لماذا تتمسك الصين بسياسة "صفر كوفيد"؟

جرعات اللقاحات وحدها لا تكفي للحماية من الإصابة وهناك حاجة لقيود صارمة

time reading iconدقائق القراءة - 12
أحد المشاة يرتدي قناعاً يمر أمام متجر شركة غاب في شنغهاي ، الصين - المصدر: بلومبرغ
أحد المشاة يرتدي قناعاً يمر أمام متجر شركة غاب في شنغهاي ، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

احتفت منظمة الصحة العالمية بالنجاح الذي حققته الصين منذ عامين في التغلب على فيروس كورونا. لكن إصرار الدولة على الالتزام بما يسمّى سياسة "صفر كوفيد" يؤدي إلى عزل بكين بشكل متزايد، في الوقت الذي تعود فيه دول أخرى، عانت من حالات تفشٍ أسوأ بكثير، إلى مظاهر الحياة ما قبل الجائحة.

اكتسبت شعوب هذه الدول درجة عالية من الوقاية ضد الأمراض الخطيرة – وقللوا من خوفهم المبدئي من المجهول – من خلال موجات الإصابة والتطعيمات الأكثر فعالية. قال مسؤولون صينيون إن جرعات اللقاحات وحدها لا تحمي من الإصابة، وهناك حاجة لقيود صارمة تهدف للقضاء على الفيروس لتجنب كارثة رعاية صحية. تعهَّد الرئيس الصيني شي جين بينغ بمحاولة التخفيف من التأثير الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن تنفيذ سياسة "صفر كوفيد". لكنه وعد بالالتزام بها، رغم موجات التفشي المتكررة، بما فيها موجة أدت إلى إغلاق العاصمة المالية شنغهاي لمدة شهرين هذا العام.

1) هل يعني "صفر كوفيد" عدم وجود حالات إصابة بالفيروس؟

نعم، من الناحية المثالية، لكن الأمر ليس بهذه السهولة. لم يتغير منظور بكين لكوفيد كثيراً منذ ظهور الفيروس لأول مرة في أواخر 2019 بالمدينة الصينية المركزية ووهان. يعد الفيروس تهديداً للصحة العامة يجب التخلص منه بأي ثمن. لذلك؛ ما تزال الصين تتطلب عزل المرضى والمخالطين، وكذلك الحجر الصحي لأي شخص قادم من خارج البلاد. يُقابَل أي انتشار للفيروس على المستوى المحلي بسيل من الحملات لإجراء فحوص موجهة وتتبُّع الاتصال والحجر الصحي للقضاء عليه وهو ما يزال في بدايته، والملاذ الأخير هو الإغلاقات على مستوى المدن. يقرّ ذلك النهج، الذي أصبح يُعرَف باسم "التصفية الديناميكية"، بحدوث إصابات، لكنه يهدف إلى وضع حد لانتشارها. زادت السلالات الأكثر عدوى من صعوبة الأمر للصين. في بداية أبريل، زاد عدد الإصابات اليومية عن 20 ألف حالة، متخطياً المعدل الذي ظهر في الأيام الأولى من الجائحة في الصين، حينما لم يكن الاختبار متاحاً بسهولة، قبل أن يتراجع مرة أخرى.

2) لماذا تلتزم الصين بهذه السياسة؟

في حسابات الدولة، المكاسب أكبر من الخسائر. تقدِّر الحكومة أن الاستراتيجية جنَبت الدولة مليون حالة وفاة و50 مليون إصابة. أعلنت الصين عن أقل من 6 آلاف حالة وفاة بسبب كوفيد في البر الرئيسي، أغلبها في بداية الجائحة. بالمقارنة، بلغت الوفيات في الولايات المتحدة نحو مليون حالة، رغم أن تعداد السكان فيها أقل من ربع تعداد سكان الصين.

انظر أيضاً: "الصحة العالمية" تعلن اقتراب انتهاء الوباء والصين تُشدّد سياسة "صفر كوفيد"

استخدمت الصين هذه الأرقام لتظهر تفوّق نظام الإدارة. قدمت دراسة نمذجة قام بها باحثون في جامعة "فودان"، ونُشرَت في مجلة "نيتشر ميدسن" (Nature Medicine) في مايو، لمحة لما قد يحدث إذا انتشر متغير أوميكرون الفيروسي بلا رادع، وقالت إن الأمر سيكون أشبه بـ"تسونامي" من الإصابات قد ينتج عنه 1.6 مليون حالة وفاة.

بجانب إنقاذ أرواح، ساعدت السياسة الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصادات العالم، أيضاً على النمو، فيما انكمشت اقتصادات كبرى أخرى في 2020. رغم أن الاضطرابات الناتجة عن سياسة "صفر كوفيد" تؤثر على النمو، فقد أعلن الرئيس شي أنها سياسة "اقتصادية فعّالة" لبلاده.

