تطبيقات الإقراض الاحتيالية تحصد مزيداً من الضحايا في آسيا

جهات إنفاذ القانون وشركات التقنية تلاحق مشغلي التطبيقات التي تنتزع أموالاً ومعلومات حساسة

time reading iconدقائق القراءة - 9
تطبيقات الإقراض الاحتيالية تستخدم شفرات برمجية خبيثة للوصول إلى معلومات الضحايا وابتزازهم لسداد المبالغ المستحقة  - المصدر: بلومبرغ
تطبيقات الإقراض الاحتيالية تستخدم شفرات برمجية خبيثة للوصول إلى معلومات الضحايا وابتزازهم لسداد المبالغ المستحقة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

غالباً ما يبدأ الأمر بإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" أو"إنستغرام" تتضمن عبارات مثل: احصل على قرض شخصي بقيمة 500 دولار خلال 20 دقيقة، من دون حاجة لأي أوراق ثبوتية، فقط حمل هذا التطبيق". غير أن الساعين للاقتراض يتيحون الوصول إلى قوائم جهات الاتصال والصور الموجودة على هواتفهم، بمجرد تحميل تلك التطبيقات.

في اليوم التالي، يبدأ الأصدقاء والأقارب ورؤساء العمل بتلقي رسائل عبر البريد الإلكتروني مفادها أن الضحية قد أوردت أسماءهم كضامنين، وأنهم ملزمون بسداد مبالغ مالية ضخمة على الفور.

إن لم ينجحوا بذلك، يزيد مشغلو التطبيق الضغوط على الضحايا، عبر نشر صور محرجة لهم. وقد تلقى بعض الضحايا أكاليل جنائز وتوابيت أُرسلت إلى منازلهم، في إشارة إلى العواقب المحتملة لعدم سداد المبالغ المطلوبة، وتذكيرهم بأن المجرمين يعرفون مكان إقامتهم.

غير أن سداد القروض لا ينهي المشكلة دائماً، فقد سدد بعض المقترضين مديونياتهم، وتلقوا مزيداً من رسائل التهديد بها مطالبات بدفع مبالغ أخرى كرسوم وفوائد لم تكن واردة في الاتفاق.

جرائم منظمة

ظهرت هذه المخططات الاحتيالية إلى العلن للمرة الأولى في الهند، لكنها انتشرت منذئذٍ على نطاق واسع. يعتقد خبراء في بلدان عديدة أن جماعات الجريمة المنظمة الصينية كانت وراء هذه العمليات بالتعاون مع شركاء محليين، وقد عانت شركات التقنية وجهات إنفاذ القانون لإيقاف ذلك.

قال موكيش تشودري، مؤسس شركة "سايبر فير" (CyberVeer)، التي تقدم المشورة لمسؤولي إنفاذ القانون في الهند بشأن تطبيقات الإقراض الاحتيالية: "كل بضعة أسابيع، ستظهر تطبيقات جديدة، فيقع الناس ضحايا للاحتيال، وتُزال في النهاية... ولكنها تعود مجدداً باسم جديد وواجهة جديدة وصورة جديدة، ولكن بنفس الشفرة البرمجية".

بيّنت السلطات المحلية وتقارير وسائل الإعلام أن الضحايا اليائسين يلجأون إلى السرقة والعنف للتخلص من المضايقات. على سبيل المثال، ألقت الشرطة القبض على امرأة عشرينية في مدينة بيون الهندية العام الماضي قالت إنها قتلت جدتها وسرقت مجوهراتها لتسدد 15 ألف روبية (180 دولاراً) لمقرضين كانوا يهددون بإرسال صور "مفبركة" من كاميرا هاتفها إلى جهات الاتصال عليه، وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إنديا".

كما عُثر على جثث عائلة من أربعة أفراد بمدينة بوبال في يوليو ورسالة انتحار تعزو الحادث إلى ضغوط مارستها شركة إقراض عبر الإنترنت، وفقاً لصحيفة "إنديان إكسبريس".

اقرأ أيضاً: صور الذكاء الاصطناعي المزيفة تغزو منصات التواصل الاجتماعي

وكشفت دراسة أجرتها شركة "لوك أوت" (Lookout) لاستشارات أمان الأجهزة المحمولة، أواخر العام الماضي، أن نحو 300 تطبيق إقراض في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ظهر فيها سلوك احتيالي، بما يشمل جمع البيانات الشخصية وابتزاز المستخدمين لدفع الأموال.

