بلومبرغ
ينتظر أن يرسم جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ملامح الخطوات النهائية في حملة البنك المركزي الأميركي لكبح التضخم، ويؤكد التزامه بإنهاء هذه المهمة، عندما يلقي كلمة يوم الجمعة في جاكسون هول بولاية وايومنغ.
على الرغم من أن الخطاب قد لا يتضمن النغمة المأساوية نفسها التي هيمنت على خطاباته في السنوات الأخيرة؛ فإنَّ كلمته في المؤتمر السنوي لبنك الاحتياطي الفيدرالي إلى مسؤولي البنوك المركزية العالمية تأتي في الوقت الذي يدخل فيه صناع السياسات ما وصفوه بالمرحلة الأكثر صعوبة في معركة التضخم، قياساً على مدى الحاجة إلى مزيد من التقشف في ظل شكوك بشأن تأثير إجراءاتهم على الاقتصاد حتى الآن.
حتى وقت قريب، كان الطريق نحو المستقبل واضحاً، وهو الاستمرار في رفع أسعار الفائدة للسيطرة على أسرع معدل تضخم منذ أربعة عقود. أما الآن؛ وفي ظل مواصلة تباطؤ التضخم، ظهرت إلى الواجهة خلافات بين صناع السياسات النقدية حول حجم الإجراءات اللازمة مستقبلاً. من المرجح أن يستخدم باول كلمته هذا الأسبوع لتوضيح كيفية تقييم بنك الاحتياطي الفيدرالي فيما إذا كان ينبغي رفع أسعار الفائدة وتحديد الوقت المناسب لبدء خفضها.
خطاب التوقعات
قال دونالد كوهن، نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق: "سوف يحذر باول من أن تيسير السياسة النقدية ما يزال مبكراً للغاية. أعتقد أن هذا سيكون النقطة الرئيسية هنا. سيتعين عليه في الواقع أن يوضح ما يعنيه بالاعتماد على البيانات، مما يخفف رد الفعل القوي للغاية من قبل الأسواق تجاه كل نقطة من البيانات".
من المقرر أن يلقي باول خطاباً حول التوقعات في الساعة 10:05 صباح الجمعة بتوقيت واشنطن، وذلك في إطار ندوة السياسة الاقتصادية السنوية لبنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، التي ستُعقد في ظلال سلسلة جبال تيتون. وستتحدث رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد أيضاً في وقت لاحق من ذلك اليوم.
يأتي هذا التجمع في الوقت الذي ما يزال فيه صناع السياسة النقدية في جميع أنحاء العالم يواجهون معدلات تضخم أعلى من الهدف، مع تزايد فرص حدوث انكماش اقتصادي. يتمثل التحدي خلال العام المقبل في إيجاد التوازن على نحو متزايد بين الخطرين المزدوجين، وهما السيطرة على ضغوط الأسعار مع تجنب الركود.
منذ خطاب باول الصريح بشكل معروف خلال المؤتمر في أغسطس من العام الماضي -الذي كان مقتضباً ودقيقاً عندما أكد على عزم البنك المركزي على سحق التضخم- رفع مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة القياسية إلى أعلى مستوى خلال 22 عاماً إلى نطاق يبدأ من 5.25% حتى 5.5%.
حتى الآن، انخفضت مقاييس التضخم بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي، ولم يظهر الاقتصاد سوى علامات قليلة على المعاناة من تشديد الظروف النقدية. لكن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي منقسمون على نحو متزايد إلى معسكرين مع انحسار خطر التضخم، وتصاعد المخاطر الاقتصادية الأخرى.
سياسة متأخرة
ترى مجموعة من هؤلاء أن أسعار الفائدة الأعلى لم تؤتِ ثمارها بالكامل في الاقتصاد، وتشعر هذه المجموعة بالقلق من أن التشديد المستمر لشروط الائتمان سيكون له تأثير أكبر من المستهدف. وقد يؤدي سحب المدخرات المتوفرة منذ فترة الجائحة واستئناف مدفوعات القروض الطلابية هذا الخريف إلى زيادة الرياح المعاكسة.
تقول مجموعة أخرى إن تأخر تأثير السياسة النقدية في النشاط الاقتصادي لم يعد طويلاً، وهم يجادلون بأن الكثير من تأثير أسعار الفائدة الأعلى قد تردد صداه بالفعل. ويريدون أيضاً رؤية مزيد من الأدلة الملموسة على أن التضخم يسير على الطريق الصحيح للعودة إلى هدفه البالغ 2%.
