بلومبرغ
سجلت شانون يو آخر خروج لها من مكاتب ”كوكا كولا“ في أتلانتا في مساء 8 أغسطس 2017. كانت الشركة حينئذ تكافح لتحافظ على مكانتها على قمة سوق المشروبات العالمية، إثر انتقال مستهلكين كانوا أوفياء لمنتجاتها ليقبلوا على علامات تجارية جلبت مياهاً من مكامن في البراري أو استخدمت أعشاباً علاجية أو روجت رياضات تتحدى الألم، بديلاً من شعار المرح الفوار والثقافة الجماهيرية.
تضمنت خطة رئيسها التنفيذي الجديد إعادة هيكلة تشمل إقالة 1200 موظف. كانت يو، وهي كيميائية خمسينية، أُبلغت قبل عدة أسابيع من ذلك أنها إحداهم.
حين تُقصي شركةٌ شخصاً ما، يكون ممكناً أن يأخذ شيئاً معه، وقد كانت ”كوكا كولا“ صاحبة أشهر أسرار تجارية في العالم، تتكيف بشكل خاص مع هذا الخطر.
عندما يغادر الموظفون شركةً قد يصطحبون بياناتها
كان لديها مخطط تصنيف على غرار مكتب استخبارات، حالها في ذلك حال شركات أخرى التي تتعامل في معلومات مسجلة كملكية لها، ولديها برامج تتعقب كيفية استخدام موظفيها للبيانات.
في ذلك الصيف، مع تزايد أعداد الموظفين الذين علموا أنهم مغادرون، بدأ نظام منع تسرب البيانات يضج بتنبيهات بشأن ما يفعلون. جاء في شهادة مدير أمن المعلومات لدى”كوكا كولا“ فيما بعد: "قول إن هذا النشاط فجّر نظام منع تسرب البيانات لا يوفي ما كان عليه الحال حقه وصفاً".
نتج كثير من هذا النشاط عن استعادة الموظفين لملفات شخصية سبق أن خزنوها على كمبيوترات العمل مثل الإقرارات الضريبية ومشاريع مدارس الأطفال ومعلومات القروض المصرفية. لكن ذلك لم يكن كل ما هنالك.
وصفات سرية
كانت شانون يو قادرة على بلوغ بعض المعلومات التي تحافظ الشركة على سريتها بشدة، وهي مجموعة وصفات كيميائية تفصيلية للبطانات البلاستيكية لعبوات المشروبات المعدنية التي تعبئها وتبيعها، وتبلغ سماكة تلك الأغلفة ميكرونَين، وهي ما وصفه المدعي الاتحادي في وقات لاحق بتعبير "صيغ سرية أخرى" للشركة.
لقد طورتها بتكلفة كبيرة، وربما كانت تفوق في أهميتها الوصفة التي تبالغ الشركة في حراستها وهي وصفة المشروب الغازي الذي يحمل اسم ”كوكا كولا“. هذا المشروب الحمضي السكري من شأنه أن يأتي على معدن العلبة لو غابت تلك البطانة.
لم تكن تركيبات البطانة ملكاً لشركة ”كوكا كولا“، بل لشركات الطلاء والتغليف متعددة الجنسيات التي كانت لها شراكات معها. كانت يو مسؤولة عن تقييم الصيغ، وهي واحد من شخصين فقط في ”كوكا كولا“ تُتاح لهم تفاصيل عديدة عنها.
"هيلتوب سيكيوريتيز" الأمريكية تتهم موظفاً سابقاً بسرقة بيانات العملاء
جاء في مطلع تقرير داخلي للشركة عن نشاط المختصة بالكيماويات في ذلك المساء من أغسطس أنها وصّلت عند الساعة 6:02 قرص تخزين خارجي من إنتاج ”ويسترن ديجيتال“ عبر قابس ”يو إس بي“ (USB) بحاسوب، ثم حاولت أن تنقل إليه ملفات من مجلد يحمل اسم "BPANI"، وهو اختصار لاسم فئة بطانات عبوات.
لكن لأنها سُرحت، كانت أُشيرَ إليها في الشبكة الداخلية فمنعتها من نقل الملفات. ذكّرها إشعار ظهر على الشاشة بأن أي ملف يُنقل من حاسوب تابع للشركة يجب أن يمر عبر حساب التخزين السحابي الذي أنشأته مع شركة البرمجيات ”بوكس“ (Box).
تجاهلت الرسالة، ووصَّلَت في الساعة 6:08 قرص تخزين آخر بحاسوبها وحاولت نقل الملفات إليه دون جدوى مجدداً. في الساعة 7:00 وصّلَت محرك أقراص ”ويسترن ديجيتال“ الأصلي بحاسوبها، لكن بدل أن تجر الملفات لتنقلها إليه، فتحت تطبيق ”مايكروسوفت إكسل“ (Microsoft Excel) وحاولت أن تحفظ الملفات على القرص الخارجي عبره. لم ينجح ذلك أيضاً.
كما لم تنجح في الساعة 8:41 عندما حاولت نفس الشيء باستخدام تطبيق ”مايكروسوفت ورد“ (Microsoft Word).
عدسة الهاتف
لم تجد حلّاً حتى نهاية الشهر. استخدمت هاتفها في 25 أغسطس لتلتقط سلسلة صور لشاشة الحاسوب في مكتبها بحيث تفتح ملفاً تلو آخَر. في ذلك الحين كانت تعلمت، على الأرجح من زملائها حلّاً بسيطاً آخر. في وقت متأخر من مساء 29 أغسطس حمّلَت عديداً من الملفات المشفرة من حاسوبها إلى حسابها على ”غوغل درايف“ (Google Drive). لم يمنعها نظام أمان معلومات ”كوكا كولا“ المُعَدّ لمنع النقل إلى أجهزة ”يو إس بي“ من ذلك. في الليلة التالية حمّلَت مزيداً.
لم تترك يو لنفسها كثيراً من الوقت، فقد كان اليوم التالي آخر أيامها لدى ”كوكا كولا“. لكن ذاك الشهر كان حافلاً. سافرت إلى مدينة وايهاي الصينية في 17 أغسطس دون علم المشرفين عليها، إذ التقت رجال أعمال كانوا يساعدونها على تأسيس شركة طلاء. كانت يو تتقدم بطلب للحصول على ملايين الدولارات من أموال الحكومة لتمويل المشروع، وفي أثناء وجودها في المدينة أجرت مقابلة لبرنامج منح إقليمي يسمى ”يشي-يي يي“ (Yishi-Yiyi).
"FBI" يحذّر الشركات الغربية من "نهب" الصين لاختراعاتها
سافرت إلى بكين بعد شهر لتقديم طلب آخر، وهذه المرة لبرنامج منح وطني يسمى "ألف موهبة"، وقد كتبت في طلبها أن الأموال ستساعد الشركة التي شاركت في تأسيسها "على بناء أول خط لإنتاج بطانات "BPANI" في الصين"، ما سيكسر "الاحتكار الدولي" في صناعة بطانات حاويات الطعام العالمية.
كانت الملفات الموجودة على كمبيوترها لدى ”كوكا كولا“ محورية لتنفيذ هذه الخطة، ويبدو أنها كانت على دراية بالخطر القانوني الذي تواجهه في ذلك. اشتكت إلى أحد شركائها الطامحين إلى تأسيس الشركة في رسالة صوتية بلغة ماندرين عبر تطبيق "وي تشات" قائلة: "أنا من يتحمل جميع المخاطر في النهاية... إن حدث أي شيء لي فلن تكون الأموال التي جنيتها كافية حتى لأتعاب المحامي”.
