بلومبرغ
بدأت كريستال هانسلي عملها في مجال الطاقة الخضراء، الذي أتاحه لها عاملون في مجال بيع السيارات، بعد أن كانت أنهت للتو عملها في مبنى "كابيتول هيل" في صيف عام 2017، لتبدأ بعد ذلك العمل في وكالة "تشيفي" خارج مدينة بالتيمور في الولايات المتحدة.
كانت هانسلي المرأة السوداء الوحيدة في صالة العرض، وكان زملاؤها في العمل، ومعظمهم من الرجال البيض، مهتمين ببيع سيارات "كورفيت" و"سيلفرادوس" أكثر من اهتمامهم بالسيارات الكهربائية المعروضة. لذلك ابتكرت هانسلي مكانتها الخاصة في البيع لتركز على المركبات الكهربائية، وتحقق عشرات المبيعات من الطرازات كل شهر.
تقول هانسلي: "لقد كانت لحظة حاسمة، حين فهمت إمكانية استفادة الزبائن من الخصومات الخضراء والحوافز الأخرى المقدمة لتحفيز المركبات الكهربائية، وهم غالباً من الأثرياء".
وفي العام الماضي أسست الشابة البالغة من العمر 32 عاما شركة "WeSolar"، وهي شركة تركز على الطاقة الشمسية المجتمعية، وعلى الرغم من كونها شركة ناشئة فإنها سريعة النمو في الصناعة. وتركز الشركة على "الطاقة الشمسية الافتراضية" كما يطلق عليها أحياناً، لتوفير التركيبات الخاصة على الأسطح، وإدارة مشاريع الطاقة الشمسية.
وتوفّر هذه المشاريع الطاقة للأسر والشركات من مزارع الطاقة الشمسية الصغيرة، بدلاً من الاعتماد على الألواح فوق الأسطح، ويشتري العملاء حصصاً فيها، ويحصلون على رصيد من فواتير الخدمات الشهرية بناءً على استخدامهم.
فجوة عرقية في الطاقة النظيفة
وتُعتبر هانسلي أول امرأة سوداء في الولايات المتحدة تدير مشروعاً للطاقة الشمسية المجتمعية، لكنها تهدف إلى أن تكون أكثر من مجرد بطلة في مجال الطاقة النظيفة، فبالإضافة إلى كل مميزات الطاقة الخضراء، فإنه في الحقيقة مجال تترسخ فيه العنصرية. ويميل مجال الطاقة الشمسية إلى ذوي البشرة البيضاء بشكل صارخ، بدءاً من توافر التركيبات وحتى الأسر ذات الدخل المرتفع الذين حصدوا في الأساس فوائد الألواح الخاصة على الأسطح.
وطوال الوقت، تعاني الأحياء المحرومة من السكان ذوي الخلفيات العرقية المختلفة بشكل غير متناسب من تلوث الوقود الأحفوري ومخاطر تغير المناخ. وتعتقد هانسلي أن مهمتها تتوجه لتحقيق بعض المساواة بين الأحياء الثرية وهذه الأحياء الفقيرة من حيث قدرة الوصول إلى الطاقة النظيفة من خلال الطاقة الشمسية المجتمعية ونظام الاشتراكات.
وتقول هانسلي، التي أسست شركتها الناشئة في التاسع عشر من يونيو الماضي، وهو اليوم الذي أُرّخ كيوم نهاية العبودية في الولايات المتحدة إن في استغلال الطاقة النظيفة فجوة. وفيما كانت الاحتجاجات حول العدالة العرقية جارية في جميع أنحاء البلاد العام الماضي، كانت هي تتساءل: "لماذا لا نبني الجسر للتواصل مع هذه المجتمعات التي تُركت للموت؟".
وتُعَدّ مشاريع الطاقة الشمسية المجتمعية جزءاً صغيراً من صناعة الطاقة الشمسية، لكن يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في السباق نحو اقتصاد منخفض الكربون. وتقليدياً تُباع الطاقة الشمسية المنتجة عبر الأسطح لمجموعة محددة من الأشخاص بما في ذلك أصحاب المنازل الذين حصلوا على درجات ائتمانية عالية ويمكنهم تحمل الاستثمار الأولي.
