بلومبرغ
بلغ أليكس كاتز 96 عاماً من عمره، ليصبح بذلك أحد أقدم الفنانين الأميركين الأحياء علاوةً على أنه بين أشهرهم، ولقي معرضه الاستذكاري في القاعة الدائرية بمتحف غوغنهايم هذا العام إشادة من النقاد، كما يستضيف معرض "غلادستون غاليري" في نيويورك عرضاً كبيراً لجديد أعماله حتى السادس من يناير.
لكن دوره، كراعٍ للفنون ذي أعمال خيرية بعيدة عن الأضواء، في دعم من سواه من الفنانين قد يكون بلا نظير، فقد تبرعت "أليكس كاتز فاونديشن" (Alex Katz Foundation) حتى اليوم بأزيد عن 700 عمل فني وبملايين الدولارات لمؤسسات فنية عديدة. وهي تتخذ في نيويورك مقراً لها ويرأسها كاتز وزوجته أيدا وابنه فينسنت وزوجة ابنه فيفيان.
تختلف المؤسسة عن كثير من مؤسسات الفنون التي تسدي المنح والجوائز، إذ إنها تتبع نهجاً جديداً، فهي تجنح لشراء أعمال الفنانين الناشئين أو من هم في منتصف حياتهم المهنية من معارضهم ثم تتبرع بها لمتاحف، وبخاصة مجموعة صغيرة في ماين، حيث يمضي كاتز عطلاته في منزل يملكه هناك منذ 1954.
يدعم هذا النموذج غير المعتاد منظومة عالم الفن عبر نشر التمويل من خلال المعارض والفنانين والمتاحف، فيرفع بذلك من قدر الفنانين الأقل شهرة. قالت هانا سيكورد وايد، التي اقتنت "أليكس كاتز فاونديشن" بعضاً من أعمالها وتبرعت بها لمتحف بورتلاند في 2021: "حين تلقيت اتصالهم شعرت أنني سأنهار... لقد كان له دور مؤثر في اتجاهي للفن". وأضافت أن مجرد مشاهدة كاتز لأعمالها الفنية "من شأنه أن يجلب فرحةً غامرةً، أما (شراؤه لها) فقد كان علامة بارزة في حياتي".
سخاء كاتز
في تقرير نشرته "ذا نيويوركر" (The New Yorker) عنه في 2018، فسّر كاتز دوافعه قائلاً: "أحب أن أشتري من الفنانين الذين يواجهون صعوبات في عشرينياتهم، لأنني أتذكر مدى تأثير ذلك في ثقتي بنفسي كفنان".
يتفق الفنانون المستفيدون من سخاء كاتز معه في ذلك. قال زاك برودر، الذي اقتنى كاتز بعض أعماله من معرض في نيويورك ليتبرع بها إلى متحف بورتلاند للفنون في 2018: "لا أعتقد أنه يسهل على من هم خارج المهنة أن يستوعبوا إيجابيات وسلبيات إنتاج عمل فني. فحتى مع الشهرة أو إقامة معرض، فإن الأمر لا يدوم طويلاً. لذا يكون عرض عمل ما في متحف أمراً استثنائياً".
لم يرد كاتز على طلبات بالتعليق لهذا المقال، لكن مؤسسته أرسلت بياناً بالبريد الإلكتروني تشير فيه إلى أن "هدفها دعم الفنانين الناشئين أو الذين في منتصف حياتهم الفنية عبر شراء أعمالهم لضمها إلى مقتنيات المتاحف... وتعمل أيضاً في بعض الأحيان مع متاحف وأمناء متاحف معينين وتناقش معهم مجموعاتهم الفنية وتحاول مساعدتهم على تعزيزها".
تحدث مستفيدون آخرون من سخاء كاتز عن نمط معين في عمله. قال كريس براوناويل، مدير متحف فارنسورث للفنون في روكلاند بولاية ماين، الذي تلقى عشرات الأعمال الفنية من مؤسسة كاتز: "أليكس يهتم بشدة بما يحدث في جميع أنحاء البلاد، وخصوصاً في مدينة نيويورك، فهو يزور كثيراً من الاستوديوهات ويحضر كثيراً من المعارض ويتحرى الفنانين الذين يعتقد أنهم ينتجون أعمالاً فنية تستحق الاهتمام".