وجدت الشركة 251 تطبيقاً من هذا القبيل على متجر "غوغل بلاي" بلغت عدد مرات تنزيلاتها مجتمعة 15 مليون مرة، بالإضافة إلى 35 تطبيقاً مماثلاً على متجر تطبيقات "أبل" صُنفت جميعها ضمن أفضل 100 تطبيق مالي في المتاجر الإقليمية.

عوامل الانتشار

يقول أونمش جوشي، المؤسس المشارك في "ريسبونسيبل نتيزم" (Responsible Netism)، وهي منظمة تهدف إلى حماية النساء والأطفال على شبكة الإنترنت في الهند، أن المنظمة بدأت تتلقى طوفاناً من الاتصالات في وقت مبكر من وباء كورونا، جاء معظمها من أشخاص تراوحت أعمارهم بين 25 و40 عاماً، وفقدوا وظائفهم ويكافحون لسداد أقساط قروض السيارات ودفع التزاماتهم المالية الأخرى.

قال جوشي: "إن انتشار استخدام الهواتف المحمولة على نطاق واسع في الهند جعلها هدفاً سهلاً خلال الوباء"، مضيفاً أن الضحايا افتقروا إلى المعرفة في ما يتعلق بكيفية الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم، وأنهم غالباً ما ترددوا في التحدث عن الأمر.

كان فينيت كابور، وهو مراسل لدى إحدى وسائل الإعلام المحلية شمال الهند، يمرّ بضائقة مالية في أغسطس، قبل تلقي راتبه الشهري حين شاهد إعلاناً عبر "فيسبوك" يعرض قرضاً قدره 5000 روبية أو 60 دولاراً تقريباً.

حمّل كابور التطبيق وحصل على القرض الذي انخفض إلى ما كان معروضاً بعد الرسوم، ووعد بسداد القرض في غضون أسبوع. قال كابور إنه سدد القرض عند استحقاقه، لكنه بدأ يتلقى مكالمات هاتفية مزعجة في اليوم التالي للسداد، لإبلاغه بأنه ما يزال مديناً بمزيد. ثم تلقى الأشخاص الواردة أسماؤهم في جهات الاتصال على هاتفه رسائل تضمنت صورة لزوجته وعبارة "مارس الجنس مع زوجة لص القروض مقابل 100 روبية".

تابع كابور: "لقد أصابوا سمعتي وسمعة عائلتي، واستخدموا لغة فاحشة في مكالمات مع أقاربي". في نهاية المطاف، أبلغ كابور الشرطة، التي اعتقلت شخصين لضلوعهما بالجريمة، وهما بانتظار محاكمتهما، لكن محامي أحدهما يحاجج بأن موكله كان ببساطة يعمل في مركز اتصالات، ولا ينبغي تحميله مسؤولية ما حدث.

استهداف آسيا

تقول بعض المنظمات المعنية بالدفاع عن الضحايا في الفلبين إن شكاواهم المرفوعة إلى جهات إنفاذ القانون لم تسفر عن أي نتائج. فعادةً ما يخبرهم المسؤولون بأن القبض على العناصر الإجرامية التي تعمل من خارج البلاد يكاد يكون محالاً، ولم ترد شرطة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الفلبين على طلبات التعليق على الموضوع.

كانت هيئة الخدمات المالية الإندونيسية قد حددت 1623 كياناً متورطاً في مخططات تطبيقات الإقراض الاحتيالية في 2023، حتى نوفمبر. تقول الهيئة إن هويات الأشخاص المسؤولين عن تلك العمليات ما تزال مجهولةً، وكذلك مواقعهم. لذلك، تركز هيئة الخدمات المالية الإندونيسية على محو الأمية المالية لحماية المواطنين من الوقوع فريسةً لمثل هذا الاحتيال.

كما حللت شركة "كلاودسيك" (CloudSEK)، المتخصصة في مراقبة تهديدات الأمن السيبراني في سنغافورة، نحو 1200 تطبيق إقراض من هذا القبيل بالتعاون مع بنك الاحتياطي الهندي. فحصت الشركة الشفرة البرمجية لقلة من تلك التطبيقات عن كثب، ووجدت أحرفاً صينية في هوامشها. قال راهول ساسي، المؤسس المشارك في "كلاودسيك" ورئيسها التنفيذي: "وجدنا أن الشفرة البرمجية للتطبيقات المشكوك في أمرها، والتي تعمقنا في دراستها، قد طُورت بأكملها في الصين".