اتهامات فردية ودولية
خضعت يو بعد ثلاث سنوات لمحاكمة بتهمة الاحتيال والتآمر لسرقة وحيازة أسرار تجارية والتجسس الاقتصادي. حاجَّ المدّعون الاتحاديون بأن ضحايا جرائمها هي الشركات السبع التي طورت البطانات بتكلفة تقارب 120 مليون دولار، وهي الشركات التي كان مشروعها يعتزم منافستها. لكن مؤامرة يو لإنتاج بطانات العبوات ربما كان لها ضحية أخرى.
لطالما حذّر مسؤولو مكافحة التجسس الغربيون من برامج المنح الصينية مثل "ألف موهبة". هدفها المعلن هو الاستفادة من العلماء والمهندسين الصينيين الذين اغتربوا سعياً لفرص تعليمية ومهنية، وإغرائهم بالعودة لإنشاء أعمال تجارية في الصين، مع وعد بدعم ماليّ سخيّ دون عقبات بيروقراطية.
هذا جزء مما يفعله، لكن المنح قد تلعب دور المكافآت، فهي تحفز رواد الأعمال على سرقة أسرار تجارية من شركات غير صينية لاستخدامها بغرض إنشاء شركات منافسة.
كيف تَمكّن مهندس شابّ من سرقة 10 ملايين دولار من "مايكروسوفت"؟
قال جاي تاب، مساعد المدير التنفيذي السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كان يرأس فرع الأمن القومي حين اتهام يو: "الحقيقة أنها واجهة كاملة لعمليات مخابرات... نحن نعلم الآن من حالات كثيرة جداً أن هذه البرامج هي وسيلة للحكومة الصينية والحزب الشيوعي الصيني لتجنيد الناس لجمع بيانات بشكل غير قانوني".
حالة يو تبرهن هذه الفكرة إلى حدّ ما، لكنها تؤشّر كذلك إلى أنه إذا كانت الحكومة الصينية أنشأت نظاماً لتحفيز سرقة الملكية الفكرية، فهو نظام مترنح ولا يمكن توقُّع نتائجه.
لقد سرقت يو من شركات متعددة الجنسيات كانت عملت معها أو لديها، لكن يبدو أيضاً أن حلفاءها استغفلوا حكومة الصين. إن حاولت أن تدفع للناس ليأخذوا أشياء نيابة عنك، فإنهم احياناً يأخذون مالك بلا مقابل.
حولنا في كل مكان
معظم الأشياء التي نلمسها وكثير من تلك التي لا نلمسها مطلية أو مبطنة. لوحة مفاتيح الحاسوب مغلفة بطبقة خاصة كي لا تلطّخها زيوت البشرة، وكذلك الشاشات التي تعمل باللمس.
تعمل دهانات مطورة خصوصاً على حماية الجسور المعلقة من الهواء المالح، كما تساعد طائرات الشبح المقاتلة على التملص من الرادار، وبعضها يقتل البرنقيل الذي يلتصق ببدن السفن.
طورت هذه كل شركات الطلاء والتغليف، مثل ”أكزو نوبل“ (Akzo Nobel) و”داو كيميكال“ (Dow Chemical) و“بي بي جي إندستريز“ (PPG Industries) و“شيروين-ويليامز“ (Sherwin-Williams).
تغليف علب المشروبات المصنوعة من الألمنيوم صعب بشكل خاص. تنتج أكبر المصانع 16 مليون علبة في اليوم، ويتطلب كل منها غلافاً داخلياً موحداً تماماً يُرش خلال ثوانٍ.
وصفات البطانة معيَّرة وفقاً لوصفات المشروبات التي تتباين فيها مستويات الأحماض والسكر والكافيين والزيوت، وفي بعض الحالات الكحول. لا يمكن السماح للبوليمرات بعد جفافها أن تتفاعل بأي شكل مع المشروبات، حتى إن بقيت لأشهر على رفوف المتاجر، وإلا فسيتلف ذلك النكهة المعايرة بدقة لشراب شركة ”توبو تشيكو“ (Topo Chico) الغازي الكحولي بنكهة الكركديه والفراولة أو مشروب الطاقة ”مونستر أسولت“ (Monster Assault).
استبدال المكونات
كل هذا التعقيد يجعل الصناعة تقاوم التغيير بشدة، لكن يو أتت إلى ”كوكا كولا“ في لحظة نادرة من الاضطراب، بسبب مخاوف بشأن مكوّن بطانة واسع الانتشار يسمى ”بيسفينول إيه“ "bisphenol A" أو "BPA" اختصاراً. اقترحت مجموعة متزايدة من الأبحاث، إن لم يكن جميعها، أن مادة ”بيسفينول إيه“ قد تتداخل مع نظام الغدد الصماء في الجسم فتزيد مخاطر مشكلاته الصحية، منها السكري من النوع 2 والبلوغ المبكر.
حظرت فرنسا "BPA" في قناني الأطفال في 2010، ثم وسعت الحظر ليشمل أي عبوات أغذية تُباع في البلاد. تبعتها كاليفورنيا والاتحاد الأوروبي والصين بحظر رضاعات الأطفال المصنوعة منه في العام التالي، ثم أضافت كاليفورنيا فيما بعد"(BPA" إلى قائمة المواد الكيميائية التي يجب التحذير من وجودها في المنتجات الاستهلاكية.
أطلق توقع فرض حظر أوسع نطاقاً موجة من التخبط بحثاً عن كيماويات تبطين جديدة، لكن استبدال "BPA" كان تحدياً، فذلك المركب الكيميائي جيد بشكل استثنائي في ربطه بين جزيئات المونومر الأخرى في راتنجات إيبوكسي قوية وخفيفة.
قادة جنوب شرق آسيا يحذرون من خطورة الصراع الأميركي الصيني
استغرق انشاء تركيبات لا تؤثر في المتانة شركات الطلاء عدة سنوات وأجيال متعددة من البطانات. المصطلح التقني لهذ الفئة هو "BPANI"، وهو اختصار لعبارة ”دون بيسفينول إيه متعمد“، أي إنه حتى المنتجات الخالية اسمياً من مادة "BPA" قد تكون امتصت كميات ضئيلة منها من محيطها.
بلغة سلسلة الأغذية المعبأة، ”كوكا كولا“ هي شركة ”تعبئة“ تشتري عبواتها من صانعي المستوعبات العالميين مثل ”بول“ (Ball)، وهي لا تصنع البطانات أو تضعها داخل العبوات، لكنها أكبر صانع مشروبات غازية في العالم، لذا تحدّد قراراتها بشكل أساسي أيّ البطانات ستجد سوقاً.
وجدت يو نفسها في موقع قوة كبيرة في تلك العملية، فقد واصلت ”كوكا كولا“ السعي للحصول على تركيبات أفضل من "BPANI". جاءت يو إلى الولايات المتحدة من الصين عبر منحة أكاديمية في 1990، وحصلت على درجة ماجستير من جامعة كنت في أوهايو، ثم دكتوراه في علوم البوليمرات والهندسة من جامعة ليهاي في بنسلفانيا.
الاحتكاك علماً وعملاً
أصبحت يو مواطنة أمريكية في 1999 واستقرت مع ابنتها وزوجها، وهو مهندس ميكانيكي، في ولاية ديلاوير، حيث كانت تعمل كيميائية أولى في أعمال الطباعة ثلاثية الأبعاد لشركة ”دوبونت“ (DuPont). وصفها مديرها هناك لاحقاً بأنها كانت من أفضل من عمل معهم من العلماء.
