بلومبرغ
يعود المغرب إلى أسواق الدين العالمية للمرة الأولى منذ فقدانه تصنيف الدرجة الاستثمارية قبل عامين.
لكن مع تحسن جودة ائتمانها، تتطلع المملكة للاستفادة من انخفاض تكاليف الاقتراض لملء خزائنها، حيث تخطط لطرح سندات دولارية لأجل 5 أو 10 أو 12 عاماً، عقب تعيينها بنوكاً لترتيب سلسلة من الاجتماعات للمستثمرين في الولايات المتحدة ولندن ابتداءً من اليوم الخميس.
يرى مارك بوهلوند، كبير محللي أبحاث الائتمان بشركة "رد إنتلجنس" (REDD Intelligence) في لندن، أن عائدات التصدير القياسية لمُنتِج الأسمدة "المجمع الشريف للفوسفات"، المملوك للدولة، خففت الضغط على المالية العالمية الناتج عن ارتفاع تكاليف دعم غاز الطهي والكهرباء والقمح. كما أن التفاؤل بأن المغرب سيحصل على خط تسهيل ائتماني من صندوق النقد الدولي يزيد من جاذبية أوراقه المالية. من المقرر أن يعقد البنك الدولي والمقرض ومقره واشنطن اجتماعاتهما السنوية في مراكش في أكتوبر.
ونوّه بوهلوند بأن "هناك تحسناً شاملاً في ملف الائتمان لدى المغرب. ويبدو أنه قبل نهاية العام سيكون هناك نظرة أكثر إيجابية من قِبل وكالة تصنيف أو اثنتين".
تقلّصت علاوة المخاطر على عائد سندات المغرب الدولارية بنحو 170 نقطة أساس، لتصل إلى 267 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، بعد أن بلغت أعلى مستوى منذ 20 عاماً في يوليو. كما انخفضت تكلفة التأمين على ديونها ضد التخلف عن السداد، عبر استخدام عقود مقايضة التخلف عن السداد لأجل 5 سنوات، إلى النصف تقريباً منذ مطلع نوفمبر إلى حوالي 160 نقطة أساس.
تونس ومصر
هذا التحسن في ديناميكيات الائتمان للمغرب يتناقض بشكلٍ لافت مع نظرائه في المنطقة، حيث يتم تداول عقود مقايضة التخلف عن سداد الائتمان في تونس ومصر قرب أو فوق مستوى 1000 نقطة أساس، والذي يعتبره المستثمرون "متعثراً". ووصلت مقايضات التخلف عن السداد، اليوم الخميس، في تونس عند 1250 نقطة أساس، وفي مصر عند 920 نقطة.
كانت آخر مرة أصدر فيها المغرب سندات دولارية في ديسمبر 2020، عندما جمع 3 مليارات دولار وهو رقم قياسي. ومنذ ذلك الحين لم يقارب أسواق رأس المال الدولية، مثل غيره من البلاد، لاسيما بعد شروع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إحدى أكثر دورات التشديد النقدي حزماً منذ ثمانينات القرن الماضي لمحاربة التضخم.
عادت مصر ومنغوليا إلى أسواق الدين العالمية هذا العام مع انخفاض تكاليف الاقتراض عليهما، حيث سعّرت مصر طرح صكوك إسلامية بالدولار عند 11% يوم الثلاثاء. مقارنةً بعائد يبلغ حوالي 5.9% على ديون المغرب بالدولار المستحقة عام 2027.
تود شوبرت، رئيس أبحاث الدخل الثابت في بنك سنغافورة، والمقيم في دبي، يشير إلى أن "المستثمرون كانوا على استعداد للتنازل بشأن منحنى التصنيف والاستثمار بديون بلدان ذات تصنيف منخفض مثل مصر أو منغوليا، لذا يجب أن يجد المغرب ذو التصنيف BB القوي إقبالاً قوياً من مستثمري الأسواق الناشئة". مضيفاً أن "مسار الائتمان (المغربي) في اتجاه أكثر إيجابية بكثير مما كان عليه قبل عام".
عودة السياحة
منذ خفّضت وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيفات ديون المغرب المعتمد على السياحة إلى "BB+"، وهي أعلى تصنيف غير استثماري، خلال ذروة جائحة كورونا في أبريل 2021، فإن الآفاق تحسنت، حيث تجاوزت عائدات السياحة مستويات ما قبل كورونا العام الماضي. كذلك خففت الأمطار مؤخراً المخاوف من موجة جفاف ثانية، كما خفّت الهواجس بشأن النمو في منطقة اليورو، التي تمثل السوق الرئيسية للسلع المغربية والمصدر الأول للسياح إلى المملكة.
لكن هذا لا يعني أن تحديات البلاد قد تبدّدت.
تواجه الحكومة عدم ارتياح شعبي بعد أن امتدّ مؤخراً أعلى معدل تضخم يشهده المغرب منذ نحو 3 عقود إلى سلع أساسية محلية مثل الطماطم والبصل. واحتج آلاف المواطنين هذا الشهر على ارتفاع الأسعار، وتمنوّا على الملك محمد السادس اتخاذ إجراءات قبل حلول شهر رمضان المبارك الذي يبدأ في مارس.
ويحذّر مارك بوهلوند من أن الحكومة تخلت بالفعل عن خطط الإدارة السابقة لناحية الإلغاء التدريجي للدعم على القمح والسكر وغاز الطهي بحلول عام 2024، معتبراً أن استمرار السخط بشأن الأسعار قد يقف في طريق الحصول على خط الائتمان المرن من صندوق النقد الدولي.
في الواقع، قد تسمح عودة المملكة إلى سوق السندات الدولية للحكومة بمواصلة الإنفاق على تلك الإعانات، والتي يقول العديد من المغاربة، مثل عبد العالي النعيمي البالغ من العمر 36 عاماً، إنهم لا يستطيعون الاستغناء عنها.
النعيمي أضاف بحديث مع بلومبرغ: "لم تكن الأمور بهذه الصعوبة على الإطلاق بالنسبة لشخص عادي مثلي" بينما كان يكدس القمامة القابلة لإعادة التدوير في دراجته ذات الثلاث عجلات في منطقة تقطنها الطبقة الوسطى في هرهورة، وهي بلدة ساحلية على المحيط الأطلسي قرب العاصمة الرباط.. متابعاً: "تقترض اليوم لإطعام ذويك، لكن قد ينتهي بك المطاف إلى تجويع بعضهم عندما يحين موعد السداد".