إعادة شراء الأسهم.. قوة تريليونية في السوق الأميركية

الشركات تلجأ لتلك الآلية لدفع ضرائب أقل.. والمنتقدون يتهمونها بعرقلة نمو الاقتصاد

time reading iconدقائق القراءة - 20
متداولون يعملون داخل مقر بورصة نيويورك في مدينة نيويورك، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
متداولون يعملون داخل مقر بورصة نيويورك في مدينة نيويورك، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تخيل أنك الرئيس التنفيذي لشركة ضخمة مدرجة في البورصة، وأنك تود رؤية أسهمك ترتفع لإسعاد المساهمين وتبرير العلاوات الكبيرة. أحد الخيارات المتاحة أمامك هي استثمار أرباحك في تطوير منتجات جديدة أو بناء المصانع أو فتح المتاجر، لكن تعزيز أسعار أسهم شركتك بهذا الشكل أمر صعب. فمن الأسهل بكثير أن تشتري الشركة ذاتها أسهمها.

أصبحت عمليات إعادة شراء الأسهم -كما تُعرف عالمياً- أكبر مصدر للطلب على الأسهم في الولايات المتحدة، كما تخطى حجمها أكثر من تريليون دولار لأول مرة في 2022.

لكن مستقبل هذه العمليات أصبح أكثر غموضاً الآن بعد موافقة الكونغرس الأميركي على مشروع قانون يفرض ضريبة على عمليات إعادة شراء الأسهم. وربما تكون إحدى تبعات هذه الخطوة هي زيادة توزيعات الأرباح، أي ما تدفعه الشركات للمساهمين بشكل مباشر.

1) ما مدى ضخامة عمليات إعادة شراء الأسهم؟

كانت الأعوام الماضية من بين الأكثر نشاطاً من حيث عمليات إعادة شراء الأسهم حسب السجلات، وفقاً لـ"ستاندرد أند بورز داو جونز إنديسيس" (S&P Dow Jones Indices). فالشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" التي تمتعت بمستويات سيولة نقدية كبيرة ناتجة عن إقرار تخفيضات ضريبية في 2017 أعادت شراء أسهم بقيمة 806 مليارات دولار في 2018، مسجلة بذلك رقماً قياسياً جديداً آنذاك.

ورغم انخفاض حجمها في 2019 و2020، حققت عمليات إعادة شراء الأسهم رقماً قياسياً جديداً بلغ 882 مليار دولار في 2021، قبل أن يصل لـ1.26 تريليون دولار في 2022.

كما أُعلن في يناير الماضي عن عمليات إعادة شراء مخطط لها بقيمة 132 مليار دولار، أي أكثر من 3 أضعاف مستوى العام السابق. وبالنسبة للشركات المدرجة في المؤشرات، فقد تخطت عمليات إعادة الشراء حجم توزيعات الأرباح في كل فصل منذ 2010، باستثناء فصلين.

2) ما سبب تغير المشهد حالياً؟

كلمة السر وراء ذلك هي قانون خفض التضخم، الذي أقرّه الرئيس الأميركي جو بايدن في 2022، وشمل رسوماً ضريبية بواقع 1% على قيمة عمليات إعادة شراء الأسهم التي تقوم بها الشركات.

فهناك قواعد معقدة بشأن ما يمكن اعتباره عملية إعادة شراء خاضعة للضريبة، لكن البعض يرون أن ذلك الإجراء سيعزز الجاذبية النسبية لتوزيعات الأرباح، التي تخضع للضريبة عند صرفها.

ويُرجّح أن يدخل الإجراء حيز التنفيذ في 2023، وتتوقع لجنة الكونغرس المشتركة المعنية بالضرائب أن يؤدي تطبيقه إلى جمع 74 مليار دولار على مدى السنوات الـ10 المقبلة.

3) لِم أصبحت عمليات إعادة الشراء هدفاً للانتقادات؟

على مدى عدة سنوات وجّه قطاع عريض من الساسة انتقادات لإعادة شراء الشركات لأسهمها. وأطلق زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، على هذه العمليات وصف "أحد أكثر الأنشطة التي تخدم المصالح الذاتية للشركات الأميركية".

