بلومبرغ
قد لا تحتاج السيارات الكهربائية إلى قابس لشحنها قريباً، حيث يمكن لسائقي السيارات الكهربائية ببساطة صف سيارتهم في مكان مخصص عندما يحين وقت شحنها، وينتظرون تشغيل ضوء على لوحة القيادة الخاصة بهم، ثم يقودون السيارة ويستكملون يومهم.
هذا ما تعد به خاصية الشحن اللاسلكي المخصص للمركبات الكهربائية، وهي عبارة عن نقل استقرائي للإلكترونات من شأنه أن يلغي الحاجة إلى كل تلك الأسلاك المزعجة. أمضت العديد من الشركات الناشئة سنوات في العمل من أجل عالم ينتشر فيه الشحن اللاسلكي، حيث يتزايد الزخم لجعل هذا الحلم حقيقة مع تزايد اعتماد المركبات الكهربائية. تتجمع الشركات حول التكنولوجيا الموحدة، وتشرع الشركات المصنعة للسيارات في إطلاق تجارب الشحن اللاسلكي، كما ترسم البلديات خرائط لحالات استخدامه، فيما تحظى هذه الخطوة باهتمام شركة "تسلا".
"تسلا" تتجه نحو المشترين التقليديين بعد فوزها بعشاق السيارات الكهربائية
لكن لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام هذا المشروع، أهمها بطء عملية الشحن، والأموال والاهتمام اللازمان لبناء المحطات وجذب المزيد من شركات صناعة السيارات. على الرغم من أن الشحن دون أسلاك يبدو مشروعاً رائعاً على الورق، فإن التكنولوجيا تواجه نفس المفارقة التي تؤثر على طرح المقابس العامة. قد يدفع الطلب الاستهلاكي القوي شركات السيارات إلى تبني الشحن اللاسلكي، إلا أن القلق بشأن توفر محطات الشحن العامة يعيق النمو في الطلب على السيارات الكهربائية جزئياً.
إنفوغراف: محطات شحن السيارات الكهربائية تواصل توسعها في الإمارات
"إذا كنت مُصنعاً للسيارات، قد أتردد في إدخال هذه التقنية على سيارة اليوم لعدم وجود أي بنية تحتية خاصة بالشواحن اللاسلكية"، وفقاً لما قاله مايكل ويسميلر، مدير برنامج البحث والتطوير الكهربي في مكتب تقنيات المركبات التابع لوزارة الطاقة الأميركية. وقال: "عليك حقاً أن ترى إنشاء البنية التحتية اللازمة وصناعة المركبات في الوقت نفسه حتى يكون الأمر منطقياً في النهاية".
إعادة تصميم السيارات
يعتمد شحن المركبات الكهربائية اللاسلكي أو الاستقرائي على الرنين المغناطيسي ولوحة الشحن لتوليد مجال نقل الكهرباء. عندما تحاذي لفافة الأسلاك في جهاز استقبال أسفل السيارة بلفافة أسلاك لوحة الشحن، يلتقط جهاز الاستقبال تلك الطاقة ويغذيها ببطارية السيارة. تشبه هذه التقنية شحن الهاتف اللاسلكي، الذي يتطلب أيضاً جهاز استقبال ولفافة أسلاك مناسبة، لكن أنظمة السيارات الكهربائية يمكن أن تعمل مع ما يصل إلى 10 بوصات (250 ملم) من الفصل بينها.
أميركا تدرس رفع الرسوم على السيارات الكهربائية ومنتجات الطاقة الشمسية الصينية
على الرغم من ذلك، تشكل السرعة مشكلة حادة. فمعظم أجهزة الشحن اللاسلكية على قدم المساواة مع شواحن المستوى الثاني (مثل المستخدمة في المنزل) وليس أجهزة الشحن السريع المتوفرة في العديد من محطات الشحن العامة، كما تجدر الإشارة إلى ضرورة تصميم السيارات الكهربائية بشكل يناسب الشحن اللاسلكي. على الرغم من أن تعديل المركبات الكهربائية أمر ممكن، إلا أنه قد يُبطل ضمان بطارية السيارة من الناحية العملية، وفقاً لما يقوله أمايا كاردينافيس، المحلل في شركة وود ماكنزي (Wood Mackenzie).
