ينفق مليوني دولار سنوياً على النضارة.. والآن يأخذ من دم ابنه

الأربعيني الذي يحارب الشيخوخة يستعين بدماء ابنه المراهق في سعيه ليبدو أصغر من عمره ويعطي أباه من دمه

time reading iconدقائق القراءة - 16
براين جونسون محاطاً بوالده وابنه في زيارة لعيادة لنقل البلازما - المصدر: بلومبرغ
براين جونسون محاطاً بوالده وابنه في زيارة لعيادة لنقل البلازما - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

فيما قد يكون من أغرب النشاطات الأسرية، توجّه رائد أعمال التنقية براين جونسون، 45 عاماً، إلى عيادة قرب دالاس في 3 أبريل مصطحباً والده السبعيني ريتشارد وابنه المراهق تالماج الذي بلغ عمره 17 عاماً. وصل الرجلان والصبي إليها في الصباح الباكر وأمضوا فيها بضع ساعات في تبادل لبلازما الدم بين أبناء ثلاثة أجيال من أسرتهم.

بدأ الأمر مع تالماج، الذي سُحب ليتر من دمه ثم فصله جهاز إلى بلازما سائلة وخلايا دم حمراء وخلايا دم بيضاء وصفائح دموية. وتلاه براين فخضع لسحب دم بكمية مماثلة، ثم حُقنت البلازما المستخرجة من نجله في أوردته. جاء دور ريتشارد ثالثاً، فتلقّى البلازما من براين، بعدما أفسح لها المجال بأن سُحب من دمه هو الآخر.

على الأرجح، تدور في ذهنك أسئلة عديدة الآن، قد يكون بينها: هل هذا مشابه لصرعة استغلال دم الشباب من أجل النضارة؟ الإجابة البسيطة نعم، هذا بالضبط ما جرى هناك.

تجارب على الفئران

لطالما استقطبت روايات عن أثرياء من رواد التقنية حقنوا أنفسهم بسوائل مستخرجة من أجساد الشباب اهتمام الجمهور، وكانت التجارب على الفئران قد أظهرت أن القوارض الأكبر سناً تستعيد حيويتها بعد امتصاص قوة الحياة من أخرى أصغر سناً.

استوحى بعض الناس من هذه النتائج، وراحوا يختبرونها على أنفسهم، مستكشفين نبع الشباب هذا الذي يبدو أقرب إلى قصص مصاصي الدماء، رغم أن العلم لم يثبت بعد فعالية هذه الإجراءات.

بالنسبة لجونسون، عملية تبادل البلازما هذه ليست حدثاً استثنائياً، فهو يتردد على العيادة في دالاس منذ عدة أشهر ليتلقى حقن بلازما، ولكن ليس من أقاربه، بل من متبرع شاب مجهول. كان جونسون قد دقق ببيانات المتبرع ليتأكد أنه يملك كتلة جسم مثالية ويتبع أسلوب حياة صحياً ولا يعاني أي أمراض.

لمع اسم جونسون في عالم التقنية كرئيس سابق لشركة "براينتري" (Braintree) المتخصصة بحلول الدفع الرقمية والتي تملك "فينمو" (Venmo). وقد حقّق ثروة بعدما باع تلك الشركة، وأسس شركته "كرينل" (Kernel) وهي تقدم منتجاً وسيطاً يربط الدماغ بالآلات. إلا أنه بات اليوم يصب جل تركيزه على جسده من خلال مشروعه "بروجكت بلوبرنت" (Project Blueprint).

كانت بلومبرغ بزنيسويك قد نشرت تقريراً في يناير أشارت فيه إلى إنفاق جونسون ملايين الدولارات سنوياً على تشخيصات طبية وعلاجات فيما يتبع حميات غذائية وساعات نوم وتمارين رياضية معدّة بدقة، لتبيان ما إذا بإمكانه إبطاء عملية تقدمه في السنّ أو حتى عكسها، ويساعده في مسعاه هذا جمع من الأطباء. ينشر جونسون من خلال "بلوبرنت" معظم الوسائل التي يعتمدها والنتائج التي يتوصل إليها، على أمل أن يقيّم الناس عمله ويستفيدوا منه.

