الشرق
نشرت مؤسسات مالية عالمية، من بينها "مورغان ستانلي" و"موديز إنفستورز سيرفيس"، تقارير مالية سلبية عن الديون المصرية وأدوات الدين خلال الأسبوع المنصرم، وهو ما جاء متزامناً مع إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترشحه لفترة رئاسية جديدة، ومع تصريحات أيضاً لمديرة صندوق النقد الدولي، أشارت فيها إلى أن مصر "ستستنزف" احتياطياتها الأجنبية "ما لم تخفّض قيمة عملتها مرة أخرى". لكن محللين ماليين توقعوا ألا تدفع تلك التقارير والتصريحات الحكومة إلى خفض قيمة الجنيه قبل الانتخابات التي تُجرى في ديسمبر.
المحللون الذين تحدثوا مع "الشرق"، توقعوا أن تؤثر التقارير لفترة وجيزة على السوق الموازية للعملة في مصر، وعلى أداء السندات المصرية في الأسواق العالمية، إلى جانب تأثيرها أيضاً على القطاع الخاص والعائلي في مصر.
توالي الإشارات والتحذيرات
في الثاني من أكتوبر الجاري، وبعد ساعات على إعلان السيسي عن ترشحه لفترة رئاسية جديدة، أعلنت "مورغان ستانلي" عن تبنّيها موقفاً متشائماً إزاء مصر، في ظل مواجهة الدولة التي تعاني من ضائقة مالية، لما وصفه بنك الاستثمار الأميركي بـ"زيادة المخاطر" في الأشهر المقبلة.
البنك خفّض نظرته إلى أدوات الدين الحكومية لمصر من موقف "الحياد" إلى "عدم التحبيذ"، وكان قراره جزءاً من تقرير عدل فيه عن تفضيل ديون الأسواق الناشئة ذات المخاطر المرتفعة والعوائد السخية على الأوراق المالية ذات الدرجة الاستثمارية.
قال استراتيجيو "مورغان ستانلي" إن الانتخابات الرئاسية المرتقبة في شهر ديسمبر، ستضعف قدرة مصر على مواصلة تنفيذ الإصلاحات بما في ذلك الانتقال إلى نظام مرونة أسعار الصرف، وهو شرط رئيسي في برنامج صندوق النقد الدولي لقرض بقيمة 3 مليارات دولار.
توتّر إضافي
وما زاد من حدة التوتر، تصريح مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا لـ"بلومبرغ" الثلاثاء الماضي، حيث قالت إن مصر "ستستنزف" احتياطياتها الثمينة، ما لم تخفض قيمة عملتها مجدداً.
بعد ذلك، تفاقمت النظرة السلبية إلى مصر من قبل المؤسسات العالمية، إذ خفّضت "موديز إنفستورز سيرفيس" يوم الأربعاء الماضي، التصنيف الائتماني لمصر بنحو درجة واحدة، وغيّرت نظرتها إلى "مستقرة". قالت المؤسسة إن تصنيف إصدارات الحكومة المصرية طويلة الأجل بالعملتين الأجنبية والمحلية، هبط إلى (Caa1) من (B3).
تصنيف مصر الحالي من قبل وكالة "موديز" ينخفض درجتين عن التقييم الذي حصلت عليه البلاد من "إس أند بي غلوبال ريتنغز" و"فيتش ريتنغز". وتجدر الإشارة إلى أن السندات الحاصلة على تصنيف (Caa)، يُنظر إليها على أنها "ذات طابع مضاربي، وذات موقف ضعيف، وتخضع لمخاطر ائتمانية عالية للغاية"، وفقاً لوكالة "موديز".
يثير التحرك الأخير أيضاً مخاوف من أن تجري "فيتش" و"إس أند بي" مزيداً من الخفض، وفقاً لبنك سنغافورة (Bank of Singapore).
رد فعل
تأثرت السوق الموازية للعملة في مصر بتخفيضات البنوك العالمية وحثّ مديرة صندوق النقد مصر على تحرير عملتها، وارتفعت قيمة الدولار إلى 41 جنيهاً من 39.5-40 جنيهاً مطلع الأسبوع الماضي، بحسب متعاملين في السوق تحدثوا مع "الشرق".
أما السندات المصرية الدولارية في الأسواق العالمية، فقد هبطت لتصبح بين أكبر الخاسرين في الأسواق الناشئة يوم الجمعة، معمّقة تراجعها إلى مستويات منخفضة قياسية بلغت حوالي 50 سنتاً للدولار أو أقل، قبل أن تعود وتقلّص خسائرها.
