فقر وانشغال جيل الألفية يغير مقاربته لأزمة منتصف العمر

ربما يكون جيل الإنترنت قد حسّن التعامل مع بلوغه منتصف العمر بدل الهلع الذي حكم من سبقهم

time reading iconدقائق القراءة - 14
صورة تعبيرية عن أزمة منتصف العمر - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن أزمة منتصف العمر - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

سيدخل 3.6 مليون أميركي سن الأربعين هذا العام وقد يخرجهم هذا عن أطوارهم إن لم يكن هذا قد بدأ فعلاً.

تبلغ الدفعة الثالثة من جيل الألفية هذه السنّ المفصلية، لكنَّ أفرادها لن يصبحوا متمردين على الأرجح كما كان أهلهم الذين شرعوا في شراء القوارب الفخمة أو سافروا عبر رحلات إلى بالي بعدما استقالوا من وظائفهم في أربعينيات وخمسينيات العمر.

لن يطلّق أبناء جيل الألفية أزواجهم لأنَّ معظمهم لم يتزوج قطّ، ولن يعمدوا لوشم أجسادهم إذ سبق أن وشموها. سيخوض هذا الجيل أزمة منتصف العمر بشكل مغاير تماماً، فقدراتهم المالية لا تتيح لهم الخيار.

بيّن تقرير من المؤسسة البحثية غير الحزبية "نيو أميركا" صدر في 2019 بعنوان: "فجوة الثروة الناشئة لدى جيل الألفية" أنَّ دخل المولودين بين 1981 و1996 أقل بواقع 20% مقارنة مع دخل أبناء جيل طفرة المواليد المولودين بين منتصف أربعينيات وبداية ستينيات القرن الماضي حين كانوا في ذات السن.

كما تظهر بيانات الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس أنَّ أبناء جيل الألفية يملكون أصولاً يبلغ متوسط قيمها 162 ألف دولار مقارنة مع 198 ألف دولار لأبناء "جيل اكس"، أي مَن ولدوا بين منتصف الستينيات حتى أول الثمانينيات، حين كانوا في مثل سنّهم.

جيل أفقر

تضافرت عدّة عوامل ضدّ جيل الألفية لتجعلهم أفقر بكثير من أسلافهم، لعلّ أبرزها أزمة فقّاعة الانترنت وما تلاها من أزمة مالية عالمية في 2008 التي رسمت مدخل أبناء هذا الجيل إلى سوق العمل.

بيّن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أنَّ الناس يحققون 70% من إجمالي نموّ رواتبهم في العقد الأول من حياتهم المهنية، وإذا ما تزامن ذلك مع ركود؛ فستتقلص أجورهم على الأرجح بواقع 9% على المدى الطويل.

كما أشار تقرير صادر عن مركز بحوث التقاعد في 2021 إلى أنَّ معدل الثروة الصافية نسبة إلى الدخل لدى جيل الألفية الذين تتراوح أعمارهم بين 28 و38 عاماً هو الأدنى بين جميع الأجيال السابقة.

في ظلّ تراجع مكاسب هذا الجيل المالية ومدخراتهم، يكثر من يحثهم على خوض مبادرات أجرأ. إذ ينصح عدد متزايد من الخبراء بأن يجد جميع الناس مساراً مهنياً جديداً كلّ 12 عاماً تقريباً.

بلغ عدد الاستقالات في الولايات المتحدة رقماً قياسياً تاريخياً في حقبة الاستقالات العظمى عام 2021. في غضون ذلك، شهد قطاع العافية والعناية الذاتية نموّاً هائلاً، إذ تقدّر قيمته العالمية اليوم بأكثر من 4 تريليونات دولار.

لكن برغم توفر المزيد من أدوات اللياقة البدنية والتقنية في متناول أيدي أبناء جيل الألفية بما فاق أي جيل سبقهم، إلا أنَّ دراسة من شركة "تكنوجيم" (Technogym) شملت 5 آلاف شخص من أبناء جيل الألفية، بينت أنَّ كثيراً منهم يشعر بـ"نقص في العافية"، فربعهم فقط قال إنَّ عافيته "جيدة" أو "ممتازة".