كما أوضح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في 2018 عدم رضاه عن الشركات التي استخدمت أموالاً توفرت لها نتيجة التخفيضات الضريبية التي أقرها خلال 2017، لإعادة شراء أسهمها بدلاً من بناء مصانع محلية.

خلال نقاش في 2020 بشأن المساعدات المخصصة للإغاثة خلال جائحة كورونا، ذكرت السيناتور إليزابيث وارن، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، أن أكبر 5 خطوط طيران أميركية –وهي ما تستهدفه أموال حزم الإنقاذ الحكومية بشكل رئيسي– أنفقت 96% من سيولتها النقدية المتاحة لإعادة شراء أسهمها على مدار العقد الماضي.

4) كيف تضخمت عمليات إعادة الشراء لهذه الدرجة؟

على خلفية مسعى الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، لتحرير قطاع الشركات في ثمانينيات القرن الماضي، جرى تخفيف القيود على عمليات إعادة الشراء ومنح المديرين التنفيذيين ملاذاً آمناً من اتهامات التلاعب بأسعار الأسهم، كما ظهرت ثقافة "قيمة المساهمين".

أظهرت موجة من عمليات الاستحواذ العدائية خطورة احتفاظ الشركات بسيولة نقدية كبيرة. كما نما الرابط بين مكافآت المديرين وأداء الأسهم، للمواءمة بين حوافزهم ومكاسب المساهمين. وكانت النتيجة ازدهار عمليات إعادة الشراء، التي تُموَّل عادة من خلال الاقتراض المتزايد.

5) هل اقترضت الشركات لشراء الأسهم؟

نعم، فعلى سبيل المثال؛ أصدرت "ميتا بلاتفورمز" سندات بقيمة 10 مليارات دولار خلال أغسطس الماضي في أول صفقة من نوعها تبرمها الشركة، وهي خطوة يُرجّح أن تدفع الشركة لعمليات أكبر لإعادة شراء الأسهم مستقبلاً.

من منظور عالمي لعهد الرئيس "ريغان"، يُعد ذلك أمراً جيداً، حيث جعلت التخفيضات الضريبية من السندات وسيلة أقل تكلفة للتمويل، كما تسنى للمديرين التنفيذيين التركيز على توليد مزيد من السيولة المالية بسبب الحاجة لسداد مدفوعات فوائد منتظمة.

على مدار العقود القليلة التي تلت ذلك، انقلبت مهمة سوق الأسهم المعروفة –وهي جمع المال للمشروعات التجارية– رأساً على عقب، وتحولت الأسهم إلى حد كبير أداة لرد الأموال إلى المساهمين. كما أن أي زيادة في سعر السهم ناتجة عن عملية إعادة شراء شركة لأسهمها لا تخضع للضرائب طالما لم تُبع الأسهم، كما أن المكاسب الرأسمالية عادة تخضع لضرائب أقل من تلك التي تخضع لها توزريعات الأرباح.

6) ما فائدة عمليات إعادة الشراء بخلاف زيادة ثروة المساهمين؟

وفقاً لأنصار إعادة شراء الأسهم، تظهر فائدة هذه العمليات إذا لم يرَ المديرون فرصة أفضل لاستثمار مدر للأرباح، لو لم يقتنصوا مثل هذه الفرص. لذا؛ تُعتبر عمليات إعادة شراء الأسهم أداة جيدة لتوجيه الأموال بعيداً عن المديرين التنفيذيين الذين قد ينفقونها على مشروعات واستثمارات قائمة على المضاربة بخلاف ذلك.

وفقاً لبيانات أعدها "غولدمان ساكس"، تساهم عمليات إعادة الشراء في دعم صعود الأسواق؛ فعلى مدار السنوات الـ7 الماضية، مثلت صافي مشتريات الشركات لأوراقها المالية أكبر مصدر للطلب على الأسهم، مقارنة بفئات المستثمرين الأخرى، من المعاشات إلى صناديق الاستثمار والأسر.

