بلومبرغ
أدت الإقالة المفاجئة للرئيس التنفيذي لشركة "إنديفر ماينينغ" (Endeavour Mining Plc) إلى ذروة حالة بؤس امتدت لثلاثة أشهر بصناعة التعدين عالمياً، وفترة مؤلمة بالقدر نفسه إلى مساهمي الشركة.
أمضت أكبر شركات إنتاج المعادن في العالم معظم العقد الماضي في محاولة لإعادة بناء سمعة التعدين، بعد سلسلة من الصفقات الخاسرة وعمليات شطب أصول بمليارات الدولارات أدت إلى فرار المستثمرين من هذه الأعمال التي يعتبر الكثيرون بالفعل أنها ملوِّثة للبيئة، ومحفوفة بالمخاطر.
مُنيت هذه المحاولات للتغيير بضربة مُدوّية في الأشهر الأخيرة؛ فقد عانت صناعة التعدين من ضربات متلاحقة، مما كلّف المستثمرين المليارات، وهز الثقة في عدد من أكبر الأسماء بهذه الصناعة.
في بنما، بلغت الاحتجاجات الحاشدة ضد أحد أكبر وأحدث مناجم النحاس في العالم ذروتها بإصدار أمر بإغلاق المنجم بشكل دائم، مما أدى إلى محو أكثر من نصف القيمة السوقية للشركة المالكة وهي "فيرست كوانتوم مينيرالز" (First Quantum Minerals Ltd). وهوت أسهم شركة "تيك ريسورسز" (Teck Resources Ltd) الكندية بنسبة 9% خلال يوم واحد من شهر أكتوبر الماضي بعد الكشف عن أحدث خسائر في التكلفة بمشروعها الرئيسي في تشيلي، في حين أن التخفيض المفاجئ الذي قامت به شركة "أنغلو أمريكان" (Anglo American Plc) المنافس الأكبر لإنتاج النحاس المخطط له أدى إلى انخفاض الأسهم بنسبة 19% في 8 ديسمبر.
مخاوف القطاع العقاري في الصين تهوي بأسعار المعادن
حادث مأساوي
في جنوب أفريقيا، انخفضت أسهم شركة "سيباني ستيلووتر" (Sibanye Stillwater Ltd) بما يصل إلى 25% في نوفمبر بعد الإعلان عن بيع سندات قابلة للتحويل. بينما أدى حادث في شركة "إمبالا بلاتينيوم هولدينغز" (Impala Platinum Holdings Ltd) إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة العشرات.
جاءت أحدث صدمة يوم الخميس الماضي، عندما أعلنت شركة "إنديفور"- وهي أكبر شركة تعدين للذهب مُدرجة في المملكة المتحدة- أنها أقالت الرئيس التنفيذي سيباستيان دي مونتيسوس بسبب "سوء سلوك خطير"، بعد اكتشاف "تعليمات دفع غير منتظمة" مزعومة بقيمة 5.9 مليون دولار تتعلق ببيع أصول. انخفضت أسهم الشركة بما يصل إلى 15%. قال دي مونتيسوس بشكل منفصل إن التعليمات ذات الصلة لم تكلف الشركة أي شيء، ولم يتحصل منها على أي فائدة لنفسه.
سعر النحاس يقفز لأعلى مستوى في 11 أسبوعاً خشية إغلاق منجم بنما
نكسات تهدد التحوّل الأخضر
بالنسبة إلى صناعة التعدين على نطاق واسع، تأتي الموجة الجديدة من النكسات في الوقت الذي يسعى فيه القطاع إلى تعزيز مكانته كجزء حيوي من جهود التحول الأخضر بسبب دوره في توفير المواد مثل النحاس والنيكل والليثيوم اللازمة لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي. لكن من أجل القيام بذلك، تحتاج شركات الإنتاج إلى دعم من الحكومات والسكان المحليين، فضلاً عن إرادة المستثمرين في تمويلها.