علّق ستيفن مينتز، المؤرخ في جامعة تكساس في أوستن، ومؤلف كتاب (The Prime (of Life: A History of Modern Adulthood بأنَّ أبناء جيل الألفية "يشعرون أنَّهم مأسورون وليسوا سعداء بذلك، لكن لا تتوفر لديهم خيارات كثيرة... لا يمكنهم أن يوقِّعوا شيكاً ثم يقومون بالمضي قدماً".

أزمة منتصف العمر

بيد أنَّ "أزمة منتصف العمر" تعبر عن مفهوم عفا عليه الزمن، إذ مر على استحداثه 58 عاماً. كان عالم النفس إليوت جاك أول من تناول هذه الظاهرة، التي لطالما اختُزلت بسخرية على أنَّها بطن مترهل وشعور بالهلع، ضمن مقال حمل عنواناً كئيباً هو: "الموت وأزمة منتصف العمر" في أميركا. كان ذلك في 1965.

لقد أظهر البحث الذي أجراه جاك حين كان سنه 48 عاماً أنَّ قدرات المبدعين مثل المؤلفين الموسيقيين والفنانين تتراجع بحدّة أو تتغير حين تناهز أعمارهم 35 عاماً.

قال إنَّ دنو المرء من هذا العمر يُحوّل ترقب الوقت من ممارسة متفائلة يحسب الناس فيها سنين عمرهم منذ ميلادهم، إلى ممارسة متشائمة يعدّون فيها ما تبقى قبل وفاتهم.

كان للمقال وقع فوري، فتبعته مجموعة كتب وتغطيات تلفزيونية تناولت أزمة منتصف العمر، لدرجة أن شُكّلت فرقة عمل حكومية للتحقيق في حالات انتحار الرجال في هذا السنّ.

حُدّد أبطال هذه الظاهرة منذ البداية، فبدت أمراً يخصّ الرجال البيض من الطبقة الوسطى. تزامن ذلك مع موجة تحوّلات اجتماعية، لم يعد خلالها يستهجن بشدة تطليق زوجة للارتباط بامرأة تصغرها سناً. فقد ارتفعت نسبة الطلاق بين 1960 و1969 من 2.2% إلى 3.2% انطلاقاً نحو ذروتها في 1980 عند 22.6%.

كما بلغ جموح النزعة الاستهلاكية حدّاً لم تعرفه الأجيال السابقة، فبات شراء سيارة سريعة ينمّ عن سلوك وطني بقدر ما يهدف إلى التباهي. بالتالي؛ لا عجب أنَّ "شيفروليه" طرحت سيارة "كامارو" في 1966.

إنفاق أقلّ

رأى جاك أنَّ الجيل الصامت، أي الأشخاص الذين ولدوا قبل نحو 10 سنوات من الحرب العالمية الثانية، هو أول جيل اختبر أزمات منتصف العمر، وقد حذا حذوهم أبناؤهم من جيل طفرة المواليد حين بلغوا سن الأربعينيات من العمر في ثمانينيات القرن الماضي. بلغ الجيل "أكس" مرحلة منتصف العمر في بداية الألفية، لكنَّ هذه المجموعة التي تشبه فرقة "نيرفانا" شكلاً أضفت نفحة من تمردّها على هذه الظاهرة، فلو أنَّ الممثل "بن أفلك" بلغ الأربعين في ستينيات القرن الماضي، ما كان من المرجح أنَّه سيتخذ وشماً يغطي كامل ظهره.

يقودنا هذا إلى جيل الألفية الذي بلغ اليوم منتصف العمر. قال ميتز: "لقد تفككت خارطة طريق الحياة، فكتيب الإرشادات الذي كان يحدد ما عليك فعله في سن 25 و35 و50 من العمر تبخر".

إذاً كيف يعيد الأربعينيون الجدد تقييم حياتهم؟ عبر تقليل الإنفاق طبعاً. فبدل شراء سيارة جديدة، سيشترون دراجة للتنقل فيما يحافظون على صحتهم ويسعون لإطالة أعمارهم، وبدل أن يخضعوا لجراحة تجميلية، سيستكشفون هواية مثيرة على سبيل المثال.