عقبات عديدة
بالنسبة إلى الشركات المصنعة للسيارات، لا يزال تبرير إدخال تكنولوجيا الشحن اللاسلكي صعباً، إذ إنه مشروع مكلف، ولا توجد محطات شحن حتى الآن لجعله ميزة مقنعة لمشتري السيارات الكهربائية. يقول أليكس غروزن، الرئيس التنفيذي لشركة "ويتيريسيتي" (WiTricity ) التي يقع مقرها في ماساتشوستس، إن قدرة شركته على الشحن اللاسلكي ستكلف شركات صناعة السيارات مئات الدولارات لكل سيارة، أما بالنسبة إلى المستهلكين تبدأ التكلفة بما لا يقل عن 2500 دولار، ويُتوقع تراجع كل من الرقمين خلال السنوات الخمس المقبلة.
الاستثمار الخاص بشحن السيارات الكهربائية في المنطقة العربية يواجه تحديات
تشير هذه العقبات إلى أنه في الوقت الحالي تتوفر تكنولوجيا الشحن اللاسلكي للمركبات الكهربائية على شكل مشاريع تجريبية، حيث تختبر بعض شركات السيارات في الصين وكوريا الجنوبية هذه التكنولوجيا على سيارات الركاب الجديدة، لكن العديد من تجارب الشحن اللاسلكي موجهة إلى المركبات التجارية، التي تميل إلى أن يكون لها طرق ثابتة وإمكانية شحنها طوال الليل في الأماكن الثابتة المخصصة لوقوف السيارات.
"يمكنك نشر أجهزة الشحن في مواقع محددة على الطرق على مدار اليوم"، بحسب لورين ماكدونالد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "أي في أدوبشن" (EVAdoption)، وهي شركة لتحليل وتتبع بيانات السيارات الكهربائية.
قلق عارم
تخطط "ويتيريسيتي" لطرح نظام "هالو" (Halo) اللاسلكي الخاص بها على عربات الغولف والمركبات الخفيفة مثل "إي زي غو" (E-Z-GO) و"إيكون إي في" (ICON EV) خلال هذا الصيف، بعد عرض التكنولوجيا على المركبات المعدلة مثل "موستانغ ماتش إي" (Mustang Mach-E) من "فورد". ومن بين الشركات المستثمرة في تلك الشركة "ميتسوبيشي" (Mitsubishi) و"سيمنز إيه جي" (Siemens AG)، ولدى "ويتيريسيتي" شراكة لعرض الشحن اللاسلكي على السيارات التي تصنعها شركة "كي جي موبيليتي"(KG Mobility) الكورية الجنوبية. تشير" ويتيريسيتي" إلى أن سيارات الركاب تُشحن بما يكفي لقطع 35 ميلاً في الساعة باستخدام تقنيتها.
يقول غروزن: "لا يزال الشحن يشكل إحدى أبرز نقاط القلق لمشتري المركبات الكهربائية، لذلك نعمل على توفير وتسهيل شحن السيارات الكهربائية".