رغم أن النكسات تتباين في طبيعتها، إلا أنها تعكس العديد من التحديات المستمرة التي تواجه الشركات المسؤولة عن التنقيب عن المعادن والتعدين في العالم. تخوض شركات التعدين معركة محتدمة مع ارتفاع تكاليف بناء وتشغيل المناجم، في الوقت الذي تتوفر فيه العديد من مكامن المعادن داخل البلدان الفقيرة التي تصرّ فيها الحكومات والسكان المحليون بشكل متزايد على الحصول على حصة أكبر من الأرباح.
موجات صادمة
أدى تحرك بنما لإغلاق منجم النحاس التابع لشركة "فيرست كوانتوم" بقيمة 10 مليارات دولار بشكل نهائي، والذي كان قد بدأ نشاطه قبل أربع سنوات فقط وما زال أمامه عقود لاستخراج النحاس، إلى بث موجات صادمة عبر صناعة التعدين. أنهت أسهم الشركة العام الماضي بانخفاض أكثر من 60% بعد خسارة أكبر مصدر للأرباح، وأثار المحللون تساؤلات حول الميزانية العمومية للشركة، مع استحقاق ديون بمليارات الدولارات في السنوات المقبلة.
النيكل أكبر الخاسرين في 2023 والنحاس يسجل مكاسب متواضعة
كذلك، فرضت شركة "أنغلو أمريكان" عقوبات على مستثمري التعدين. الشركة التي تأسست منذ قرن من الزمان وتعد منذ فترة طويلة واحدة من أفضل مشغلي المناجم، فاجأت المساهمين بإعلانها أنها ستخفض إنتاجها من النحاس على مدى العامين المقبلين، بما في ذلك خفض كبير في منجم "لوس برونسس" في تشيلي، فضلاً عن خفض إنتاج جميع السلع الأخرى التي تستخرجها.
أكبر انخفاض للقيمة السوقية
أدى هذا الإعلان إلى محو أكثر من 6 مليارات دولار من القيمة السوقية لشركة "أنغلو"، في أكبر انخفاض في يوم واحد منذ الأزمة المالية العالمية.
كما تأتي سلسلة خيبات الأمل بالنسبة لصناعة التعدين على خلفية ضعف أسعار سلعها- على الرغم من أن الذهب كان استثناءً بعد أن سجل مستوى قياسياً في أواخر العام الماضي- فضلاً عن الطلب الضعيف من الأسواق الرئيسية مثل الصين.
بالنسبة إلى "إنديفور، قالت الشركة إن دي مونتيسوس أُقيل من منصبه بعد أن اكتشف مجلس الإدارة تعليمات دفع غير منتظمة بقيمة 5.9 مليون دولار. أوضحت الشركة أنها اكتشفت الدفع عندما أجرت مراجعة لعمليات الاستحواذ والتصرف السابقة. لا تزال هذه المراجعة مستمرة، ولا يزال هناك المزيد من الصفقات قيد التقييم.
قال دي مونتيسوس في بيان إنه أصدر تعليماته لأحد دائني "إنديفور" بسداد المبلغ في عام 2021
لشركة أوراق مالية، كتعويض عن الأموال المستحقة مقابل أجهزة أوراق مالية أساسية.
كانت الدفعة مرتبطة ببيع منجم "أغباو" (Agbaou) التابع لـ"إنديفور" في ساحل العاج في عام 2021 لصالح شركة "ألايد غولد كورب" (Allied Gold Corp)، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، والذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لخصوصية المعلومات.
قال المطلعون إن دي مونتيسوس أمر شركة "ألايد غولد" بسداد 5.9 مليون دولار مستحقة لـ"إنديفور" لصالح شركة أخرى.
قال دي مونتيسوس: "لم يكن للأمر أي تكلفة إضافية على الشركة، ولم أستفد منه شخصياً بأي شكل من الأشكال. لقد نسيتُ إخطار مجلس الإدارة بأنني أجريت ترتيبات لهذه التعويضات، وهو الأمر الذي قبلته طواعية على أنه كان بمثابة خطأ في التقييم".