بلومبرغ
تبرز قبتان عملاقتان باللون الأخضر في مقابل المناظر الطبيعية الصحراوية، حيث تستضيف عرضاً مذهلاً للمعدات فائقة التكنولوجيا والتكنولوجيات العالمية المتغيرة التي تتناثر حولها النباتات مخضرة الأوراق والأثاث المصنوع من الخشب الخفيف.
يمثل ذلك رؤية رائعة للمستقبل المشرق الذي ينتظر أولئك الذين ينضمون إلى جهود مكافحة التغير المناخي في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة والمعروفة بمؤتمر "كوب 27". لكن المملكة العربية السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط على مستوى العالم، هي التي شيدتهما.
يرى الخبراء المحنكون الحاضرون بالتجمع السنوي أن البلدان المنتجة للوقود الأحفوري المسؤولة عن زيادة درجة حرارة كوكب الأرض تتبدل أحوالها. خلال بضعة شهور، تحولوا من التباطؤ وعرقلة جهود العمل المناخي في المحادثات رفيعة المستوى خلف الأبواب المغلقة، لتشييد أجنحة عملاقة بجوار قاعة قمة المناخ "كوب 27" مصر ونشر جيش من جماعات الضغط لتوصيل رسالة جديدة، والتي تسعى واحدة منها لتبني مستقبل نظيف دون التخلي عن الوقود الملوث القديم.
تناقض صارخ
أوضح عادل الجبير، المبعوث السعودي للمناخ ووزير الدولة للشؤون الخارجية، على هامش الدورة الـ27 لمؤتمر "كوب": "نستطيع فعل كلا الأمرين، إذ يمكننا ضخ النفط وتقليل الانبعاثات في ذات الوقت".
تعهدت السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان ستستضيفان قمة المناخ السنة المقبلة، بالقضاء على صافي انبعاثاتهما من غازات الاحتباس الحراري مع حلول 2060 و2050 على التوالي، وستستثمران مليارات الدولارات في مشروعات الطاقة المتجددة. كان يجري النظر لهما بوقت من الأوقات على أنهما المتهمتان خلال اجتماعات المناخ، فقد تغيرت حظوظهما منذ نشوب أزمة نقص الطاقة العالمية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.
نفس الدول التي جعلت السعودية والإمارات تشعران بأنهما غير مرحب بهما في قمة "كوب 26" خلال السنة الماضية التي عقدت في جلاسكو، تضغط عليهما حالياً لضخ نفط وغاز أكثر بهدف سد الفجوة الناجمة عن تراجع الإمدادات الروسية. زاد ذلك من الأسعار وملأ خزائنهم بالوقت الذي تناضل فيه الدول المستهلكة في مواجهة صعود معدلات التضخم وتباطؤ الاقتصادات.
صرح وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي في أبريل الماضي: "شعرت الدول المنتجة للنفط بأنهم غير مرغوب فيهم بمؤتمر "كوب 26"، وشعرنا بأننا منبوذين، وحالياً، نحن نشبه الأبطال الخارقين".
سياسة هجومية
تراقب البلدان المصدرة للنفط والغاز في الشرق الأوسط أيضاً الديناميكيات طويلة الأجل. في مؤتمر "كوب 26"، تعهد ما يقرب من 200 دولة بتقليص طاقة الفحم دون توقف. تمارس الهند، بدعم من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والدول الجزرية الصغيرة، الضغوط لتمديد هذا التعهد لضم كافة أنواع الوقود الأحفوري في الاتفاق النهائي لقمة المناخ "كوب 27" مصر.
صرح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أثناء مقابلة في داخل مبنى القباب الأسبوع الماضي بأن المملكة العربية السعودية ترفض هذا النهج. تعتزم المملكة مواصلة إنتاج المواد الهيدروكربونية حتى نهاية القرن الحادي والعشرين لأن العالم يحتاج إلى "كافة أنواع الطاقة".
لورانس توبيانا، الرئيس التنفيذي لمؤسسة المناخ الأوروبية ومهندس اتفاقية باريس التاريخية التي تعود لسنة 2015 التي شهدت تعهد قادة دول العالم بالإبقاء على درجة حرارة الأرض أقل من درجتين مئويتين بحلول نهاية القرن الحالي، قال: "إنهم ينتقلون من السياسة الدفاعية إلى الهجومية، ويدلل ذلك على أنهم يشعرون بالقلق".
