بلومبرغ
طرح فريق من العلماء للمرة الأولى مفهوم "الحدود الكوكبية" منذ 15 سنة تقريباً لتعريف أنظمة الأرض الكبرى المعرضة لخطر عدم الاستقرار جراء النشاط البشري. درسوا أنظمة بما فيها المناخ والتنوع البيولوجي والمياه العذبة لرسم حدود ما أطلقوا عليه "مساحة عمل آمنة" للحضارة البشرية. لكنَّهم لم يتوصلوا لدرجة تحليل إلى أي مدى سيضر تخطي هذه الحدود بالأشخاص، لا سيما من طبقتي الفقراء والضعفاء.
أدى هذه المهمة تحديث مهم نُشر اليوم بمجلة "نيتشر" العلمية، حيث يصف مدى المعاناة التي يمكن أن تتحمّلها الطبيعة قبل ردها الانتقامي علينا. أثبت المؤلفون أنَّ 7 من أصل 8 حدود عالمية كسرها البشر فعلاً.
يعرض الباحثون عملهم الجديد على أمل تطوير الشركات والحكومات لأدوات مواءمة ممارساتهم مع الحدود التي وضعتها العلوم.
أهداف علمية
أوضح يوهان روكستروم، مدير "معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ" في ألمانيا والمؤلف المشارك للأعمال الجديدة والسابقة: "نحن ببساطة نحتاج لوضع أهداف قائمة على العلوم تتجاوز قضية المناخ بكثير لتغطي الحدود الكوكبية كافة، للوصول إلى نظام خاص بالكرة الأرضية يتسم بالاستقرار والمرونة، ويتصدى أيضاً لأزمة المناخ".
يشتمل التحليل الحديث أيضاً على معايير للعدالة، بجانب 3 أبعاد، تؤثر على الملايين من الناس المعرضة للخطر حالياً، فضلاً عن المليارات من البشر القادمين مستقبلاً، ولأنواع ونظم بيئية لا تعد ولا تحصى حول العالم.
على صعيد بعض أنظمة الأرض، ومنها المناخ، يحتاج تحليل العدالة حدوداً أشد صرامة من عوامل الاستقرار لفيزياء الأرض بمفردها. كتب المؤلفون أنَّ حد ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية بحسب ما نصت عليه اتفاقية باريس، والتي تحتضر فعلياً، يعد مرتفعاً للغاية نظراً للمخاوف البشرية، كما يتجلى ذلك في عشرات الملايين من الناس المعرضة في الوقت الراهن لحرارة خطيرة.
تفاقمت درجة حرارة العالم 1.2 سلزيوس منذ عصر النهضة الصناعية. أثبت العلماء أنَّه مع بلوغ مستوى 1.5 سلزيوس، سيواجه ما يفوق 200 مليون نسمة - أغلبهم من المجتمعات الفقيرة والضعيفة والمهمشة – درجات حرارة لم يسبق لها أي مثيل. يتمثل هدفهم في خفض متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية لدون درجة واحدة سلزيوس، لكن بالنظر إلى أنَّ ذلك غير ممكن خلال نطاق زمني قريب؛ سيتوجب على الدول مواجهة العواقب. يعني هذا أنَّ "عمليات التكيف والتعويضات لتخفيف التأثر بالأضرار والضعف ستصبح ضرورية".
ينادي المؤلفون بتعويض دولي عن "الخسائر والأضرار" التي طالت البلدان الفقيرة في صورة ظواهر جوية متطرفة، وفقاً لما اتُفق عليه خلال محادثات مناخ عقدتها الأمم المتحدة السنة الماضية.
صعوبات هائلة
يتطلب التصدي لهذه الصعوبات جهداً غير مسبوق. كتبوا: "لن يجدي نفعاً سوى حدوث تحول عالمي عبر كل حدود نظام الكرة الأرضية، أو (ESBs) لضمان تحقيق رفاهية الإنسان". تحتاج مجالات الطاقة والغذاء والمدن والقطاعات الأخرى لإعادة تمهيد السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا.
أضاف: "يتطلب الأمر حدوث طفرة في إدراكنا لسبل تدعيم العدالة والاقتصاد والتكنولوجيا والتعاون العالمي لخدمة مستقبل آمن وعادل".
يتعاون 51 مؤلفاً مع "مفوضية الأرض"، وهي مجموعة من علماء الطبيعة والاجتماع تأسست بالشراكة مع "روكستروم" لتوفير العلوم التي يمكنها تقديم المعلومات للمنظمات، على غرار "شبكة الأهداف المستندة للعلوم"، التي تعمل على تطوير دليل توجيهي للشركات والمدن. تسعى الورقة البحثية بطريقة حثيثة لقياس التغييرات على مستوى الكوكب كمياً، والمدفوعة غالباً بالأنظمة الاجتماعية والاقتصادية القائمة على استخراج واستهلاك الموارد غير المستدامة.
