كيف اتفقت أبل مع غوغل سراً على احتكار نتائج محركات البحث؟

وزارة العدل الأميركية: "غوغل" دفعت 4 إلى 7 مليارات دولار سنوياً لـ"أبل" لضمان تفوقها كمتصفح

time reading iconدقائق القراءة - 20
واجهة محرك البحث \"غوغل\" تظهر على شاشة جهاز لابتوب - المصدر: بلومبرغ
واجهة محرك البحث "غوغل" تظهر على شاشة جهاز لابتوب - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تُنفق شركة "غوغل" ما يقدر بـ10 مليارات دولار سنوياً لضمان وصول المستخدمين إلى الإنترنت من خلال محرك بحثها، ما منع الشركات الناشئة وزميلتيها عملاقتي قطاع التكنولوجيا "أبل" و"مايكرسوفت" من منافستها، بحسب اتهامات وزارة العدل الأميركية.

هذا الأسبوع، ستطرح سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية أدلتها ودفوعها في قضية مكافحة الاحتكار ضد محرك البحث التابع لشركة "ألفابت" في أكبر قضية احتكار بقطاع التكنولوجيا منذ قضية "مايكروسوفت" في التسعينيات من القرن الماضي.

يشكل هذا التحرك النصف الأول من المحاكمة المستمرة على مدى 10 أسابيع، وبعد ذلك سترد "غوغل" على الاتهامات الموجهة لها وربما تفسر سبب دفعها أموالاً للمنافسين لاستخدام تكنولوجيا البحث التي تجادل بأنها متفوقة بشكل تلقائي.

من غير المنتظر أن يصدر القاضي، أميت ميهتا، الذي ينظر القضية قراراً حتى السنة المقبلة، رغم أنه من المتوقع أن يستغرق صدور أي قرار حاسم في القضية عدة أعوام في ظل درجات الاستئناف، ومحاكمة ثانية محتملة، لضمان اتخاذ تدابير تصحيحية إذا انتصرت وزارة العدل.

شهادة مسؤولي شركات التكنولوجيا

أدلت مجموعة من المسؤولين التنفيذيين البارزين في شركات التكنولوجيا بشهاداتهم أمام المحكمة، بداية من الرئيس التنفيذي لـ"مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، وحتى أكبر مسؤول عن اتفاقات "أبل"، إدي كوي، حيث تسعى وزارة العدل الأميركية إلى إثبات احتكار "غوغل" بطريقة غير قانونية لخدمة البحث عبر الإنترنت، وتدفق الإعلانات الغني المرتبط بها. ومن المتوقع أن يدلي الرئيس التنفيذي لـ"غوغل"، سوندار بيتشاي، بشهادته خلال الأسابيع المقبلة.

خلال الخمسة أسابيع الماضية، استمع ميهتا لعشرات المقارنات بشأن عملاق محركات البحث، ومكانته في الحياة الحديثة للمستهلكين والشركات التي تحاول الوصول إليهم.

ويعتبر محرك بحث "غوغل" بمثابة بوابة أولى لوصول المستخدمين، حيث إنه يشبه وجود عبارة وحيدة توصل إلى جزيرة. كما أنه كتالوج يضم بطاقات لمكتبة لانهائية عبر الإنترنت.

تدعي وزارة العدل أن الشركة استخدمت موقعها البارز لجني أموال طائلة من المعلنين، وكان ذلك غالباً عن طريق إجراء تعديلات غير مفهومة على قواعد التحكم في مزادات الإعلانات التي تشارك فيها الشركات.

عقبات أمام غوغل

أوضحت جينيفر ري محللة "بلومبرغ إنتليجنس"، التي كانت تتابع إجراءات المحاكمة، أن الحكومة الأميركية أدت "عملاً بارزاً" في عرض قضيتها. وتابعت: "واحدة من أصعب العقبات التي تواجه غوغل، بمجرد أن تبدأ قضيتها الرئيسية، هي تبرير سبب إنفاقها مبالغ كبيرة".

يرجح أن تبدأ "غوغل" دفاعها في 26 أكتوبر الجاري. وتزعم "غوغل" أن شركات على غرار "أبل" و"سامسونغ إلكترونيكس" تستخدم محرك بحثها لأنه الأفضل ويمكن للمستهلكين التنقل بسهولة من خلاله إذا أرادوا ذلك.

