"المركزي الأوروبي" يخاطر برفع الفائدة في ظل الأزمة المصرفية

مخاوف من خطأ في السياسة النقدية بعد سادس زيادة متتالية في أسعار الفائدة وبدء التشديد الكمي الشهر الجاري

time reading iconدقائق القراءة - 12
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج المقر الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي، فرانكفورت، ألمانيا - المصدر: بلومبرغ
أعلام الاتحاد الأوروبي خارج المقر الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي، فرانكفورت، ألمانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

اتخذ "مجلس البنك المركزي الأوروبي" (ECB) الوضع الآلي لزيادة سعر الفائدة الرسمي على الودائع بمقدار 50 نقطة أساس ليصل إلى 3%، ليُقر في اجتماع الخميس الماضي سادس زيادة متتالية منذ يوليو. وبينما يظل التضخم خطراً محدقاً واضحاً، يشعر "المركزي الأوروبي" بالرضا عن تجاهله للعاصفة المصرفية الحالية.

إخفاق اليورو في الصعود مقابل الدولار، رغم تجاوز زيادة أسعار الفائدة لبعض التوقعات، يشير إلى مخاوف المتداولين بشأن احتمال حدوث خطأ في السياسة النقدية.

مسار مستقبلي غامض

مع ذلك؛ يُبرِز استمرار "المركزي الأوروبي" في رفع الفائدة الخطر المتزايد لسياسة الإفراط في التشديد النقدي في منطقة اليورو. يسيطر الغموض على ما يسعى "المركزي الأوروبي" لتحقيقه في ظل عدم تقديم أي دلالات عما سيحدث لاحقاً. صرحت كريستين لاغارد في مؤتمر صحفي عقب قرار رفع أسعار الفائدة بأنه "لا يمكن في الوقت الراهن تحديد المسار الذي سنسلكه مستقبلاً". وقد تفسر السوق ذلك على أنه إشارة إلى أن الزيادات في أسعار الفائدة ستكون محدودة، لكنها ليست الطريقة المثلى لتوضيح أهداف السياسة النقدية.

لنأمل ألا يكون هذا تكراراً لأحداث 2011، عندما رفع جان كلود تريشيه أسعار الفائدة بالبنك مرتين مع وصول تبعات الأزمة المالية العالمية إلى أوروبا بقوة، ما أدى مباشرة لتداعي الديون السيادية في منطقة اليورو.

أصبح من السهل -أكثر من أي وقت آخر- فصل الدورين اللذين يضطلع بهما "المركزي الأوروبي" عن بعضهما، وهما الحفاظ على الاستقرار المالي، واستهداف الوصول إلى معدل تضخم 2%. فكما في الوقت الحالي، أصبح الدوران متشابكين في ظل المخاوف المحيطة بالسيولة في النظام المصرفي. إذ يمكن لتدهور السيولة أن يتحول سريعاً إلى نمو ساحق يخفض معدلات التضخم في منطقة ما زالت الشركات فيها تمول الاستثمار بالقروض المصرفية بدلاً من اعتمادها على الأسواق المالية.

بدء التشديد الكمي

لكن الأمر لا يتعلق بأسعار الفائدة وحدها، حيث قرر "المركزي الأوروبي" إنهاء برنامجه السخي لتسهيل القروض للبنوك والبالغة قيمته 1,35 تريليون يورو (1.43 تريليون دولار) المعروف باسم "عمليات إعادة التمويل المستهدفة طويلة الأجل" (TLTRO) والذي سينتهي في يونيو. كما بدأ البنك في التشديد الكمي الشهر الجاري من خلال عدم إعادة استثمار نحو 15 مليار يورو شهرياً في حيازات السندات المستحقة المتراكمة أثناء فترة التيسير الكمي.

بذلت "لاغارد" كل ما في وسعها للتأكيد على القرار الأخير وتفسيره، لكن هناك شعور لا لبس فيه بأن أحد البنوك المركزية محاصر بتعهده السابق وعاجز عن تغيير استراتيجيته للتكيف مع التدهور الحالي في الأوضاع المالية.

