بلومبرغ
دخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في جولة جديدة من السباق للوصول إلى البيت الأبيض في وقت يواجه عدداً كبيراً من المشكلات القانونية، والتي تتضمن تحقيقاً جنائياً في مدينة نيويورك أدى الآن إلى توجيه لائحة اتهام له. ويمكن أن تشتّت هذه القضايا الانتباه عن حملته الانتخابية، وتكشف أموراً غير مواتية قد تعكر صفو أي مرشح رئاسي. ومع ذلك، فإن ترمب ليس مرشحاً سياسياً عادياً، ويمكن للتدقيق القانوني أن يعزز روايته المفضلة بأن الإدارة الديمقراطية الحالية، وبيروقراطية "الدولة العميقة"، تستهدفانه بشكل غير عادل. ومن جانبه سلّم ترمب نفسه للسلطات ودفع ببراءته في قضية نيويورك الجنائية في 4 أبريل الجاري.
1) ما قضية نيويورك؟
يتعلق التحقيق الذي أجراه مكتب المدعي العام في مانهاتن، ألفين براغ، بما إذا كان ترمب وشركته زوّرا السجلات لإخفاء مدفوعات عشية انتخابات عام 2016 لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز، بهدف منعها من الكشف عن علاقتها المزعومة مع الرئيس الأميركي السابق (نفى ترمب هذه القضية). واعترف المحامي السابق لترمب ووسيطه مايكل كوهين، وهو لاعب رئيسي في المخطط المزعوم، أنه سهّل المدفوعات وتم تعويضه من قبل منظمة ترمب لدفع الأموال إلى دانيلز. أقر كوهين بالذنب في تهم تمويل الحملات الفيدرالية وانتهاكات أخرى في عام 2018 وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. ورّط كوهين ترمب في مناشدته -التي أشارت إلى ترمب باسم "فرد-1"- لكن المدعين الفيدراليين قرروا عدم توجيه اتهامات ضد شخص كان يشغل منصب رئيس الولايات المتحدة حينها.
2) ما القضايا القانونية الأخرى ضده؟
يواجه ترمب اتهامات جنائية محتملة من قبل وزارة العدل الأميركية، بشأن وثائق سرية عُثر عليها في منزله في "مار إيه لاغو" بولاية فلوريدا، حول دوره في أعمال شغب الكابيتول التي وقعت في السادس من يناير، ومن المدعي العام في أتلانتا بخصوص محاولاته تغيير نتائج انتخابات جورجيا عام 2020، وكذلك من هيئة محلفين كبرى في نيويورك في ما يتعلق بأي دور ربما يكون قد لعبه في دفع مبالغ مالية لممثلة إباحية كي تتكتم عن علاقة معه عشية انتخابات عام 2016.
على الجانب المدني، تشمل العقبات التي قد تعترض طريقه دعوى قضائية رفعتها المدعية العامة في نيويورك ليتيتيا جيمس تتهمه فيها هو وثلاثة من أبنائه بالتلاعب بقيمة أصول شركته لسنوات بغية خداع البنوك وشركات التأمين.
3) هل يبطل أي من تلك القضايا ترشحه للرئاسة؟
على الأرجح لا. فالمادة الثانية من الدستور الأميركي، التي تحدّد مؤهلات رئيس البلاد، لا تذكر شيئاً عن الاتهامات أو الإدانات الجنائية. ويرى معارضو ترمب طريقين محتملين للطعن في أهليته. أحدهما قانون فيدرالي يمنع إزالة السجلات الحكومية أو إتلافها، وينص على أن أي شخص مدان بارتكاب جريمة غير مؤهل لتقلّد منصب فيدرالي. ويمكن أن ينطبق ذلك على ترمب -وهذا أمر مهم- إذا اتُّهم وأُدين لأخذه وثائق سرية من البيت الأبيض. أما الطريق الآخر، فهو التعديل الـ14 للدستور الأميركي، والذي يقول إنه لا يمكن لأي شخص أن يشغل مقعداً في الكونغرس أو يتقلد "أي منصب مدني أو عسكري"، إذا "انخرط في عصيان أو تمرّد".
صوّتت لجنة بمجلس النواب الذي يقوده الديمقراطيون -والتي حقّقت في أحداث الشغب بالكابيتول في 19 ديسمبر- لصالح التوصية بأن تتّهم وزارة العدل ترمب بالتمرّد وجرائم أخرى. (مع ملاحظة أن الإحالات الجنائية من الكونغرس ليس لها تأثير قانوني بمفردها). وبالإضافة إلى ذلك، قالت اثنتان من جماعات الضغط، إنهما سترفعان دعوى للتأكد من أن الحظر الوارد في التعديل الـ14، سينطبق على ترمب.