نقلت عائلتها إلى ماساتشوستس في 2004 لتعمل لدى شركة ”سان غوبان“ (Saint-Gobain) الفرنسية، وانضمت بعد خمس سنوات إلى شركة ”هنيويل إنترناشيونال“ (Honeywell International) كمهندسة مواد.
مع مرور الوقت، حولت تخصصها إلى تقنيات الاحتكاك، وشاركت في ابتكار مواد لاصقة تشبه ورق الصنفرة للمطاحن الصناعية وأغشية مقاومة للخدش يمكنها حجب أشعة الليزر.
وظفت ”كوكا كولا“ يو مهندسةً رئيسيةً في قسم أبحاثها العالمية، فباتت مسؤولة عن المساعدة في تحديد تركيبات البطانات الخالية من مادة "BPA" التي تُعرض على مجموعة الشؤون العلمية والتنظيمية القوية التابعة للشركة. جعلتها الوظيفة جهة الاتصال الرئيسية بين ”كوكا كولا“ وشركات الطلاء، وعند وصولها، توترت هذه العلاقات على الفور.
قراصنة يستهدفون المتلهفين لشراء منازل بخدعة غبية لكنها ناجحة
لقد كانت شخصيتها المهنية، كما حال اهتماماتها البحثية، تميل نحو الاحتكاك. جاء في شهادة دان ليشنيك، مدير الخدمات الفنية العالمية في ”أكزو نوبل“، خلال محاكمتها: ”الدكتورة يو كانت الأشد في مقارباتها من أي شخص آخر عملنا معه... كانت ملحاحة للحصول على معلومات إضافية، ليس في ما يخص المكونات فقط، بل الكميات المحددة لكل مكون”.
لم تُضطرّ الشركات إلى كشف هذه المعلومات من قبل، وكانت مترددة بشدة بشأن ذلك، لكن يو لم تخشَ استخدام نفوذها المتأتي من تمثيلها لأحدى أكبر شركات التعبئة في العالم. جاء في شهادة ليشنيك: ”قالت لنا مراراً إننا متأخرون ومتخلفون عن منافسينا، وكانت تقول إن بإمكانها مساعدتنا“.
لم يكن الأمر يخص ”أركو“ وحدها، فقد قالت عديد من الموردين إنهم متخلفون عن ركب القطاع، لذا فهم بحاجة إلى مساعدتها بصفة خاصة. قال توم مالين نائب الرئيس لشؤون الامتثال والتسويق التقني في قسم التعبئة والتغليف بشركة ”شيروين ويليامز“، إن "يو زعمت أنها"كانت تعرف عن كيمياء البوليمرات أكثر مما نعرفه، وأننا بحاجة إلى الكشف عن بياناتنا كي تعرف ما إذا كانت المادة تستحقّ ترقبها أم لا". قالت لمالين إن لم تحصل على المعلومات التي طلبتها "كانت ستوقف تأهيلاتنا كافة أو ستمنع إصدارها كليةً“.
استغراب واستهجان
كان منطقياً على أحد المستويات أن تلّح يو لتحصل على أكبر قدر ممكن من البيانات حول تقنية تبطين جديدة. لكن كان هناك ما يوحي بأنها لم تكن تتصرف لتخدم مصلحة الشركة التي تعمل لديها فحسب.
حيّرت المسؤولين التنفيذيين لدى شركة ”تويوكيم“ (Toyochem) اليابانية، التي كانت مورداً محتملاً، عندما حاولت إقناعهم بالتوقيع على اتفاقية عدم إفشاء أحادية الاتجاه تمنعهم من كشف أي معلومات تملكها شركتهم لأي شخص آخر، دون أن تلزمها.
أبلغت تاكايوكي سوزوكي، مدير التسويق لدى ”تويوكيم“، أن هذه طريقة لتجنب متاعب اتفاقية عدم إفشاء ثنائية تقليدية، وأشارت إلى أنها تفضل عدم إشراك أي شخص آخر من ”كوكا كولا“ في هذا.
كما لم يكن تركيز يو في العمل متناسباً مع مسؤولياتها على الدوام. يستذكر مالين من ”شيروين-ويليامز“ قائلاً: "واضح أنها كانت مهتمة جداً بالكيمياء إلى حد تجاهل أداء الطلاء… كان هذا تحولاً كبيراً عمّا درج عليه أسلافها في هذا المنصب.“ كانت الإهتمام بالكيمياء بما يفوق الإلتفات للأداء هو ما قد يثير اهتمام من يصنعون البطانة وليس المعنيين بالموافقة على احداها فحسب.
توصلت ”شيروين-ويليامز“ وبعض الموردين الآخرين في النهاية إلى حل غير تقليدي لمشكلة شانون يو: لقد أعدوا إتفاقية عدم افشاء تخص يو تحديداً، يمكنهم بعدها اتاحة التفاصيل التي تطلبها.
أدى ذلك لإتمانها بمفردها على بعض أقيم ملكيات تلك الشركات الفكرية. جمعت في غضون عامين قاعدة بيانات خاصة بمعادلات تركيب بطائن بقيمة عشرات ملايين الدولارات. كان حاسوبها في مقر "كوكا كولا" الرئيسي هو المكان الوحيد في العالم الذي يضم كل تلك الأسرار التجارية جنباً إلى جنب.
بحلول 2016 بدا أن ”كوكا كولا“ أدركت أن لديها مشكلة مع شانون يو أيضاً. عُينت دانا بريد في ذلك العام للإشراف على الموافقة على المواد الجديدة التي تستخدمها الشركة. لم تتمكن بريد، حالها حال بعض الموظفين في المقر الرئيسي لشركة ”كوكا كولا“ في أتلانتا ممن جاوروا حجيرة يو، ألّا تسمع محادثاتها مع الموردين. بل إن بعض الموظفين قال لها إن عليها استخدام سماعات رأس إن أرادت أن تتحاشى سماع صوت يو.
استذكرت بريد في المحاكمة قائلةً: "في مكالماتها الهاتفية، كانت شانون انفعالية جداً... كان يستحيل عدم ملاحظة شراسة المفاوضات".
تفرد بالبيانات
اختلفت بريد على الفور مع يو، التي رفضت تقديم حتى البيانات الأساسية حول الصيغ. بعد أقل من عام من تعيين بريد، أُبلغت يو بأنها سُرّحت كجزء من "مبادرة مركز أقل ترهلاً" لدى ”كوكا كولا“. حتى في هذه المرحلة كانت محاولات ”كوكا كولا“ للتعامل مع مستودع معادلات البطائن لدى يو وفقاً لقاعدة عند الحاجة. لم يُبلغ قسم تقنية المعلومات مطلقاً أن لديها ملكيات فكرية ذات قيمة استثنائية يجب أن تخضع لمزيد من الأمان.
في 3 أغسطس، بينما كانت ”كوكا كولا“ تستعد للعمل مع شركات الكيمياويات للتراجع عن اتفاقيات عدم الإفشاء غير العادية، أعطت بريد قرص تخزين خارجيّاً ليو وأمرتها بنسخ الصيغ عليه، لكن لو امتثلت يو لطلبها لكان ذلك سيطلق نفس إجراءات الحماية التي كانت ستحبط مؤقتاً محاولاتها لنقل البيانات كما حصل حين حاولت ذلك بعد نهاية الدوام في وقت لاحق من ذلك الشهر. حاولت بريد يومياً لكن يو لم تردّ على الرسائل ولم تكن تظهر في مكتبها.