يتواصل شخص من المؤسسة بعدها مع المتحف الذي ترى المؤسسة أنه سيُقدِّر اقتناء هذا العمل ضمن تشكيلته، ثم يقرر المتحف ما إذا كان سيقبل الهبة. قال براوناويل: "إنها عملية تتواصل فيها المؤسسة معنا، سواء من خلال أليكس او ابنه فينسنت، بشأن فنان معين ونسمع حماسهم تجاه ذلك الفنان".
تأثير العمل الخيري
كانت إحدى لوحات الفنان جيريمي ديبريز معلقة في معرض صغير مؤقت يديره فنانون أُقيم لفترة قصيرة في واجهة متجر في منطقة إيست فيليدج بنيويورك. قال: "أنا واثق جداً أن أليكس كاتز دخل المعرض واشترى بعض الأعمال" بما في ذلك لوحته التجريدية التي رسمها في 2020 واسمها (Ewwwtf). أضاف: "قد تظن أن مآلها سيكون إلى مخزن ما وأن أحداً لن يراها بعد ذلك، لكن قبل نحو عام ونصف، تواصل معي متحف بورتلاند للفنون وأبلغني أن (مؤسسة أليكس كاتز) تبرعت له باللوحة".
قال ديبريز، الذي نشأ في بورتلاند لكنه يقطن ويعمل في نيويورك، إن ذلك كان له تأثير مزدوج. قال: "لم أكن أملك المال، لذا حين اشترى (كاتز) اللوحة، حصلت على مال لأدفع الإيجار"، لكنك أيضاً "تبقى في الذاكرة بسبب أعمالك الفنية على نحو ملموس بشكل أكبر حين يقتنيها متحف، على عكس وجودها في منزل شخص ما".
إن عمل كاتز الخيري مهم على مستوى البلاد. تلقى متحف كلية كولبي للفنون في ووترفيل بولاية ماين أكثر من 200 عمل فني من مؤسسة كاتز، بالإضافة إلى نحو 800 عمل فني من أعماله التي تبرع بها شخصياً. كتبت جاكلين تيراسا، مديرة متحف كولبي، في بيان: "هذا دليل على إقباله الشديد المعتاد في الاطلاع على إنجازات من سواه من الفنانين، ويشير ذلك إلى التزامه بدعم وتشجيع الفنانين إن لم يتلقوا تقديراً وافياً".
دعم للفنون
شهدت مؤسسة أليكس كاتز، التي تأسست في 2004، تدفقاً في الأعمال الفنية والأموال خلال السنوات الأخيرة. تُظهر إفصاحاتها لعام 2021، وهي الأحدث، أن المؤسسة تلقت مساهمات وهبات ومنح من كاتز نفسه قدرها 35 مليون دولار، كما تلقت 21 مليون دولار في 2020. يكشف أحدث إفصاح متوفر للمؤسسة عن أصول تناهز قيمتها السوقية التقديرية 125 مليون دولار.
يضع هذا الكنز من الأعمال الفنية والأسهم والسندات والسيولة المالية المؤسسة في مصاف بعض أغنى مؤسسات الفنون في العالم. بالمقارنة، كشفت "جَد فاونديشن" (Judd Foundation) في إفصاحاتها عن إجمالي أصول تبلغ قيمتها نحو 112 مليون دولار في العام المالي المنتهي في 2022.
كما ذكرت "إيستون فاونديشن" (Easton Foundation)، التي أسستها الفنانة لويز بورجوا في الثمانينيات وتشرف على إدارة جانب كبير من أعمالها الفنية، عن أصول قيمتها نحو 284 مليون دولار في إفصاحاتها عن العام المالي المنتهي في أكتوبر 2022. وأعلنت "روبرت راوشنبرغ فاونديشن" (Robert Rauschenberg Foundation)، التي تمول المنح الدراسية والمنح العامة وبرنامجاً لتدريب الأطباء، عن أصول تُقدر قيمتها السوقية بنحو 657 مليون دولار في إفصاحاتها عن العام المالي المنتهي في مايو 2022.
