بلومبرغ
يستهلك العالم المزيد من النفط أكثر من أي وقت مضى، ويتجاوز الطلب التوقعات مرة أخرى هذا العام، مما يثير تساؤلات بشأن موعد وصول الاستهلاك العالمي إلى الذروة. ساهم التعطش المستمر للنفط الخام في زيادة لهجة الثقة التي تحدث بها مسؤولون تنفيذيون في مؤتمر "أسبوع سيرا" السنوي، الذي تنظمه "ستاندرد آند بورز غلوبال"، وهو الاجتماع السنوي لصناعة النفط في هيوستن، عاصمة الطاقة الأميركية.
رغم صعود السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، قال العديد من المشاركين الذين تحدثوا في المقابلات أو أمام الحضور في المؤتمر هذا الأسبوع، إنهم يتوقعون ارتفاع الاستهلاك لسنوات عديدة قادمة، مما يوجه ضربة لتحقيق أهداف إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.
قال أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية، أكبر منتج في العالم: "علينا أن نتخلى عن خيال التخلص التدريجي من النفط والغاز".
أضاف الناصر في خطاب صفق له الحاضرون بحماس: "ينبغي أن نستثمر فيهما (النفط والغاز) بشكل مناسب، بما يعكس افتراضات الطلب الواقعية، طالما كان الأمر ضرورياً".
وقال راسل هاردي، الرئيس التنفيذي لـ"فيتول" (Vitol)، أكبر شركة عالمية لتجارة النفط، أمام الحضور في المؤتمر إن شركته تراجع تقديراتها بشأن الذروة المقدرة لاستهلاك النفط إلى أوائل ثلاثينيات القرن الحالي بسبب التوقعات المنخفضة بشأن اعتماد السيارات الكهربائية.
توقعات متحفظة لوصول الطلب العالمي إلى الذروة
تتوقع وكالة الطاقة الدولية -مسؤولة أمن الطاقة في دول العالم الصناعي- أن يرتفع الطلب على النفط بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً في عام 2024. لكن ذلك أقل من الصعود في الطلب البالغ 2.2 مليون برميل في العام الماضي، عندما أدى إلغاء الصين قيود مواجهة "كوفيد" لزيادة الاستهلاك، إلا أنه لا يزال جيداً وفقاً للمعايير التاريخية.
تتوقع الوكالة، التي اضطرت إلى رفع توقعاتها عدة مرات، أن يبلغ متوسط الطلب اليومي مستوى قياسياً عند 103.2 مليون برميل هذا العام. يشير ذلك إلى قوة الاقتصاد الأميركي والمسافة الإضافية التي تقطعها السفن لتجنب عبور قناة السويس، باعتبارهما محركين للطلب.
لكن الكثيرين في صناعة النفط يعتقدون أن وكالة الطاقة الدولية، التي تتوقع أن يصل الطلب العالمي إلى ذروته قبل نهاية العقد، متحفظة للغاية على المديين القصير والمتوسط.
تتوقع شركة تجارة النفط "غنفور غروب" (Gunvor Group) زيادة الطلب على النفط بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً هذا العام.
لكن "ترافيغورا" (Trafigura)، وهي شركة تجارية عالمية، تقول إن التوقعات المتفق عليها تبلغ حوالي 1.5 مليون برميل، وترى أن هناك مخاطر تدفع التوقعات إلى الصعود.
وقال سعد رحيم، كبير الاقتصاديين في "ترافيغورا" في مقابلة إن "الاقتصاد الأميركي، على وجه الخصوص، حقق أداءً أفضل من التوقعات". "أداء الطلب على النفط أفضل من التقديرات".
ساعدت قوة الاستهلاك في دفع أسعار النفط إلى الارتفاع، إذ صعدت العقود المستقبلية لخام برنت القياسي بنسبة 11% منذ مطلع 2024، وتم تداوله في وقت ما أكثر من 87 دولاراً للبرميل.
عوامل زيادة الطلب على النفط
هناك عوامل أدت إلى زيادة الطلب على نحو قوي، مثل تغيير مسار السفن بعيداً عن البحر الأحمر وحده الذي أدى إلى إضافة 100 ألف برميل يومياً إلى الطلب العالمي، حسب "فيتول". يعتبر وقود الطائرات والمواد البلاستيكية من المحركات القوية أيضاً للطلب على النفط.
كما أصبحت الهند عامل أساسي في زيادة الطلب على النفط. وتتوقع الحكومة الهندية أن ينمو اقتصاد البلاد 7% خلال السنة المالية التي تبدأ في أبريل، مما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً.
من المتوقع أن تصبح الهند، ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، أكبر مصدر منفرد لنمو الطلب العالمي من الآن وحتى عام 2030، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
قالت هيلين كوري، كبيرة الاقتصاديين في "كونوكو فيليبس" الأميركية لإنتاج النفط: "ظل الطلب على النفط قوياً للغاية، سواء في الولايات المتحدة أو في بلدان أخرى، سواء في البلدان المتقدمة أو الأسواق الناشئة.. نحن نتطلع إلى ارتفاع قياسي آخر في الطلب العالمي هذا العام في جميع المجالات".
وحتى يتم كسر العلاقة بين النمو الاقتصادي وارتفاع الطلب على البنزين والديزل والمنتجات النفطية الأخرى، فمن المرجح أن تظل ذروة استهلاك النفط الخام بعيدة المنال.
سيكون صعود المركبات الكهربائية على حساب محركات الاحتراق الداخلي أكبر عائق أمام الطلب على النفط في السنوات المقبلة، خاصة في الصين. لكن البحث الذي أجرته "بلومبرغ إن إي إف" يتوقع أن يتباطأ نمو مبيعات السيارات الكهربائية في السنوات المقبلة، في حين يستمر إجمالي عدد المركبات التي تعمل بالبنزين والديزل في الارتفاع.
قال الشيخ نواف الصباح، الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية، هذا الأسبوع، في توضيح لخطة الدولة الشرق أوسطية لزيادة طاقتها الإنتاجية: "نتوقع أن يتزايد الطلب على النفط خلال فترة التحول بمجال الطاقة".