تحتدم المعركة المريرة بين مجموعة "أداني" (Adani Group) ومؤسسة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenberg Research)، التي اشتعلت في المقام الأول بعد اتهام المؤسسة لقطب الأعمال الهندي، غوتام أداني، بإدارة "أكبر عملية احتيال في تاريخ الشركات"، فيما ردت عليها المجموعة بتصريحات ذات لهجة دراماتيكية تفند فيها مزاعم المؤسسة، وأطلقت على مسؤولي "هيندنبرغ" – ومقرها نيويورك – اسم "محتالي مانهاتن" (Madoffs of Manhattan)، كما وصف "أداني" تقرير المؤسسة التي تحقق في جرائم الشركات بـ"الهجوم الممنهج على الهند، وقصة نموها وطموحها".
بعيداً عن حقيقة أن ناثان أندرسون، مؤسِس "هيندنبرغ"، عمل سابقاً مع هاري ماركوبولوس، المحلل المسؤول عن كشف خطة بيرني مادوف الاحتيالية لسرقة ما يصل إلى 65 مليار دولار من المستثمرين. وإن كان ذلك يعني أي شيء؛ فهو يضع أندرسون ضمن صفوف من تصدوا لمادوف وليس العكس.
رغم مسارعة "هيندنبرغ" للرد على تفنيد مجموعة "أداني" لاتهاماتها، قائلة إنها لم ترد على "62 من أصل 88 من أسئلتها"، لابد من التفكير أيضاً فيما قد تركز عليه المؤسسة لاحقاً لاستمالة المستثمرين، وإقناع عقولهم، والفوز بأموالهم.
مزاعم "هيندنبرغ"
رغم تمتع "هيندنبرغ" بسمعة جيدة في الدوائر المالية بمدينة نيويورك، إلا أنها لم تحقق نجاحاً مدوياً في آسيا بأي حال من الأحوال.
كما استطاعت تكتلات أخرى، مثل مجموعتي "إتش إن إيه" (HNA) الصينية و"تشاينا إيفرغراند"، النجاة من هجمات كبيرة استمرت لسنوات شنتها عليهم شركات متخصصة في البيع على المكشوف، وفشلت تلك التكتلات فقط عندما لم يعد التيار السياسي مواتياً لها.
أحد الاتهامات الرئيسية التي وجهتها المؤسسة البحثية لمجموعة "أداني" هي التلاعب بالأسهم. فوفقاً لـ"هيندنبرغ"، تملك مصادر "أداني" -التي تتيح له الوصول لمعلومات غير متاحة للجمهور- أكثر من 75% من 4 شركات تابعة مدرجة في البورصة، وذلك بمساعدة شركات وهمية في الخارج، ما يستدعي شطبها من البورصة وفقاً لقوانين الأوراق المالية في الهند. لكن ذلك الاتهام وحده ليس كافياً لإقناع المستثمرين الذين يقررون حالياً مصير حيازاتهم في مجموعة "أداني".
من هو غوتام أداني وبماذا تتهمه شركة "هيندنبرغ"؟
على سبيل المثال، اشتكى المستثمرون الأجانب لسنوات من محدودية الأسهم المتاحة للتداول، والملكية المُركَّزة في شركة "إيفرغراند" المدرجة في بورصة هونغ كونغ، ما جعل من الصعب عليهم بيع أسهم شركة التطوير العقاري على المكشوف، لكن كل هذه الشكاوى لم تجد رد الفعل المرجو منها.
شكوى المستثمرين
تعثرت "إيفرغراند" فقط عندما هددت السلطات بالتدخل، ما دفع البنوك المحلية لإيقاف إقراض المطوّر العقاري. سيعتمد الأمر بذلك كلياً على ما إذا كانت "هيندنبرغ" تملك ما يكفي من النفوذ على المستوى العالمي لإغلاق على الأقل إحدى القنوات الرئيسية التي يقترض أداني من خلالها.