3) ما مدى تأثير السياسة على المستوى المحلي حتى الآن؟

مع تزايد قدرة الفيروس على الانتشار، كثرت حالات التفشي، التي نتج عن بعضها عمليات إغلاق صارمة يضطر الناس فيها إلى البقاء في منازلهم. استمرت بعض هذه الإغلاقات أكثر من شهر، مثلما حدث في شنغهاي وإقليم جيلين الصناعي في الشمال الشرقي، ما أدى إلى صعوبات اقتصادية واجتماعية ومعاناة لأصحاب الحالات الطبية المزمنة. عندما أُغلقت مدينة شيآن، التي تقع في الغرب، تعرضت امرأة للإجهاض وتوفي شخص آخر بأزمة قلبية بعد صعوبة في الوصول إلى خدمات الطوارئ الصحية.

لم تتضرر مدينة شينزين، المركز التكنولوجي العملاق، بشكل يذكر بعد أسبوع من الإغلاق، واستمرت بعض المصانع في العمل بموجب نظام دائرة مغلقة جديد. يجري عزل العاملين فعلياً، من خلال نقلهم من عنابر إقامتهم إلى المصنع والعكس، أو النوم على الأرض في مكان العمل، مع إجراء اختبارات بشكل منتظم وقياس درجة حرارة الجسم. جرى تفعيل النظام مرة أخرى في يوليو خلال موجة تفشٍ أخرى في المدينة. السلطات في بكين ومدن أخرى من بينها هانغتشو، وهي مقر مجموعة "علي بابا غروب هولدينغ" العملاقة للتكنولوجيا، تجنبت الإغلاقات التامة من خلال القيام بحملات اختبار وفرض قيود أخرى بعد ظهور الحالات الأولى. في الوقت نفسه، تستمر الحياة كالمعتاد في أماكن أخرى بأغلب مناطق البلاد.

4) ماذا عن الاقتصاد؟

رغم أن هذا العام بدأ أقوى من المتوقع، فإن النظرة المستقبلية لم تخيم عليها جائحة كوفيد فقط، بل أيضاً مشاكل في سوق العقارات المحلي والتداعيات الدولية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. أثّرت الاضطرابات والخوف من العدوى بشكل أكبر على الاقتصاد. تجنب الناس السفر والتسوق والأكل في المطاعم. أعاقت حتى الإغلاقات الجزئية سلاسل الإمداد الصناعية. يخفض الاقتصاديون بشكل مطّرد توقعاتهم للنمو إلى ما دون هدف الحكومة الذي يبلغ 5.5%، وهو أقل بكثير من المعدل النهائي للعام الماضي الذي بلغ 8.1%.

بحلول منتصف العام الجاري قيل إن القادة الصينيين يتعاملون مع معدل 5.5% على أنه مؤشر توجيهي وليس هدفاً ثابتاً. قال شي إن بلاده ستسعى لتخفيف التأثير الاقتصادي والاجتماعي مع الاستمرار في تحقيق "أقصى قدر من الوقاية والسيطرة".

5) ما العقبات التي تحول دون العودة للوضع الطبيعي؟

هذه بعض العقبات:

· بينما جرى تطعيم قرابة 90% من السكان وحصل عدد متزايد منهم على الجرعة الإضافية، فإن المعدلات أقل بالنسبة لكبار السن: 82% ممن تبلغ أعمارهم بين 70 و79 عاماً، وحوالي 51% ممن تخطت أعمارهم 80 عاماً، ووفقاً لمسؤولي صحة في منتصف مارس ما تزال مقاومة اللقاح قوية. حتى بعد وفاة المئات خلال موجة التفشي التي حدثت في شنغهاي، ارتفع عدد الأشخاص فوق الستين الذين حصلوا على التطعيم الكامل نقطة مئوية واحدة فقط، ليصل إلى 63% في منتصف يونيو.

· ظهور سلالات متحورة أشد قدرة على نشر العدوى نتجت عنها موجات جديدة من الإصابات، حتى في المناطق التي اكتسبت خبرة في التعامل مع حالات انتشار سابقة.

· يشير الكثير من المحللين إلى الفاعلية الأقل للقاحات المطورة في الصين. أكثر اللقاحات استخداماً في الصين هي اللقاحات غير المفعلة، التي توفر حماية أقل ضد العدوى التي تسببها السلالة الأصلية للفيروس في التجارب السريرية، مقارنةً باللقاحات التي تستخدم تقنية "الحمض النووي الريبي المرسال" (mRNA) التي طورتها شركات "فايزر" و"بيونتيك" و"موديرنا". تعد تلك اللقاحات، التي تستخدم هذه التقنية، أساس التحصين ضد الفيروس في الكثير من أنحاء العالم، لكنها غير متوفرة في البر الرئيسي.

· أوضح مسؤولو الصحة الصينيون أن اللقاح وحده لا يكفي، لأن حالات الإصابة بالعدوى بين من سبق لهم الحصول على اللقاح شائعة حتى مع اللقاحات الغربية.

· ينتشر الضغط على المستشفيات في جميع أنحاء العالم بالمناطق التي تعاني من نقص الموارد مثل الهند، وفي دول العالم المتقدمة على حد سواء، بمثابة تذكِرة مستمرة بمدى سهولة انهيار شبكة المستشفيات متفاوتة الإمكانيات في الصين بسهولة تحت ضغط الارتفاع المفاجئ في عدد الإصابات.