الجناح السعودي
داخل مبنى القبتين الخضراوين التابعتين للمملكة العربية السعودية، تعرض الشاشات العملاقة مقاطع فيديو رائعة لخطط لاستعادة الغابات وإعادة تقديم السلاحف والوعل الرضيع إلى بيئتها الطبيعية. ينغمس الزوار في أكياس حبوب الفول وشُرب عصير الفاكهة، بينما يتعرفون على مبادرات الدولة المختلفة.
يتعامل الأشخاص المعتمدون مع بوفيه يضم السلطات والمعكرونة واللحوم وأنواع متعددة من الخبز. يتناقض ذلك بصورة واضحة مع الوضع بمنطقة انعقاد قمة المناخ "كوب 27" مصر التي تديرها مصر إذ كانت المياه المعبأة نادرة وكان الطعام يتشكل من الدجاج المدخن وسندويشات السلمون خلال الأيام القليلة الأولى.
قال ألدن ماير، أحد كبار المتعاونين في شركة "إي 3 جي" (E3G) وخبير المناخ المحنك الذي غاب عن اجتماع واحد فقط، خلال العقود الثلاثة الماضية: "تحول هذا التجمع لمهرجان للوقود الأحفوري، ومعرض تجاري ومكان لإبرام الصفقات".
أُعلن عن 14 اتفاقاً على الأقل للغاز في الفترة التي سبقت مؤتمر "كوب 27" وأثناء انعقاده، في حين زاد عدد أعضاء جماعات الضغط من قطاعات الوقود الأحفوري. حضر ما يصل إجماليه إلى 636 من أعضاء جماعات الضغط مؤتمر "كوب 27"، بما يفوق تجمع السنة الماضية بـ100 فرد، بحسب منظمة "غلوبال ويتنس" (Global Witness) البيئية غير الهادفة للربح. كان من بين الحاضرين برنارد لوني الرئيس التنفيذي لشركة "بي بي"، الذي حصل على اعتماد حضوره من خلال الوفد الموريتاني.
جماعات الضغط
تعد جماعات الضغط الناشطة في مجال الوقود الأحفوري، كمجموعة واحدة، أكبر من أي وفد وطني واحد بجانب الإمارات العربية المتحدة، التي ستستضيف "كوب 28". وارتفع عدد المندوبين الإماراتيين من 176 مندوباً في 2021 إلى 1070 مندوباً خلال العام الجاري.
أوضح ماير قائلاً: "تستضيف مصر باعتبارها دولة منتجة للوقود الأحفوري عدداً من الأحداث التي يشارك فيها بعض هؤلاء الأفراد وتتحدث عن وجود حاجة ليصبح الغاز الطبيعي وقوداً انتقالياً". مما يبعث على القلق أن الرئاستين الحالية والمقبلة للمؤتمر تقولان إننا لا نحتاج للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري بطريقة سريعة.
صرح رئيس سياسة المناخ بالمفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز للصحفيين بشرم الشيخ الثلاثاء الماضي، عقب مرور وقت قصير على إعلانه أن الاتحاد الأوروبي سيقلص هدفه الخاص بخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، بأن جماعات الضغط لن تحول الاتحاد الأوروبي بعيداً عن هدفه للوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر مع حلول 2050.
تابع تيمرمانز: "طالما أنك تشاهدهم بطريقة واضحة وتتأكد من عدم توجيهك عن طريقهم، فأنا لا أرى وجود مشكلة، وربما يعني استبعادهم أنهم سيذهبون لمكان آخر وسيحاولون ممارسة نفوذهم هناك".
منتجو النفط
تستعد البلدان المنتجة للنفط والغاز بالفعل للرد على بيان "كوب 27" النهائي الذي يدعو إلى التخلص بطريقة تدريجية من الوقود الأحفوري. ترغب الدول النامية متشابهة التفكير، وهو تحالف يشتمل على المملكة العربية السعودية والصين والعراق وإيران، من البيان أن "ينوه" بدلاً من "الترحيب" بالتقرير الأخير الصادر عن "الهيئة الحكومية الدولية للتغير المناخي"، والذي يقول إن الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري سيستلزم خفضاً هائلاً في الاعتماد على الوقود الأحفوري.
قالت فانيسا ناكاتي، وهي ناشطة مناخية شابة من أوغندا: "أظن أن هيمنة شركات الوقود الأحفوري على المجال في مؤتمرات "كوب" تعد مسألة محزنة للغاية نظراً لأنها تمثل القطاع الذي يفاقم بحد ذاته أزمة التغيرات المناخية، وفي حال كنت ستقوم بمناقشة موضوع الملاريا، فعليك ألا تدعو البعوض للحضور، ولا أدري من قال ذلك، لكننا نواصل الاستماع له بمؤتمر كوب الحالي".