قال مارك جاكسون، مؤلف كتاب (Broken Dreams: An Intimate History of (the Midlife Crisis: "ثمّة فكرة رائجة بأنَّه ليس ضرورياً أن تكون كبيراً في السنّ في منتصف العمر" وأنَّه بالإمكان الحفاظ على الشباب عبر التمارين الرياضية والسفر.

برغم أنَّ هذه التسالي قد تكون مكلفة "لكنَّ كلفتها أقلّ بكثير من شراء سيارة (بورش) أو (بوغاتي) أو اتخاذ عشيقة".

بفضل المرونة الوظيفية التي أعقبت الوباء، تحوّل السلوك السابق المتمثّل بالتخلّي عن العائلة ليصبح انتقالاً مع أفراد الأسرة برمتها إلى أماكن جودة الحياة فيها أفضل بتكلفة أقل. قال مينتز: "إن كنت ترغب بالانتقال إلى ألاسكا لم يعد هذا محض حلم، إذ يمكنك العمل عن بعد الآن".

تغيير تدريجي

كبديل عن الطلاق، يعيد الكثير من الأزواج النظر بالحياة الزوجية وأسلوب تشاركهم مكان السكن. قال مصمم الديكور الداخلي فرانسيس سلطانا في لندن إنَّ ما يسمّى بـ"غرف الشخير" إشارة لغرفة نوم ثانية باتت سمة رائجة فيما يصممه من منازل لزبائنه المرتبطين منذ فترة طويلة.

أشار إلى أنَّه ينام في غرفة منفصلة عن غرفة شريكة حياته منذ نحو عقد على الأقل. شرح منظوره قائلاً: "هذه طريقة للحفاظ على السعادة، بالأخص إن كانت ساعات عملكما واستيقاظكما متباينة، فضلاً عن أنَّه في الماضي كانت غرف النوم المنفصلة أمراً طبيعياً جداً".

في المقابل، لا يرى كثيرون أي ضرورة لأن يكون التغيير جذرياً. شرحت لوسيا نايت، مديرة "ميدلايف أنستاك" (Midlife Unstuck) التي تصفها بأنَّها شركة متخصصة باستشارات إعادة تصميم المسار المهني في منتصف العمر الأمر قائلةً: "لديك الآن مسؤوليات عديدة لايمكن التخلّي عنها، لذا تتفاوض مع كلّ من المسؤوليات العشر في حياتك لتحقق غايتك".

تعمل نايت مع عملائها لإدخال تعديلات تدريجية على حياتهم بدل أن يعمدوا إلى تغيير كاسح. مثلاً، حوّلت إحدى مديرات المصارف هوايتها في حياكة الكروشيه التي كانت تساعدها على التخفيف من التوتر إلى تجارة جانبية مربحة.

أمّا إحدى الممرضات؛ فقد بدأت تعمل بدوام جزئي كي تتمكن من التسجيل في دورة لتنجيد المفروشات، وهي تفكر بالانتقال للعمل في صناعة الأثاث. قالت نايت إنَّ 40% من عملائها نساء، بالتالي؛ لم تعد هذه الظاهرة "حكراً على الرجال".

من جهتها، قالت أنابيل ريفكين، المؤسسة الشريكة لموقع "ميدلت" (Midult) الموجّه للنساء في منتصف العمر: "لا أعتقد أنَّ أحداً كلّف نفسه عناء دراسة أزمة منتصف العمر لدى النساء في الستينيات... هنَّ نساء لم يتلقين اهتماماً، بالتالي؛ كنّ يقمن بردّات فعل، وليست مبادرات".

التحكم بالوقت

تفضّل ريفكين استخدام مصطلح "مفترق طريق منتصف العمر" على أمل أن يتيح ذلك توسيع الحوار الذي يتناول هذه المرحلة الحياتية بما يتخطى العلاقات خارج الزواج والانفصال عن الشريك والقدرة على إنفاق الأموال.