إن الفارق الحاسم بين كاتز ونظرائه بالطبع هو أنه ما يزال على قيد الحياة. قالت كريستين فينسنت، مديرة مشروع "آسبن إنستيتيوت أرتسيت-إنداود فاونديشنز إنيشياتيف" (Aspen Institute Artist-Endowed Foundations Initiative): "هنالك قيود كبيرة على المؤسسات التي ينشئها الفنانون خصوصاً فيما هم على قيد الحياة. إنها لا تشبه المؤسسات الخاصة بالفنانين الراحلين".
على سبيل المثال، لا ينبغي للمؤسسات الخاصة بالفنانين الأحياء أن تقدم أي هبات خيرية ترتبط باهتمامات الفنان المهنية لما قد ينطوي عليه ذلك من تحقيق مصالح ذاتية، كما لا ينبغي أن تقدم على أمور مثل إهداء أعمال ذلك الفنان إلى المتاحف أو تمويل مشروع لكتابة سيرته الذاتية أو لإعداد أرشيف خاص به للسبب ذاته. رغم أن هناك قلة من مؤسسات تخص فنانين أحياء لها أصول ضخمة، "فإن الأكثر شيوعاً بكثير هو أن ينشئ الفنانون مؤسسات ويجهزونها لتباشر عملها بعد وفاتهم"، وفقاً لفينسنت.
في زمن الشدة
إن العمل الخيري الذي تقدمه "أليكس كاتز فاونديشن" بعيدٌ عن الأضواء، لكنه ليس سراً خصوصاً في ماين التي اعتاد كاتز زيارتها منذ 1949 على الأقل، إذ ارتاد مدرسة سكوهيغان للرسم والنحت لبضعة أشهر. قال براوناويل، مدير متحف فارنسورث، عن المؤسسة: "إنها لا تملأ جدراننا ببعض الأعمال الفنية المتميزة حقاً لفنانين مذهلين فحسب، بل إنها في الوقت نفسه آلية دعم رائعة لكي تكون أعمال الفنانين ضمن مجموعة مقتنيات متاحة للجميع. لا أبالغ في تقدير قيمة (المؤسسة) ودعمها هنا. إن سخاءها بهذا الشكل كان تحولاً جذرياً".
لطالما دعم كاتز، الذي يُقسِّم وقته بين ماين ومدينة نيويورك، الفنون والثقافة في المدينة. خلال الجائحة، حين وجدت مؤسسات الفنون نفسها فجأة في أوضاع مالية متعسرة، فتحت المؤسسة خزائنها في نيويورك.
تبرعت المؤسسة في 2020 بـ750 ألف دولار لمتحف غوغنهايم و350 ألف دولار لـ"ووستر غروب" (Wooster Group)، وهي فرقة مسرح تجريبي، و250 ألف دولار إلى "نيويورك لايف أرتس" (New York Live Arts)، وهي فرقة للعروض العامة، و200 ألف دولار لـ"بول تايلور دانس كومباني" (Paul Taylor Dance Company) و125 ألف دولار لدار عرض الأفلام "فيلم فورَم" (Film Forum)، و250 ألف دولار إلى مدرسة "كوبر يونيون" (Cooper Union) و200 ألف دولار إلى "بروكلين أكاديمي أوف ميوزيك" (Brooklyn Academy of Music) و75 ألف دولار إلى "هاوس فاونديشن أوف ذا أرتس" (House Foundation for the Arts) التابع للفنانة ميريديث مونكس.
أعمال كاتز الفنية
إن عمل كاتز الخيري ملحوظ بشكل أكبر لأن أسعار أعماله الفنية، رغم أنها ليست رخيصة، فهي لا تداني أسعار أعمال الرسامين الأميركيين المعروفين من أبناء جيله. كانت أسعار لوحات كاتز الجديدة في المعارض الفنية التي أقيمت حديثاً تبدأ بشكل عام عند 700 ألف دولار تقريباً، أما أعماله الأقدم فقد عرضتها بعض المعارض بشكل خاص بأسعار تصل إلى 3.5 مليون دولار.
