بلومبرغ
لم يكن الارتفاع التاريخي الذي حدث في الشهر الماضي للأسهم التي تمَّ بيعها على المكشوف مرتبطاً بمنتدى "ريديت" أو منصة "روبن هود" أو "غيم ستوب" فقط، ولكن قد يكون لها أيضاَّ علاقة بجولات الإعادة في مجلس الشيوخ في جورجيا.
فقد يكون التحاق اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين ذات تأثير على آفاق السياسات المالية والنمو الاقتصادي، مما قد يغيِّر استراتيجية البيع على المكشوف لأسهم الشركات التي تكافح في بيئة تشغيلية يتباطأ فيها النمو الاقتصادي بشكل كبير - على الأقل في الوقت الحالي.
ربما كانت الأسهم تعاني في بيئة تشغيلية، بلغ متوسط النمو الاقتصادي فيها 2 إلى 3% سنوياً، ولكنَّ الوضع سيكون أفضل بكثير إذا وصل النمو في المتوسط إلى 5% أو أكثر، كما يتوقَّع الاقتصاديون لهذا العام.
تغير استراتيجية البيع على المكشوف
ومع تطلُّع الكونغرس إلى إنفاق تريليونات الدولارات لتعزيز الاقتصاد، قد يحتاج البائعون على المكشوف إلى اتباع قواعد جديدة لتحقيق النجاح.
تتغيَّر استراتيجيات البائعين على المكشوف مع تغيُّر بيئة السوق بشكل عام، ففي أوائل عام 2000، كانت هناك عمليات بيع على المكشوف لأسهم شركات التي شهدت مبالغات في تقديرها، وكذلك شركات مثل "إنرون كورب" ذات الفضيحة المحاسبية الكبرى.
وفي وقت لاحق من هذا العقد، كانت عمليات البيع على المكشوف تستهدف شركات مرتبطة بأسواق الإسكان والائتمان، وهو ما تزامن مع ما كتبه مايكل لويس في كتابه بعنوان The Big Short الذي يركِّز على تجارة المشتقات، وما تسبَّبت فيه من ذعر في الأسواق.
وعلى مدار العقد الماضي، كان الموضوع الأكثر شيوعاً بين البائعين على المكشوف، هو الرهان على الخاسرين من الاضطراب التكنولوجي، سواء كانوا تجار تجزئة تقليدية؛ فقدوا حصتهم في السوق لصالح شركات التجارة الإلكترونية، ومنتجي النفط والغاز الطبيعي، الذين يفقدون حصتهم من السوق لصالح مصادر الطاقة المتجددة، وكذلك صناعة الخدمات المالية التقليدية التي تكافح مع أسعار الفائدة المنخفضة، والرسوم المنخفضة، وكذلك مع فقدها لجزء من رصيدها لصالح شركات التكنولوجيا المالية الجديدة، مثل: "سكوار" Square، و"باي بال" PayPal.
كل هذه الرهانات بالبيع على المكشوف كانت بمثابة رهانات على النمو الاقتصادي البطيء، ولكن عندما يكون النمو أسرع بكثير- كما هو متوقَّع -، سيصبح وقتها تجار التجزئة التقليديين في وضع مستقر بالرغم من الفوارق مع التجارة الإلكترونية، وسوف تستفيد شركات النفط والغاز من الزيادة المؤقتة على الأقل في أسعار الطاقة، وكذلك البنوك من ارتفاع معدَّلات الفائدة، ونمو القروض.
ارتفاع أسهم الشركة المتعثرة
قد تكون أزمة "غيم ستوب" بمثابة الخطوة التي صنعت الأخبار، أو ألقت الضوء على ما يحدث على نطاق واسع، لكن هذه الأسهم التي تمَّ بيعها على المكشوف كانت ترتفع بقوة لبعض الوقت نتيجة التسعير، وفقاً لتوقُّعات بتسارع النمو الاقتصادي بالتزامن مع ظهور لقاحات كوفيد 19، والدعم السياسي لتحفيز مالي إضافي.
وقد يتحوَّل الارتفاع الكبير لأسهم الشركة المتعثِّرة إلى ملحمي نتيجة العمل في بيئة نمو اقتصادي، ولكن ذلك يتوقَّف بشكل كبير على القوة التشغيلية، ومدى قوة الرفع المالي لدى تلك الشركة.
ويمكن توضيح تلك الفكرة بصورة مبسطة عند مقارنة بائع تجزئة رائد، مثل "ولمارت" Walmart Inc، مع شركة تكافح، مثل "ميسي إنك" Macy's Inc، فقد تعني زيادة الإيرادات بنسبة 2% لكلا الشركتين وسط بيئة تشغيلية تشهد نمواً ذات معنى مختلف. أما بالنسبة لـ"ولمارت"، يمثِّل ارتفاعاً طفيفاً، ولكن في حالة ميسي تعني التحوُّل من الخسارة المتواضعة، والمسار البطيء للإفلاس إلى ربح متواضع، يمكن استخدامه لإعادة الاستثمار في الأعمال التجارية أو سداد الديون.
وأما بالنسبة للشركات المتعثِّرة، مثل ميسي، غالباً ما تكون الديون كبيرة، ومصحوبة بأسعار فائدة مرتفعة تتماشى مع مخاطرها، مما يجعل معالجة الديون أكثر صعوبة، ولكن مع تحوُّل الشركة للنمو، يصبح مستثمروها أكثر تفاؤلاً بشأن آفاق الشركة، و ترتفع أسعار سنداتها غالباً، مما يمنح الشركة مزيداً من المرونة لمعالجة أوضاعها المالية المتعثِّرة.
حزمة تحفيز لمشروعات البنية التحتية
وبغض النظر عن مستثمري "ريديت"، و"روبن هود"، فهناك زيادة في التطعيمات في الولايات المتحدة بوتيرة تقترب من مليوني جرعة يومياً، في حين يعمل الكونغرس على إقرار حزمة إغاثة مالية يقارب حجمها تريليوني دولار، قد تتزامن مع حزمة تحفيز أخرى لمشروعات البنية التحتية بقيمة تريليون دولار لاحقاً خلال هذا العام.
ومن المرجَّح أن تكون بيئة النمو الاقتصادي قوية للغاية بعض الوقت، حتى أنَّ الشركات المتعثرة سوف تجني بعض الأرباح المفاجئة لفترة من الوقت، وهذا يجعل بيع الأسهم على المكشوف بناءً على النمو الاقتصادي البطيء رهاناً غير صائب.
ما نحتاجه هو كتاب قواعد لعب جديدة، ربما يعني ذلك أنَّ ننتبه إلى عشرات الشركات المدرجة حديثاً، التي قد تعاني في ظل سعيها للتكيف مع طرحها للتداول العام. في حالة حدوث تضخُّم أسرع، فقد يمثِّل ذلك مشكلة لبعض الشركات، ويوفِّر فرصة بيع لم يرها المستثمرون منذ فترة. وربما تتلاشى آثار التحفيز المالي في وقت لاحق من العام، مما يمنح البائعين على المكشوف فرصة لإعادة العمل وفقاً لكتاب قواعد النمو البطيء في عام 2022.
ولكن بما أنَّ لدينا مستويات تاريخية من النمو الاقتصادي جنباً إلى جنب مع المستويات التاريخية للتحفيز المالي والنقدي، كما هو الحال بالنسبة لنا على الأرجح في معظم عام 2021، فربما يحتاج البيع على المكشوف إلى إعادة التفكير، فكل السياسات الحكومية الأمريكية تؤكِّد فشل الرهانات على النمو البطيء.