بلومبرغ
لم تبدُ الأمور مشرقة كثيراً في توقعات "وول ستريت"، التي تنبأت أن 2023 ستأتي بانكماش اقتصادي عالمي وفترة عصيبة للأصول ذات المخاطر. لكن مع اكتساب التداول في يناير بعض الزخم، تخرج مجموعة صغيرة عن الإجماع وتراهن على أنَّ حدوث هبوط سلس يمكنه تحقيق مكاسب للأسهم.
يراهن دايف كيلي، كبير المحللين للاستراتيجيات العالمية في "جيه بي مورغان أسيت مانجمنت"، على أن التضخم سيستمر في التراجع خلال 2023، مما يساعد اقتصاد الولايات المتحدة على الهروب بصعوبة من ركود اقتصادي. ويقول إد يارديني، الذي يعمل منذ فترة طويلة محللاً للأسهم وصاحب شركة الأبحاث التي تحمل اسمه، إن احتمالات حدوث هبوط سلس تصل إلى 60% بناءً على بيانات اقتصادية قوية ومستهلكين يتمتعون بالمرونة وعلامات على انخفاض ضغوط الأسعار.
قال كيلي في مقابلة معه: "إذا تحدثت مع الناس، فهم يقولون إن هذا هو السيناريو الأسوأ من بين كل الاحتمالات، لكنه ليس كذلك، فالتضخم يتراجع والبطالة منخفضة، ونحن نتخطى الجائحة. الاحتمالات هي أن الأصول ذات المخاطر ستشهد أداءً جيداً".
فرص لشراء الأسهم
تسبب تراجع بلغ قرابة 20% في الأسهم العالمية العام الماضي في توخي أغلب المحللين والمستثمرين الحذر، إذ توقعت الأغلبية أن التضخم المرتفع تاريخياً سيظل موجوداً وأن الركود لا مفر منه. كيلي، الذي يعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سينتهي من دورة رفع أسعار الفائدة التاريخية بعد اجتماع شهر مارس، ويبدأ في خفض أسعار الفائدة خلال الربع الأخير من العام، يقول إن التشاؤم ربما يقدم فرصاً جيدة لشراء أسهم القيمة الأميركية والائتمان من الدرجة الاستثمارية بأسعار مخفضة.
يارديني، الذي لا يستبعد احتمال حدوث هبوط صعب، يرى فرصاً في أسهم شركات قطاعات المال والصناعة والطاقة والتكنولوجيا، التي يقول الآن إنها تبدو أرخص كثيراً عمَّا كانت عليه العام الماضي. كما أضاف أن أداء سندات تلك الشركات أيضاً ربما يكون جيداً في 2023.
قال يارديني خلال مقابلة: "المتفائلون والمتشائمون يتفقون أن 2022 كان عاماً سيئاً للأسهم والسندات، لكنه لا يستمر للأبد. السوق استجابت لحقيقة أن التضخم اتضح أنه أكثر استمرارية وأن الاحتياطي الفيدرالي أكثر تشدداً".
مبررات التفاؤل
عززت بيانات اقتصادية، صدرت الجمعة، دواعي التفاؤل. أظهر تقرير قوي آخر عن الوظائف الأميركية أن النمو في التعيينات تخطى التوقعات، مع تباطؤ مكاسب الأجور أكثر من المتوقع. عاد التضخم في منطقة اليورو إلى خانة الآحاد للمرة الأولي منذ أغسطس الماضي، مما عزز الآمال أن أسوأ ارتفاع شهدته أسعار المستهلكين في الكتلة الاقتصادية قد وصل لذروته.
من النادر للغاية أن ينخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" عامين متتاليين، إذ حدث ذلك فقط 4 مرات منذ 1928. لكن خلال هذه المرات، كانت الانخفاضات في العام الثاني دوماً أكثر عمقاً من العام الأول، ويبلغ متوسط التراجع 24%.
كان المستوى المستهدف لنهاية العام لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بين المحللين الاستراتيجيين، الذين شملهم مسح لبلومبرغ في ديسمبر، 4,078 نقطة، وهو ما قد يشير إلى زيادة قدرها 6% في المؤشر، رغم أن ذلك يعكس بشكل كبير التراجع الشديد الذي حدث في نهاية العام الماضي. في نوفمبر، كان المتوسط المتوقع يشير إلى هبوط.
الائتمان واحتمالات الركود
تشير أبحاث مجموعة "بيسبوك إنفستمنت" (Bespoke Investment Group) إلى أن المستويات المستهدفة في نهاية العام تبعد عن الهدف عادةً 5 نقاط مئوية بالزيادة أو النقصان عموماً.
قال بول هيكي، المؤسس المشارك في "بيسبوك": "نحن لا نحدد مستويات مستهدفة بشكل عام، فقط لأننا نعتقد أنه ليس من اللازم أن تؤخذ على محمل الجد. إن كنت قد تعلمت شيئاً من خلال التجربة، فهو أنه عندما يكون هناك اتفاق واسع النطاق مثل ذلك على أي أمر، لا تسير الأمور عادةً مثلما هو مخطط لها".
احتمالات الركود تبتعد في أسواق الائتمان، حيث إن الفجوة بين عقود مبادلات مخاطر الائتمان للشركات ذات التصنيف المرتفع ونظيراتها ذات التصنيف دون الدرجة الاستثمارية تراجعت أكثر من 100 نقطة أساس منذ سبتمبر.
يشير ذلك الأمر، المعروف باسم "انضغاط" بلغة السوق، إلى الخوف الأقل في أن تحولاً نزولياً كبيراً سيترك الائتمانات الأضعف عرضة للتأثر بالمخاطر. حتى مع ذلك، يظل المقياس فوق مستوياته ما قبل الجائحة.
السوق أكثر تشاؤماً مما ينبغي
يبدو أن مقياساً تابعاً لـ"بنك أوف أميركا" لمعنويات المحللين الاستراتيجيين يدعم وجهة نظر كيلي القائلة إن إجماع السوق أكثر تشاؤماً مما ينبغي؛ فقد تراجع بشكل كبير لدرجة أنه يشير الآن إلى عائد متوقع بنسبة 16% خلال الأشهر الـ12 المقبلة.
يقول هيكي إن أهم تغيير حدث منذ العام الماضي هو انخفاض الأسعار، مما وفّر فرصاً "في كل مكان". تُتداول أسهم الشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز" عند نحو 17 ضعفاً من الأرباح المتوقعة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، متماشيةً مع متوسط قراءتها في القرن الحالي.
كتب كيلي في مذكرة: "أحد القرارات التي اتخذتها في مطلع 2023 هي تجنب التشاؤم غير المنطقي. العام الجديد، مثله مثل الطفل الجديد، يستحق الترحيب به بتفاؤل".