"بي واي دي" تتفوق على "تسلا" كأكثر سيارة كهربائية شعبية في العالم
في مقاطعة لوس أنجلوس، تستخدم هيئة النقل في وادي الظباء أنظمة من صنع "ويف شارشينغ" (Wave Charging) للمساعدة في تشغيل أسطولها من الحافلات الكهربائية. تمتلك الوكالة 15 محطة شحن لاسلكية – يوجد واحدة في مكاتبها و14 عبر خطوط الحافلات- وفقاً لمدير التسويق في الهيئة جيمس رويال. استخدام أجهزة الشحن بقدرة 250 كيلوواط لمدة خمس دقائق فقط يسمح في المتوسط بقطع 10 أميال إضافية، كما يقول بنيامين أوسلاندر، نائب رئيس المبيعات والتسويق في شركة "ويف"، مضيفاً: "تسمح هذه الخطوة لتلك الحافلات بالحفاظ على عملياتها طوال اليوم دون الحاجة إلى العودة إلى المستودع". نشرت "ويف" أكثر من 50 منصة للشحن في أميركا الشمالية، حيث تملك رخصة من وزارة الطاقة للعمل على شاحن سريع بقدرة 500 كيلوواط للشاحنات.
تطوير الشحن اللاسلكي
تستخدم مدينة إنديانابوليس أيضاً الشحن اللاسلكي لحافلاتها الكهربائية، التي تصنعها شركة"بي واي دي" (BYD) الصينية العملاقة للسيارات الكهربائية. في عام 2019، دخلت المدينة في شراكة مع شركة "إندكت إي في" (InductEV) الناشئة للشحن التي يقع مقرها في ولاية بنسلفانيا (التي كانت تسمى آنذاك "مومنتم ديناميكس Momentum Dynamics Corp).
تعمل شركة "هيفو" (Hevo) للشحن اللاسلكي التي يقع مقرها في بروكلين مع مختبر "أوك ريدج نانشيونال" (Oak Ridge National Laboratory) التابع لوزارة الطاقة و"ستيلانتيس" (Stellantis) لتجربة نظام لاسلكي بقدرة 50 كيلوواط على سيارة "كرايسلر باسيفيكا" (Chrysler Pacifica) الهجينة الخاصة بشركة صناعة السيارات، بعد الانتهاء من عرض توضيحي باستخدام شاحن لاسلكي من المستوى الثاني العام الماضي. تقوم "هيفو" (Hevo) أيضاً بتطوير شاحن لاسلكي سريع بقدرة تصل إلى 300 كيلوواط بالشراكة مع "أوك ريدج"، حسبما قال الرئيس التنفيذي جيريمي ماكول.
في إشارة ربما تكون الأكثر أهمية لإمكانات الشحن اللاسلكي لسيارات الركاب، أكد فرانز فون هولزهاوزن، رئيس قسم التصميم في "تسلا" في ديسمبر أن الشركة تسعى وراء إصدار نسختها الخاصة من هذه التكنولوجيا، وخلال ظهوره في سلسلة "يوتيوب" "جاي لينوز غاراج" "Jay Leno's Garage" أضاف: "نحن نعمل على تطوير الشحن الاستقرائي، لذلك لا تحتاج حتى إلى توصيل شيء ما في تلك المرحلة - فقط اسحب المرآب الخاص بك، وقم بقيادة سيارتك فوق منصة الشحن لتُشحن".
تقنية شائعة
يعزز تصويت "تسلا" على الثقة، الاهتمام بين شركات صناعة السيارات الأخرى أيضاً، "حيث تعتبر دعوة الاستيقاظ الرئيسية"، وفقاً لـ"ماكول"، الذي قال: "كان الشحن اللاسلكي يعتبر تقنية هامشية حتى حدوث ذلك، إذ يعتبر اليوم تقنية شائعة".
قد يساعد التوحيد القياسي أيضاً في تعزيز تبني هذه التقنية. في عام 2022، وضعت جمعية مهندسي السيارات المعروفة بـ"إس إي أي إنترناشونال" (SAE International) وهي جمعية للمهندسين وخبراء النقل التقنيين- اللمسات الأخيرة على أول نموذج للشحن اللاسلكي الثابت للمركبات الخفيفة، وهي فئة تشمل سيارات الركاب. يشمل النموذج كل ما يلزم بدءاً من سرعة الشحن الآمنة (حتى 11 كيلوواط) إلى قابلية التشغيل المتبادل والأداء.
