الشرق
الحديث عن "سعر الجنيه أمام الدولار"، وانعكاسه على تفاقم التضخم، أكثر ما يشغل بال المصريين في الآونة الأخيرة، مع تثبيت قيمة العملة المحلية بالتعاملات الرسمية بالرغم من تأرجحها في السوق الموازية، على خلفية نقص العملة الصعبة في البلاد.
منذ مارس 2022، فقدت العملة المصرية أكثر من نصف قيمتها أمام نظيرتها الأميركية، وما زالت توقُّعات المتداولين وبنوك الاستثمار العالمية تميل لخفض جديد في سعر الجنيه.
هل العملة المصرية مُدارة؟
سعر صرف الجنيه أمام الدولار ثابت في السوق الرسمية منذ أكثر من شهرين، وتحديداً منذ 9 مارس الماضي حتى اليوم 21 مايو، عند 30.95 جنيه لكل دولار. لكنَّ الفجوة مع السوق الموازية، التي تصل أحياناً إلى 25%، تزيد من احتمال خفض جديد وحاد للعملة المصرية.
هذا الاستقرار بالسعر الرسمي، الذي يؤكد أنَّ العملة المصرية ما تزال مدارة بشكل كبير، يثير تساؤلات حول تطبيق أحد شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن تحول مصر إلى سياسة سعر الصرف المرن.
ماذا عن سعر الدولار بسوق الذهب؟
في حين أنَّ السعر العالمي لغرام الذهب عيار 24 يناهز 64 دولاراً في المتوسط؛ فإنَّ سعره بمتاجر الذهب في مصر بحدود 2600 جنيه، بحسب الشعبة العامة للذهب باتحاد الغرف التجارية المصرية، مما يعني احتساب الدولار عند 40.40 جنيه، مقابل متوسط يبلغ 30.9 جنيه لدى البنك المركزي المصري.
وتسعى الحكومة المصرية لضبط هذه السوق عبر إجراءات تسهم بزيادة المعروض من الذهب، وآخرها قرار الإعفاء من الضريبة الجمركية على الذهب الذي يرد إلى البلاد بصحبة الوافدين من الخارج لمدة 6 أشهر.
إلى ماذا تشير العقود الآجلة؟
في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم؛ فإنَّ عقد الجنيه لأجل 12 شهراً يُتداول عند 43 جنيهاً للدولار، في إشارةٍ لمزيد من الضغوط السلبية، وتوقُّعات حدوث خفض حاد بقيمة العملة المصرية.
لكن مؤخراً، تقلّصت رهانات المتداولين على تنفيذ هذا الخفض قبل حلول نهاية السنة المالية الحالية في يونيو المقبل، مع تعافي العقود الآجلة لأجل شهر إلى 31.85 جنيه للدولار، في تحسن ملحوظ عن المستوى القياسي المسجل يوم 25 أبريل الماضي عند 35.3 جنيه لكل دولار.
كيف يتدخل صندوق النقد بسعر الصرف؟
أبرمت مصر مع صندوق النقد الدولي اتفاقاً للحصول على قرض قيمته 3 مليارات دولار في ديسمبر 2022، وهو مقسم على 9 شرائح حتى سبتمبر 2026 على أن تكون هناك مراجعة مرتين كل عام، أقربها بحلول يونيو المقبل.
حصلت البلاد أواخر العام الماضي على الشريحة الأولى بقيمة 347 مليون دولار، لكنَّ الشريحة الثانية التي تبلغ قيمتها نحو 354 مليون تتوقف على مراجعة الصندوق للإصلاحات المتفق عليها، وعلى رأسها اعتماد سعر صرف مرن للجنيه، وتخارج الدولة تدريجياً من الاقتصاد عبر الخصخصة.
هل تنتشر "الدولرة" بقطاعات الاقتصاد المصري؟
هناك إشارات مختلفة تؤكد انتشار عمليات "الدولرة" -أي عمليات التسعير بالدولار- عبر قطاعات الاقتصاد المصري كافة، سواء من جانب الشركات أو الأفراد، وفق تقرير صادر عن المجموعة المالية "هيرميس".
ترجّح المجموعة المالية ألاّ توفر مبيعات الأصول المرتقبة في مصر السيولة الكافية لتعزيز التحول لنظام سعر صرف مرن، لذلك ستبقى هناك حاجة على الأرجح إلى مصادر إضافية من العملات الأجنبية.
لماذا وكالات التصنيف متشائمة؟
أصبحت وكالات التصنيف الائتماني الكبرى تُبدي نظرة متشائمة حيال مصر، مع عدم اليقين بشأن مرونة سعر الصرف وضعف احتياطياتها من العملة الأجنبية، إذ أعلنت "موديز" مؤخراً أنَّها وضعت التصنيف السيادي لمصر قيد المراجعة بهدف الخفض، بعد أن خفّضته في فبراير إلى "B3"وهي درجة غير استثمارية.
كما خفّضت "فيتش" قبل أيام تصنيف مصر الائتماني طويل الأجل إلى "B" بدلاً من "+B" مع نظرة مستقبلية سلبية، فضلاً عن الإشارة لمخاطر تدهور الثقة حال تأخر الانتقال لسياسة سعر صرف مرن، مما قد يؤخر تنفيذ برنامج صندوق النقد.
وكالة "ستاندرد أند بورز" (S&P) عدلت نظرتها المستقبلية بالنسبة إلى مصر في أبريل من مستقرة إلى سلبية، وأبقت على تصنيف الديون طويلة الأجل بالعملة الأجنبية عند مستوى "B" أي أعلى 7 درجات من مستوى التخلف عن السداد، مع الإشارة إلى أنَّ تأخير الإصلاحات الهيكلية ما زال يضغط على قيمة الجنيه.
كم عملية خفض تعرّض لها الجنيه؟
شهد الجنيه المصري عمليات خفض كبرى منذ بداية الألفية، الأولى عام 2003، والثانية عام 2016 عندما قفز الدولار إلى 19 جنيهاً من 9 جنيهات سابقاً.
ومنذ مارس 2022، بدأت رحلة خفض جديدة ما تزال تبعاتها مستمرة حتى الآن، إذ ارتفع الدولار من مستوى يقل قليلاً عن 16 جنيهاً متجاوزاً عتبة 18 جنيهاً. ثم في أواخر أكتوبر الماضي، كان هناك تعويم جديد للعملة لتصل إلى 24 جنيهاً لكل دولار. وفي يناير 2023 سمح البنك المركزي المصري للعملة مرة ثالثة بالهبوط لتصبح قرب حاجز 30 جنيهاً للدولار.
في الوقت الراهن، تترقب الأنظار الخفض الرابع للعملة منذ مارس 2022، فهل تصدق توقُّعات "سيتي غروب" بعدم إقبال البنك المركزي على هذه الخطوة حتى نهاية شهر يونيو المقبل، أم أنَّه سيفاجئنا بتحريك العملة لتسريع الحصول على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد؟