لم يأت وقت أفضل من هذا للشماتة بالمليارديرات

"القصاص الأعظم" يزلزل عروش أباطرة التقنية مثل ماسك وزوكيربيرغ في 2022

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بقلم: Max Chafkin

انتهى إيلون ماسك عن سعيه للتنصل من شراء "تويتر" في أواخر مايو ليتفرغ لعرض وجهة نظره حول الأداء الاقتصادي للبلاد. توقع الملياردير المثير للجدل أن تنجرف الولايات المتحدة صوب الركود دونما قلق حيال ذلك. لقد كتب عبر "تويتر": "إن هذا أمر جيد حقاً... لقد أغدق اقتصادنا كثيراً من المال على الخرقاء لفترة طويلة. لذا يتعين حصول بعض الإفلاسات".

اشتهر ماسك بعدم دقة توقعاته، وهو أمر يدركه جيداً كل من ينتظر تجربة شاحنات "تسلا" الكهربائية الصغيرة التي تأخر موعد طرحها لسنوات، أو أن ينتقل بسرعة تناهز 1000 كيلومتر في الساعة على متن قطاراته التي لم يوجدها بعد.

كما ثبت فشل توقعات الملياردير الأميركي حول موضوعات مثل التفشي الوبائي حين أكد دنو خلو الولايات المتحدة تماماً من "كوفيد-19" في مارس 2020. تكرر الأمر مع آرائه حول إدارة الشؤون المالية الشخصية، فتبنى العملات المشفرة في 2021 قبيل انهيارها. سياسياً، تنبأ الملياردير الأميركي بـ"فوز كاسح" للجمهوريين في الانتخابات النصفية قبل أن يسطر التاريخ تفوق أداء الديمقراطيين.

منصات بديلة.. هؤلاء هم ورثة "تويتر" بعد زوالها

لكن توقعاته في الشأن الاقتصادي كانت وجيهة، فرغم أن الولايات المتحدة لم تشهد ركوداً، إلا أن التباطؤ الاقتصادي كشف عدداً من رواد الأعمال الذين انتفعوا على مدى العقد الماضي من عوامل مثل انخفاض أسعار الفائدة وفقاعات قطاعات التقنية والتمويل ومنهم من أفاد من بيئة إعلامية ذاتية التعزيز ليقنع نفسه بعبقريته ومن ثم ليستفيد من ترويج ينطوي على التدليس.

هوت أسعار أسهم شركات التقنية وميتافيرس يتعثر وانهارت ثروات العملات المشفرة وما تزال التحقيقات الجنائية بهذا الصدد مستمرة. لنسمي هذا "القصاص الأعظم" ولنعتبره فرصة تاريخية غير متوقعة للشماتة بالمليارديرات.

بدأت هذه المرحلة في 2021 واتسمت باستحكام التضخم وارتفاع الفائدة وعودة بعض مألوف ما قبل "كوفيد-19" مثل الاعتقاد بأن العملات المختلقة قد تكون بلا قيمة، وأن في الحياة أموراً أهم من التواصل مع الآخرين عبر جذع إنسان رقمي هائم في عالم "ميتافيرس".

لكن إشكالية توقعات ماسك تنبع من فشل إدراكه أن هذه التحولات ربما من شأنها أن تجعله يبدو أخرقاً هو الآخر.

خسائر تاريخية

كان 2022 عاماً صعباً جداً على ماسك، إن لم تكونوا قد لاحظتم ذلك بعد، فقد تراجع صافي ثروة رئيس "تسلا" التنفيذي 49% أو 133 مليار دولار، وهي أكبر خسارة سجلها "مؤشر بلومبرغ للمليارديرات" على الإطلاق.

اتجه الملياردير الأميركي لزيادة ديونه والمخاطرة بمكانته كشخصية مؤثرة على أداء أسهم الميم بعدما تسرع بالموافقة على شراء "تويتر" بسعر مبالغ فيه. تزامنت خطوات ماسك مع تراجع المراهنة غير المنطقية في سوق أسهم الميم كممارسة متقادمة من جهة، وخبو الطلب على سيارات "تسلا" الكهربائية من جهة أخرى.

تحول الوضع منذئذ من سيئ لأسوأ، إذ بدت "تويتر" وكأنها تترنح على حافة الانهيار فيما حذر ماسك من إفلاسها المحتمل. في غضون ذلك، هبط سعر سهم "تسلا" 70% على مدى 12 شهراً خلت.

نزيف الثروات.. هكذا خسر أغنى 500 ملياردير بالعالم 1.4 تريليون دولار في عام

لم يكن ماسك العملاق الوحيد الذي اهتز عرشه في 2022، فقد تراجع صافي ثروة مارك زوكربيرغ 64% أو 80 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو رقم تاريخي بحد ذاته تجاوز خسارة ماسايوشي سون القياسية التي بلغت 70 مليار دولار عام 2000. خاض رجل الأعمال الياباني حينها عاماً رهيباً للغاية، إن لم يكن قياسياً.