4) هل تضرّ به هذه القضايا سياسياً؟
في استطلاع أجراه معهد "ماريست بول" في أغسطس الماضي، قال 47% من الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع إن ترمب فعل شيئاً غير قانوني أو غير أخلاقي، ويجب توجيه اتهامات إليه. لكن أنصار ترمب أثبتوا أنهم لا يتزعزعون عن وفائهم له. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "سيينا كوليدج" (Siena College) بالتعاون مع صحيفة "نيويورك تايمز" في سبتمبر، أن 44% من استُطلِعت آراؤهم ينظرون إلى ترمب نظرة إيجابية، وهي نسبة تماثل حجم شعبيته في السنوات القليلة الماضية.
دأب ترمب على تصوير أن الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّه، والتحقيقات في سلوكياته وتصرفاته، ذات دوافع سياسية، واصفاً إياها بأنها "خداع" و"حملة شعواء". كما باتت اللافتات التي تدعو إلى إلغاء تمويل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وإقالة وزير العدل ميريك غارلاند، منتشرة بين مؤيديه.
5) ما وضع القضايا الجنائية الأخرى؟
- قال مكتب التحقيقات الفيدرالي إنه عثر في مار إيه لاغو على 11 مجموعة من الوثائق تحمل علامات السرية بدرجاتها المختلفة، وبعضها عليه علامة "سري جداً". وفي مذكرة التفتيش، قال عملاء (ضباط) المكتب إنهم يحققون في انتهاك محتمل لقانون التجسس -ما يجعل إزالة معلومات عن الدفاع الوطني أو إساءة استخدامها جريمة- إلى جانب إعاقة سير العدالة وانتهاك قانون يحظر نقل السجلات الحكومية أو إتلافها. وبعد أيام من إعلان ترمب ترشحه، عمد غارلاند إلى تعيين جاك سميث، الرئيس السابق لقسم النزاهة العامة في وزارة العدل، مستشاراً خاصاً لتولي التحقيقات ذات الصلة بترمب.
- في جورجيا، يحقّق المدعي العام لمقاطعة أتلانتا، فاني ويليس، فيما إذا كان ترمب قد انتهك القانون في محاولاته لتغيير نتائج تصويت الولاية لعام 2020. وكان ترمب حث سكرتير ولاية جورجيا، براد رافنسبرغر، في اتصال هاتفي في الثاني من يناير 2021، على أن "يجد" له 11780 صوتاً، وهو ما يزيد بصوت واحد على فارق الأصوات التي فاز بها جو بايدن عليه في الولاية. وانتهت هيئة محلفين كبرى خاصة استمعت إلى الأدلة في القضية من عملها، من خلال تقديم تقرير إلى ويليس، الذي سيقرر ما إذا كان سيوجه اتهامات إلى ترمب.
- يحقق مكتب المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، ألفين براغ، فيما إذا كان ترمب وشركته زوّرا سجلات لإخفاء مدفوعات لممثلة الأفلام الإباحية، ستورمي دانيلز، بهدف منعها من كشف علاقتها المزعومة مع ترمب. (نفى ترمب هذه العلاقة). واعترف محامي ترمب السابق ووسيطه مايكل كوهين، وهو طرف رئيسي في المخطط المزعوم، بأنه سهّل أمر المدفوعات قبل أن تعوّضه "مؤسسة ترمب" (Trump Organization) عن دفع الأموال إلى دانيلز. وأقرّ كوهين بالذنب في تمويل الحملات الانتخابية وغيرها من المخالفات في 2018، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
- في السادس من ديسمبر، وبعد محاكمة استمرت أسابيع، أُدينت وحدتان من شركته العائلية "مؤسسة ترمب"، بالتورط في مخطط تهرب ضريبي على مدى 13 عاماً. أدانت هيئة محلفين في مانهاتن الوحدتين بكل التهم السبع عشرة الموجهة لهما، بما في ذلك التخطيط للنصب، والتآمر ، والاحتيال الضريبي الجنائي، وتزوير سجلات تجارية. أما ترمب نفسه، فلم تُوجّه إليه تهمة. وفُرضت غرامة على الوحدتين بقيمة 1.6 مليون دولار. وفي ظل وجود جريمة في سجلها، قد تُمنع "مؤسسة ترمب" من إبرام مزيد من العقود مع الوكالات الحكومية، وقد تواجه مشكلة في التعامل مع البنوك. وقال محامو كلتا الوحدتين إنهم سيستأنفون على الحكم.