بحلول 31 أغسطس، أتى آخر أيام يو في ”كوكا كولا“ وكانت قد عثرت على وظيفة في ولاية تينيسي في شركة "إيستمان كيميكال" (Eastman Chemical)، حيث كانت تجني 157 ألف دولار سنوياً، وهو مبلغ يزيد قليلاً على راتبها لدى ”كوكا كولا“، وتأتي معه مكافأة توقيع عقد قدرها 15 ألف دولار.
لم تتمكن بريد من العثور عليها فدخلت حجيرتها الخالية ووجدت قرص التخزين وكان لا يزال فارغاً.
ليس واضحاً بالضبط متى بدأت يو التفكير بأن تعمل مستقلة، لكن مراسلات مع خالتها فان هونغمي تشير إلى أنهما كانتا تناقشان الأمر منذ ما يقرب من عقد.
عاشت فان في الصين، وكانت رسائلها النصية ومذكراتها الصوتية المتبادلة مع يو باللغة الصينية، واستخدمت اسم يو الصيني وهو "زاورونغ". في سجل الاتصالات الضخم الذي قُدّم كدليل في محاكمة يو، ظهرت فان كمشجع لا يعرف الكلل، بدا أنها كانت إلى قدر كبير مصدراً لفكرة إنشاء شركة صينية مدعومة من الدولة.
مغريات جاذبة
وجدت يو الفكرة جذابة، وهي التي لها أم مريضة وأخت في الصين، كما واجهت إغراء المال. في طلبها لبرنامج "ألف موهبة"، قدّرت أن سوق طلاء "BPANI" في الصين، حيث لا مورد محليّاً، تبلغ قيمته نحو 20 مليار يوان (2.9 مليار دولار) سنوياً.
جمعت فان ابنة أختها في مطلع 2017 مع ليو زيانغجين عبر ”وي تشات“، وهو مدير عامّ شركة كيمياويات هي ”وايهاي جينهونغ“ ومقرها في ويهاي في مقاطعة شاندونغ.
كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي لاحقاً صورة ليو ويبدو فيها رجلاً تنمّ تعابيره عن الحذر وله غرّة تغطّي جبهته. كانت الفكرة التي اقترحها هي أن تصنع شركته البطانات في البداية، ثم تنبثق عنها شركة مستقلة. في مقابل الإشراف على العملية تكون له حصة 5% من الشركة الجديدة، التي ستكون يو رئيسة قسم التقنية فيها وستملك ثلثها. جزء كبير من الملكية المتبقية سيكون شأناً عائلياً، إذ ستملك فان أيضاً حصة كبيرة وكذلك زوجها واثنتان من عمات ليو.
قدّم ليو نفسه كخبير بالحصول على الأموال الحكومية، وقال إن سبعة من موظفي ”وايهاي جينهونغ“ البالغ عددهم 800 موظف فازوا بمنح المواهب. بالنسبة إلى المشروع الجديد، تَقدَّم ليو نيابة عن يو للحصول على منح وطنية وإقليمية إجماليها بين 30 مليون و50 مليون يوان.
هل نفذ رازليخان وداتش أكبر سرقة عملات مشفرة في التاريخ؟
بين مارس وأغسطس 2017، فيما شارف زمن يو لدى ”كوكا كولا“ على نهايته، شرع ليو بإنشاء نسخة بديلة لها ذات إنجازات أكبر لتعزيز طلبات المنح. بعض عمليات التلميع كانت تجميلية بحتة: في إحدى رسائل ”وي تشات“ طلب ليو منها إعادة التقاط صورة لتستخدمها في التطبيق. كتب: ”سيكون رائعاً إن كان بإمكانك أن تصفّفي شعرك بعض الشيء“.
كانت التحسينات الأخرى أهمّ. في مارس، طلبت ليو من يو أن تجلب رسالة من ”كوكا كولا“ تؤكد أنها كبيرة مسؤولي التقنية لديها، وهي ترقية وهمية ترفعها أشواطاً. اعترضت يو في البداية، لكن في عرض ”باور بوينت“ (PowerPoint) الذي أُعدّ لاحقاً لطلبها المقدم إلى ”ألف موهبة“، عرّفت عن نفسها على أنها "عملت كبيرة مسؤولين تقنيين أو مديرة تقنية في ست شركات مختلفة من شركات (فورتشن 500)"، وهذا وصف دقيق فقط إن كان تعريف كلمة ”أو“ فضفاضاً إلى حد خيالي.
الأهمّ من ذلك، ادعت يو في طلبها زوراً أنها "صنعت تقنيات إنتاج وإعداد الجيل الثاني من طلاء (BPANI) الأكثر تقدماً في العالم".
تزوير أعمق
بنفس القدر من الأهمية كان الخيال الذي حيك بشأن التقنية التي ستُبنى عليها الشركة الجديدة.
اكتشف المحققون لاحقاً على قرص التخزين الثابت الذي يعود إلى يو ترخيص براءة اختراع من ”كوكا كولا“ يمنح ”وايهاي جينهونغ“ إذن استخدام طلاءات "BPANI" وتقنيات تصنيعه. هذا الترخيص، الذي ذكرته مراراً في طلبه إلى ”ألف موهبة“، كان مزوراً، ولم تكن التقنيات ذات الصلة حتى مرخصة لشركة ”كوكا كولا“.
لكن يرجح أن الطلب لم يُقرأ بعين ناقدة، وذلك بفضل إجراء إضافي اتخذه ليو. في رسالة ”وي تشات“ في سبتمبر، زعمت فان أن ليو دفع رشوة بقيمة 10000 يوان لتسهيل تقديم الطلب، كما وردت تلميحات عن رِشىً أخرى.
بعد مداخلة يو في وايهاي في أغسطس 2017 لدعم طلبها لبرنامج منح مقاطعة ”يشي-يي يي“ في شاندونغ، ثم مداخلتها في مركز مؤتمرات بكين بعد شهر عن طلبها لمنحة ”ألف موهبة“، كان رد الفعل الأوّليّ مبشراً.
أرسل ليو في أكتوبر أن "المراجعات الخاصة بمشروع (يشي-يي يي) للاستثمار العلمي والتقني كانت جيدة في الغالب. إن لم يحدث أمر غير متوقع، فستأتي الموافقة الرسمية على المشروع.“ كتبت فان أنه يمكنهم بدء الاستعدادات للشركة الجديدة بحلول أواخر الخريف.
لكن بدأ أفراد آخرون من عائلة يو يقلقون بشأن مشروعها. أرسلت أخت يو في في كاليفورنيا روابط لتقارير إخبارية عن مكتب التحقيقات الفيدرالي يستهدف مشاركين في برنامج ”ألف موهبة". أعربت أخت أخرى في الصين عن مخاوف مماثلة، وقالت في رسالة صوتية عبر ”وي تشات“: "الأميركيون سيئون للغاية! إنهم يلفقون التهم للصينيين في كل مكان! ". كما لم يعجبها شركاء أختها في العمل: ”إنهم مريبون حقّاً! إنهم يعاملونك كأنك خرقاء، يظنون أنك تسعين للشهرة وقليل من المال".
طمأنت يو أخواتها، لكنها لم تكن هي الأخرى تثق بشركائها. لم يكن همها الرئيسي أن لا يُكتشف أمرها، بل كان أن لا يغبنها شركاؤها. تَلقَّى ليو في فبراير 2018 تأكيداً رسمياً بأن يو فازت بمنحتي ”ألف موهبة“ و“يشي-يي يي“، أي ما مجموعه 5 ملايين يوان على مدى أربعة أعوام.