إذا دخل الاقتصاد في مرحلة انكماش، سيكون "المركزي الأوروبي" قد ارتكب خطأ كان يمكن تفاديه تماماً في السياسة النقدية. "كان قراراً بأغلبية كبيرة"، كما صرحت "لاغارد"، فالتعساء يريدون التعاسة للجميع.

تراجع عائدات السندات

رغم مطالبات رئيس البنك المركزي النمساوي، روبرت هولتسمان، بثلاث زيادات أخرى بمعدل 50 نقطة أساس بعد الزيادة الأخيرة، لم يعُد مؤيدو التشديد قادرين على السيطرة على مجلس "المركزي الأوروبي".

بعيداً عن التوجيه المستقبلي والعودة لنهج الاعتماد على بيانات كل اجتماع على حدة فالتأكيد الواضح في بيان السياسة المالية هو بمثابة توبيخ مستتر. كما أن التداعيات العالمية لانهيار مصرف "سيليكون فالي بنك" (SVB) والتوتر الحالي المحيط بمصرف "كريدي سويس" لا بد أن تعني عدم قدرة "المركزي الأوربي" على تحديد السياسة النقدية بشكل منفرد، لكن عليه أن يستيقظ من سباته أولاً.

تشهد بيانات الاستثمارات انخفاضاً مفاجئاً في كل مكان، لكن أحدها بالأخص يُفترض أن يثير انزعاج مؤيدي التشديد في ظل التضخم؛ حيث انخفضت عائدات السندات الألمانية لأجل سنتين انخفاضاً غير مسبوق بمعدل 85 نقطة أساس في الأسبوع الماضي، وتُعد منحنيات العائد المقلوبة هي النذير المشؤوم للركود، لكن الانكماش الاقتصادي يبدأ فعلياً عندما تستقر عائدات السندات قصيرة الأجل وتستعيد موضعها الطبيعي بأن تكون أدنى من مستويات عائدات السندات لأجل 10 سنوات.

ارتفع منحنى عائدات السندات الألمانية لأجل سنتين إلى 10 سنوات بنحو 40 نقطة أساس خلال أسبوع، مع استمرار ارتفاع عائدات السندات قصيرة الأجل عن السندات المستحقة خلال 10 سنوات بمعدل يقارب 30 نقطة أساس، لكن الأوضاع تتغير بوتيرة سريعة وخطرة.

وضع دقيق

كان التعافي الاقتصادي لمنطقة اليورو في مرحلة ما بعد الجائحة مفروشاً بالورود، بمساعدة الانتعاش المفاجئ في السياحة عززه الإسراف في التحفيز الحكومي. كما دعمت جهود الدول منفردة صندوق "نكست جينريشن إي يو" (NextGeneration EU) البالغة قيمته 800 مليار يورو (840 مليار دولار)، وكانت ألمانيا هي الأكثر سخاءً بتخصيصها 200 مليار يورو محلياً.

أخيراً، أثمرت جهود الحافز الحكومي في اقتصاد منطقة اليورو، وفي تناقض مباشر لأزمة اليورو قبل عقد، لكن ذلك لا يعني قدرة الجانب النقدي من المعادلة على استبعاد أحداث العالم الواقعي.

"المركزي الأوروبي" في وضع لا يُحسد عليه كونه أول البنوك المركزية الكبرى التي تعين عليها اتخاذ رد فعل في السياسة النقدية عقب أزمة الأسبوع الماضي، إذ إن اجتماعي "بنك إنجلترا" وبنك "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" سينعقدان الأسبوع الجاري، لكن على "المركزي الأوروبي" أن يتحلى بالثقة في تخفيف إجراءاته إذا دعت الحاجة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

فرانكفورت

8 دقائق

0°C
غيوم متناثرة
العظمى / الصغرى /
16.7 كم/س
79%
الآراء الأكثر قراءة