"بالنظر إلى وجهات النظر واسعة النطاق حول هذا الموضوع داخل بنك الاحتياطي الفيدرالي؛ نتوقع أن يروج باول لاستراتيجيته المفضلة لإدارة المخاطر- وهي التحرك ببطء. ومن أجل تقييم أي تقدير للمعدل المحايد بشكل أفضل؛ سيتعين على اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الانتظار ومراقبة الوضع- على الأرجح لعدة اجتماعات مقبلة". — آنا وونغ، كبيرة الاقتصاديين المختصين في أميركا
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
وبما أن الثقة بين المستثمرين تراجعت، بشأن ما يمكن توقعه بعد ذلك من بنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث ارتفعت التقلبات في الأسابيع الأخيرة؛ فإنَّ مصير السوق يبدو معلقاً على كل تفصيلة جديدة من البيانات الاقتصادية.
الأسواق لا تتوقع حالياً زيادة أخرى في أسعار الفائدة هذا العام، وفقاً للعقود الآجلة، على الرغم من أنها ترى فرصة أكبر لرفع أسعار الفائدة في اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي المقرر انعقاده من 31 أكتوبر إلى 1 نوفمبر، مقارنة باجتماعه المقبل في 19-20 سبتمبر.
سيمنح اجتماع جاكسون هول لباول مساحة كبرى للحديث عن المعالم الرئيسية لاستراتيجيته، بما في ذلك تركيز بنك الاحتياطي الفيدرالي على أكثر من مجرد تقارير حول التضخم.
قال الاقتصاديون في بنك "مورغان ستانلي"، بقيادة إلين زينتنر، في مذكرة حديثة إلى العملاء: "نتوقع منه أن يواصل التأكيد على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيعتمد على البيانات، ويأخذ في الاعتبار (مجمل) البيانات، مع إبقاء اجتماع سبتمبر مباشراً".
معدل محايد
كذلك أدت قوة الاقتصاد في مواجهة الارتفاعات السريعة بأسعار الفائدة إلى إثارة التكهنات بأن ما يسمى سعر الفائدة المحايد -الذي لا تؤدي السياسة عنده إلى تحفيز الاقتصاد أو إبطائه-قد يكون أعلى مما كان عليه قبل تفشي الجائحة. ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.35% هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ عام 2007، مما يعكس التوقعات بأن أسعار الفائدة قد تظل أعلى.
يتطلع المستثمرون إلى مساهمة باول يوم الجمعة. لكنَّ مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي اتخذوا وجهة نظر محايدة إلى حد كبير حول هذه المسألة - إذ أشارت أحدث تقديراتهم المنشورة في يونيو إلى أنهم يعتقدون أن معدل الفائدة ظل دون تغيير عما كان عليه قبل الجائحة عند 2.5%- ومن غير المرجح أن يحيد باول عن هذا النهج. قال للمشرّعين في مارس: "بصراحة، لا ندري" أين يقف سعر الفائدة الحيادي؟.
في خطابه الأول في جاكسون هول، كرئيس لبنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2018، أكد باول على ترسخ حالة عدم اليقين بشأن تقديرات مثل هذه المتغيرات طويلة الأجل. لكنه شدد أيضاً على أنه في حالة حدوث تطورات رهيبة، مثل الأزمة المالية أو توقعات التضخم غير المستقرة؛ فإنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى "القيام بكل ما يلزم" لحل المشكلة.
في العام الماضي، ومع وصول التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاماً؛ اتخذ خطاب باول المسار الأخير. وفي هذا العام، قد يكون الوقت قد حان للعودة إلى السيناريو السابق.
وقال آدم بوسن، رئيس معهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي: "لا يمكن أن يكون خطاب باول بهذه القوة والوضوح هذه المرة، لأن التوقعات الاقتصادية أكثر غموضاً حقاً".
أضاف بوسن: "اتخاذ القرار في البنك المركزي يكون أسهل إلى حد ما عندما تكون لديك سياسة خاطئة، ويكون أمامك طريق طويل للوصول إلى الهدف الذي يجب أن تبلغه. يزداد الأمر صعوبة عندما يتعين عليك أن تقترب من السياسة الصحيحة، ولكنك لست متأكداً من أنك وصلت إليها. وهذا هو وضع بنك الاحتياطي الفيدرالي حالياً".