لم تكن كل الأخبار جيدة: حصلت ”وايهاي جينهونغ“ على جائزة الشركة أيضاً ، لكنها كانت جزءاً يسيراً مما طلبه ليو. بعد الابتهاج الأولي مرت أشهر دون أن ترى أياً من ذلك المال. قالت في رسالة صوتية إلى ليو عبر ”وي تشات“: "كل هذا الإثارة… الإثارة لا طائل من ورائها!"
بوادر الشقاق
ساد الشك مراسلاتها. هددت في سلسلة رسائل صوتية إلى ليو: "إذا لم أجد المال في حسابي، فلن أبدأ… حتى إنني لن أناقش. ليس الأمر كما لو أنني أتضوّر جوعاً هنا مثل هؤلاء الصينيين الذين عادوا لأنهم لم يتمكنوا من البقاء هنا“.
على العكس من ذلك، قالت إنها كانت تعمل جيداً جدّاً في أميركا: "أنا أكسب كثيراً من المال هنا. أنت فقط تريد التحدث عن هراء؟ لتخدعني؟".
دافع ليو عن نفسه في رسالة نصية إلى فان، مشيراً إلى عمله على مدى عام لتحضير الطلبات المزيفة وإلى المخاطر التي تجشمها عبر تحريف طبيعة وظيفة يو عمداً أمام الحكومة الصينية، وصياغته 29 صفحة من تراخيص استخدام براءات اختراع مزيفة باسم ”كوكا كولا“.
قال إنه بعد كل ذلك يو وليس هو من حصل على أموال المنحة، وهي مكافأة "لا تحمل لها أي مخاطرة، بل تحمل الشهرة الكبيرة والثروة“.
حاولت فان تهدئة ابنة أختها قائلة: "لقد نسيتِ كيف تكون الأمور في الصين بعد غياب عقود في الولايات المتحدة". قالت: "لقد مرت سنوات عديدة حتى إن الناس يصفونك بأنك (غير متأقلمة)“.
أما الملكية الفكرية التي ستجلبها معها، فلم يكن في ذلك تسرُّع أيضاً. كانت الخطة أن تعقد الشركة المنبثقة عن ”وايهاي جينهونغ“ أولاً شراكة مع مورد خارجي، وقد بدت الشركة الإيطالية ”ميتلاك“ (Metlac)، وهي شركة طلاء أوروبية كبرى، مرشحاً جيداً لترخيص صيغ البطانات الحالية شرعياً للإنتاج للسوق الصينية.
البنوك تتيح للشركات المالية استخدام خزنة حماية البيانات
بعد ذلك، على مدى بضع سنوات، يكوم بإمكان يو وفريقها إدماج صيغ "BPANI" التي أخذتها من ”كوكا كولا“ في منتجاتهم الخاصة بهدوء، مما يقلّل سنوات التجربة والخطأ.
لن يكون المُنتَج هو نفسه منتجات ”أكزو نوبل“ أو ”شيروين-ويليامز“ تماماً، على سبيل المثال. قالت فان في رسالة صوتية في أوائل 2018: "أنت لست غبيَّة. على الأكثر، ستكون التقنية متشابهة للوهلة الأولى، لكن لا أحد يستطيع إثبات ذلك". قالت فان إنه كان للاستراتيجية كثير من السوابق: "العلماء العائدون من الخارج يفعلون كل ذلك بهذه الطريقة”.
خطوات عملية
بعد أقل من شهر، سافرت يو إلى ويهاي لتوقيع عقد توظيفها لدى ”وايهاي جينهونغ“، الذي جعل مشروع الطلاء الجديد شرعياً، وكذلك حصتها البالغة 33.5%، كما منحها راتباً قدره 600000 يوان سنوياً.
توثّق ثلاث صور استُخرجت لاحقاً من”أيفون“ يو حفل التوقيع. كانت تجلس مرتدية فستاناً بلون المرجان وسترة من الدانتيل الأسود إلى جانب شيو دونغو رئيس ”وايهاي جينهونغ“ التنفيذي، الذي يضفي عليه شعره الذي قصه على طريقة القزع طابعاً عسكرياً.
كانوا يجلسون إلى طاولة في قاعة مأدبة ووراءهم رفّ نبيذ أبيض على شكل أداة موسيقية. في الصورة الأخيرة تصافح شيو وتبتسم ويدها اليسرى مقبوضة وذراعها مُسدَلة بموازاة جانبها.
كان الوقت الذي قضته يو في ”إيستمان كيميكال“ أقصر وأكثر اضطراباً من فترة عملها لدى ”كوكا كولا“. "إيستمان"، التي انبثقت في 1994 عن شركة ”إيستمان كوداك“ القوية ومقرها في كينغسبورت بولاية تينيسي، هي منتج رئيسي للبوليمرات التي تستخدمها شركات الطلاء.
محكمة عليا تلغي حكماً سابقاً قضى بسرقة "غوغل" لأكواد برمجة من "أوراكل"
لإعجابهم بخلفية يو البحثية وخبرتها لدي ”كوكا كولا“، أراد أصحاب العمل الجدد أن تساعدهم على تحسين مركباتهم، ليس في تغليف المشروبات، إذ تمتلك الشركة برنامجاً بحثياً قوياً، لكن في الطعام، إذ تتطلب علب التونة والحساء أنواعاً خاصة من بطانات البوليمر.
مع ذلك ومنذ البداية أظهرت يو تركيزاً عنيداً على علب المشروبات. كان ديب باهاتاتشاريا أحد المشرفين عليها لدى ”إيستمان“، وكان مديراً عالمياً للتقنية في ذلك الوقت لأعمال الطلاء والأحبار في الشركة، قال لاحقاً: “لم يكن غير معتاد أن تجدها تقضي كثيراً من الوقت تحاول معرفة ما الذي تفعله (إيستمان) في مجال المشروبات“.
استمرار الخشونة
كما لم تغير يو أسلوبها بالتعامل مع الآخرين. قال بهاتاتشاريا إنها كانت "تقلّل من شأن الناس... لقد اتبعت نهجاً عدوانيّاً وقتاليّاً جدّاً، كما دفعت بقوة لتشير إلى أنها تعرف أكثر كثيراً من الآخرين بسبب خبرتها السابقة في العمل". يتذكر أنها وصفت نفسها بأنها "مشهورة جداً“.
اتضح أن هذا صحيح في مجال كيمياء البطانات. عندما علم موردو ”كوكا كولا“ بأن ”إيستمان“ وظفتها، تواصل عديد منهم مع موظفيها الجدد. أرسلت ”شيروين-ويليامز“ خطاباً تبلغ فيه شركة الكيماويات مسؤوليتها القانونية في التأكد من أنها لم تستخدم معلومات تندرج في اتفاقية عدم الإفصاح الخاصة بها حين كانت لدى ”كوكا كولا“.
شهد بهاتاشاريا قائلاً: ”أعرب كثير من عملائنا عن قلقهم بشأن عمل الدكتورة يو في بعض فرق المشروع هذه بسبب خبرتهم بها في فترة عملها لدى (كوكا كولا).“
المُرابي الذي أطلقه ترمب من سجنه عاد ليقرض المال
كما أن شخصيتها في العمل جعلت غياباتها الطويلة أبرز. جاءت رحلتها إلى بكين للدفاع عن طلبها لبرنامج "ألف موهبة" بعد أسبوعين ونصف فقط من مباشرتها وظيفتها. سافرت في رحلة عمل لمقابلة أعضاء الفريق التقني للشركة في شنغهاي في أبريل 2018 ولحضور مؤتمر صناعي في غوانجو. كان يُفترض أن تستغرق الرحلة أسبوعين. في أثناء وجود يو هناك، قابلت عملاء محتملين، ظاهرياً بالنيابة عن ”إيستمان“، لكنها أهملت إشراك زملائها المحليين في ”إيستمان“ في الاجتماعات.