اختبارات قليلة على البشر

تُستخدم عمليات نقل البلازما في الطب التقليدي لمعالجة مجموعة متنوعة من الأمراض، بينها أمراض القلب والحروق واضطرابات الدم. أصبح نقل البلازما حديث الساعة إبّان جائحة كورونا، بعد أن تلقّى بعض مرضى "كوفيد-19" حقن بلازما من أشخاص تعافوا منه وكان دمهم ما يزال يحتوي على أجسام مضادة، برغم أن منظمة الصحة العالمية نصحت بتجنّب استخدام هذه التقنية في 2021.

اكتسبت فكرة حقن البلازما زخماً بعد سلسلة اختبارات وصل خلالها علماء بين فئران أكبر سناً وفئران شابة، بما يتيح تشاركهما أجهزة الدورة الدموية نفسها، فأظهرت الفئران الأكبر سناً تحسناً في الوظائف الإدراكية والأيض وبنية العظام.

كما أن هناك دلائل على فوائد صحية للتبرع المتكرر بالدم، بما أنه يساعد على التخلص من الخلايا والسوائل القديمة ويحفّز الجسم على إنتاج أخرى جديدة.

ما تزال اختبارات هذه التقنية على البشر قليلة جداً، ما يعني أن العلماء والمتحمسين لها يعتمدون بالإجمال على بيانات مستنتجة عن الفئران ويراها كثير من الباحثين غير حاسمة، وقد حذّر بعض الباحثين المتخصصين بتحليل مكافحة الشيخوخة من استخدام نقل البلازما الاختياري لدى الأصحاء. بيّن تشارلز بيرنير، أخصائي الكيمياء الحيوية في مركز "سيتي أوف هوب" الوطني الطبي في لوس أنجلوس "لا نعلم عن هذه التقنية ما يكفي لنقول إنها تساعد في علاج مشكلات لدى البشر... فيما يخصني، أراها مقززة ولا تستند إلى أي دليل وخطرة نسبياً".

وصمة عار

إلا أن فريق جونسون الطبي أذن بهذا الإجراء كعلاج محتمل للحدّ من تراجع القدرات الإدراكية، وربما أيضاً لتخفيف خطر الإصابة بمرضي باركنسون والزهايمر، وبما أن جونسون يقيس أداء دمه ودماغه وأعضائه كافة بأدق التفاصيل، فهو يأمل أن يتمكّن من احتساب أي تغييرات تحصل نتيجة نقل البلازما.

كما في الإجراءات الأخرى التي يتّبعها جونسون، إذ به يهب جسده للعلم مرة أخرى في محاولة للدفع قدماً بتقنيات مكافحة الشيخوخة وتحديد مقاييس صارمة يلتزم بها في ممارساته الصحية. قال جونسون خلال زيارته العيادة: "ننطلق أولاً من الأدلة، فنحن لا نفعل شيئاً بناءً على المشاعر".

تطبع عمليات نقل البلازما لمكافحة الشيخوخة وصمة عار ناتجة عن فكرة استغلال دماء الشباب، ما يعني أن قلّة من الأشخاص الذين يلجؤون إلى مثل هذه الإجراءات مستعدون للحديث عنها علناً.

إلى جانب تشبيه العملية بممارسات مصاصي الدماء، فهي تحمل بطيّاتها أيضاً طابعاً متعالياً بشعاً، في معظم الحالات، متلقّي البلازما يكون ثرياً والمتبرّع شاب أفقر. عادةً ما يحصل المتبرع بالبلازما على بطاقة هدية بقيمة 100 دولار، لمشاركته بعملية تُقدر تكلفتها بنحو 5500 دولار.