كان سقوط زوكربيرغ، كما حال ماسك، نتاج مزيج من تعثر حظوظ الاقتصاد الكلي وازدهار الغطرسة المدمرة للذات على نحو يتعذر تفسيره. فيما تضاءلت ​​آفاق نمو "فيسبوك"، ركز زوكربيرغ على وسيلة اتصال جديدة تنطوي لسبب ما على غرف اجتماعات تخيلية تعج برسوم رمزية هائمة بلا أرجل فتكبدت شركته خسائر ضخمة.

كما شهد جيف بيزوس انخفاضاً كبيراً في صافي ثروته بنسبة 43% أو 85 مليار دولار مع توسع "أمازون" الهائل في جميع مناحي النشاطات التجارية مثل تطوير المساعدين الصوتيين وروبوتات التوصيل والسيارات ذاتية القيادة، وتدشين عيادات افتراضية لتوفير خدمات الرعاية العاجلة ومتاجر البيع بالتجزئة وغيرها، ما أدى لتسريحات موظفين واسعة النطاق.

تحايل أم تداول؟

ثم يأتي قطاع العملات المشفرة، الذي ربما شكل أكثر فئات الاستثمار تعرضاً للتلاعب في فترة اتسمت بغش وتحايل شديدين. على سبيل المثال، تراجع صافي ثروة تشانبينغ جاو، رئيس "بينانس" التنفيذي 87% أو 83 مليار دولار، رغم أنه أحد متنفذي القطاع، فضلاً عن أن "بينانس" أكبر بورصة لتداول العملات المشفرة في العالم.

لم يعن ذلك أن جاو لن يواجه "القصاص الأعظم"، فقد فتحت وزارة العدل الأميركية تحقيقاً بحق "بينانس" على خلفية الاشتباه بضلوعها في غسل الأموال. كانت شركة المحاسبة، التي استعان بها جاو لتدقيق أصول شركته، قد علقت أعمالها في مجال الأصول المشفرة وسحبت تقريرها حول "بينانس" من موقعها الإلكتروني.

نفى جاو مزاعم غسل الأموال قائلاً إن بورصته على ما يرام لكن المشكلة تكمن بالمحاسبين.

كان مروجو العملات الرقمية الآخرون أسوأ حالاً، بما في ذلك أليكس ماشينسكي مؤسس "سلسيوس" (Celsius) مقرضة العملات المشفرة التي تقدمت بطلب للحماية من الدائنين في منتصف يوليو، وكذلك دو كوون مبتكر عملة "لونا" الفاشلة الذي أصبح مطارداً دولياً، فضلاً عن سام بانكمان فريد الذي سُلِّم أخيراً إلى الولايات المتحدة لمحاكمته بتهم احتيال متعلقة بانهيار بورصة "إف تي إكس" لتداول العملات المشفرة. في محاكمتيهما، نفى كوون ارتكاب أي مخالفات، فيما دفع بانكمان فريد بأنه غير مذنب.

توابع زلزال "إف تي إكس".. أحجام تداول بورصات التشفير تهوي 50%

رغم خسارة نخبة قطاع التقنية لمليارات، إلا أن "القصاص الأعظم" كان أرحم بالمواطنين العاديين مقارنةً بتداعيات الركود العظيم في 2008. كانت معدلات البطالة قد ارتفعت فيما انهار سوق الأسهم وخسر ملايين الأميركيين منازلهم بسبب حبس الرهن في أعقاب الأزمة المالية.

أما في 2022، فكان على الأميركيين التعامل مع مشاكل مثل ارتفاع الأسعار وتسريح موظفي قطاع التقنية بأعداد كبيرة وانخفاض سعر "دوج كوين". مع ذلك، كان معظم قطاعات الاقتصاد على ما يرام في ظل استمرار نمو الناتج المحلي الإجمالي والإبقاء على البطالة قرب أدنى مستوياتها التاريخية.

في الوقت نفسه، لا يعتبر سعر الفائدة الحالي على الأموال الفيدرالية البالغ 4.33% مرتفعاً جداً بالمعايير التاريخية. لكن ردود أفعال ماسك وزوكربيرغ وغيرهما على رفع أسعار الفائدة التي كانت أقرب للذعر تدلل على هشاشة نجاح نخبة قطاع التقنية.

قال ماسك غاضباً: "يجب أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة على الفور" وعلق على ذات الموضوع تكراراً خلال الأيام التي تلت ذلك. فقد غرد رئيس "تسلا" التنفيذي في 13 ديسمبر قائلاً: "مع المجازفة بتوضيح أمر بيّن، احذروا الاستدانة في ظل اضطراب ظروف الاقتصاد الكلي، خاصةً عندما يواصل الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة"، لكنه يبدو أنه نسي قراره بمراكمة الديون على ميزانية "تويتر".

