بلومبرغ
بقلم: سيلفيا ويستول وفيونا ماكدونالد - بلومبرغ
اتهمت الولايات المتحدة الأميركية المملكة العربية السعودية بالانحياز إلى روسيا، بعد أن قادت المملكة تحالف "أوبك+" في اتخاذ قرار مفاجئ بخفض إنتاج النفط الخام، مما يبقي أسعار النفط مرتفعة في وقت يسود فيه القلق العالمي بشأن التضخم.
تصر المملكة، أكبر مُنتج للنفط في العالم، على أن القرار يتعلق بالجوانب الاقتصادية ولا علاقة له بالأمور السياسية.
هذه الخطوة تمثّل لحظة مهمة بالنسبة لتحالف استمر لأكثر من 70 عاماً بين السعودية والولايات المتحدة، حيث جاء خفض الإنتاج بعد أقل من ثلاثة أشهر من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية بحثاً عن مزيد من الإنتاج للمساعدة في خفض الأسعار.
فيما يلي بعض الأسباب المحتملة لاتخاذ السعودية مثل هذه الخطوة:
النفط مقابل الأمن
كان أساس العلاقات القائمة بين النظام الملكي في الشرق الأوسط والقوة الغربية العظمى يتمثل في كون الولايات المتحدة الحماية العسكرية مقابل إمدادات موثوقة من النفط. لكن حتى قبل سفر بايدن إلى جدة في يوليو، كان المسؤولون السعوديون يقولون إن طبيعة الشراكة بين واشنطن والرياض تغيرت جذرياً، إذ بات التحالف يفتقر للتوازن.
ساهمت محاولة واشنطن لإحياء اتفاق نووي مع إيران، وهي خصم الرياض الإقليمي، ومشاركة السعودية في حرب اليمن، وما اعتبرته دول الخليج افتقاراً للحماية من واشنطن ضد هجمات الوكلاء المدعومين من إيران، في إثارة التوترات والمزيد من الاختلافات في وجهات النظر بين واشنطن والرياض.
لطالما اشتكى المسؤولون في الخليج بشكل خاص من محاولات واشنطن لترهيبهم في مواقف سياسية معينة، لكن المسؤولون الأميركيون تأخروا في إدراك أن الترهيب لا يجدي نفعاً، وأن واشنطن بحاجة للتعايش مع نظام جديد قائم على المصالح المشتركة، وفقاً لشخص مطلع على المناقشات الجارية داخل "أوبك+"، والذي طلب عدم ذكر اسمه أثناء مناقشة الموضوعات الدبلوماسية الحساسة.
نفوذ سعودي
يتولى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مهمة تعزيز مكانة المملكة كلاعب أساسي على الساحة الدولية، مستفيداً من المليارات التي تجنيها البلاد من مبيعات النفط الآن لإعدادها لتكون قوة عظمى في القرن الـ21. ويبدو أنه بعد أربعة أعوام من مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، الذي أدى إلى إبعاد الأمير تقريباً عن أقرانه الدوليين، هناك مؤشرات على أن ثقته وطموحه لم يتراجعا.
في سبتمبر الماضي، اتخذت السعودية خطوة غير عادية بإعلانها أن الأمير ساعد في التوسط لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وإبراز دوره كوسيط دولي.
على الصعيد الداخلي، صدر أمر من الملك سلمان بن عبدالعزيز بتعيين الأمير محمد رئيساً لمجلس الوزراء، ليلعب بذلك دوراً إضافياً يجعله بشكل رسمي رئيساً للحكومة، في خطوة يعتبر محاموه أنها يجب أن تمنح الحصانة أيضاً من القضايا القانونية الأميركية المتعلقة بخاشقجي.
ولي العهد السعودي يتولى رئاسة مجلس الوزراء
مع اشتداد أزمة الطاقة عالمياً في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، عاد قادة آخرون لاحتضان ولي العهد، فبالإضافة إلى بايدن، استضاف الأمير محمد بن سلمان قادة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا في بلاده هذا العام.