وواجه السود وغيرهم من المجموعات المحرومة في الولايات المحتدمة وابلاً من العقبات في الحصول على الطاقة الشمسية على الأسطح. ومع ذلك، تقدّم شركة "كوميونيتي" للطاقة الشمسية إمكانية شراء الألواح بسعر أقلّ، ولدى الشركة القدرة على مساعدة ما يقرب من نصف الأسر الأمريكية التي تُعتبر منخفضة الدخل والتي تدفع حصة أكبر من دخلها على فواتير الطاقة.
ويقول غابرييل تشان، الأستاذ المساعد في كلية همفري للشؤون العامة بجامعة مينيسوتا، والباحث في سياسات ابتكار تكنولوجيا الطاقة للمساعدة على تخفيف تغيُّر المناخ، إنه يمكن أن تكون الطاقة الشمسية المجتمعية إجابة لمن يمكنه المشاركة والاستفادة من تحول الطاقة، إذ يمكنها معالجة عبء الطاقة للسكان ذوي الدخل المنخفض.
وقد يكون هذا العام هو الأكبر في مجال الطاقة الشمسية المجتمعية، إذ يُقدَّر إضافة نحو 1000 ميغاوات من الطاقة، وفقاً لجمعية صناعات الطاقة الشمسية في واشنطن العاصمة، التي تتوقع أن التأجيلات التي حدثت خلال العام الماضي نتيجة لانتشار الوباء ستعود لأعمالها خلال عام 2021، بما في ذلك بعض الأماكن في نيوجيرسي وماين.
إلى جانب أنها تفيد المستأجرين وأولئك الذين يعيشون في عقارات ذات كثير من الظل، يمكن للعملاء عادةً توفير نحو 15% من فواتير الطاقة الخاصة بهم من خلال الطاقة الشمسية المجتمعية، وفقاً لتقديرات من "تحالف الوصول للطاقة الشمسية المجتمعية"، وهي مجموعة تجارية في واشنطن.
وبالنسبة إلى المقيمين ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، تختلف الخصومات المقدمة حسب الشركة والمرافق والدولة. ففي ولاية ماريلاند، على سبيل المثال، يمكن لمثل هؤلاء العملاء الحصول على خصم أعلى بنسبة 50% من المقيمين الآخرين، كما تقول المجموعة التجارية وتقول هانسلي إنه "من الإجرام أن لا يعرف الناس عن ذلك".
توسُّع مشاريع الطاقة المجتمعية
على بعد 136 كلم شمال مدينة نيويورك، وعلى مشارف بلدة بوكيبسي في وادي هدسون، تغطّي عشرات الصفوف من الألواح الشمسية الزرقاء، حقلاً مساحته 17 فداناً. وتحيط بها الأخشاب الكثيفة وجبال كاتسكيل في الأفق. وتضم نحو 8 آلاف و800 لوح، جميعها تميل جنوباً إلى التقاط أشعة الشمس وتحويلها إلى كهرباء. وتنتج مزرعة الطاقة الشمسية هذه التي تُعَدّ واحدة من أكبر المزارع في نيويورك وتديرها "كلير واي إنريجي"، 2 ميغاوات من الكهرباء، وهو ما يكفي لنحو 500 منزل، نصفها تذهب لمنخفضي ومتوسطي الدخل.
وعادةً ما تغطي مزارع الطاقة الشمسية المجتمعية 10-25 فداناً من الأرض، تولّد كل منها ما بين 2 و5 ميغاواتات من الطاقة، وهو ما يكفي لـ350-900 منزل، وفقاً لتحالف الطاقة الشمسية المجتمعية.
وتوسعت هذه المشاريع، التي بدأت من مشروع واحد في كولورادو لتشمل حالياً ألفَي مشروع للطاقة الشمسية المجتمعية تنتشر عبر 39 ولاية أمريكية، في 20 ولاية. وأصدرت واشنطن العاصمة حتى الآن تشريعات لدعم هذه المشاريع، وفقاً لمختبر الطاقة المتجددة الوطني الأمريكي. وتتصدر ولايتا مينيسوتا وماساتشوستس القائمة في هذه المشاريع، إذ تمثلان نحو نصف القدرة التراكمية للبلاد، تليهما نيويورك وفلوريدا.