التقت ”وايهاي جينهونغ“ ووقعت أوراق الشراكة مع الرئيس التنفيذي للشركة شيو، وكانت تتفادى رسائل عبر البريد الإلكتروني تحمل نبرة حنق متزايدة طوال الوقت من رؤسائها في ”إيستمان“.
جاء في إحدى تلك الرسائل: “تحياتي شانون… لقد أثيرت مخاوف كثيرة بشأن هذه الرحلة". مكثت في النهاية لأكثر من شهر، ثم طلبت العمل لمدة أسبوع إضافي من أتلانتا، حيث لا يزال لديها مسكن.
خلال هذا الوقت كانت تتواصل مع المورد الإيطالي ”ميتلاك“ لعقد اجتماعات حول التعاون في السوق الصينية.
لقد قادت ”ميتلاك“ للاعتقاد بأن رئيس”إيستمان“ التنفيذي مارك كوستا، سيرافقها. لكنها ذكرت بعد ذلك أنه للأسف كان لديه أمر يتعارض مع ذلك، وعرضت أن تتحدث إلى رئيس ”ميتلاك“ التنفيذي بيير أوغو بوتشيو بنفسها، ليس بالضرورة عن ”إيستمان“ ولكن عن شركة صينية كانت -كما صاغتها في إحدى الرسائل- "مهتمة جدّاً بالعمل معكم للدخول في هذا المجال“.
استغلال الوظيفة
عثر المحققون في وقت لاحق على صور التقطتها بهاتفها، مخالفةً سياسة الشركة، لمعدات تخصصية في مختبرات ”إيستمان“. كما وجدوا رسائل أرسلتها إلى بائعين من بريدها الإلكتروني في ”إيستمان“ للاستفسار عن معدات مماثلة لصالح مختبر في الصين. لم يطلب منها أحد في ”إيستمان“ تجهيز مختبر هناك، ولم يكن لدى أي شخص في ”إيستمان“ أي فكرة عمّا كانت تفعله.
تلقت يو في 21 يونيو 2018 دعوة عبر البريد الإلكتروني لعقد اجتماع بعد ظهر ذلك اليوم مع بهاتاتشاريا ومشرف آخر لها وممثل للموارد البشرية. قبل نصف ساعة من بدء الاجتماع، أمضت 11 دقيقة تحمّل ملفات من كمبيوتر العمل الخاص بها إلى حساب ”غوغل درايف“ نفسه الذي استخدمته للتحايل على إجراءات منع تسرب البيانات لدى “كوكا كولا“ قبل 10 أشهر.
"فتيان الإسترليني" يتسببون لبنوكهم بغرامة 390 مليون دولار
سلمها بهاتاتشاريا خلال الاجتماع قائمة مطبوعة بتحفظات ”إيستمان“ بشأن أدائها الوظيفي، وسرعان ما تدهورت المحادثة. قال في شهادته: "لقد رفضت أن تقرأها... رمتها عبر الطاولة نحوي".
قرّرَت آشلي أنجلز، مديرة الموارد البشرية، إنهاء الاجتماع، وطلبت من يو أن تعمل من المنزل لبقية اليوم حتى تهدأ. لكن ما فعلته بدل ذلك عجّل بنهاية مسيرتها المهنية في ”إيستمان“، فقد غادرت المبنى الذي يضم قسم أبحاث التقنية في الشركة ومختبراتها، وبدل أن تعود إلى المنزل، عبرت حرم ”إيستمان“ الجامعي إلى المكاتب التنفيذية، حيث أمضت الساعتين التاليتين.
استخدمت بطاقتها لتدخل وذهبت تبحث عن مشرف بهاتاتشاريا. عندما لم تتمكن من العثور عليه، طلبت مقابلة رئيس قسم التقنية، وهو أحد كبار موظفي الشركة التي تضم 14000 موظف. عندما أُبلغت أن كبير الموظفين التقنيين كان مشغولاً، حاولت مقاطعة اجتماعه. طُلب إليها مغادرة المبنى، وفي النهاية فعلت ذلك.
غلطة مكلّفة
كان قسم الموارد البشرية في ”إيستمان“ قرر فصلها من العمل، ولو لم تتطور الأحداث بهذا الشكل لقُضيَ الأمر، ولأمكن يو رغم ما تركته من قلق لدى شركاء عمل وصدمة بين زملائها أن تمضي قدماً، وتصبح من قديم ”إيستمان“ كما كان الحال مع ”كوكا كولا“.
لكنها في تلك الليلة بعد أن عادت إلى منزلها، دخلت إلى شبكة الشركة ونسخت المستندات التي حفظتها في ”غوغل درايف“ على قرص تخزين شخصي متصل بحاسوبها النقال الخاص بالعمل. كان قسم تقنية المعلومات لدى ”إيستمان“، الذي تزايد قلقه بشأنها، متأهباً: تَمكَّن أحد تقنييه في صباح اليوم التالي من إعادة تمثيل ما فعلته عبر استقراء نظام التشغيل على حاسوبها النقال.
بعد ظهر ذلك اليوم، 22 يونيو، دُعِيَت يو إلى اجتماع آخر وأُبلغَت بأنها قد فُصلت. قالت أنجلز إنها تلقت الخبر برباطة جأش مدهشة، ثم طلبت إنجلز قرص التخزين وفيه البيانات التي تملكها الشركة. بدت يو تزداد توتراً، كما استذكرت أنجلز في المحاكمة، وقالت إن الجهاز كان في شقتها.
لم يرغبوا في تركها تبتعد عن أنظارهم حتى يحصلوا على قرص التخزين، فتبعت أنجلز ومدير أمن الشركة ومدير تقنية المعلومات يو إلى المنزل في قافلة مرتجلة وانتظروها خارج مسكنها فيما تجلبه.
في مقر الشركة فحص فني أمن تقنية المعلومات لدى ”إيستمان“ قرص التخزين، حيث وجد بعض ملفات يو الشخصية وبيانات إيستمان التي أخذتها، كما وجد مستندات ”كوكا كولا“ الخاصة بها منظمة بدقة في مجلدات تحمل أسماء الشركات الكيميائية التي حصلت عليها منها.
تَواصَل محقّق ”إيستمان“ الرئيسي، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، مع زملائه السابقين هناك وسلّمهم أجهزة يو.
في غضون ذلك سرعان ما وجدت وظيفة أخرى، مهندساً رئيسياً في ”إكس جي ساينسز“ (XG Sciences)، التي تصنع موادَّ لا متناهية الصغر في لانسينغ بولاية ميشيغن (توقّفَت عن العمل هناك العام الماضي).
أول التحقيقات
سافرت مرة أخرى إلى الصين حيث أعطاها ليو بعض المال، وساعدها شيو في شراء شقة فاخرة على الواجهة البحرية لتتمكن من الحصول على مكان في الصين تستثمر فيه أموال مِنتحتها. سافر الثلاثة بصحبة مسؤولين حكوميين من مدينة ويهاي إلى إيطاليا للقاء ”ميتلاك“.