بالنسبة لجيل الألفية؛ فإنَّ بلوغ منتصف العمر ليس مدعاة للهلع، فعدم امتلاك ما يكفي من المال لتغير حياتك جذرياً ربما هو أمر يحررك، بحسب بعض المختصين. إذا كانت هذه الأزمة تنبع فعلاً من رغبتك في تأكيد قدرتك على التحكم في ظروفك ومصيرك، فثمة عامل واحد يمكن للجميع التحكم به؛ ألا وهو الوقت.

الكاتبة سارة نايت، التي بلغت أعمالها قائمة "نيويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعاً، وألفت سلسلة كتيبات تطرقت فيها إلى عدم الاكتراث كسبيل لتغيير جوانب من الحياة، ترى أنَّنا نعتبر وقتنا وطاقتنا وأموالنا نقوداً عاطفية، ونبني على أساسها "ميزانية اكتراث" تخصنا.

نصحت قائلة: "أنفقوا ميزانية الاكتراث التي تخصكم على الأمور والأشخاص الذين يجلبون لكم السعادة أو على الأقل على من يقدمون لكم نوعاً من الخدمات، وارفضوا إنفاقها على الأمور التي لا تجلب ذلك".

دعت لاستبدال "نعم بالتأكيد" كجواب على كل ما يُطلب منكنَّ بعبارة: "سأفكر بذلك ثمّ أجيبكم". إذ يجب التوقف عن التفكير بالحاجة لتبرير رفض بعض الأمور مثل تلبية دعوة ما أو قبول موعد عاطفي أو عرض عمل.

قالت: "إنَّكم غير مدينين لأحد بتبرير سوى أن تقولوا: لا شكراً". ولا ضرورة للقلق حيال ما إذا كان الآخرون يعتبرونكم لطفاء. أضافت: "إن كنتم صادقين مع أنفسكم ومهذبين، فكونوا على يقين بأنَّكم لم تُخطئوا".

امتداد مرحلة منتصف العمر

ترى ريفكين من موقع "ميدلت" أنَّ مرحلة منتصف العمر فترة "تُنجَز فيها الأمور"، وأنَّها السن التي تتوقف فيها النساء عن الإذعان للآخرين. قالت: "لا أملك مالاً كثيراً وشهيتي مفتوحة على الحياة، أعتقد من هنا تنشأ قدرة متجددة كي أقول: لا أكترث".

شرح جاكسون، مؤلف كتاب (Broken Dreams) أنَّه لدى طرح مفهوم أزمة منتصف العمر للمرّة الأولى "كان يُنظر إليها على أنَّها فترة احباط"، لكنَّ توقُّعاتنا باتت مختلفة تماماً. قال: "إنَّنا معتادون على تغيير الوظائف وعلى التأخر بالزواج والإنجاب، كما أنَّنا ننجب أطفالاً أقل ونعيش حياة أطول، بالتالي؛ أصبحت مرحلة منتصف العمر مديدة".

سيسهم تمدد هذه المراحل طولاً في إعادة ضبط إيقاع أزمة منتصف العمر من الآن فصاعداً. فبدل أن تكون عبارة عن لحظة واحدة تُقلب فيها الطاولة للانطلاق في حياة جديدة، يرى جاكسون أنَّ التوجه الجديد يقوم على إعادة تقييم مستمرة وهادئة وعلى تكرار ذلك، مما يتيح لجيل الألفية والأجيال التي ستأتي بعده إعادة النظر في حياتهم دون تغييرها بالكامل.

ستبلغ أول دفعة من "الجيل زد" ممن ولدوا بين منتصف تسعينيات القرن الماضي ونهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، سنّ الأربعين في 2037، وترى ريفكين أنَّنا قد لا نلاحظ ذلك حينئذ. قالت: "يمر الجيل (زد) بأزمة هوية كلّ عشر دقائق، لذا لم تعد هناك القواعد الكثيرة التي تحدد متى نعيد النظر في حياتنا".

تصنيفات

قصص قد تهمك