بلومبرغ
بدا الاستثمار بلا مخاطر تقريباً، إذ كان يضمن عوائد ضخمة بعد فترة قصيرة من التداول. من خلال استغلال الطريقة التي فرضت بها ألمانيا يوماً ما ضرائب على توزيعات الأرباح، ساعد عشرات المصرفيين والوسطاء والمحامين المستثمرين على انتزاع مليارات اليورو من خزانة الدولة. وبعد عقد من الزمان، تمكن المُدّعون من إثبات أولى الإدانات بجرائم ضريبية.
في ألمانيا وحدها، يواجه نحو 1800 شخص تحقيقاً فيما أصبح يعرف بقضية "كم-إكس" (Cum-Ex). الآن، وقعت البنوك الفرنسية في شرك استراتيجية مماثلة تُعرف باسم "كم-كم" (Cum-Cum)
1) ما هي تجارة "كم-إكس" (Cum-Ex)؟
استغلت الصفقات تفسيراً لقانون الضرائب، في ذلك الوقت، لتمكين العديد من الأشخاص بالمطالبة بملكية السهم نفسه -والأهم من ذلك- الحق في استرداد الضرائب المحتجزة من أرباح الأسهم.
اعتمدت المعاملات على بيع الأسهم المقترضة قبل أن تقرر الشركة توزيع أرباح الأسهم. وقد مكّن ذلك أكثر من مستثمر واحد من المطالبة باسترداد ضريبة دُفعت مرة واحدة فقط، وفقاً للسلطات الألمانية. سُمِّيت هذه الممارسة على اسم المصطلحين اللاتينيين "كم"/"إكس"، والتي تعني (مع/بدون)، لأن السهم بيع، لكن سُلِّم بدون، مدفوعات أرباح.
2) لماذا هي مثيرة للجدل؟
سمحت السلطات الضريبية لسنوات باسترداد الأموال رغم معرفتها بأن العملية قد تؤدي إلى مدفوعات متعددة. وبينما كانت هناك عدة محاولات لإصلاح هذه الممارسة، قال المشرعون في 2007 إن مسؤولي الضرائب اضطروا لغض الطرف والتسامح مع الحالات العرضية. غير أن سلطات إنفاذ القانون بدأت في التحقيق بعد بضع سنوات، بحجة أن البرلمان ركز على الآثار الجانبية غير المقصودة للمعاملات المشروعة، وليس الصفقات التي لا غرض منها إلا استرداد الضرائب.
يقول المدعون إن الأشخاص المتورطين في هذه المعاملات يعرفون أنهم كانوا يحصلون على هذه المبالغ المستردة مرتين. وانتهت هذه الممارسة في 2012 عندما أصلحت ألمانيا كيفية تحصيل ضريبة توزيعات الأرباح، فيما تخضع صفقات مماثلة في الدنمارك وبلجيكا للمراجعة.
3) ما تجارة "كم-كم" (Cum-Cum)؟
خرجت تجارة "كم-كم" من رحم "كم-إكس"، وهي استراتيجية "مراجحة الأرباح الموزعة"، إذ يُحوِّل المساهمون أسهمهم لفترة قصيرة إلى مستثمرين في الخارج لتجنب ضريبة توزيعات الأرباح. ويحتفظ المستثمرون في الخارج بالأسهم خلال يوم توزيع الأرباح قبل أن يستردوا الضريبة المحصلة على التوزيعات. بعدها يبيعون الأوراق المالية إلى المالك الأصلي. وفي النهاية يُقسم المبلغ المكتسب بهذه الطريقة بين الأطراف المعنية.
مارس الأشخاص هذا النوع من الممارسات لعقود، إذ كانوا يعتبرونها قانونية. ورغم أن "كم-كم" لم تتضمن عمليات رد أموال لمرات على ضريبة لم تُدفع إلا مرة واحدة، فقد أدى ذلك إلى رد أموال ما كان لها أن تُرد لو احتفظ المالك الأصلي بالحصة. فتحت فرنسا تحقيقات في أواخر 2021. وفي 28 مارس هذا العام داهمت خمسة بنوك في إطار التحقيق، ربما تواجه غرامات حجمها مليار يورو (1.1 مليار دولار). يتحرى المدعون في كولونيا بألمانيا كذلك ممارسات "كم-كم".
