يبدو أنَّ هناك صدعاً في التحالف بين الشركات الكبرى والحزب الجمهوري -وهو واحد من أقدم الأحزاب في السياسة الأميركية- بشكل غير عادي هذه الأيام. والسؤال الآن هو: هل سيحدث انفصال كامل بينهما؟.
توجد دلائل كثيرة على توتر العلاقات بينهما، فقد قدّم السناتور ريك سكوت من فلوريدا، الرئيس الحالي للجنة مجلس الشيوخ الوطني الجمهوري، خطته السياسية التي تحمل عنوان "أنقذوا أميركا" في وقت سابق من هذا العام، واتهم فيها "معظم مجالس إدارة الشركات" بأنَّها خاضعة لسيطرة "اليسار المتشدد" حالياً. كما تورط حاكم فلوريدا رون ديسانتيس في معركة علنية مع شركة "والت ديزني" أدت إلى إلغاء الولاية لبعض امتيازات "ديزني" ومزاياها الضريبية التي طالما تمتعت بها. وقال النائب جيم بانكس من ولاية إنديانا، الذي يُحتمل إعلان انضمامه إلى قيادات الجمهوريين بمجلس النواب خلال الجلسة المقبلة في الكونغرس الأميركي، مؤخراً إنَّ الجمهوريين "يتمتعون بقوة أكبر الآن لدرجة أنَّهم انفصلوا بأنفسهم عن الشركات الأميركية".
من الواضح أنَّ هذا ليس الحزب الجمهوري نفسه الذي دعا بفخر لانتخاب رجلي الأعمال ميت رومني وبول رايان في منصب الرئيس ونائبه قبل 10 سنوات فقط. لكنَّ الموازين المتغيرة داخل الحزب الجمهوري تعبر عن وجه واحد من القصة، حيث يتغير سلوك قطاع الشركات أيضاً، كما أدى صعود الشعبوية المحافظة إلى تسريع هذا التغيير.
انحياز سياسي
فيما مضى بدا أنَّه من الجيد تجارياً للشركات الكبرى تجنّب التورط العام في النزاعات السياسية. لكنَّ قادة الشركات واجهوا حوافز متزايدة للانحياز إلى مواقف يسار الوسط السياسي بشأن قضايا التنوع الاجتماعي والتمثيل النيابي، مع معارضة النهج الجمهوري لإدارة الانتخابات وفرز الأصوات.
يمكن أن يؤدي اتخاذ هذه المواقف إلى جذب العملاء المحتملين بين الشباب والمتعلمين جيداً، وهما مجموعتان ديمغرافيتان مربحتان اقتصادياً تميلان معاً إلى اليسار الإيديولوجي. كما تخفف مثل هذه المواقف الضغط من على عاتق الموظفين الحاليين أو المرتقبين لمعارضة التحول الشعبوي داخل التيار المحافظ الأميركي. يريد المديرون التنفيذيون في الشركات أن يُنظر إلى شركاتهم على أنَّها أماكن عمل مرحبة وشاملة للنساء المدافعات عن الحقوق النسوية، والأقليات العرقية، ومجتمعات الميم، والتقدميين الثقافيين الآخرين، ويبدو أنَّهم على استعداد للمخاطرة باستعداء المحافظين التقليديين لتحقيق ذلك.
اقرأ أيضاً: تباعد مؤشرات نمو الاقتصاد الأميركي يفاقم جدل الركود
تطول قائمة الشكاوى من المحافظين بسرعة، وبرغم تذمر الجمهوريين منذ فترة طويلة من المعاملة غير العادلة من قبل التكتلات الإعلامية والترفيهية الكبرى لهم، لكنَّهم وسّعوا نطاق هذا الهجوم الآن ليشمل شركات التكنولوجيا الرائدة مثل "غوغل" و"فيسبوك"، خاصة بعد حظر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من منصات التواصل الاجتماعي الكبرى في أوائل 2021.
غضب جمهوري
تسببت مبادرات التنويع، وحركة مناصرة أصحاب البشرة السوداء (Black Lives Matter)، وتقنين الإجهاض، وحقوق المتحولين جنسياً، في توجيه اتهامات للشركات الكبرى بأنَّها منحازة "لليسار المتطرف". ما يزال الجمهوريون في الكونغرس غاضبين أيضاً من عشرات لجان العمل السياسي التابعة للشركات التي وعدت علناً بالتوقف عن المساهمة في حملات الأعضاء الذين صوّتوا ضد قبول نتائج انتخابات 2020 (برغم أنَّ الكثيرين تراجعوا عن تلك التعهدات منذ ذلك الحين).
حتى الآن، جرى التعبير عن هذا السخط الجمهوري الذي ظهر مؤخراً في الغالب من خلال الخطاب العدائي. على سبيل المثال، ندد ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، بـ"قادة الشركات الضعفاء" الذين يشرفون على "الشركات غير القومية التي تجمع ثروات لا تساهم في مستقبل دولتنا العظيمة".
اقرأ أيضاً: باول: الاقتصاد الأميركي قد يدخل في "وضع طبيعي جديد" بعد الوباء
لكنَّ أشكال الانتقام الأعلى تأثيراً، مثل عقوبة ديسانتس لـ"ديزني"، قد تصبح أكثر شيوعاً. حظيت المقترحات التي تطلب من شركات التكنولوجيا الحد من الاعتدال في المحتوى السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي بدعم المشرعين الجمهوريين على مستوى الكونغرس والولايات. كما هدد أعضاء جمهوريون في الكونغرس بعقد جلسات استماع أو تحقيقات مُحرِجة علنية تستهدف الشركات التي لا يفضلونها إذا استعادوا مقاليد السلطة العام المقبل.
استمرار التحالف
في الوقت نفسه، يتميز الاتجاه الشعبوي الجديد في الحزب الجمهوري بشكل كبير بتركيزه القوي على القومية والحنين الثقافي أكثر من أي تحرك آخر بعيداً عن العقيدة الاقتصادية المحافظة التقليدية. سعى المعيّنون في الفرع التنفيذي للحزب إلى إلغاء اللوائح، وعارضوا مصالح النقابات العمالية بنفس القوة في إدارة ترمب كما فعلوا خلال فترات الرئاسة الجمهورية السابقة، في حين مثّل التخفيض الضريبي الطموح الإنجاز السياسي الرئيسي لترمب في منصبه.
اقرأ أيضاً: دقات طبول الركود تتعالى مع تباطؤ أرباح الشركات وضعف الاقتصاد الأميركي
برغم ميل الجمهوريين المتزايد إلى توجيه الهجوم بالخطابات وحتى التشريعات على الشركات التي يُنظر إليها على أنَّها تمثل خصومة في الحرب الثقافية المستمرة، لكنَّهم ما زالوا ملتزمين بتوسيع أو زيادة تخفيض التخفيضات الضريبية على الشركات التي وقَّع عليها ترمب لتصبح قانوناً.
عثر السياسيون الجمهوريون والشخصيات الإعلامية المحافظة على جمهور شعبي أيّد هجماتهم على "دعوات اليقظة الاجتماعية" في المناصب الإدارية التنفيذية. لكن طالما ظل الحزب ملتزماً بالأفكار الاقتصادية المحافظة التي تفيد الشركات؛ فمن غير المرجح أن ينهار التحالف الجمهوري مع قطاع الأعمال تماماً، مهما تدهورت العلاقة بينهما. وعلى الرغم من الادعاءات التي تشير إلى عكس ذلك؛ فإنَّ ما يحدث بين الحزب ورجال الأعمال ليس طلاقاً، بل مجرد مشكلات زوجية.