تآكل السلطة

كان "القصاص الأعظم" ظاهرة مالية إلى حد بعيد لكنها امتدت لتشمل قطاعات أخرى، فقد ساهمت نفس القوى التي أضعفت ماسك وأقرانه بتآكل السلطة الثقافية والأخلاقية لأصحاب رؤوس الأموال المغامرة الذين مولوا نجاحهم.

راهن مارك أندريسن، الذي كان وراء ظهور "نتسكيب" (Netscape)، بكامل استثماراته على العملات المشفرة منذ عدة سنوات. لقد استثمر المؤسس المشارك في شركة "أندريسن هورويتز" لاستثمارات رأس المال المغامر في شركات شهدت انهيار عملاتها أو خضعت لتحقيقات السلطات الأميركية.

بات أندريسن، الذي كان فيما مضى محط إعجاب صناع التقنية كأبرز أصحاب الرؤى في هذا المجال، أشبه بعجوز ساخط باستمرار على كل ما يتعلق بالقضايا الهامة المثارة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة المتعلقة بالعدالة العرقية والاجتماعية.

معاناة ما بعد الوباء.. شركات التكنولوجيا تسرع وتيرة تسريح الموظفين

اشتهرت "سيكويا كابيتال"، وهي شركة رائدة أخرى في مجال استثمارات رأس المال المغامر، بمنح بانكمان فريد 150 مليون دولار رغم أنه كان منشغلاً بألعاب الفيديو خلال عرضه الترويجي.

كما بات شاماث باليهابيتيا، الذي كان يُنظر إليه سالفاً باعتباره الضمير الاجتماعي لوادي السيليكون، يشتهر الآن بترويج مجموعة من الطروحات العامة المثيرة للجدل والخاضعة لقليل من الرقابة فيما يعرف باسم شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة للمستثمرين الأفراد.

لكن صفقاته في هذا الصدد خسرت أكثر من نصف قيمتها العام الماضي، وهو ما جعل باليهابيتيا ينسب مشاكله للاحتياطي الفيدرالي تماماً كما فعل ماسك، مضيفاً أنه لم يكن هناك ما يكره المستثمرين على الاستثمار في هذه الأسهم الفاشلة.

تحالفات مشبوهة

كما طال "القصاص العظيم" السياسة الأميركية، فقد وجهت الحكومة اتهامات لبانكمان فريد، الذي كان مانحاً رئيسياً، بانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية إضافة للاحتيال الإلكتروني وغسل الأموال، ما يهدد بزعزعة استقرار المرشحين وجماعات المصالح التي انتفعت من سخائه.

أما بيتر ثيل الذي علا نجمه في مناخ استثماري اتسم بغزارة أرباح أسهم شركات التقنية، فقد شهد خسارة تلميذه بليك ماسترز في انتخابات مجلس الشيوخ، ليصبح مادة للتندر حيال إخفاقات المرشحين المتحالفين مع الرئيس السابق دونالد ترمب.

تشير استطلاعات الرأي المبكرة حول الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في 2024 إلى أن مستقبل ترمب السياسي قد يكون ضحية أخرى لقصاص 2022، فقد اضطرت "تروث سوشيال" (Truth Social)، منافسة "تويتر" التي يملكها الرئيس الأميركي السابق، لتأجيل اندماجها مع شركة استحواذ ذات أغراض خاصة بانتظار حشد دعم من المستثمرين.

بالطبع قد يكون الشعور الراهن بالبروز على الشعبوية أمراً عابراً. فثروة ماسك ما تزال تفوق 130 مليار دولار، وقد يفطن لكيفية تحرير نفسه من التزامه تجاه "تويتر" وإرساء دعائم استقرار "تسلا" في نهاية المطاف.

فيما يبدو ترمب وكأنه يكافح لإبراز وجاهة اختياره كرئيس للولايات المتحدة، فقد تجاوزت قيمة بطاقاته التجارية المشفرة المعروفة كرموز غير قابلة للاستبدال 99 دولاراً حتى عندما سخر منها الممثلون الكوميديون ​​في البرامج التليفزيونية التي تبث في وقت متأخر من الليل. تظهر الرموز الرئيس السابق متنكراً في أزياء شخصيات جذابة كرعاة البقر ورواد الفضاء والأبطال الخارقين من بين شخصيات أخرى رائعة.

يحتمل أن يتسع نطاق تأثير "القصاص العظيم" في مرحلة ما. لم يغر معظمنا شراء شركة وسائط اجتماعية متعثرة أو تحويل دفة شركة عامة تقدر قيمتها بتريليون دولار إلى عالم "ميتافيرس"، لكن كثيراً منا أهدر وقتاً طويلاً بالتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وربما تحمّل بعض المخاطر المالية غير الضرورية في غمار ذلك بالمراهنة على الألعاب الرياضية أو الأسهم أو العقارات.

ربما يبدو تأثير "القصاص العظيم" مرضياً حتى الآن، لكن معظمنا يدين أخلاقياً بمواجهة الواقع. في مرحلة ما، سنضطر لسداد هذا الدين.

تصنيفات

قصص قد تهمك