الشرق
هل يمكن أن تتراجع أسعار السلع بأسواق مصر؟.. سؤال يتردد على ألسنة المصريين خلال اليومين الماضيين بعد ارتفاع الجنيه مقابل الدولار بالسوق الموازية بنحو 27% إلى 55 جنيهاً لكل دولار.
عفاف السيد في العقد الرابع من عمرها، وتعول 4 أطفال وتعيش في مدينة شعبية شرق العاصمة المصرية القاهرة، تقول "لا تساؤل على لسان كل البائعين خلال الأسبوعين الماضيين غير.. عارفة (هل تعرفي) الدولار بكام؟"، لكي يبرروا الزيادة المتواصلة في أسعار السلع بالبلاد.
لكنها ترى أن التساؤل الآن الذي يشغل بال المصريين هو: هل تتراجع الأسعار بعد ارتفاع الجنيه خلال الفترة الماضية؟
سادت العشوائية الأسواق المصرية خاصة آخر أسبوعين في تسعير السلع والمنتجات وسط غياب رقابة حكومية بسبب عدم نجاحها في توفير العملة الصعبة للمستوردين، وهو ما دفع بعض القطاعات لتسعير وبيع منتجاتها بالدولار كالحديد والعقارات والأسمدة والأعلاف.
وبعد ارتفاع الجنيه بالسوق الموازية، أعلنت بعض الشركات عن تراجع أسعارها الرسمية بالأسواق، لكن مواطنين يؤكدون عدم توافر تلك السلع من الأساس.
وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 70 جنيهاً نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن يتراجع إلى ما يتراوح بين 52 و 55 جنيهاً حالياً بحسب متعاملين في السوق الموازية تحدثوا مع "الشرق" مشترطين عدم نشر أسمائهم. ومع ذلك لا تزال الفجوة كبيرة مع السعر الرسمي البالغ 30.9 جنيه للدولار منذ العام الماضي، ما يؤكد الشح الحاد في العملة الأجنبية الذي تعانيه مصر.
حماية المستهلك
مسؤول في جهاز حماية المستهلك الحكومي بمصر تحدث مع "الشرق" مشترطاً عدم نشر اسمه، قال إن ارتفاع الجنيه المصري مقابل الدولار بالسوق الموازية سيؤثر على أسعار ما بين 55 و70% من السلع المتاحة في مصر والتي يتم استيرادها خلال الفترة المقبلة.
أضاف: "موجات الغلاء التي حدثت مؤخراً بالأسواق لن تتكرر مجدداً، المستهلك النهائي سيرى التراجع في الأسعار بالأسواق خلال الفترة المقبلة، دورنا بالجهاز هو مراقبة الأسواق فقط وليس التحكم في السعر، حيث إن السعر يحكمه العرض والطلب".
"أكبر مخالفتين تم رصدهما خلال الشهور الماضية هو عدم الإعلان عن الأسعار، وحجب البضاعة أو التخزين"، وفق المسؤول.
عالية المهدي أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، تقول إن تراجع سعر الصرف بالسوق الموازية ستنعكس على المواطنين بالإيجاب، لأن غالبية السلع التي يتم استهلاكها مُشتراة بالعملة الصعبة.
الأثر الإيجابي، من وجهة نظر المهدي، هو تراجع محتمل لمعدل الزيادة في أسعار السلع.
تشهد مصر موجة تضخم كبيرة، دفعت بالأرقام الرسمية لتجاوز مستوى 30%، مع ارتفاع كبير ومتكرر بأسعار كل السلع والخدمات والخضراوات والفاكهة واللحوم البيضاء والحمراء. أدى ذلك إلى دفع الحكومة المصرية بسيارات تابعة للجيش والشرطة لبيع الخضراوات والأغذية واللحوم والسلع التموينية بأسعار مخفضة للمصريين، الذين يصطفون في طوابير طويلة بالمناطق الشعبية من أجل الحصول عليها.
الغذاء
هاني برزي، رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية أشار خلال حديثه مع "الشرق" إلى أن استمرار ارتفاع الجنيه بالسوق الموازية مقابل الدولار ستظهر تبعاته خلال شهر من الآن على الأسعار.
قال برزي: "المنتجات والسلع بالأسواق تم تسعيرها على سعر دولار السوق الموازية، أي تراجع في أسعاره ستؤثر على ثمن السلع المستوردة، في حال وجود تراجع حقيقي للدولار في السوق السوداء، فإن أسعار السلع سوف تتراجع".