وتضاعفت قدرة الطاقة الشمسية المجتمعية في الولايات المتحدة على أساس سنوي في العقد الماضي إلى نحو 2600 ميغاوات اعتباراً من يونيو عام 2020، وفقاً للمختبر الوطني للطاقة المتجددة ، ومع ذلك، فهي تمثل جزءاً بسيطاً من إجمالي صناعة الطاقة الشمسية، التي بلغت طاقتها المركبة 89 غيغاوات حتى نهاية سبتمبر من العام الماضي، وفقاً لـ"SEIA"، وهذه الطاقة تكفي لتشغيل 16.4 مليون منزل.
نماذج أعمال مختلفة
ولاختلاف مشاريع الطاقة الشمسية المجتمعية حسب الشركة والمرافق والدولة، فهناك نماذج أعمال مختلفة، ويُدفع لشركات الطاقة الشمسية المجتمعية مثل الشركة التي أنشأتها هانسلي من قبل المطورين لجذب العملاء بشكل أساسي وإدارة الفواتير. وتقول هانسلي إنها تخطط للعمل مع مطورين لاستئجار الأرض لمزارع الطاقة الشمسية الجديدة. وقد بدأت هانسلي تطوير مشاريع الطاقة الشمسية بنفسها، من خلال بناء البنية التحتية وتأجير العقارات لمزارع الطاقة الشمسية الجديدة.
وقبل أن تبدأ مشروعها بمفردها، عملت هانسلي في شركة للطاقة الشمسية المجتمعية في ولاية ماريلاند، حيث زارت الأحياء المنكوبة في بالتيمور بما في ذلك الحي الذي قُبض فيه على فريدي غراي الذي توُفّي لاحقاً خلال حجز الشرطة، مما أثار احتجاجات على مستوى البلاد. وفي أثناء زيارتها أوضحت هانسلي للسكان أنه يمكنهم الحصول على خصم بنسبة 25% على فواتير الطاقة الخاصة بهم عن طريق التحول للطاقة الشمسية.
و على عكس العلماء وأعضاء "نادي سييرا" وغيرهم من العاملين في مجال الطاقة النظيفة ممن باعت لهم هانسلي سيارات كهربائية ذات مرة في أثناء عملها السابق، والذين كانوا على دراية بالحوافز الخاصة بالطاقة النظيفة المتاحة لهم، كان سكان المدينة في الأحياء الفقيرة متشككين في البداية من فكرة هانسلي، إذ إن استهداف المقرضين لهم لسنوات، والمعاناة من آثار التمييز العنصري، جعلتهم لا يثقون بالأنظمة التي عُومِلوا فيها بشكل غير عادل.
وتقول هانسلي إن الشيء الأول الذي سيقوله الناس لي هو: "بمَ سيفيدنا ذلك؟"، وأضافت: "أنا لا أصدق هذا، إن هذه الحوافز أمر جيد جداً لدرجة يصعب تصديقها، المشكلة هي تراكم الأخطاء سابقاً، لذلك نحن مصدومون للغاية كمجتمع، إذ تُعتبر الطاقة الشمسية المجتمعية منتجاً مفيداً". ودخلت هانسلي أيضاً شراكة مع الكنائس المحلية والجماعات العاملة في الأحياء الفقيرة للمساعدة على كسر الحواجز وبناء الثقة.
بناء الثقة في المجتمعات الأقلّ دخلاً
وشهدت شركات أخرى نجاحاً في البيع للمجتمعات ذات الدخل المنخفض، فمنذ نحو أربع سنوات، بدأت شركة "بيفوت إنرجي" تقديم الطاقة الشمسية المجتمعية للمقيمين في دنفر وحولها. أما اليوم، فما يقرب من خُمس هؤلاء المشتركين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط يتلقى الخدمة، ويأمل المؤسس ريك هانتر أن يرتفع العدد مستقبلاً، إذ يطلب صانعو السياسات من مزودي الطاقة الشمسية تلبية احتياجات هؤلاء السكان.
ويأسف هانتر للعقبات التي تحوّل تطور المشاريع بشكل أسرع، إذ يقول إن غياب المساواة في التكنولوجيا المتوفرة، يمنع تطور هذه المشاريع، إذ لا يمكن للعملاء الذين ليس لديهم قدرة على الوصول إلى الإنترنت استخدام أنظمة دفع الفواتير عبر الإنترنت، كما تتطلب هذه الفواتير الآلية وجود حسابات جارية، وهي عقبة كبيرة أمام الأشخاص الذين ليس لديهم حسابات مصرفية. وأضاف هانتر : "قد يكون الأمر محيراً أيضاً عندما يحصل السكان على فاتورتين، إحداهما تظهر ائتماناً والأخرى توضح التكلفة، فليس من السهل دائماً رؤية الخصومات".