تحتاج الشركات الصناعية عادة إلى رأس مال هائل، وإذا لم تستطع إعادة التمويل؛ قد تلقى مصيراً سيئاً حتى لو كان أداؤها أداءً جيداً.
أعلنت 5 من أصل 7 شركات مدرجة تابعة لـ"أداني" معدلاتها الحالية للأصول مقابل الالتزامات عند أقل من 1، ما يشير إلى أنه ليس لديها ما يكفي من الأصول السائلة لتغطية التزاماتها على المدى القصير. ويعني ذلك أن قدرة "أداني" على إعادة تمويل الدَّين أصبحت على قدر أكبر من الأهمية.
لماذا يصعب بيع أسهم "أداني" المدرجة في الهند على المكشوف؟
ربما يكون لاتهامات "هيندنبرغ" تأثير أكبر على المستثمرين فيما يخص إعادة تمويل مجموعة "أداني"، حيث إن 30% من قروض المجموعة مقوّمة بعملات أجنبية، ولديها سندات دولارية قائمة بأكثر 10 مليارات دولار، كما تملك قاعدة مستثمرين تشمل شركات عالمية لإدارة الأصول مثل "لورد أبيت آند كو" (Lord Abbett & Co) و"بلاك روك" و"غولدمان ساكس"، وفقاً لبيانات بلومبرغ.
جدارة "أداني" الائتمانية
هبطت بالفعل بعض إصدارات السندات الدولارية إلى مستويات التعثر، بما فيها تلك الخاصة بـ"أداني إلكتريسيتي مومباي" (Adani Electricity Mumbai)، وهي شركة تابعة للمجموعة كانت تتمتع بتصنيف الدرجة الاستثمارية، في إشارة إلى مخاوف السوق المتزايدة بشأن جدارة "أداني" الائتمانية.
كما تسبب تقرير "هيندنبرغ" في هبوط جديد للسندات التي بدأت في التدهور خلال سبتمبر الماضي، بعدما نشرت وحدة "كريدت سايتس" (CreditSights) التابعة لمجموعة "فيتش" (Fitch Group) تقريراً يثير المخاوف بشأن الرافعة المالية.
الملياردير أداني يسدد قروضاً بـ1.1 مليار دولار قبل موعد استحقاقها
قد يُشعر هذا متداولي السندات العالميين بالقلق، خاصة وأن انهيار شركة "إيفرغراند" المدوي ما يزال حاضراً في أذهانهم. فعلى سبيل المثال؛ تصنيف "أداني بورتس أند سبيشال إيكونوميك زون" (Adani Ports & Special Economic Zone)، التي تُعد أكبر جهة مُصدِّرة للسندات الدولارية، هو (BBB-)، أي أدنى تصنيفات الدرجة الاستثمارية.
مخاوف من التداعيات
السؤال الآن هو: ماذا لو خفضت وكالات التصنيف الائتماني ديون الشركة إلى ما دون الدرجة الاستثمارية، بسبب اعتقادها أن موجات البيع في السوق يمكنها عرقلة خيارات التمويل، مثلما فعلت مع مطوّري العقارات في الصين؟ قد يتسبب ذلك الخوف وحده في تخارج مشتري السندات.
حتى الآن، يرتبط الرهان على بيع أسهم مجموعة "أداني" على المكشوف بأداء الأسهم نفسها إلى حد كبير. ولكن في ضوء ما حدث مؤخراً مع مطوري العقارات في الصين، يمكن القول إن تداعيات انهيار المجموعة قد تنتشر في جميع أرجاء أسواق الائتمان بسرعة.
إذا لم تتم تلبية ولو طلب واحد لتغطية الهامش على الأسهم المرهونة، أو انخفض التصنيف الائتماني، سينهار كل شيء. حتى ذلك الحين، ما يزال على "هيندنبرغ" بذل مزيد من الجهد لإقناع الناس بصحة اتهاماتها للمجموعة.