بلومبرغ
يزيد إنهاء الصين المفاجئ لسياسة صفر كوفيد، من حالة عدم اليقين في الاقتصاد الهش أصلاً، الأمر الذي يضاعف احتمالات اللجوء إلى سياسة مالية ونقدية أكثر مرونة، ونهج أكثر تيسيراً في سوق العقارات بهدف دعم النمو.
هذه هي وجهة نظر خبراء الاقتصاد، الذين يتوقعون أن يكشف الرئيس تشي جين بينغ ومسؤولوه عن أهداف السياسة الاقتصادية للسنة المقبلة، خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي المقرر عقده الأسبوع الجاري. من المحتمل أيضاً مناقشة هدف النمو للعام المقبل، على الرغم من أنه لن يُكشف عنه حتى مارس المقبل، خلال الاجتماع التشريعي السنوي.
المكتب السياسي الجديد للحزب الشيوعي، الذي يزخر بحلفاء للرئيس تشي بعدما ضمن لنفسه ولاية ثالثة في سدة الحكم في أكتوبر الماضي، حدّد خلال الأسبوع الماضي مسار المؤتمر الاقتصادي، من خلال تحوّل حاسم نحو دعم النمو. يتعين على المسؤولين حالياً محاولة تعويض بعض الأضرار التي طالت الاقتصاد جراء ضوابط صارمة لاحتواء وباء كوفيد على مدى 3 أعوام، وأسوأ هبوط في التاريخ الحديث لسوق العقارات، والذي أضرّ بثقة المستهلكين والشركات.
سياسات جديدة
قال كريستوفر بيدور، نائب مدير وحدة أبحاث الصين في شركة "غافيكال دراغونوميكس" (Gavekal Dragonomics)، إن مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي للعام الحالي "سيعطي أول إشارة حقيقية حول التصوّر لدى القيادة للسياسة الاقتصادية عقب نهاية نهج صفر كوفيد، ومن المحتمل أن يشكل بداية فصل جديد من صناعة السياسة الاقتصادية".
سيبدأ المؤتمر الاقتصادي السنوي على الأرجح الخميس، ومن المنتظر أن يضم أعضاء المكتب السياسي وحكام المقاطعات ورؤساء الوكالات الحكومية والمؤسسات المالية. ويستمر الاجتماع في العادة 3 أيام، ويُنشر في ختامه البيان الصادر عن المؤتمر عبر وسائل الإعلام الحكومية.
ستصدر الحكومة أيضاً الخميس بيانات اقتصادية خاصة بشهر نوفمبر الماضي، والتي من المتوقع أن تبرز حدوث انكماش أكثر حدة في مبيعات التجزئة، وتراجعاً ملموساً في الإنتاج الصناعي، بسبب موجة تفشي وباء كوفيد الأخيرة.
نستعرض فيما يلي بعض القضايا الرئيسية التي من المحتمل أن تُناقش خلال مؤتمر العمل الاقتصادي:
هدف الناتج المحلي الإجمالي
يناقش كبار المسؤولين هدف نمو يصل 5% تقريباً للعام المقبل، فيما يجادل بعضهم بأن وضع هدف مرتفع نوعاً ما سيساعد الحكومات المحلية على تحويل اهتمامها من قيود وباء كوفيد إلى تعزيز النمو. أما البعض الآخر فيساوره القلق من أن الهدف قد يكون طموحاً إلى حد مبالغ فيه.
يتوقع خبراء اقتصاد استطلعت بلومبرغ آراءهم، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 4.9% في العام المقبل، رغم أن الزيادات في حالات تفشي وباء كوفيد تثير الشكوك حول هذه التوقعات.
في ظل التوقعات بأن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 3.2% فقط خلال العام الحالي -وهو أبطأ نمو منذ سبعينيات القرن الماضي باستثناء الركود المرتبط بوباء كورونا في 2020- يتعرض صناع السياسات النقدية لضغوط من أجل طرح برامج تحفيز للنمو في العام المقبل، لتحقيق أهداف بعيدة المدى.
يحتاج هدف تشي الخاص المتمثل في زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد إلى مستوى دولة متوسطة النمو بحلول عام 2035، إلى تحقيق معدل نمو سنوي يبلغ 5% أو أكثر حتى 2030، بحسب ما ذكره يانغ وي مين، مسؤول اقتصادي كبير في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني الذي يُعتبر أعلى هيئة استشارية سياسية.
السياسة النقدية والمالية
قال المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأسبوع الماضي، إنه سيسعى إلى وضع سياسة مالية نشطة في العام المقبل، وتنفيذ سياسة نقدية حكيمة "محددة الأهداف وقوية".
دعا محللون في الصين الحكومة المركزية إلى زيادة عجزها المالي الرسمي وبيع سندات حكومية أكثر من أجل تحفيز النمو الاقتصادي والحد من عبء ديون السلطات المحلية.