يختلف الوقت اللازم لنقل البلازما من عملية إلى أخرى. في العادة، يخضع جونسون لسحب ليتر من الدم ويتلقى الكمية نفسها من البلازما، وهذه تُعد كمية كبيرة جداً، إذ يحتوي جسم الإنسان على نحو 5 ليترات من الدم. عمل جونسون إلى جانب فني سحب الدم على إحداث تغييرات في وتيرة التدفق في الجهاز وحجم الإبرة خلال عملية سحب البلازما، وتمكّن من تقليص وقت الإجراء إلى 80 دقيقة.

قلق الجدّ

يفضّل جونسون التوجّه إلى عيادة "ريسورجنس ويلنس" (Resurgence Wellness) التي تطرح نفسها كمنتجع طبي.

يقع مبنى العيادة في إحدى ضواحي دالاس، وتبدو نظيفة وعصرية من الداخل وتضم أجنحة مختلفة مخصصة لإجراءات طبية متنوعة، من العلاجات الهرمونية إلى "نحت الجسم" للتخلص من الدهون وحقن البلازما الغنية بالصفائح لمعالجة بعض الحالات، مثل ألم الركبتين.

يظهر مقطع مصوّر يُعرض في الردهة ممثلين داخل عيادة طبية مستقبلية حيث يخضع المرضى الذين تغطي أجسامهم أقطاب كهربائية لعمليات مسح وتحليل قبل البدء بمعالجتهم.

احتفل جونسون مع ابنه ووالده وأعضاء آخرين في فريق "بلوبرنت" ترقباً لهذا اليوم في العيادة. فاجتمعوا معاً في فندق راق لتناول وجبة فطور صحية. إلا أن علامات القلق بدت واضحة على وجه جونسون الجدّ، الذي يتحدّر من ولاية يوتاه وهو شخص محافظ وله أصدقاء من المحافظين المتشددين الذين يرون أنه فقد عقله لتجربته مثل هذا الأمر.

حتى أنه يشعر بالقلق من أن تنهار أوردته خلال نقل البلازما فيخيّب آمال الجميع. قال: "الأمر أشبه بأن تقفز إلى المجهول معتقداً بأن الأمر سينجح".

بدأ ريتشارد وهو محامٍ يلاحظ قبل عامين تراجع صحته بشكل عام وكذلك أداؤه الذهني خلال قيامه بعمله. رغم أنه متوسط الطول فقد ازداد وزنه إلى 127 كيلوغراماً، وواجه صعوبة في النهوض من سريره صباحاً. كما بدأ يواجه صعوبة في تذكّر أمور يجب أن يضمّها إلى العرائض التي يقدمها للمحكمة.

بدأ ريتشارد باتباع معظم خطوات برنامج "بلوبرنت" قبل ستة أشهر، مركّزاً بشكل خاص على التمارين الرياضية المنتظمة وتناول الخضروات وبعض المكمّلات الغذائية. بعدما خفّض وزنه بقدر كيلوغرام، يقول إنه استعاد حيويته وقدرته على التركيز، لدرجة أنه يبدو كما لو أنه يروّج لإحدى إعلانات منتجات إنقاص الوزن حين يقول: "أصبح أدائي اليوم أفضل من أي وقت مضى".

تعزيز الروابط العائلية

في معظم الأحيان، الأهل هم من يضحّون في سبيل أولادهم، ولكن الأدوار انقلبت جذرياً في هذه الحالة. فتالماج الذي يقدّم نموذجاً مثالياً عن الجسم الصحي هو أقل الكاسبين من هذه العملية لأنه لا يتلقى السوائل من أحد. إذ يستفيد براين من تلقي البلازما من شخص أصغر سناً، فيما يحصل ريتشارد على البلازما من براين الذي يعتبره من الأشخاص البالغين الذين يتمتعون بأفضل مستوى صحي على وجه الأرض. قال ريتشارد: "كما لو أنني ربحت اليانصيب، لا شك أن ثمّة فائدة من الحصول على كل هذه الكمية منه".