4) ما مقدار المال المتضمن؟
تقول منصة التقارير الاستقصائية "كوريكتيف" (Correctiv) إن تجارة "كم-كم" و"كم-إكس" كلفت دافعي الضرائب على مستوى العالم 150 مليار يورو، منها 36 ملياراً في ألمانيا و33.4 في فرنسا. وشهد متعامل في محاكمة ألمانية في 2019 بأن تجارة "كم-إكس" كانت أكثر ربحية خمسة إلى ستة أضعاف من "كم-كم".
5) ما مدى نطاق التحقيقات؟
بدأ في ألمانيا ما لا يقل عن ستة تحقيقات في ممارسات "كم-إكس"، أوسعها نطاقاً في كولونيا. في إطار هذه التحقيقات، تمت مداهمة مقار بنوك كبرى منها "جيه بي مورغان تشيس آند كو" و"باركليز" و"ميريل لينش" التابع لـــ"بنك أوف أميركا" و"مورغان ستانلي".
في "دويتشه بنك" وحده، خضع عشرات الموظفين السابقين والحاليين للتحقيق في مرحلة ما، ومن بينهم خمسة أعضاء سابقين في مجلس الإدارة. وداهمت السلطات في أكتوبر 2022 مقر البنك الرئيسي وكذلك منزل رئيسه التنفيذي المشارك السابق يورغن فيتشن.
تقول البنوك إنها تتعاون مع ممثلي الادعاء. ولم يقتصر أمر التحقيقات على ألمانيا، وإنما فُتحت أخرى في دول منها بلجيكا والدنمارك. أما بالنسبة لتجارة "كم-كم"، فقد شملت البنوك المُداهمة "سوسيتيه جنرال" و"بي إن بي باريبا" و"إتش إس بي سي هولدينغز" (HSBC Holdings) و"ناتيكسيس" (Natixis) ووحدة "إكسين" (Exane) التابعة لـــ"بي إن بي باريبا"، وفقاً لمكتب المدعي العام في باريس.
6) هل اتُّهم و/أو أُدين أحد؟
نعم. أصبح الرئيس التنفيذي لشركة "إم إم فاربورغ" (M.M. Warburg)، كريستيان أوليريوس، في يوليو 2022، أول مصرفي رائد يواجه اتهاماً في هذا الإطار. أُدين زميل سابق يُوصف بأنه "ذراعه اليمنى" بتهمة التهرب الضريبي المشدد في 2021 وحُكم عليه بالسجن 5 سنوات ونصف.
هانو بيرغر، وهو محامي ضرائب ألماني، حُكم عليه بالسجن ثماني سنوات بعد تسليم سويسرا له. ووُضع بول مورا، وهو مصرفي استثماري سابق في وحدة "إتش في بي" (HVB) النيوزيلندية التابعة لـــ"يوني كريديت" (UniCredit)، في2021 على قائمة المطلوبين للإنتربول.
وُجهت اتهامات لمديرين تنفيذيين مرتبطين بـ"دويت غروب" (Duet Group)، وهي شركة إدارة أصول في لندن، في ألمانيا في سبتمبر 2022. وصدرت في نوفمبر أحكام تصل إلى أربع سنوات على أربعة مصرفيين استثماريين في مصرف "مابل بنك" (Maple Bank) المنهار حالياً. ومن المرجح أن تستمر القضايا لسنوات.
7) ما تاريخ هذه الممارسات؟
أفاد تحقيق برلماني ألماني بأن البنوك كانت أول من شهد تجارة "كم-إكس" في مطلع التسعينيات. وبعد عقد من الزمان، نفذها متعاملون في وحدات هيكلة التمويل بالبنوك، وخاصة في لندن.
انتشرت تجارة "كم-إكس" خارج الصناعة المصرفية، إذ أنشأ مصرفيون سابقون صناديق للسماح للأثرياء باستغلال هذه الثغرة. وشارك العديد من البنوك الاستثمارية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة على مستوى ما، عن طريق شراء الأسهم أو بيعها أو إقراض الأسهم للبائعين على المكشوف أو توفير رأس المال أو العمل كأوصياء. أيدت المحكمة الجنائية العليا في ألمانيا في 2021 التحقيقات، ووصفت صفقات "كم-إكس" بأنها "استيلاء سافر على الأموال".