5) ما وضع القضايا المدنية؟
- ربما تكون الدعوى المدنية التي رفعتها المدعية العامة في نيويورك على ترمب وثلاثة من أبنائه، بزعم تضخيم قيمة أصول شركته العقارية، أكبر تهديد لثروة الرئيس السابق، فضلاً عن صورته كرجل أعمال ناجح. وتسعى ليتيتيا جيمس إلى تغريمه 250 مليون دولار، وفرض حظر دائم على قيامه وأبنائه الثلاثة بأعمال تجارية في نيويورك. ونجحت بالفعل في الفوز بأمر من المحكمة، يقضي بتعيين مراقب مستقل للإشراف على "مؤسسة ترمب"، وهي خطوة قد تؤدي إلى تدقيق لم يسبق له مثيل في الشؤون المالية للرئيس السابق.
- رفعت إي. جين كارول، كاتبة العمود الإرشادي في مجلة "نيويورك" دعوى اعتداء على ترمب، تتهمه فيها بأنه اغتصبها في غرفة تبديل الملابس بمتجر متعدد الأقسام في التسعينيات. ورُفعت الدعوى بموجب قانون (الناجين البالغين) الجديد في نيويورك، والذي رفع قانون التقادم لمدة عام واحد في الدعاوى المدنية المتعلقة بالجرائم الجنسية. وكان ترمب يواجه بالفعل محاكمة محتملة في دعوى تشهير رفعتها كارول بسبب تعليقاته، عندما وجهت اتهامها للمرة الأولى في عام 2019، بأن كارول "ليست من النوع الذي يروق له"، وأنها اختلقت الادعاء لزيادة مبيعات كتابها. ويقول ترمب إنه محمي من المسؤولية في تلك الدعوى، لأنه كان موظفاً حكومياً يضطلع بعمل رسمي عندما نفى ادعاء كارول. وفي دعوى الاعتداء التي رفعتها، أدرجت كارول ادعاءً جديداً بالتشهير ضد ترمب، بناءً على منشور على وسائل التواصل الاجتماعي كتبه بعد ترك منصبه.
- يواجه ترمب وشركته وأبناؤه الثلاثة الأكبر سناً، دعوى قضائية جماعية رفعها في 2018 أربعة مستثمرين ادعوا أنهم تعرّضوا للخداع من خلال ترويج ترمب لهاتف مرئي لم يُكتب له النجاح، ودفعوا آلاف الدولارات ليصبحوا بائعين مستقلين مع شركة "إيه سي إن أوبورتيونيتي" (ACN Opportunity)، والتي كانت تبيع ذلك الهاتف الذي وصفه ترمب بأنه "الشيء الكبير القادم". وجعل ظهور الهواتف الذكية الناس يتخلّون عن هذا النوع من الأجهزة، لتصبح متقادمة عفا عليها الزمن. وخضع ترمب للمساءلة في أكتوبر.
- رفع 12 نائباً ديمقراطياً دعوى قضائية على ترمب، متهمين إياه بإثارة أعمال الشغب في واقعة السادس من يناير. كما رفع العديد من ضباط شرطة الكابيتول، دعوى قضائية عليه بسبب إصابات جسدية وإساءات عنصرية تعرّضوا لها خلال ذلك اليوم. وطعن ترمب على هذه القضايا في سبيل رفضها.
- رفعت ماري ترمب، ابنة شقيق الرئيس السابق، دعوى قضائية عليه وعلى شقيقه الراحل وأخته الكبرى، بزعم احتيالهم لحرمانها من نصيبها في ثروة العائلة. فاز دونالد ترمب برفض الدعوى في 14 نوفمبر، لكن ماري تسعى لإعادة إحياء القضية من جديد.
- رفعت مجموعة من ناخبي ميشيغان، دعوى قضائية على ترمب وحملته لإعادة انتخابه لفترة ثانية في 2020، بسبب قمع جماعي للناخبين، لا سيما ذوي الأصول الأفريقية. وحصل ترمب على موافقة جزئية على رفض القضية، غير أن مجموعة ميشيغان طلبت مزيداً من الوقت لتقديم شكوى ثانية.