أكد بوفاديك تشونلاكاسيوي، الذي يحقق في الجرائم المالية تحت إشراف الشرطة الملكية التايلندية، أنه يمكن تتبع عمليات الاحتيال في تطبيقات الإقراض إلى أموال صينية دخلت البلاد، مضيفاً أن جميع القضايا التي عمل عليها في هذا الصدد تورط فيها مواطنون صينيون.

اقرأ أيضاً: قراصنة يستهدفون المتلهفين لشراء منازل بخدعة غبية لكنها ناجحة

يقول متحدثون باسم شركتي "أبل" و"غوغل" التابعة لـ"ألفابت"، إن تلك التطبيقات تنتهك قواعدهما. قلّصت "غوغل" في مايو كمية المعلومات الحساسة على هواتف المستخدمين المسموح لتطبيقات القروض الشخصية بالوصول إليها، كما أضافت قيوداً على جمع الصور وجهات الاتصال. وسحبت "أبل" في يوليو كثيراً من تطبيقات الإقراض المصنفة ضمن التطبيقات المالية الأكثر رواجاً لأجهزة "أبل" في الهند، بسبب انتهاكها لشروط الاستخدام.

معركة مستمرة

يتكيف مشغلو التطبيقات مع سبل الحماية تلك، إذ تتضمن أساليبهم الجديدة تطوير تطبيقات تبدو تقليدية بما يكفي لتلبية المتطلبات الأولية لمتجر تطبيقات "غوغل"، ومن ثم يدفعون بتحديثات تضم شيفرات برمجية خبيثة. لذا توصي "غوغل" المستخدمين بحماية أنفسهم من خلال تشغيل برامجها المصممة لمسح الشيفرات البرمجية بحثاً عن المخاطر الأمنية المحتملة.

تقول مصادر في قطاع الأمن السيبراني إن الروابط المرسلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخدمات المراسلة مثل "تليغرام"، تُستخدم لنشر تطبيقات احتيالية جديدة تتجنب سياسات الحماية المطورة حديثاً.

كما أشار روهان شيونغ، أحد كبار الباحثين في قطاع الاستخبارات الأمنية لدى "لوك أوت"، إلى أن المحتالين يلجأون إلى حلول غير تقنية مثل مطالبة المستخدمين ببساطة بإدراج عدة مراجع شخصية عند تقدمهم للحصول على قروض.

استعانت كيكاي بوتيستا، وهي ناشطة مقيمة في الفلبين تستخدم اسماً مستعاراً خشية التعرض للانتقام، بعديد من خدمات الإقراض على مر السنين، فقد حصلت على قروض من تطبيقات مختلفة لسداد الفوائد المستحقة على قروض أخرى، وقد بلغت ديون بوتيستا المتضخمة 100 ألف بيزو (1805 دولارات) تقريباً.

لم يكتف مشغلو التطبيقات بمضايقة بوتيستا ومعارفها ورب عملها عبر المكالمات الهاتفية، بل تجاوزوا ذلك بأن نشروا صورها على "فيسبوك" مع ادعاء أنها مصابة بالإيدز وتتعاطى المخدرات. قالت بوتيستا: "أستطيع أن أتحمل إزعاجاتهم وشتائمهم. كان ذلك مقبولاً لأنني أدين لهم بالمال. لكن ما لا أستطيع تحمله هو أن يدمروا سمعتي أيضاً".

تدير بوتيستا حالياً مجموعة دعم للضحايا عبر الإنترنت، حيث تشارك في التعريف بالمخاطر، وتحاول إقناع شركات وسائل التواصل الاجتماعي بإزالة المنشورات المسيئة، كما تبلغ جهات إنفاذ القانون بشأن الانتهاكات. مع ذلك، لا يكفي إيقاف العمليات لإنهاء المشكلة دائماً. أشارت باوتيستا إلى قضية من العام الماضي داهمت فيها الشرطة الفلبينية مركز اتصالات محلياً متورطاً في مخطط احتيالي، لكن رغم ذلك فقد أبلغ أحد أعضاء مجموعتها أن المكالمات عادت في اليوم التالي.

تصنيفات

قصص قد تهمك