بلومبرغ
في غضون عشرة أيام فقط، انتقلت مصر من حافة كارثة اقتصادية إلى حصولها على أكثر من 40 مليار دولار من استثمارات وقروض من الإمارات العربية المتحدة وصندوق النقد الدولي، وسط احتمالات ورود المزيد من المملكة العربية السعودية وغيرها.
وفي يوم الأربعاء، وكجزء من ذلك، أجرت مصر أكبر زيادة في أسعار الفائدة بالبلاد على الإطلاق، وسمحت لعملتها بالانخفاض بأكثر من 38% في عملية تعويم طال انتظارها.
جاءت هذه التحركات تتويجاً للجهود العالمية -بقيادة دول الخليج الغنية بالنفط وصندوق النقد الدولي، وبدعم من الولايات المتحدة- لتحقيق الاستقرار في بلد يعتبر استقراره حاسماً بالنسبة للشرق الأوسط والذي تضرر من ارتفاع التضخم والأزمة المالية فضلاً عن الحرب على حدودها.
من جهتهم، يشيد المستثمرون الأجانب بالفعل بهذا التحول ويقولون إنهم يتوقعون أن تجتذب مصر مليارات الدولارات من تجار السندات في الأشهر المقبلة.
الأموال الساخنة تتأهب لدخول مصر مع عودة جاذبية سنداتها المحلية
استثمار سعودي مرتقب لتطوير "رأس جميلة"
وقد تكون الخطوة التالية للبلاد، البالغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، هي استثمار في الأراضي بمليارات الدولارات من المملكة العربية السعودية.
تجري مصر والسعودية محادثات أولية بشأن حقوق تطوير منطقة تقع على ساحل شمال البحر الأحمر المعروفة باسم "رأس جميلة"، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن المفاوضات ليست معلنة. ولم تستجب السلطات السعودية لطلبات التعليق.
وإذا تم الاتفاق، فستعتبر هذه ثاني صفقة بعد الإمارات العربية المتحدة المجاورة، التي أعلنت عن استثمار بقيمة 35 مليار دولار، هو الأكبر في تاريخ مصر، وسيكون معظمه موجهاً لتطوير شبه جزيرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط تسمى "رأس الحكمة".
أزمات اقتصادية متلاحقة
قالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين لدى "بنك أبوظبي التجاري": "وصلت مصر إلى نقطة حرجة، ويُظهر حجم صفقة رأس الحكمة عمق الأزمة.. لا تريد الإمارات ولا أي دولة خليجية أخرى رؤية حدوث ربيع عربي آخر أو اضطرابات سياسية في مصر".
بدأت أحدث موجة من الاضطرابات الاقتصادية في مصر في 2022، عندما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية ورفع تكلفة القمح والوقود المستوردين، وفرّ مستثمرو السندات بشكل جماعي، وسحبوا حوالي 20 مليار دولار من البلاد.
وجاءت حرب إسرائيل مع حماس في غزة لتفاقم الضغوط، إذ ابتعد بعض السياح عن شواطئ مصر ومواقعها الأثرية، في حين تسببت هجمات الشحن التي شنها المسلحون الحوثيون في البحر الأحمر في تراجع حركة المرور عبر قناة السويس، وهي مصدر دخل مهم لمصر.
ربيع لـ"الشرق": تراجع إيرادات قناة السويس 44% في يناير
وكانت مصر، إلى جانب الولايات المتحدة وقطر، وسيطاً رئيسياً في محادثات وقف إطلاق النار. وتحاول إدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع، رغم مقاومة الدعوات لاستقبال مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين من غزة. وتقول إن ذلك من شأنه أن يقوض قضيتهم لإقامة دولة مستقلة ويشكل تهديداً أمنياً إذا جاء مقاتلو حماس معهم.
بلومبرغ: الكل يخطب ودّ مصر لإمساكها بخيوط قضية لاجئي غزة
أوضح الأشخاص أن المفاوضات بين مصر والسعودية بشأن "رأس جميلة" –التي تقع بالقرب من منتجع شرم الشيخ في سيناء وعبر البحر الأحمر من مشروع "نيوم" الضخم في السعودية– لا تزال في مراحلها الأولية، كما أنها قد تفشل.
الموقع يُعد أصغر بكثير من رأس الحكمة، البالغ حجمها حوالي ثلاثة أضعاف حجم مانهاتن. ومع ذلك، فإن أي اتفاق قد تصل قيمته إلى عدة مليارات من الدولارات، بحسب الأشخاص.
ألمح بعض الأشخاص إلى أن السعودية، التي تُعتبر صاحبة الثقل السياسي الإقليمي، تسرع محادثات صفقتها، بعد تحركات الإمارات في مصر -بما في ذلك الاستحواذ على حصص في الشركات المملوكة للدولة.
سيولة نقدية لتغطية الالتزامات
قال عمر منيب، كبير محللي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "أوراسيا غروب": "من المرجح أن تأتي الصفقات الاستثمارية الأخرى مع المزيد من الشركاء الخليجيين بعد صفقة الإمارات". من شأن هذه الأموال، بالإضافة إلى المزيد من الأموال المتوقعة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن توفر لمصر ما يكفي من السيولة للحفاظ على استقرار عملتها التي جرى تعويمها أخيراً، والوفاء بالتزامات ديونها.
محافظ المركزي المصري: أصبح لدينا ما يفيض عن سداد التزاماتنا الدولارية
ويرى منيب أن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى رفع تصنيف مصر الائتماني، التي تُصنف ضمن الدرجة دون الاستثمارية، وبالتالي خفض تكاليف الاقتراض.
لطالما كانت دول الخليج الغنية بالطاقة مصدراً للدعم لمصر. لكن هذه الأموال أصبحت مشروطة أكثر، حيث سعت الإمارات والسعودية وقطر إلى تأمين استثمارات جذابة بدلاً من مجرد تقديم معونات. قال أشخاص مطلعون على الأمر إن الحرب في غزة جعلت الوضع أكثر إلحاحاً.
ذكر بلال بسيوني، رئيس وحدة آفاق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة الاستشارات "بانجيا-ريسك" (Pangea-Risk): "الأزمة المحيطة بغزة أعادت التأكيد على النفوذ الجيوسياسي لمصر. فقد جعلت الدول تركز بشكل أكبر على تحقيق الاستقرار في مصر بالنظر إلى ثقلها، وتأثيرها على الديناميكيات السياسية الإقليمية".