لا تقوم الجهود الحديثة على البحوث السابقة حول الحدود الكوكبية فقط، بل تستند أيضاً لتقييمات أخرى تشمل الحساسية المجتمعية لتأثيرات التغيير المنهجي، بما فيها أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. كتب المؤلفون أنَّ أحد المنجزات المهمة في هذه الدراسة المتمثل في تحويل الاعتبارات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية إلى نفس وحدات القياس المشابهة لوحدات أنظمة الأرض، على غرار درجات سلزيوس لحرارة الطقس، أو إلى كيلومترات مكعبة لاستخدام المياه.
معضلة التلوث
يتسرب النيتروجين والفوسفور من المزارع إلى المجاري المائية، وذلك على سبيل المثال، وينجم عنهما "مناطق ميتة" تخلو فيها الأنهار والبحار من الأكسجين، بجانب عواقب تأثُّر مياه الشرب أيضاً في بعض الأماكن. بحسب الورقة البحثية؛ فإنَّ الحد الأقصى المسموح به عالمياً من النيتروجين هو 119 مليون طن سنوياً و10 ملايين للفوسفور.
بالنسبة للتصدي لتلوث الهواء؛ ترمي أهداف وضعها العلماء للحد من التبانين في تركيز الدخان الضبابي بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، مع وضع حد أعلى للتلوث بالجسيمات الدقيقة الضارة.
يتسبب الدخان الضبابي من مصادره الطبيعية والبشرية، بداية من البراكين وصولاً لأنابيب عادم السيارات، بالإصابة بالأمراض والوفاة المبكرة عبر أنحاء العالم كافة.
يقترحون أيضاً وضع مقياسين للتنوع البيولوجي لكبح عمليات تدمير الأنواع البيولوجية والنظم البيئية. يميز المقياس الأول الشق المتعلق بالنظم البيئية الطبيعية الذي ينبغي الحفاظ عليه بنسبة تتراوح من 50% إلى 60%، متجاوزاً الهدف الراهن من 45% إلى 50%. يوضح المؤلفون أنَّه من أجل ضمان استمرار الأماكن التي تعامل معها البشري في أداء الأدوار الأساسية لها، ينبغي لنسبة من 20% إلى 25% من كل كيلومتر مربع من الأراضي الحضرية والزراعية وغيرها من الأراضي التي أحدث فيها الناس تغيرات أن تحتفظ بعناصر النظم البيئية الطبيعية. كما يوصي العلماء من أجل الوقاية من خسارة التنوع البيولوجي في المياه العذبة بأنَّه يجب ألا تنحسر تدفقات الأنهار والروافد الشهرية الطبيعية بمعدل يتجاوز 20%.
أكدت كيم كوب، مديرة المعهد في جامعة "براون للبيئة والمجتمع" أنَّ التركيز على الخسائر البشرية الناتجة عن حالة تغيّر مستمرة للكوكب يساعد على أن يكون التحليل الجديد واقعياً بدرجة أكبر من أبحاث مكررة سابقة تناولت الحدود الكوكبية، علماً أنَّها لم تشترك بالدراسة. أضافت أنَّه في حين أنَّه ربما ما زالت توجد شكوك علمية حول عناصر هذه الأنظمة؛ فإنَّه لا يساورنا أي شك إزاء التأثيرات غير المتناسبة للتغير المناخي الواقعة على فئات عرضة للخطر أكثر من غيرها، هذا أمر أعتقد أنَّه ينبغي له أن يضع أساساً متيناً لنا لعملية اتخاذ القرار في الوقت الحاضر.
مفهوم العدالة
يسعى المؤلفون للتعامل مع التغير المناخي لنظام الأرض، مثل وضع خطوط أساس علمية، إذ يمكن لمنظمات منوط بها وضع المعايير للحكومات مما يسمح باستخدامها لمساعدة الشركات والمدن وغيرها على التأكد من عدم مساهمة عملياتها في تغير بيئي منهجي أكبر أو حصول ضرر بشري. ربما يتضمن ذلك الحدود، ولكنَّها لا تمثل بحد ذاتها نقاط التحول، أو الحدود الدنيا التي يرسخ الكوكب بعدها التغيير من خلال مدخلات بشرية أو من دونها.
اختتم روكستروم: "التعريف المطلق للعدالة في الوقت الحالي هو حق كل إنسان، لا سيما الأجيال المقبلة، في العيش على كوكب مستقر، وأن يولد على كوكب صالح للحياة يشبه الكوكب الذي ولد عليه والداه على أقل تقدير".