حتى الآن، بيعت أعمال لكاتز بسعر تخطى مليون دولار في مزادات لأقل من 20 مرة. في المقابل، بيعت أعمال جاسبر جونز في نحو 100 مزاد بسعر فاق مليون دولار، كما بيعت أعمال فرانك ستيلا لقاء ما يفوق مليون دولار أكثر من 80 مرة.
تواصل "أليكس كاتز فاونديشن" اقتناء القطع الفنية والانخراط في محادثات مع المتاحف حول التبرع بتلك القطع. حتى نهاية 2021، كان بحوزة المؤسسة أكثر من 30 عملاً فنياً للتبرع بها، بما فيها لوحة غير مؤرخة للرسام التعبيري الألماني إرنست لودفيغ كيرشنر، ولوحة يعود تاريخها إلى 1969 لفيليب غوستون، وعمل يرجع تاريخه إلى 1909 لبيير بونار. لكن متحدثاً باسم المؤسسة قال إن العدد تراجع إلى ستة قطع فنية فقط منذئذ، إذ إنها تبرعت بكل القطع الأخرى إلى متاحف.
كتب المتحدث باسم المؤسسة في رسالة أرسلها بالبريد الإلكتروني: "عبر تقديم هبات من الأعمال الفنية إلى المتاحف، وبعضها في ولاية ماين، تهدف المؤسسة لأن تساهم في إنشاء مجموعة مقتنيات فنية ضخمة ستكون متاحة لعامة الناس في ولاية ماين وأماكن أخرى. لدى أليكس كاتز علاقة طويلة الأمد مع ماين، ويسعد المؤسسة أن ترد الجميل لولاية قدمت له الكثير".
تأثير كاتز
استفادت أربعة متاحف من سخاء هذه الشخصية رفيعة القدر في عالم الفن.
- متحف فارنسورث للفنون
اختتم المتحف، الذي يقع في روكلاند في ماين، في 24 سبتمبر معرضاً للاحتفاء بمؤسسة كاتز وقد ضم مجموعة من أكثر من 60 عملاً فنياً تبرعت بها مؤسسة كاتز وتتوعت بين لوحة لفرانشيسكو كليمينتي تعود لعام 2002 ومنحوتة من الخشب لكلب من فصيلة "بودل" للنحات برنارد لانغلايس تعود لعام 1977.
- المتحف العالي للفنون
يقع المتحف في مبنى ضخم من تصميم ريتشارد ماير في قلب أتلانتا، وتمتد مجموعة مقتنياته الفنية من عصر النهضة حتى وقتنا هذا. قدّم المتحف معرضاً بعنوان "لوحات الرسام: هبات من أليكس كاتز" في 2014، إذ عرض أكثر من 20 عملاً فنياً لفنانين ناشئين وآخرين في منتصف مسيرتهم المهنية كانت من إهداء المؤسسة، إلى جانب أربع لوحات رسمها كاتز وبعض الأعمال على الورق التي تبرع بها أيضاً.
- متحف كلية كولبي للفنون
استضاف المتحف، الذي يقع في ووترفيل في ماين، معرضاً بعنوان "الكل في واحد: مختارات من مجموعة متقنيات (أليكس كاتز فاونديشن)"، الذي انتهى في وقت سابق من هذا العام. تضمن أعمالاً لليندا بنغليس وشانتال جوف وجويل شابيرو. يضم المتحف أيضاً نحو 800 من أعمال كاتز الفنية، ومنها كثير من النسخ المطبوعة، كلها موجودة في جناح مخصص تبلغ مساحته 929 متراً مربعاً. تركز مجموعة المقتنيات في كولبي بشكل خاص على الفن الأميركي والمعاصر.
- متحف بورتلاند للفنون
سلط المتحف، الذي يقع في ماين، خلال الصيف الضوء على أكثر من 50 من القطع الفنية التي تبرع بها كاتز لأحد معارضه، وكانت أغلب القطع من فنانين صاعدين أو في منتصف مسيرتهم المهنية، رغم أن العرض شمل أيضاً عملاً رئيسياً من أعمال روبرت راوشنبرغ. ذكرت ملاحظة على أحد جدران المعرض أن "هذه المجموعة من المقتنيات مستمرة بالنمو".