"هذا يعني أنه يمكن بناء الشواحن في المباني السكنية"، بحسب "غروزن"، الذي أكد أنه "يمكن أن ترفق جميع مواقف السيارات بمنصات الشحن اللاسلكي من الشركات المتخصصة في هذا النوع من البنية التحتية العامة. ويمكن لشركات صناعة السيارات التركيز على صنع سيارات تتوافق مع ذلك".
نشرت جمعية مهندسي السيارات أيضاً إرشادات، وإن لم تكن معايير نهائية، للمركبات الثقيلة لشحنها بالشحن اللاسلكي بسرعة تصل إلى 500 كيلوواط. لدى وزارة الطاقة اتفاقيات معمول بها لعرض هذه التكنولوجيا على طريق "يو بي إس" (UPS) في ولاية يوتا وفي العديد من مواقع "ولمارت" (Walmart). في نهاية المطاف، سيتعين على الشركات المصنعة للشاحنات والسيارات معرفة ما إذا كان ذلك منطقياً بالنسبة لها"، كما يقول "ويسميلر".
محطات الشحن
في الوقت الحالي، لا تزال الغالبية العظمى من الاستثمارات تُخصص لشواحن المركبات الكهربائية التقليدية، على الرغم من ضغط المشرعين الفيدراليين والولائيين في الولايات المتحدة للحصول على تراخيص لتطوير تكنولوجيا الشحن اللاسلكي وتوسيعها. تمتلك الولايات المتحدة الآن أكثر من 9 آلاف محطة شحن سريع عامة، وأكثر من 53 ألف محطة من المستوى الثاني، وفقاً لوزارة الطاقة. يُتوقع تشغيل المزيد منها مع بدء الولايات في تخصيص 5 مليارات دولار من الأموال الفيدرالية.
لكن يشير الخبراء إلى أن التطورات المستقبلية في تكنولوجيا السيارات -وخاصة القيادة الذاتية- قد تعزز حجة الشحن اللاسلكي. وتعمل جمعية مهندسي السيارات حالياً على طريقة قياسية لمواءمة المركبات الكهربائية مع منصات الشحن، والتي ستثبت أهميتها بشكل خاص عندما تبدأ السيارات "ذاتية القيادة" في صف نفسها.
تحديث المقاييس
الشحن اللاسلكي للسيارة الكهربائية ليس نهاية المطاف، إذ تخطط جمعية مهندسي السيارات أيضاً لتحديث معيار السيارة الخفيفة ليشمل الشحن ثنائي الاتجاه، والذي يتيح للسيارة إعادة الكهرباء إلى الشبكة. يشير غروزن إلى أن الجيل التالي من مكونات الشحن اللاسلكي من "ويتيريسيتي" سيكون ثنائي الاتجاه. ويتوقع أن يبدأ بيعها لشركات صناعة السيارات في وقت لاحق من هذا العام.
شاومي تكشف عن أول سياراتها الكهربائية وتطمح لمنافسة بورشه وتسلا
كما تطور الجمعية أيضاً إرشادات تقنية لما يعرف باسم "الشحن الاستقرائي الديناميكي" - أي الشحن بدون حاجة إلى قابس عندما تكون السيارة في حالة حركة. لا تزال هذه التكنولوجيا، التي يمكن أن تحول الشوارع نفسها إلى منصات شحن، في بدايتها. اختبرت شركة "إلكترون" (Electreon)، وهي شركة إسرائيلية، الشحن الديناميكي على امتداد ربع ميل من الطريق في ديترويت العام الماضي. في وقت سابق من هذا الشهر، قالت "ستيلانتس" إن سيارة "كرايسلر هالسيون كونسبت" الكهربائية، المقرر إنتاجها في عام 2028، ستأتي مجهزة بقدرة شحن لاسلكي ديناميكية.