علاوة على ذلك، لا تُضمن هذه الخصومات دائماً لأن نماذج الاشتراك تختلف حسب المشروع، وفقاً لجيني هيتر، كبيرة محللي الطاقة في مختبر الطاقة المتجددة الوطني الأمريكي.
وتشمل التحديات الأخرى السكان ذوي الدخل المنخفض الذين عليهم تقديم سجلات للتحقق من دخولهم وإقراراتهم الضريبية، وليس لدى جميع الولايات سياسات تمكين لمشاريع المجتمع الشمسي، كما تقول هيتر.
وتضيف: "حتى لو فعلوا ذلك، تريد الدول تحقيق كثافة أكبر من مشاريع الطاقة الشمسية المجتمعية، من خلال إنشاء مشروعات أكبر للطاقة المتجددة لتحقيق أهدافها المتمثلة في انخفاض مستويات الكربون".
ووفقاً لما قاله باحثون في جامعة تافتس وجامعة كاليفورنيا كما ورد في "تقرير بيركلي" عام 2019، فإنه من خلال مسح لعينة بالأخذ بالاعتبار ملكية المنازل ودخل الأسرة، اكتُشف أن السود واللاتينيين يحصلون على نسبة أقل بمتوسط 69% و30% من الطاقة الشمسية على التوالي، وذلك مقارنة بالمساحات التي لا تحتوي على أغلبية عرقية. وبلغت مشاريع الطاقة الشمسية ذات الأغلبية البيضاء 21% من مشاريع الطاقة الشمسية. ويقول سيرجيو كاستيلانوس، أحد الباحثين، إن الافتقار إلى التنوع العرقي في القوى العاملة في مجال الطاقة المتجددة أعاق تقبُّل الطاقة الشمسية في أحياء الأقليات.
مجتمع السود جزء من الحل
وتعمل صناعة الطاقة الشمسية على تصحيح افتقارها إلى التنوع، إذ أبرمت جمعية صناعات الطاقة الشمسية شراكة مع تحالف عمل تنمية المجتمع للكليات والجامعات المحسوبة على السود تاريخياً، وذلك لتعزيز توظيف الطلاب الأمريكيين من أصول إفريقية في الصناعة، كما تعمل الرابطة الوطنية لتقدم الأشخاص الملونين لتعزيز الطاقة الشمسية في مجتمعات الأقليات، ودعم القوى العاملة من الخلفيات العرقية المختلفة. وفي أكتوبر من العام الماضي، بدأت مجموعة من شركات الطاقة المتجددة مبادرة لتعزيز التنوع والإدماج في الصناعة، تُسمَّى "مبادرة الطاقة المتجددة إلى الأمام".
وشارك غيلبرت كامبل (أحد المديرين التنفيذيين القلائل لشركة "بلاك سولار") في تأسيس "فولت إنرجي" في واشنطن العاصمة منذ أكثر من عقد، لكنه قلق بشأن ظهور "فجوة الثورة المناخية"، إذ يفقد سكان الأقليات فقط فوائد الطاقة الشمسية، ولا تحظى أعمال مثل أعماله بطفرة عادلة على عقود الطاقة الشمسية المربحة.
ويقول كامبل: "غياب هذه الأعمال يؤدي إلى تراجع النمو وفقدان الوظائف في النظام البيئي بالكامل من مهندسين ومحامين وشركات محاسبة، وهذا يمنع الأمريكيين من أصل إفريقي من بناء الثروات".
وتتعاون الشركة التي أنشأتها هانسلي مع شركة كامبل لتقديم الطاقة الشمسية المجتمعية لسكان المدينة في الأحياء الأفقر في واشنطن العاصمة وماريلاند. وتعمل هانسلي في مشاريع أخرى، بما في ذلك مزرعة للطاقة الشمسية في ولاية ماين، ومشروع جديد في مسقط رأسها في بروكلين. كما تجمع الأموال من المستثمرين المؤثرين لدعم توسعها، إذ تستهدف توفير 10 ميغاواتات هذا العام، كما تقول: "نحن (مجتمع السود) بحاجة إلى أن نكون جزءاً من حلول الطاقة".