محمد عادل، المحل المالي لدى "الشرق"، أرجع خسارة السندات المصرية لما يواجهه الاقتصاد المصري من ضغوط شديدة على العملة، بالتزامن مع تفاقم التضخم في ظل أسعار فائدة حقيقية سالبة.
خفضت مصر قيمة الجنيه ثلاث مرات منذ أوائل 2022، لتفقد العملة ما يقرب من نصف قيمتها أمام الدولار. وقالت غورغييفا إن مصر تؤخر أمراً لا مفر منه عبر الامتناع عن القيام به مرة أخرى "وكلما طال الانتظار، أصبح الأمر أسوأ".
بانتظار انتهاء الانتخابات
رأى هاني جنينة، كبير الاقتصاديين والمحللين الاستراتيجيين في "كايرو كابيتال"، أن تقارير المؤسسات المالية الأخيرة لن تؤثر على السوق الرسمية للعملة في مصر أو تدفع الحكومة للقيام بتحرير سعر الصرف في الوقت الراهن، مشيراً إلى أن أي تأثير محتمل سيكون على السوق الموازية للعملة والسندات الحكومية في الأسواق الدولية وعلى القطاع الخاص والعائلي، في حين أن الحكومة لن تتحرك لتحرير سعر الصرف إلا بعد نهاية الانتخابات الرئاسية.
أما محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في قطاع البحوث لدى "إي إف جي القابضة"، فقال إن النية متوافرة بالفعل لدى مصر لتحرير جديد لسعر الصرف، لكن يتبقى بعض العوامل، وأهمها وجود سيولة دولارية لدى المركزي. وأضاف أن التقارير والتصريحات لن يكون لها تأثير قوي، لأنها لم تأت بجديد والسوق تتفاعل عملياً مع ما ذكرته التقارير.
الاستعداد
بدأ المركزي المصري في سبتمبر الماضي، بعض الخطوات الشبيهة التي قام بها في 2016 قبل تحرير سعر الصرف، ولذا قام في نهاية سبتمبر الماضي بتوقيع اتفاقية مقايضة عملات محلية مع الإمارات بقيمة اسمية تصل إلى 5 مليارات درهم إماراتي مقابل 42 مليار جنيه مصري، إلى جانب توقيع اتفاق تمهيدي مع الصين قد يؤدي أيضاً إلى تبادل عملات، بخلاف سعيه لاتفاقيات مع بعض الدول لاستخدام عملاتها المحلية في التبادل التجاري البيني.
أبو باشا، قال إن "اتفاقيات تبادل العملة التي أبرمت أو المتوقع إبرامها في الفترة المقبلة، ستساعد بقوة في تكوين احتياطي جيد لدى البنك المركزي يمكنه من اتخاذ قراره في الوقت المناسب".
إضافة إلى ذلك، عمل "المركزي" المصري خلال الأشهر القليلة الماضية على السماح لبعض البنوك بقبول إيداعات دولارية من بعض المستوردين، دون السؤال عن مصدرها، ومقابل التنازل عن حصة تبلغ بين 10 و 20% من قيم الإيداعات الإجمالية، وسمح أيضاً لبعض تجار الحديد بعمل إيداعات دولارية دون السؤال عن مصدرها، بحسب مصرفيين وتجار تحدثوا مع "الشرق".
أحد كبار مستوردي الأجهزة المنزلية في مصر (رفض الكشف عن هويته)، أكد لـ"الشرق" أن البنوك بالفعل بدأت من فترة استقبال الإيداعات الدولارية منهم كمستوردين دون السؤال عن مصدر العملة، مقابل التنازل عن حصة 10-20%. وأشار إلى أن أسعار الصرف في السوق الموازية -وللمرة الأولى- تقفز خلال العطلات مع زيادة الطلب على الدولار، كما حدث أول أمس السبت.
كل تلك الخطوات الاستباقية من قبل البنك المركزي المصري المتعطش لمزيد من السيولة الدولارية التي سيحتاج إليها عند الحاجة إلى تحرير سعر الصرف، تؤكد أن البلاد تسير في طريق تغيير سعر صرف، لكن يتبقى اختيار التوقيت المناسب، سياسياً واقتصادياً، في واحدة من أكثر البلدان العربية كثافة سكانية.