استمع ميهتا إلى حد الآن لـ29 شاهداً، من بينهم 11 موظفاً من "غوغل" و4 موظفين سابقين. وأجاب العديد من المديرين التنفيذيين الحاليين بتردد على أسئلة الحكومة، حيث تجادلوا حول الصياغة والمصطلحات، قبل أن يصبحوا شديدي الحماس في حضور محاميهم، حيث أعدوا عروضاً توضيحية حول طريقة عمل محرك البحث أو الإعلانات عليه.

في واحدة من الوثائق الداخلية التي كشفت الكثير من الأمور، أبان أحد كبار المسؤولين التنفيذيين الماليين في "غوغل" عن أعمال إعلانات البحث في مجال بيع الأدوية، حيث يمكن للشركة ببساطة تجاهل المستخدمين والتركيز على طرق توليد أموال أكثر من الإعلانات. وشكك بيتشاي، قبل سنوات من توليه منصب الرئيس التنفيذي، في الحكمة من مطالبة "أبل" باستخدام محرك بحث "غوغل" حصرياً في متصفحها "سفاري" (Safari).

هيمنة غوغل على المتصفحات

وصف أحد الخبراء المحنكين في "غوغل" والذي تحول إلى مسؤول تنفيذي في "بوكينغ هولدينغز" (Booking Holdings) محرك البحث بأنه "دكتاتورية محبة للخير"، حيث تفرض تعديلات مكلفة على المعلنين دون اعتبار لرأيهم.

كما شهد سريدهار راماسوامي، الذي قضى 15 سنة في العمل لدى "غوغل" للمساعدة في بناء منتجات إعلانات محرك بحثها، وقال أمام القاضي إن تركيز الشركة على الإعلانات كان يضعف من تجربة المستهلك ويسفر عن "آثار جانبية عديدة غير مقصودة لها عواقب اجتماعية جسيمة" مرتبطة بالخصوصية.

تدعي وزارة العدل الأميركية أن مكانة "غوغل" البارزة على صعيد المتصفح أو الهاتف المحمول تثني الأشخاص عن الانتقال لاستخدام بدائل.

خلال 2007، وصف كبير خبراء الاقتصاد في "غوغل"، هال فاريان، وضع الصفحة الرئيسية التي تظهر تلقائياً بأنه "سلاح استراتيجي قوي في معركة محركات البحث"، بحسب وثائق مقدمة ضمن أوراق القضية.

وفي 2014، توصلت "غوغل" إلى أن مستخدمي الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل "أندرويد" نادراً ما يبتعدون عن الاعتماد على التطبيقات المحملة مسبقاً على الأجهزة".

تستحوذ اتفاقات "غوغل" على ثلث إلى نصف حركة البحث في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب خبير وزارة العدل مايكل وينستون. وتتعامل الشركة مع كبار شركات تصنيع الهواتف الذكية على غرار "سامسونغ" وشركات الاتصالات اللاسلكية "إيه تي أند تي". و"فرايزون كوميونيكيشنز".

شراكة غوغل مع أبل

أقر ميهتا بنفسه بأن "جوهر القضية" يقوم على اتفاق الشراكة بين "غوغل" مع "أبل" لمدة 21 سنة بحيث يظهر محرك بحث "غوغل" تلقائياً على أجهزة الأخيرة.

عندما وُقع الاتفاق للمرة الأولى في 2002، سمحت "أبل" باستخدام "غوغل" لتشغيل محرك بحث "سفاري" مجاناً. لكن مع مرور الوقت، تطور الاتفاق للحصول على حصة من الإيرادات حيث تدفع "غوغل" لـ"أبل" نسبة مئوية من مبيعات الإعلانات. واستشهدت وزارة العدل بتقديرات توضح أن المبلغ المدفوع من "غوغل" لـ"أبل" يتراوح ما بين 4 و7 مليارات دولار سنوياً، رغم أن الأرقام الدقيقة غير معلنة.

تقول "غوغل" و"أبل" إن الاتفاق "سري تماماً" وقد خرجت التفاصيل ببطء لأن القاضي سمح بالإدلاء بشهادات كثيرة على مدى أول أسبوعين من الجلسات السرية.

دافعت شهادة من مديرين تنفيذيين لـ"أبل" -وهما: جون غياناندريا، رئيس الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة الذي غادر "غوغل" خلال 2018، وكوي، الذي تفاوض على أحدث نسخ الاتفاق- عن الاتفاق على اعتبار أن الشركة تعتقد أن محرك "غوغل" يقدم أفضل نتائج البحث.

