بلومبرغ
استمرَّ اتساع تفاوت الأجور بين الجنسين على مدى عقود رغم جهود الحكومات لتضييقه. لكن يبدو أن حملة تشريعات وتوجيهات تستهدف تحقيق قدر أكبر من شفافية الأجور قد نجحت فيما فشلت به الإجراءات الأخرى، وأتى التقدم متبايناً بوضوح بين دولة وأخرى.
يقول الخبراء إن الأمر يؤتي ثماره سواء أكان ذلك عبر إلزام أصحاب العمل بالإبلاغ عن تباينات الأجور في شركاتهم أو من خلال نشر نطاق لرواتب الوظائف الشاغرة، أو عبر منع أصحاب الأعمال من تحري تاريخ رواتب الساعين لوظائف.
قالت إيمانويلا بوزان، أخصائية المساواة بين الجنسين في منظمة العمل الدولية: "إن معالجة تباين الأجور بين الجنسين تتطلب نهجًا متعدد الجوانب… رائع أن نرى هذا الزخم فيما يخص شفافية الأجور وتأثيره على هذه التباينات".
برزت في هذا أيسلندا التي سنّت في 2018 تشريعات تعلي مبدأ "مساواة في الأجر تعني مساواة في القيمة"، ما يعني أنه يجب دفع نفس الأجر لقاء أداء وظائف تتشابه من حيث المهارات التي تتطلبها ومن حيث ساعات العمل وكثافته، بغض النظر عن القطاع أو الوظيفة.
أجبر القانون الشركات على تبرير أسباب القرارات بتحديد كل راتب أو مكافأة. وقد ساهم هذا الإجراء في تقليص فجوة الأجور بين الجنسين في البلاد إلى النصف في العقد الماضي. كما حفز ذلك موجة مبادرات مشابهة في أرجاء شتى من العالم.
أحدث تلك المبادرات كان في الاتحاد الأوروبي، الذي نشر في أبريل توجيهات للحد من عدم المساواة في الأجور في الشركات. كما سنت اليابان وأستراليا أخيراً قوانين لمعالجة تباين الأجور بين الجنسين.
تباين بين البلدان
قالت إينيس واغنر، وهي باحثة أولى في معهد البحوث الاجتماعية في أوسلو تركز على تنقل العمالة وعلاقة ذلك بجنس العاملين: "لقد شهدنا في السنوات القليلة الماضية اعتماد عدد من البلدان لإجراءات شفافية مستوحاة من نجاح آيسلندا".
من بين 38 دولة عضواً في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، هناك 27 دولة لديها الآن شكل من أشكال سياسة الشفافية في الأجور، وفقاً لدراسة من كلية هارفارد للأعمال، وهذه النسبة تفوق بكثير ما كانت عليه قبل عقد.
لدى الشركات في البلدان الملزمة بنشر البيانات حافز لتقليل فجوات الأجور، ليس فقط لأسباب تتعلق بالعلاقات العامة ولكن أيضاً لجذب المواهب. في الدنمارك، تقلص الفارق بنسبة 7% بعد إقرار قانون بهذا الخصوص في 2006، وفقاً لبحث نشرته كلية إدارة الأعمال الفرنسية إنسيد في 2018.
قد يكون توجيه الاتحاد الأوروبي في أبريل الذي سمح للموظفين بطلب معلومات حول نطاقات الرواتب في المناصب الداخلية التي يرغبون بالتقدم لها، مصدر إلهام لمشرعين في أماكن أخرى، بما فيها الولايات المتحدة. لكن لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع.
قالت بوزان: "لا يصلح كل إجراء لكل بلد، حيث إن لكل بلد آليات عمل تخصه، لكن تنفيذ مجموعة من التدابير المحددة سيقلل الفجوات على المدى الطويل".
تأثير النقابات
قال خبراء إن إجراءات شفافية الأجور كانت أكثر فاعلية في البلدان التي ترتفع فيها نسبة النقابات. تستطيع الحكومات جلب أصحاب العمل والموظفين إلى طاولة المفاوضات لاتخاذ قرار بشأن جداول الأجور على مستوى القطاع، فيقضي ذلك على التباين على مستوى الشركات.