كما تهدئ هذه العمليات مخاوف المستثمرين النشطين، الذين يلحّون في المطالبة بالحصول على جزء من السيولة النقدية التي تكتنزها الشركات.

7) ما حجة الفريق المعارض؟

استهلكت هذه المكاسب التي يحصل عليها المساهمون موارد كان بإمكان الشركات توظيفها بشكل مختلف، مثل التوسع أو تعيين موظفين جدد أو تقديم علاوات.

تخطت عمليات إعادة الشراء حجم النفقات الرأسمالية على مدار السنوات الـ5 حتى 2017، فيما ثبتت الأجور فلم يطرأ عليها تغيير يذكر، وظلت حصة العاملين من دخل الأعمال قرب مستويات منخفضة قياسية. ودفع ذلك بعض النقاد لاعتبار أن مثل هذه العمليات أضرت بالنمو الاقتصادي على المدى الطويل وفاقمت مشكلة عدم المساواة.

يقول فريق آخر من النقاد إن الاستخدام واسع النطاق لعمليات إعادة الشراء ليس في مصلحة المساهمين أنفسهم. نظراً لارتباط أغلب مكافآت كبار المديرين بأسهم الشركة، كما يستغل المديرون عادةً ارتفاع سعر السهم عند الإعلان عن عملية إعادة شراء، لبيع بعض الأسهم التي حصلوا عليها من خلال مكافأتهم ببعض الأسهم أو خيارات الأسهم.

كما تُسهِّل أسعار الفائدة التي انخفضت لمستويات قياسية التوسع في الاقتراض لذلك الغرض، ما قد يترتب عليه حدوث أضرار حال نضوب تدفقات السيولة المالية.

8) هل تظهر تلك المشكلة في مناطق أخرى؟

على الرغم من تصدر الولايات المتحدة المشهد في كل من حجم عمليات إعادة الشراء وشدة التدقيق السياسي، إلا أن هذه الممارسة معروفة في دول أخرى. كان 2021 عاماً متميزاً لعمليات إعادة الشراء في أوروبا، إذ وصل إجماليها إلى 204.9 مليار دولار، وهو الأعلى منذ 2008، بعد فترة سكون بسبب الجائحة.

لكن تُعد النظرة المستقبلية للعام الجاري أكثر ضبابية على خلفية ركود محتمل، حيث أظهرت بيانات من بنك "باركليز" إنفاق الشركات 31 مليار دولار لإعادة شراء أسهمها في الربع الأول من 2022، وهو أدنى معدل منذ نهاية 2020.

كذلك ربما تزداد صرامة الجهات التنظيمية أيضاً في التعامل مع الأمر، خصوصاً مع شركات الطاقة التي سجلت أرباحاً أضخم من المعتاد بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز.

قالت شركة "غلينكور"، إحدى أكبر المستفيدين من أزمة الطاقة العالمية، في أغسطس الماضي إنها ستعيد شراء أسهم إضافية بقيمة 3 مليارات دولار. لكن المحللين الاستراتيجيين يحذرون من أن الخطط الضخمة لإعادة شراء الأسهم قد تدفع الحكومات لفرض ضرائب على الأرباح المفاجئة.

على الجانب الآخر، رفعت إيطاليا في مايو الماضي الضرائب على الأرباح المفاجئة لشركات الطاقة إلى 25% بعدما كانت 10%، كما قالت إسبانيا في أغسطس إنها تدرس فرض ضرائب مشابهة على شركات الطاقة والبنوك.

على صعيد آخر، سعت مجموعة "سوفت بنك" هي الأخرى في أغسطس للتخفيف من وطأة صافي خسارتها الفصلية القياسية، البالغة 3.16 تريليون ين ياباني (23.4 مليار دولار)، بالإعلان عن عملية إعادة شراء أسهمها بقيمة 3 مليارات دولار.

تصنيفات

قصص قد تهمك