الشرق
تتشابه المخرجات ولكن المعطيات مختلفة، تلك هي الحالة عند المقارنة بين الأوضاع الاقتصادية في مصر وتركيا من حيث ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية في كلا البلدين. فبينما تعاني مصر من أزمة دولارية خانقة، تشهد تركيا زيادة مطردة في احتياطيها النقدي مع وصوله لمستويات قياسية.
تراجعت قيمة العملة التركية بسبب السياسة الاقتصادية غير التقليدية التي اتبعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعامله مع التضخم، حيث أصر على مواجهته بخفض أسعار الفائدة، وليس وفق نظريات الاقتصاد التي تشير إلى ضرورة رفعها، ما دفع المستثمرين للتخلص من الليرة.
لكن مسؤولي السياسة النقدية التركية، الذين عينهم أردوغان بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في مايو الماضي، عادوا إلى السياسة التقليدية ورفعوا معدل الفائدة بأكثر من 34%، ما أعاد ثقة المستثمرين للأسواق التركية.
أما في مصر، التي تواجه أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد منذ عقود، تشهد عملتها ضغوطاً كبيرة نتيجة شح التدفقات الدولارية، وهو ما وسع الفارق بين السعر الرسمي البالغ 30.9 جنيه مقابل الدولار وبين سعره في السوق الموازية والذي تخطى 50 جنيهاً.
حلول لسد الفجوة
توقع محمد زيدان، المحلل المالي لـ"الشرق"، أن تقوم الحكومة المصرية بتقليص هذا الفارق بين السعر الرسمي والموازي إما عن طريق تعويم الجنيه، أو على الأقل تقليل الضغط على العملة المصرية بالحصول على قروض جديدة وتنشيط المصادر الدولارية.
بلومبرغ: مصر تتطلع لمضاعفة قرض صندوق النقد بعد نهاية الانتخابات
وأضاف أن مصر بالفعل بدأت في اتخاذ خطوات للحد من نقص العملة الصعبة، وذلك عن طريق وضع قيود على استيراد بعض السلع بهدف خفض العجز التجاري.
من جهته أشار ماهر نقولا الفرزلي، مدير عام المعهد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، في حديث لـ"الشرق" إلى أن ارتفاع معدلات الفائدة الأميركية والتوترات الجيوسياسية في المنطقة دفعت الصناديق المختلفة إلى تحويل أموالها إلى ملاذات آمنة في أوروبا وأميركا، وأضاف: "رغم ذلك فهناك مؤشرات على تدفقات إيجابية إلى مصر وتركيا من سنغافورة وأميركا وأوروبا".
تفاؤل حذر
يرى زيدان أن الأسواق تبدي تفاؤلاً حذراً تجاه الجنيه والاقتصاد المصري خلال العام المقبل، حيث إن احتمالية خفض الفيدرالي للفائدة من شأنه أن يخفف من الضغط على الجنيه، وأن يساعد في تراجع معدلات التضخم إلى 26%.
وبالمثل يرى الفرزلي أن التوقعات الاقتصادية لمصر إيجابية في 2024، إلا أنه يعتقد أن خفض الفائدة الفيدرالية لن يكون كافياً للجنيه الذي يواجه الكثير من المشكلات. رغم ذلك يقول إن المجتمع الدولي سيدعم مصر اقتصادياً لأنه لن يسمح لها أن تسقط، مشيراً إلى أن تصريحات المسؤولين الدوليين عن دعم مصر يرسل إشارات إيجابية للأسواق.
غورغييفا لـ"الشرق": دعم صندوق النقد لمصر بات قريباً جداً
نوّه الفرزلي إلى أن الحكومة المصرية عالقة بين تنفيذ مطالبات صندوق النقد الدولي بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وعلى الجانب الآخر، قلقها على معاناة المواطن في توفير احتياجاته اليومية.
وبخصوص آفاق سوق السندات المصرية والتركية خلال العام القادم، يرى الفرزلي أن تركيز المستثمرين سيكون على أسواق آسيوية، مثل إندونيسيا وماليزيا والفلبين، حيث تعطي عوائد أعلى، كما يُنظر إليها على أنها تحقق نمواً أسرع من مصر وتركيا، ومستوى المخاطر فيها أقل.