في بلجيكا، حيث ينتمي ما يقرب من نصف القوى العاملة إلى نقابات عمالية، تقلصت فجوة الأجور بين الجنسين إلى النصف، من 10% في 2010 إلى 5% في 2021، نتيجة إجراءات التفاوض الجماعية والشفافية.
في المقابل، تبلغ فجوة الأجور في بريطانيا، حيث ينتمي ربع العمال إلى نقابات، 9.4% أما في الولايات المتحدة، حيث ينتمي واحد من كل 10 عمال إلى نقابات، فتبلغ النسبة 16.3%.
في الولايات المتحدة، يتسم السعي نحو شفافية الأجور بأنه مجزئ إلى حد كبير، إذ تعمل كل ولاية على حدة لبلوغ هذا المقصد. أصبح نشر نطاقات الرواتب على الوظائف الشاغرة إلزامياً في عدد من الولايات ومنها نيويورك في السنوات الأخيرة.
ما هو راتبك السابق؟
يمنع الاتحاد الأوروبي إلى جانب 21 ولاية أميركية الآن مسؤولي التوظيف في الشركات من مطالبة المتقدمين للوظائف بسجل رواتبهم السابقة، وهي ممارسة دارجة يرى خبراء أنها قد ترسخ التمييز في الأجور طوال حياة المرأة المهنية.
اقترح مكتب إدارة شؤون الموظفين في الولايات المتحدة فرض حظر مماثل على جميع العاملين الاتحاديين. وجد تحليل أجرته دورية "هارفرد بيزنس ريفيو" في 2020 أن هذا النوع من الحظر أدى إلى زيادة أجور النساء بنسبة 8% وزيادة رواتب الموظفين السود بنسبة 13%.
إنّ إلزام الشركات بالإفصاح عن تباينات الرواتب عبر قانون - إن لم يقترن بغرامات أو مفاوضات الأجور على مستوى القطاع أو بإجراءات أخرى - يمكن أن يفشل في إحداث تغيير. كان هذا هو الحال في بريطانيا، حيث بالكاد تراجعت الفجوة في السنوات الخمس منذ تطبيق متطلبات الإفصاح.
قالت واغنر: "الشركات التي تنشر تقارير عن تباينات رواتبها كل عام دون مواجهة أي عواقب على وجود تفاوتات، قد طبّعتها إلى حد ما ولا تجتهد لتقليلها".
جربت البلدان طرقاً متنوعة في الإنفاذ للتعامل مع أوجه القصور في شفافية الأجور. في أيسلندا، يتعين على الشركات غير الملتزمة أن تدفع غرامة يومية قدرها 50000 كرونة (364 دولاراً). في قبرص وصربيا وإسبانيا، يراجع مسؤولو تفتيش العمل بانتظام قرارات الشركات المتعلقة بالأجور. وذهبت دول أخرى بدلاً من ذلك إلى الإقناع الأخلاقي: تمنح وزارة المرأة والمساواة بين الجنسين في تشيلي "جوائز المساواة" للشركات.
قالت مينا كوبر كولز، الزميلة في المعهد العالمي للقيادة النسائية في كينغز كوليدج لندن: "يجب أن تأتي شفافية الأجور مقرونة بالإنفاذ حتى تكون فعالة".
أحد المخاوف التي أثارتها كوبر كولز هو أن معظم التشريعات اليوم تستهدف الشركات، ما يترك الحكومات بمعزل عن هذا الجهد، وهي ترى أنه ينبغي للسياسيين أن يبذلوا مزيداً من الجهد لمعالجة العقبات الهيكلية أمام تقدم المرأة في مكان العمل، بما يشمل زيادة الوظائف المتاحة وخفض تكلفة رعاية الأطفال.
قالت كوبر كولز إن معالجة المشكلة المتمثلة في التقليل من قيمة عمل المرأة - لا سيما في المهن التي يغلب عليها الطابع النسائي مثل التمريض ورعاية المسنين والتعليم - قد يكون له دور في تقليل التباينات مقارنةً بجهود الشركات الفردية فيما يخص التقريب بين الأجور.
قالت: "في نهاية المطاف، نحن نتحدث عن أمر يفوق بكثير حالة شركات تدفع للنساء أجوراً أدنى... إنها مشكلة مجتمعية منهجية تتطلب إجابات على مستوى النظام".