عادت يو إلى الولايات المتحدة بالطائرة في سبتمبر 2018، وكان عملاء الجمارك وحماية الحدود بانتظارها في مطار أتلانتا. لم يعلن عملاء مكتب الجمارك وحماية الحدود ذلك، لكنهم كانوا يتصرفون بناء على طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي.
حصل العملاء في مكتب نوكسفيل بولاية تينيسي التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي على أمر لتفتيش قرص التخزين الذي استعادته ”إيستمان“، واستمروا بالحصول على أوامر لتفتيش حساب يو في ”ياهو“ و“غوغل“.
أرسل العملاء الملفات التي عثروا عليها على أجهزة يو إلى شركات الكيماويات التي ظهرت أسماءها في الملفات، وأكدت الشركات أن تلك المعلومات كانت ملكيات خاصة بها.
نُقِلَت يو في مطار أتلانتا إلى غرفة مقابلة صغيرة، فيما فتّش عملاء في القاعة حاسوبها النقال وهاتفين وقرص تخزين. كذلك كانت تحمل أكثر من 10,000 دولار نقداً.
حين بدأ وكيل الجمارك وحماية الحدود طرح أسئلة عليها من قائمة كانت أمامه، أخذتها وقرأتها بنفسها وكتبت إجاباتها مباشرة على الورقة. قال في شهادته فيما بعد إن هذا لم يحدث معه من قبل.
عندما استعادت أجهزتها، حذفت سجل ”وي تشات“ الخاص بها، لكن العملاء كانوا حصلوا على نسخة منه. استمرت في تنفيذ خططها، فسافرت إلى إيطاليا مجدداً في نوفمبر 2018 مع شركائها الصينيين ومسؤولين من "ويهاي" ليلتقوا مجددا شركة ”ميتلاك“، التي لم تكن التزمت من قبل، وهذه المرة حُسمت بأنها لا ترغب بأن يكون لها دور في الصفقة المقترحة، ولم ترغب بالعمل مع يو.
بلغ فريق ”وايهاي جينهونغ“ نهاية مسدودة لعدم وجود شريك مؤسس ذي باع في القطاع. يبدو أنهم رفضوا احتمال بناء فريق بحث وتطوير كامل محوره خبرة يو والملكية الفكرية المسروقة.
مع ذلك كان هناك تفسير محتمَل آخر، وهو ما يبدو أن قناعة يو مالت نحوه: أن الطلبات المزيفة كانت جزءاً من عملية احتيال أكبر وأحلك. ربما أدرك ليو وشيو في مرحلة ما أنه بدل استثمار أموالهما الحكومية في مشروع تحكمه الحظوظ مع شخصية متقلبة، بإمكانهما دسّ المال في جيوبهما. قالت يو في محادثة عبر ”وي تشات“ مع أسرتها: "المشكلة الرئيسية حالياً أنني لا أعرف ما الخدع التي يعمد إليها ليو... لا ينطق إلا بالهراء طوال الوقت! كلها خدع، ألا ترون؟!“.
أعربت عمَّة يو عن مخاوف مشابهة. بمجرد حصول ”وايهاي جينهونغ“ على بعض أموال المنحة الحكومية، حذرت فان عبر ”وي تشات“ بأنه لم يعُد بحاجة إلى أن يفعل أي شيء لأجل المشروع. يمكن أن ينفق ليو الأموال على نفسه ويُدرِجها برمتها على أنها تكلفة محاولة بدء عمل تجاري، وهو تفسير مقبول إذا قرّرَت أي سلطات أن تنظر فيه.
قالت إنه يمكن أن "يستخدمها كيفما يشاء، مثل تناول الطعام والنبيذ وشراء الهدايا وتعزيز العلاقات الشخصية، وسيكتفي الجميع بأن يقدم فواتيره". سيكون مجرد مثال آخر على فشل مشروع تدعمه الحكومة الصينية. ربما كان الأمر برمته في الواقع خداعاً.
تحقيقات صينية
الأدلة التي كشف عنها المحققون الفيدراليون، رغم أنها موحية، لا تحسم المسألة بطريقة أو بأخرى. باءت محاولات للتواصل مع ليو وشيو عبر الهاتف والبريد الإلكتروني بالفشل، ولم تجب ”وايهاي جينهونغ“ على استفسار نُقل عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، كما لم يردّ المكتب القانوني للشركة على المكالمات. لم تتمكن "بلومبرغ بزنسويك" من العثور على طريقة للاتصال مع فان.
مع ذلك، توجد أدلة على أن الحكومة الصينية نفسها بدأت تقلق بشأن احتيال على نطاق واسع في برامج التمويل التقني. بعد فشل عديد من مشاريع الرقائق الرئيسية المدعومة من الحكومة في السنوات الأخيرة، أعلنت سلطات مكافحة الفساد الصينية عن تحقيقات مع مسؤول حكومي مسؤول عن السياسة الصناعية وثلاثة مديرين تنفيذيين من شركة صندوق الاستثمار الصناعي للدوائر المتكاملة الوطنية، أداة الاستثمار الرئيسية في الصين لبناء قدرات صناعة الرقائق محلياً.
قد تكون هذه التحقيقات وسيلة لإلقاء اللوم بعد خيبات الأمل للجهود التقنية رفيعة المستوى، لكنها ليست المثال الوحيد. توجد أيضاً مزاعم بحدوث احتيال واسع النطاق في سوق السيارات الكهربائية، وهي صناعة تحظى بدعم حكومي واسع النطاق. وجد المحققون الصينيون أن بعض شركات صناعة السيارات المحلية كانت تضخم مبيعاتها من خلال بيع السيارات لشركات وهمية للتأهل للحصول على إعانات إضافية، ثم تفككها لتأخذ قطع غيار منها.
أعادت هيئة محلفين فيدرالية كبرى في تينيسي تهم الاحتيال وسرقة الأسرار التجارية ضد يو وليو في 12 فبراير 2019. قبض مكتب التحقيقات الفيدرالي على يو في شقتها في لانسينغ بعد يومين من ذلك، كما فتش العملاء منزلها قرب أتلانتا وأجروا مقابلة مع زوجها في منزلهما في ماساتشوستس، حيث فقد وظيفته بعد اعتقالها.
تأهب للفرار
لاحظ العملاء أن منزل يو في ميشيغان، حيث عاشت لأشهر، كان بالكاد مؤثَّثاً وفيه مرتبة على الأرض وحوامل تليفزيونات عوضاً عن الأرفف. في غرفة المعيشة كان صندوق كالذي يستخدمه الصرافون فيه قرص تخزين ”ويسترن ديجيتال“. في خزانة المطبخ كانت حقيبة مُقفَلة زعمت أنها لا تعرف أرقام قفلها، وحين فتحها العملاء وجدوا ما يعادل 4000 دولار من اليوان الصيني واليورو وعملات أجنبية أخرى.
كانت جميع وثائقها الشخصية المهمة موجودة هناك أيضاً، ومن ذلك جواز سفرها وبطاقة الضمان الاجتماعي وشهاداتها الدراسية وشهادة الزواج إضافة إلى شهادة ميلاد ابنتها. قال مساعد المدّعي العامّ الأمريكي ت.جيه هاركر في المحاكمة إنها ”كانت تعتزم الهرب“.