تعيش مصر أزمة اقتصادية صعبة، تفاقمها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب شح شديد في السيولة الدولارية لديها بسبب تراجع تحويلات العاملين في الخارج، وقناة السويس، والصادرات.
"الأسعار لن تنخفض سريعاً كما ارتفعت سريعاً، حيث يجب نفاد المخزون الحالي من السلع والمنتجات المستوردة بسعر مرتفع، وبدء استيراد سلع جديدة بأسعار منخفضة لذا أتحدث عن فترة شهر حتى يظهر التأثير بالأسواق"، وفق برزي.
حديد التسليح
تراجعت أسعار حديد التسليح 6% منذ مطلع الأسبوع الجاري، في الأسواق المصرية إلى 49.92 ألف جنيه للطن تسليم أرض المصنع، وكذلك بنفس النسبة للمستهلك لتسجل 51.7 ألف جنيه للطن، بحسب ما أعلنته شركة حديد عز، أكبر منتج لصناعة حديد التسليح والصلب في مصر، وصاحب أكبر حصة سوقية.
رئيس إحدى شركات المقاولات الكبرى في مصر تحدث مع "الشرق" مشترطاً عدم نشر اسمه، قائلاً إن الارتفاع المفاجئ لسعر الجنيه بالسوق الموازية أصاب السوق بحالة من الاضطراب وعدم القدرة علي التسعير أكثر مما كان عليه، ولذا أدى لأزمة في عدم توافر الحديد بالأسواق.
الذهب
شهدت أسعار الذهب في مصر مستويات قياسية لم يصل لها من قبل، وسط إقبال شديد من المواطنين أصحاب الدخول المرتفعة لتحويل مدخراتهم إلى المعدن النفيس في محاولة منهم للتحوط من تآكل قيمة العملة المحلية.
لطفي منيب، نائب رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات في اتحاد الغرف التجارية قال لـ"الشرق" ، إن الصعود القياسي لأسعار الذهب كان دون مبرر في مصر، لم تكن أسعاراً حقيقية لذا رأينا تراجعاً بنحو 800 جنيه ما يمثل 20% لجرام 21 قيراطاً ليسجل 3500 جنيه.
من ضمن أسباب تراجع أسعار الذهب بالأسواق، رفع المركزي المصري لسعر الفائدة وارتفاع الجنيه المصري مقابل الدولار بالسوق الموازية، بجانب الأنباء عن قرب التوصل لاتفاق مع صندوق النقد لزيادة قيمة القرض السابق، وفق ناجي فرج مستشار وزير التموين المصري لشؤون الذهب.
تخوض الحكومة المصرية محادثات مع صندوق النقد الدولي حول زيادة قيمة قرض، قد يضم شركاء آخرين، ويوفر تمويلاً بنحو 10 مليارات دولار.
اقرأ المزيد: مصر تواصل محادثاتها مع صندوق النقد حول صفقة قد تجلب 10 مليارات دولار
أضاف فرج أن "السعر العادل لجرام الذهب حالياً عيار 21 قيراطاً هو 3000 جنيه وهو ما سيصل له في القريب.
قالت وزارة الداخلية في مصر إنها استهدفت وألقت القبض على متورطين في جمع العملات الأجنبية وتجارتها بشكل مخالف للقانون خلال الأيام الماضية، بالإضافة إلى عدد من متاجر الذهب التي تلاعبت بالأسعار خلال الفترة الماضية، وهو ما دفع لارتفاع الجنيه المصري مقابل الدولار بالأسواق الموازية التي توقف أغلب المتعاملين فيها عن البيع والشراء مؤقتاً لحين اتضاح الرؤية أكثر.
الأسعار هي حديث المصريين منذ شهور، وشغلهم الشاغل، إذ أضحت أغلب الأجور حتى بعد زيادتها لا تضاهي الزيادات المستمرة في أسعار السلع والخدمات. الفئة الأكثر تأثراً في البلاد هي العمالة غير المنتظمة، مثل عفاف السيد التي تحدثت مع "الشرق" وهي قلقة على مستقبل أبنائها الأربعة، وقالت: "ليس لنا دخل ثابت نستطيع الاعتماد عليه، معاش تكافل وكرامة مازلت أسارع حتى أكمل إجراءاته، رزقي هو العمل في تنظيف المنازل 3 أيام بالأسبوع مقابل 200 جنيه أي 2400 جنيه (78 دولاراً) بالشهر، لا أعلم إلى متى سيستمر الوضع القائم؟"