· قد يؤدي تغيير التكتيكات بما يسمح للفيروس بإصابة شريحة كبيرة من السكان إلى خلق صورة سلبية قبل المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني المقرر عقده في وقت لاحق من العام الجاري، حيث من المتوقع أن يحاول الرئيس شي توسيع سلطته.

6) ما الثمن الذي يدفعه باقي العالم؟

كان لسياسة "صفر كوفيد" تداعيات على سلاسل الإمداد العالمية. جرى إغلاق مصنع شركة "تسلا" في شنغهاي ثلاثة أسابيع قبل أن تبدأ الشركة العمل بنظام الدائرة المغلقة. تسببت حالات انتشار الفيروس في تعطيل مؤقت للإنتاج في مصانع أخرى لشركات أجنبية في صناعة السيارات في مدن مثل تيانجين وجيلين، بالإضافة إلى تعطيل شركات تصنيع الرقائق في شيآن. لكن التخلي عن السياسة قد يتسبب في عراقيل أكبر بكثير، على الأقل مؤقتاً، إذا كان العمال مرضى بدرجة تمنعهم من الحضور للعمل، نظراً لاعتماد العالم بشكل كبير على الصين في كل شيء، من المواد الخام إلى المنتج النهائي الذي يصل للمستهلك والصناعات.

اقرأ أيضاً: إنفوغراف.. صندوق النقد يُخفّض توقعاته للاقتصاد العالمي في 2022

في أسوأ سيناريو لانتشار المرض خارج نطاق السيطرة وفرض الصين إغلاقاً على مستوى البلاد، تتوقع "بلومبرغ إيكونومكس" و"بلومبرغ إنتليجنس" أن يبطئ ذلك من نمو الصين الاقتصادي إلى 1.6% العام الجاري، وهي أقل نسبة خلال أكثر من 4 عقود، وأن يؤثر ذلك على اقتصاد العالم. تشمل النتائج المرجحة انخفاض أسعار السلع ووتيرة أكثر تدرجاً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة. قلّص صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي في 2022 و2023، مستشهداً جزئياً بتباطؤ نمو اقتصاد الصين.

7) ما المرحلة النهائية للصين؟

لم يفصح مسؤولو الحكومة بشكل صريح عن توقعاتهم بانتهاء الجائحة. في الوقت الحالي، هناك مؤشرات متزايدة على أن الصين تتوقع التمسك بسياسة "صفر كوفيد" في المستقبل المنظور.

خلال زيارته لمدينة ووهان العام الجاري، قال شي إن الدولة مستعدة لتلقي ضربات مؤقتة لاقتصادها بدلاً من تعريض حياة الناس للخطر. بدأت مراكز الاختبار بالظهور في كل مكان في أكبر مدن الصين هذا العام، حيث تشجع القواعد الجديدة مئات الملايين من سكان المدن على إجراء اختبار الكشف عن كوفيد بشكل يومي تقريباً.

حدثت السلطات أيضاً دليلها لسياسة "صفر كوفيد" في يونيو، من خلال توحيد سياسات الاختبار على نطاق واسع والإغلاقات الموجهة وتتبُّع الاتصال، التي كانت متباينة بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: أسعار النفط ترتفع مدفوعة بضعف الدولار وإلغاء الصين قيود "كورونا"

هذه الخطوات، بالإضافة لفترة أقصر في الحجر الصحي، من شأنها التقليل من الاضطرابات الناتجة عن تنفيذ السياسة وتخفيف وطأتها على السكان، بدلاً من التوجه نحو التعايش مع الفيروس في نهاية المطاف، وهي فكرة سخر منها الرئيس شي. يعتقد بعض الخبراء أن هذه الاستراتيجية ستنهار في النهاية حينما يصبح الفيروس قابلاً للانتشار بشكل تصعب السيطرة عليه، كما أن هناك احتمالاً آخر بظهور متحور جديد ضعيف بما يسمح للحكومة أن ترخي قبضتها دون الإضرار بالسكان. من دون نقطة ارتكاز ذات معنى، قد تختلف الحياة في الصين جذرياً عن بقية العالم في الأعوام المقبلة.

8) ما التوقعات بالنسبة لهونغ كونغ؟

أعطت هونغ كونغ الأولوية لمواءمة سياستها مع البر الرئيسي الصيني في محاولة لإعادة فتح الحدود. لكن التفشي المتكرر للوباء على الجانبين حال دون ذلك. قام جون لي، رئيس السلطة التنفيذي لهونغ كونغ الذي تولى إدارة المدينة في يونيو، بإلغاء شرط الحجر الصحي على الوافدين إلى المدينة، وقال إنهم ليسوا بحاجة إلى إجراء اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) قبل الوصول، وهي أحدث خطوة في سلسلة من الخطوات لإعادة بناء مكانة هونغ كونغ كمركز مالي عالمي. مع ذلك، فإن الدولة المدينة تخلّفت في جهود إعادة الفتح عن جميع منافسيها من المراكز المالية الكبرى، بما فيها نيويورك ولندن، والأهم في المنطقة، سنغافورة.

تصنيفات

قصص قد تهمك