بلومبرغ
منذ أسابيع فقط، كان سام بانكمان-فريد يُعتبر نسخة عالم العملات المشفرة من جون بيربونت مورغان، إذ كان مستعداً للتخلي عن ثروته من أجل إنقاذ الصناعة.
بانكمان-فريد، صاحب الشعر المجعد البالغ من العمر 30 عاماً والمعروف بالأحرف الأولى من اسمه، كان منتشراً في كل مكان، مقدِّماً الدعم للمشروعات المتداعية، التي تشمل "بلوك فاي" و"فوييجر ديجيتال" (Voyager Digital) و"سلسيوس" (Celsius).
من جزر البهاماس، استثمر بانكمان-فريد في تطبيق التداول "روبن هود ماركتس"، ما زاد من التكهنات أنه سيستحوذ عليه. ولِمَ لا؟ فقد قال في العام الماضي إنه بمجرد أن تصبح بورصة التشفير "إف تي إكس" (FTX) التي أسسها كبيرة بما يكفي، ستتمكن من الاستحواذ على مجموعة "سي إم إي" أو بنك "غولدمان ساكس".
ثروة بانكمان-فريد تتبخر
بدا بانكمان-فريد وكأنه مستعد لاستغلال ثروته، التي بلغت 26 مليار دولار في أعلى نقطة وصلت لها، لتشكيل العالم، إذ تبرع بالملايين للديمقراطيين، ووعد بالتبرع بثروته كاملةً يوماً ما للقضايا السياسية والأعمال الخيرية. والآن، أصبح مستقبل كل ذلك مشكوكاً فيه.
خلال أيام، أصبح واضحاً أن بانكمان-فريد و"إف تي إكس" في قلب أزمة سيولة، وهما بحاجة للإنقاذ. تدخلت شركة "بينانس"، التي أسسها تشانغبنغ جاو، للاستحواذ على "إف تي إكس". رغم أن الشروط المحددة لم يجر الإعلان عنها (قبل سحب عرض الاستحواذ لاحقاً)، يُرجح أن تتبخر ثروة سام بانكمان-فريد، التي تبلغ 15.6 مليار دولار، على يد منافسه الملياردير.
قد يبدو ذلك صدمة للمستثمرين، ومن بينهم صندوق "رؤية" التابع لـ"سوفت بنك" والصندوق السيادي السنغافوري "تماسيك" (Temasek) وصندوق المعاشات التقاعدية لمعلمي أونتاريو (كندا)، الذين ضخوا 400 مليون دولار في البورصة بتقييم بلغ 32 مليار دولار في يناير. لكنها أيضاً وضعت صناعة العملات المشفرة على نطاق أوسع في حالة تأهب. إن لم يكن سام بانكمان-فريد في أمان، فمن يكون إذاً؟
انهيار "إف تي إكس" القياسي
كانت حصة بانكمان-فريد، التي تبلغ 53%، في "إف تي إكس" تساوي نحو 6.2 مليار دولار قبل عرض الاستحواذ الذي أُعلن عنه الثلاثاء، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، وذلك بناءً على جولة التمويل تلك والأداء اللاحق للشركات المساهمة العامة للعملات المشفرة. أفصح بانكمان-فريد في مايو عن استحواذه على حصة تبلغ 7.6% في "روبن هود". انخفضت أسعار أسهم البورصة الإلكترونية 19% الثلاثاء، بعدما وافقت "بينانس" على الاستحواذ على "إف تي إكس"، كما انخفضت 5% إضافية الساعة 9.39 صباحاً بتوقيت نيويورك.
مع ذلك، لم تكن "إف تي إكس" أعلى أصول بانكمان-فريد قيمةً. فهناك شركة تداول العملات المشفرة "ألاميدا ريسيرش" (Alameda Research)، التي ساهمت في ثروة بانكمان-فريد الخاصة بـ7.4 مليار دولار.
مخاوف عملة "إف تي تي"
ساعد "تشاو"، المعروف باسم "سي زي"، بعد ذلك في الإطاحة بمنافسه الرئيسي، الذي كان تلميذه يوماً ما.
ذكر موقع أخبار العملات المشفرة "كوين ديسك" (CoinDesk)، الجمعة، أن عملة أصدرتها "إف تي إكس"، وهي "إف تي تي" (FTT)، شكّلت قرابة ربع أصول "ألاميدا" التي تبلغ 14.6 مليار دولار. كما يمثل بند آخر، وهو ضمانات "إف تي تي"، 2.16 مليار دولار من أصولها.
فيما يبدو رداً على ما كُشف عنه، كتب "تشاو" في تغريدة على تويتر أن بورصته ستصفي ما تملكه من "إف تي تي". وبالتالي انخفضت قيمة الرمز نحو 80% منذ ذلك الحين.
"بينانس" تقضي على بانكمان-فريد
يفترض مؤشر بلومبرغ للثروة أن عملية الإنقاذ التي كانت ستقوم بها "بينانس" ستطيح بمستثمري "إف تي إكس" الموجودين، ومن بينهم بانكمان-فريد، بالكامل، وأن جذور مشكلات البورصة أساسها في "ألاميدا". نتيجةً لذلك، فإن قيمة كل من "إف تي إكس" و"ألاميدا" تبلغ دولاراً واحداً.
يعني ذلك أن صافي ثروة سام بانكمان-فريد نحو مليار دولار، بعدما كانت 15.6 مليار دولار في بداية الثلاثاء. تعد الخسارة، التي تبلغ 94%، أكبر انهيار في يوم واحد على الإطلاق بين المليارديرات التي تتتبعهم بلومبرغ.
كان تأسيس "ألاميدا" على يدي بانكمان-فريد، الذي كان سابقاً متعاملاً في شركة "جين ستريت" (Jane Street)، وغاري وانغ، المهندس الذي عمل سابقاً في "غوغل". وجد الاثنان سوقاً خاصة: مراجحة فروق الأسعار بين العملات المشفرة في دول مختلفة، وسرعان ما توسعا في مجموعة من استراتيجيات تداول العملات المشفرة.
بدا الأمر مربحاً للغاية. وذكرت بلومبرغ في سبتمبر أن الشركة حققت نحو مليار دولار في 2021. لكن تبقّت بعض الأسئلة بشأن كيفية تعامل "إف تي إكس" و"ألاميدا" مع بعضهما بعضاً.
استحواذ "بينانس" على "إف تي إكس"
كان "سي زي" مستعداً لإضافة "أف تي إكس" إلى إمبراطوريته الخاصة. فهو بالفعل أغنى شخص في قطاع العملات المشفرة، إذ تقدر ثروته بـ16.4 مليار دولار. وصل صافي ثروته إلى 97 مليار دولار في يناير، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للثروة.
لا يشمل استحواذ "بينانس" على "إف تي إكس" في الولايات المتحدة (FTX.US)، وهي بورصة منفصلة أيضاً يملك بنكمان-فريد حصة الأغلبية فيها. بلغ تقييم "إف تي إكس" في الولايات المتحدة 8 مليارات دولار خلال جولة تمويل في يناير.
قال بول غالبرغ، محلل "بلومبرغ إنتليجنس"، إنه ليس من الواضح بالضبط تأثير انهيار الشركة العالمية التابعة لها على البورصة الموجودة في الولايات المتحدة، لكنه يُظهِر "مدى هشاشة هذا العالم"، فالأمر "مفاجئ للغاية ومخيف إلى حد ما".