"ركّز دعم الصين المرتبط باحتواء وباء كورونا الإنفاق بصورة هائلة على البنية التحتية وتوفير الدعم للشركات. سيكون التحوّل نحو دعم المستهلكين، تغييراً مهماً -وإيجابياً للنمو- في المسار، رغم أنه يصعب تحديد مدى احتمال حدوث ذلك". - تشانغ شو، وإريك تش، وديفيد تشو خبراء اقتصاد
رأي بلومبرغ إيكونوميكس
يقدّر مصرف"غولدمان ساكس غروب" أن تزيد الصين العجز المالي الضيق إلى 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2023 من 2.8% في العام الحالي، وستسمح للحكومات المحلية ببيع سندات خاصة جديدة بقيمة 4 تريليونات يوان، وهو أقل بقليل من حجم الإصدار الفعلي للعام الجاري.
قال خبراء اقتصاد لدى "غولدمان ساكس" إن التيسير النقدي سيأتي على الأرجح عبر أدوات هيكلية، على غرار إعادة الإقراض لقطاعات الاقتصاد الهشة، عوضاً عن التخفيضات الكبيرة لأسعار الفائدة. وذلك نظراً لأن النمو الاقتصادي من المفترض أن يتعافى خلال العام المقبل، وقد تصعد معدلات التضخم بالتزامن مع تخفيف القيود المرتبطة باحتواء تفشي وباء كوفيد.
تيسير السوق العقارية
لم يشر بيان المكتب السياسي إلى قطاع العقارات، وهو ما اعتبره بعض المحللين علامة على أنه ربما تكون هناك عمليات تيسيرية أكثر مقبلة.
ذكرت بلومبرغ الأسبوع الماضي أن المسؤولين يدرسون التخفيف من السياسة القائمة على أن "السكن للعيش وليس للمضاربة"، وهي اللغة التي استُخدمت على الدوام وعلى مرّ الأعوام، لإبراز عزم الحكومة على كبح الديون وأسعار المنازل. تتطلع بكين لأن تعكس الاتجاه الهبوطي في قطاع العقارات واستئناف عمليات التشغيل الطبيعية لهذا القطاع، بحسب أشخاص على دراية بالمناقشات.
تُعتبر أي توصية خاصة بالقطاع، أو أي تعديل على الصياغة، أو حتى عملية حذف من البيان الذي سيصدُر عقب مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، بمثابة مفتاح لفهم موقف صنّاع السياسات الاقتصادية تجاه القطاع المحاصر بالأزمات.
قال دنكان ريغلي، كبير خبراء الاقتصاد الصينيين في "بانثيون ماكرو إيكونوميكس" (Pantheon Macroeconomics): "أتوقع أسمع دعماً من مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، للطلب على المنازل.. سيشكل ذلك تغطية لإجراءات التيسير المحلية الإضافية، على غرار الانحسار الجزئي لقيود الشراء في المدن الكبرى وتيسير شروط الرهون العقارية".
تمر سوق العقارات بأسوأ هبوط في التاريخ الحديث، عقب حملة الإجراءات التنظيمية الصارمة للحكومة التي شنتها على عمليات المضاربة ومخاطر الديون. أعطى هذا الانخفاض مؤشرات محدودة على تراجع نوفمبر الماضي، في ظل استمرار هبوط مبيعات المنازل، رغم سلسلة من تدابير الإنقاذ في الآونة الأخيرة.
ثقة السوق
قطع المكتب السياسي على نفسه عهداً نادراً من أجل "تعزيز ثقة السوق بطريقة هائلة"، وهو ما أنعش الآمال بإدخال تدابير أكثر، صديقة للأعمال وداعمة للنمو. بلغت الثقة بين الشركات والمستهلكين وخبراء الاقتصاد مستويات منخفضة قياسية مؤخراً.
أكد المكتب السياسي الأسبوع الماضي أن المسؤولين سيتمتعون بالجرأة لإنجاز المهام، وستتشجع الحكومات المحلية "لإحراز تقدم". كتب خبراء الاقتصاد في "مورغان ستانلي"، من بينهم روبن شينغ في رسالة، أن العبارات التي نادراً ما يجري استخدامها، قد تدفع المسؤولين المحليين إلى التنافس على تحقيق نمو اقتصادي أسرع داخل مناطقهم، مع احتمال أن يكون الناتج المحلي الإجمالي جزءاً من تقييمات أدائهم مرة ثانية.
أعاد أيضاً المكتب السياسي إحياء ما يطلق عليه شعار "أمران ثابتان" - وهو تعهد بتقديم دعم "ثابت" لكل من الشركات الحكومية والخاصة. في الماضي، أشارت هذه العبارة - التي لم تُذكر في بيان المكتب السياسي منذ أكتوبر 2018 - إلى تقديم دعم أكثر لشركات القطاع الخاص.