كانت علاقة براين وريتشارد متوترة في السابق، وشابتها بعض المصاعب أحياناً، حتى أنه ساد نوع من الجفاء بين ريتشارد وبعض أفراد عائلة جونسون. بالتالي، هو ينظر إلى تبادل البلازما كوسيلة لتجديد روابطه العائلية مع براين. إلا أن مشاعره هذه تزيد من الضغوط التي يرزح تحتها فيما يترقب دوره لحقن الإبرة.

تعامل تالماج مع الموضوع باحترافية، وحين سُحبت البلازما من جسمه، بدت صفراء فاتحة نقية، وهي واحدة من سمات الشباب الأصحاء. أمّا بلازما براين، فكادت تكون مثالية. أشار إلى حاوية بلاستيكية أسطوانية الشكل قائلاً "انظروا إلى ذلك، هكذا تعرفون ما إذا كنت مزيفاً أو لا، اللون جميل ونقيّ". صاح أحد أعضاء فريق براينفرحا، وقال: "تبدو ذهبية".

إلا أن كل ذلك الابتهاج كان يزيد علامات القلق على وجه ريتشارد، وراح يتساءل بصوت مرتفع ما إذا ستكون البلازما التي ستُسحب منه داكنة وعكرة، فليس جميلاً أن تكون الشخص الأكبر سناً والأقل صحة في غرفة مليئة بمحاربي الشيخوخة مفتولي العضلات.

الأسوأ من ذلك أن تنهار أوردته في هذه اللحظة المكلفة، ويذهب كل شيء أدراج الرياح.

البيانات هي الأهم

في نهاية المطاف، صمدت أوردة ريتشارد إلا أن البلازما الحمراء المعتمة التي استُخرجت من جسمه لم تكن قطعاً مبهرة بقدر بلازما نجله وحفيده. بعد سحب الدم، بدأ ريتشارد يتلقّى بلازما براين تحت أنظار براين نفسه وتالماج وبقية أعضاء الفريق، حيث جلس بعضهم في مقاعد استرخاء مكسوة بجلد صناعي تنحني إلى الخلف فيما وقف آخرون مستندين إلى الجدران.

اغرورقت عينا ريتشارد بالدموع، واصفاً التبرع بشيء من جسم الإنسان، على أنها تجربة عاطفية بقدر ما هي جسدية. قال: "لا أعرف إذا كان ما أقوله منطقياً... أشعر بالطمأنينة". ابتسم براين، وردّ ممازحاً: "أنت تحت تأثير البلازما".

الأيام كفيلة بتبيان إن كانت هذه العلاجات ستأتي بتأثيرات إيجابية. بالنسبة لبرينير، خبير الكيمياء الحيوية فإن الأشخاص الذين يفكرون بالخضوع لمثل هذا النوع من العمليات قد يستفيدون أكثر من نزهة هادئة وطويلة في الطبيعة. قال: "الأشخاص الذين يقصدون هذه العيادات بحثاً عن حقن مضادة للشيخوخة مصابون باضطراب القلق بشكل عام... يشعرون بالقلق لأنهم مخلوقات فانية".

تعرّض جونسون لموجة انتقادات منذ حديثه عن مشروعه "بلوبرنت" علناً للمرة الأولى. وهو يقرّ أن تبادل بلازما بين ثلاثة أجيال ودعوة صحفي ليشهد على ذلك تهدف إلى تقييم الخيارات الممكنة والمفيدة على صعيد الجسد وجعل الجمهور أكثر انفتاحاً على الأفكار الجديدة. وتبقى البيانات هي الشأن الأهم، وقد وعد بنشرها كلها خلال الأشهر المقبلة.

قصص قد تهمك