للتواصل الاجتماعي، وأيضاً في الشركات التي تنسجم مع خبرته في التقنيات الموجّهة للشركات، مثل الشركة الناشئة "كليك أب" (ClickUp) المتخصصة بتحسين الإنتاجية والشركة الناشئة "فانتا" (Vanta) المتخصصة بتحسين الامتثال.

تبرعات لمرشحين من الحزبين

فيما ازدادت ثروة ساكس، أصبح من كبار المتبرعين السياسيين وربما لم يبلغ مستوى بعض أقطاب التقنية مثل ستيف بالمر ورون كونواي، لكنه تبرع بما يكفي من المال خلال السنوات الماضية ليضمن عدم تجاهل الساسة لمكالماته. أنشأ أيضاً لجنة عمل سياسي أطلق عليه تسمية (Purple Good Government PAC)، وهو من أكبر مساهميها وكذلك زوجته جاكلين، وقد تبرعا عبرها لحملة كينيدي.

في كاليفورنيا، ساعد ساكس في تمويل محاولات التصدي للسياسيين الذين يعتبرهم المحافظون في الولاية ذوي توجهات ليبرالية مفرطة. فقد تبرع لصالح حملة ناجحة هدفت لسحب ثلاثة أعضاء من مجلس إدارة المدارس في سان فرانسيسكو، ولصالح حملة أخرى أخفقت بتحقيق هدفها بعزل حاكم كاليفورنيا الديمقراطي غافين نيوسوم.

على المستوى الوطني، يرتبط ساكس بعلاقة وثيقة مع المستثمر جيه. دي. فانس الذي أصبح عضواً في مجلس الشيوخ عن أوهايو، والذي تلقى معظم المليوني دولار التي قدمها ساكس كتبرعات سياسية للمرشحين على المستوى الوطني في 2022 و2023. قال الاستشاري السياسي الجمهوري روب ستوتزمان في ساكريمينتو إنه "مع لمعان نجم فانس، أعتقد أن ساكس سيكون ممن سيزدادون نفوذاً".

ركز ساكس على الساسة الجمهوريين في الأساس، ولكن هذا لا يعني أنه تجنّب الديمقراطيين. فقد تبرّع لصالح بيل كلينتون في 2016 إلا أنه يقلل من أهمية ذلك اليوم، ويبرر ذلك على أنه كان خدمةً لصديق كان يستضيف حفلاً لجمع التبرعات، وقد قدمت زوجته جاكلين 50 ألف دولار لصالح ترمب في العام نفسه. كما تبرّع الزوجان بمبلغ قدره 11600 دولار لصالح عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا كريستين سينيما، التي كانت ما تزال ممثلة للحزب الديمقراطي حينذاك، وكان ذلك بعد أيام على رفضها في 2022 إلغاء القاعدة التي تتطلب 60 صوتاً على الأقل في مجلس الشيوخ لإنهاء محاولة من النواب تعطيل قانون كان المجلس ينظر به.

كما تبرعا لصالح النائب رو كهانا، الديمقراطي الوسطي من وادي السيليكون الذي عارض حظر "تويتر" لروابط مقال في "نيويورك بوست" عام 2020 تناول ملفات عُثر عليها على جهاز كمبيوتر هنتر بايدن المسروق. قال ساكس: "تهمني القضايا أكثر من المرشحين. إذا وجدت أرضية مشتركة مع مرشح بشأن القضايا، فهذا رائع. يمكنني محاولة دعمه".

بروز على المستوى الوطني

يقول ساكس إنه غير معني بالترشح إلى منصب سياسي، كما أن الحياة اليومية للساسة المُعيّنين، مثل السفراء، التي تتطلب كثيراً من المصافحات والتودد، لا تبدو مثيرة بقدر صنع المنتجات أو الاستثمار في الشركات التقنية.

من جهتهم، يشير حلفاؤه السياسيون إلى أنه يساعد المحافظين الناشطين في قطاع التقنية على إيصال صوتهم السياسي. قال سوراب شارما، مدير منظمة "أميريكان موفمنت" (American Moment) ذات الميول اليمينية في واشنطن ويسهم ساكس في تمويلها: "هناك مجموعة واسعة من الحركات المثيرة للاهتمام في وادي السيليكون التي تتابعها واشنطن... وديفيد في طليعتها".

برغم أن ساكس وجه بارز في قطاع التقنية، إلا أنه ليس واسع الشهرة على الساحة السياسية الوطنية. ولعله كان يرغب في لفت الأنظار من خلال استضافته حفل جمع التبرعات لصالح ترمب. حتى أنه يبدو مستمتعاً بذلك. لقد كتب في يوم إدانة الرئيس السابق عبر "إكس" إن صحافياً رن جرس بوابته ليسأله عن حفل جمع التبرعات الذي سيُقام في الحي قريباً، وأنه أجابه قائلاً إنه "سعيد جداً بذلك".

تصنيفات

قصص قد تهمك