وشهد كوي أن الاتفاق تطلب أيضاً من أبل "دعم الاتفاق والدفاع عنه" في مواجهة الصعوبات التنظيمية. وتزعم وزارة العدل أن الاتفاق منع شركة "أبل" من التنافس بطريقة مباشرة مع "غوغل" في مجال محركات البحث، رغم أن الشركتين تعتبران أكبر متنافستين في مجال الهواتف المحمولة.

مايكروسوفت تخسر أمام غوغل

فشل المنافسون الممولون جيداً على غرار "مايكروسوفت" في إزاحة "غوغل". وبداية من 2013، استعملت "أبل" محرك "بينغ" (Bing) من "مايكروسوفت" نظراً لأنها تملك بعض أحدث الميزات مثل المساعد الصوتي "سيرا" و"سبوتلايت"، ما يساعد المستخدمين على العثور على التطبيقات والملفات على الأجهزة. وانتقلت الشركة في نهاية المطاف لـ"غوغل" لنفس هذه الميزات خلال 2017.

ذكر ناديلا من "مايكروسوفت" في شهادته بأنه حاول كل عام إقناع "أبل" بالتخلي عن محرك بحث "غوغل" الذي يظهر تلقائياً منذ توليه منصب الرئيس التنفيذي خلال 2014، وكانت الشركة مستعدة لتكبد خسائر بالمليارات من الاتفاق.

وأشار مسؤول تنفيذي كبير في "مايكروسوفت" كان يعمل في السابق لدى "يانديكس" (Yandex) إلى أن الاتفاق بين "مايكروسوفت" و"أبل" كان سيغير قواعد اللعبة، لأنه سيمنح محرك "بينغ" البحثي حركة مرور كافية عبر الهاتف المحمول لتحسين نتائجها بصورة هائلة.

درس المسؤولون التنفيذيون في شركة "أبل" عملية تغيير محتملة. وضبط كوي أجهزته على محرك "بينغ" لبضعة أسابيع خلال 2015 لاختبار الفرق بنفسه، لكنه قال إنه لا يعتقد أنها وفرت نتائج بحث جيدة.

فيما أوضح غياناندريا أنه قام بالأمر نفسه خلال 2018 وثبت لديه أنه يعمل "غالباً" بصورة جيدة عدا عمليات البحث الغامضة أكثر. ثم أجرت "أبل" بوقت لاحق دراسة للمقارنة بين محركي البحث، وانتهت إلى أن "غوغل" أظهرت نتائج أفضل في كافة المجالات باستثناء عمليات البحث باللغة الإنجليزية على أجهزة حاسوب سطح المكتب، إذ توافقت نتائج "بينغ" مع نظيراتها من "غوغل".

محاولات فاشلة لاستبدال غوغل

على نفس المنوال، تعثرت محادثات محرك البحث الذي يركز على الخصوصية "دوك دوك غو" (DuckDuckGo) مع "أبل". وناقشت الشركتان خلال عامي 2018 و2019 جعل "دوك كوك غو" محرك البحث الذي يظهر تلقائياً في وضع المتصفح الخاص لـ"سفاري"، إذ لا يتتبع مواقع الإنترنت التي يزورها المستخدم أو يحتفظ بتاريخ للمواقع التي دخلها الشخص. ورغم اهتمام المديرين التنفيذيين في "سفاري"، إلا أن غياناندريا ألغى الفكرة.

أوضح راماسوامي، الذي سعى دون جدوى لبناء محرك بحث قائم على الاشتراك بديلاً عن "غوغل" يسمى "نيفا" (Neeva)، خلال الإدلاء بشهادته أنه رغم اتصالاته بأطراف فاعلة في "أبل"، إلا أنه لم يتمكن حتى من إقناع الشركة بالرد على طلب إضافة محرك البحث إلى قائمة الخيارات في "سفاري".

واختتم: "الأموال التي تدفعها (غوغل) تجعل النظام مقاوماً بصورة استثنائية لحدوث تغيير، حيث إن بنود العقود المعقدة لصفقاتها تحول دون تعديلها على يد الموظفين التنفيذيين في غالبية هذه الشركات".

تصنيفات

قصص قد تهمك