ولي العهد كان يعمل أيضاً بحذر على إصلاح علاقته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يسعى لجذب استثمارات من دولة في طريقها لتكون أحد أسرع الاقتصادات نمواً في مجموعة العشرين، حتى أن المملكة فازت هذا الأسبوع باستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 في منطقة "تروجينا"، وهي جزء من مدينة "نيوم" قيد الإنشاء.
عوامل اقتصادية
وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان أكد أن قرار "أوبك+" كان مدفوعاً بمؤشرات السوق الأساسية، وأن التحالف بحاجة لأن يكون استباقياً خلال فترة تقلبات السوق الشديدة.
كذلك، قال الأمين العام لمنظمة "أوبك+" الكويتي هيثم الغيص، في مقابلة مع قناة العربية ومقرها السعودية، أن الدعوة لخفض إنتاج النفط كانت تستند إلى مؤشرات تدل على اقتراب ركود عالمي.
يحمل البيان التمهيدي لميزانية المملكة بعض الأدلة على مستقبل المملكة. إذ رأى اقتصاديون في بنك الاستثمار السعودي "الراجحي كابيتال" الشهر الماضي، أنه بناءً على هذه الأرقام، يتطلع المسؤولون إلى وضع ميزانية تعتمد سعراً لخام برنت عند نحو 76 دولاراً للبرميل العام المقبل، وهو ما يقل بنحو 20% عن سعر النفط هذا الأسبوع، وهو أقل بكثير مما توقعه معظم المحللين.
مع أخذ هذه الأمور في الاعتبار، تتوقع السعودية أن ميزانيتها لهذا العام بالكاد ستحقق فائضاً قدره 9 مليارات ريال (2.4 مليار دولار)، أي أقل مما كان متوقعاً في السابق.
في مواجهة الاختيار بين دعم الاقتصاد العالمي بناءً على طلب الولايات المتحدة، والمخاطرة باقتصادهم الخاص، اختار السعوديون أنفسهم، وفعلت دول الخليج الأخرى ذلك أيضاً.
توازن القوى
تتلخّص وجهة نظر المسؤولين في الخليج بأن عليهم موازنة علاقاتهم مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، التي تلعب دوراً مهماً ليس في أسواق الطاقة فحسب، بل أيضاً في النزاعات الإقليمية من سوريا إلى ليبيا، كما تشارك في المفاوضات الدولية الجارية مع إيران. وعلى عكس الولايات المتحدة، فهي لا تنتقد السعودية بشأن حقوق الإنسان.
لم تشارك السعودية وحلفاؤها الإقليميون في فرض عقوبات على موسكو بسبب غزوها أوكرانيا، ويقول المسؤولون سراً إن عزلها تماماً قد يأتي بنتائج عكسية. كما أنهم يشككون في محاولات الولايات المتحدة معاقبة روسيا بأدوات مثل تحديد سقف لأسعار صادراتها من الطاقة، وهي خطوة تحوّل بشكل فعال النفوذ في عملية التعسير من المصدّرين إلى المستوردين.
في غضون ذلك، يحاول المسؤولون الأميركيون موازنة جهودهم لمعاقبة روسيا ضد الهزات الارتدادية التضخمية لفعل ذلك. كما أنهم يوازنون بين رغبتهم الفورية في الحصول على مزيد من النفط من "أوبك" مقابل الشعور بالاستياء المتزايد من تحالف نفطي غير متعاون ولا يشارك المصالح الأميركية.
في أعقاب خفض الإنتاج الأخير، دعا بيان صادر عن البيت الأبيض إلى "تقديم أدوات إضافية لخفض سيطرة أوبك على أسعار الطاقة". وقال إن هذا القرار كان بمثابة تذكير أيضاً بحاجة الولايات المتحدة لخفض اعتمادها بشكل عاجل على المصادر الأجنبية للوقود الأحفوري.