أخذ العملاء يو إلى مكتب مكتب التحقيقات الفيدرالي في غراند رابيدز بولاية ميشيغان وتحدثوا معها لأكثر بقليل من ساعتين. في تسجيل فيديو للجلسة، تواجه الكاميرا مرتدية سترة وردية اللون ونظارات. جلس بيل ليكرون، المحقق الرئيسي في القضية، إلى الجانب الآخر من الطاولة، وكان هناك عميل ثانٍ لم يتحدث إلا قليلاً، باستثناء أنه قال إنه مهندس كيمياء.
عندما سأل ليكرون يو عن ”وايهاي جينهونغ“، أصرّت في البداية على أنها تلعب دوراً يشبه الخاطبة وتساعد ”ميتلاك“ على ولوج السوق الصينية.
قالت إنها لم تتقاضَ أي أموال، وعندما سُئلت عن دور خالتها قالت إن فان ربما أرادت أن تعطي ابنة أختها ذريعة كي تعود إلى الصين حتى يتمكنوا من قضاء وقت معاً.
حين كشف ليكرون عن مقدار ما شاهده من حياة يو الرقمية، اعترفت بدور أكبر وأعظم. لكنها قالت إن خطط الشركة كانت "مجرد كلام". كان العقد الذي وقّعَته بكل تلك الضجة "مجرد ورقة" ولم يجلب شيئاً. قالت: "لم يكن لديّ أي نية لتطوير أي شيء“، كما أصرّت على أنها لم تكُن لديها أي نية لمشاركة أي شخص أسرارها. يبدو أنها احتفظت بصيغ الطلاء لنفسها، ربما كان أحد الموانع أنها كانت تقول إن على شركائها أن يدفعوا قبل أن تقدّم أي شيء. مكتب التحقيقات الفيدرالي مقتنع بوجود جهاز إضافي واحد على الأقلّ لها لم يتمكنوا من استرداده.
أعادت هيئة محلفين اتحادية كبرى لائحة اتهام ملغاة تضيف تهماً بالتجسس الاقتصادي في أغسطس 2020، نتيجة مزاعم بأن يو تصرفت لصالح حكومة أجنبية من خلال شركة تدعمها، وأُضيفت عمتها كمدَّعىً عليه (مثل ليو، يُفترض أن فان لا تزال في الصين، بعيداً عن متناول سلطات إنفاذ القانون الأمريكية).
ليست أسراراً
في محاكمة يو التي عُقدت في غرينفيل بولاية تينيسي في أبريل 2021، اعترض محاموها على أن صيغ الطلاء التي اتُّهمت بسرقتها كانت أسراراً تجارية، وجلبوا محامي براءات الاختراع جيه دي هاريمان للشهادة، فقال إن كيميائياً ماهراً بدرجة معقولة كان بإمكانه أن يبتكر تلك المعادلات من تلقاء نفسه بناءً على بيانات متاحة للجمهور، وهو ما يتناقض مع شهادات المديرين التنفيذيين في شركات الطلاء التي سبقت شهادته.
كما جلب الدفاع يو شي، وهي مديرة تنفيذية لدى ”كوكا كولا“ إلى منصة المحكمة، وكانت تشرف على يو وعلى الجهود البحثية الأوسع للشركة في مجال الطلاء في ذلك الوقت. لدى استجوابها قالت إن ”كوكا كولا“ كانت تواجه موعداً نهائياً قريباً لتوافق على الطلاءات الجديدة وأن الملفات الحساسة التي تتلقاها ”كوكا كولا“ من مورديها لم تُمهَر لتبيان حساسيتها بوضوح على الدوام.
كانت الشاهدة الأخرى للدفاع هي ليندا شو، ابنة يو، وهي عالمة كمبيوتر لدى ”غوغل“. وصفت شو نشأتها المقتصدة والمتنقلة، إذ كان على الأسرة الصغيرة أحياناً أن تكون منفصلة حين يجد والداها عملاً أو يفقدانه. بمجرد أن حصلت والدتها على وظيفتها في ”كوكا كولا“، أحب والداها أتلانتا وأرادا أن يتقاعدا هناك. كتبت شو لاحقاً إلى القاضي: "إنها لا تعبّر عن نفسها جيداً دائماً، لكنك لن تجد أحداً يهتمّ كما تفعل".
في المحاكمة استذكرت شو إجازتين في إيطاليا، عندما كانت تدرس في الجامعة فيما كانت والدتها لا تزال تعمل لدى "كوكا كولا". استضافتهم عائلة بوتشيو رئيس ”ميتلاك“. قالت: ”أتذكر أنه كان هناك كثير من الأنخاب، حيث كنا نحتفل كانوا قد حصلوا على موافقات على شيء ما، وكنا نتحدث بحماسة عن فتح السوق في مكان ما في الولايات المتحدة، وبعض الأماكن في أوروبا وآسيا".
في 22 أبريل 2021 أصدرت هيئة المحلفين حكماً بالإدانة في جميع التهم الموجهة إليها. في مايو 2022 حُكم عليها بقضاء 14 عاماً في سجن فيدرالي. رفضت ”كوكا كولا“ و“إيستمان“ التعليق على القضية. كوري شيبلي محامي يو، لم يردّ على الرسائل، وكذلك ممثلو ”ميتلاك“.
كذلك رفضت وزارة الخارجية الصينية التعليق مباشرة على القضية، لكنها قالت إن الحكومة أصدرت تعليمات إلى الكيانات ذات الصلة بالتزام القوانين والأخلاق الدولية عند المشاركة في برامج المواهب الخارجية.
محض افتراء
قالت يو: "الحكومة اختلقت قضيتي بالكامل". أتت كلماتها هذه قبيل الساعة الخامسة من مساء 13 أكتوبر بدقائق، وكانت تتصل من مرفق الهواتف في سجن منخفض الحراسة في أليسفيل بولاية ألاباما، حيث تُمضي فترة عقوبتها.
أتى اتصالها ردّاً على رسالة طُلب فيها منها أن تتحدث عن موضوع هذا التقرير وتلقتها في الليلة السابقة. قالت معتذرةً إنها كانت لتتصل في وقت سابق من ذلك اليوم، لكنها كانت تؤدي عملها في مصنع السجن.
قالت عن القضية المرفوعة ضدها: ”إنها من قبيل التصنيف العرقي... أنا مواطنة مجنَّسة، وأنا متعلمة جيداً ومعروفة جيداً في هذا المجال، وقد سافرت إلى الصين لأعمال تجارية. هذا هو سبب استهدافهم لي". كان كل شيء سياسياً فقط.
أضافت أن تينيسي: "ولاية حمراء... القاضي تماماً، تماماً في جانب الحكومة“، ولم تفهم هيئة المحلفين الفروق الدقيقة في ما يخصّ الأسرار التجارية. قالت: “هذا ليس شيئاً كالسرقة أو المخدرات أو القتل، كان لدي بعض الملفات في منزلي أرسلها لي شخص آخر... إنهم يزعمون أن هذا دليل".
لم تكن المحادثة طويلة، فمكالمات نزلاء أليسفيل أقصاها 15 دقيقة. اقترحت مكالمة ثانية في المساء التالي، وربما مزيداً بعد ذلك، فلديها كثير من الحجج لتقدمه، كما تعمل من كثب لتستأنف الحكم، وقالت إنها ستتحدث إلى محاميها في اليوم التالي. لكن في الساعة المحددة من مساء اليوم التالي، لم تتصل. كتبت بعد أشهر، ردّاً على رسالة متابعة بالبريد الإلكتروني، أن محاميها نهاها عن التحدث إلى الصحافة في الوقت الحالي. كتبت: "سأتصل بكم بعد الاستئناف... إنني أتطلع إلى إخباركم بالحقيقة".