بلومبرغ
اعتلى غوتام أداني، أغنى شخص في آسيا، مسرح المركز الوطني للفنون الأدائية في مومباي في إحدى الأمسيات المقامة في أبريل لإلقاء خطاب في مؤتمر الهند الاقتصادي، وهو تجمع للنخبة المالية في البلاد. لم يكن الارتفاع الصاروخي في ثروته سبباً وراء زيادة ظهور أداني، ذو شارب وجسم ممتلئ، في الأشهر الأخيرة بعد أن كان بعيداً عن وسائل الإعلام. دفعه جنون التنوع السريع بمجموعته الضخمة، التي تعتمد على الوقود الأحفوري، إلى مجموعة من القطاعات الجديدة داخل الهند وخارجها. يسعى أداني لإعادة اكتشاف نفسه على الساحة العالمية. إن ظهوره العلني الآن له غاية جديدة، وهي إقناع العالم، وخاصة الأوصياء على أسواق رأس المال العالمية اللازمة لتمويل طموحاته، بأن قطب الفحم أصبح الآن بطلا من أبطال الطاقة الخضراء.
ليس أداني بقطب الفحم الوحيد الذي يسعى في هذا التحول، ولكنه هو الأغنى والأكثر نفوذاً، وله علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أقوى زعيم في الهند منذ عقود. دفع كل من ارتفاع أسعار الطاقة والقفزات المذهلة في أسهم شركات أداني المدرجة بثروته إلى نحو 143 مليار دولار، وهو مستوى من الثراء لم يتجاوزه سوى إيلون ماسك وجيف بيزوس. لكن تحالف الملياردير أداني مع مودي، اللذين نَشَأا في ولاية غوجارات الساحلية المزدهرة، كان هو الأساس لإمبراطوريته. وقد يصبح هذا التحالف أيضاً بمثابة نقطة ضعف أداني، الذي يسعى للانتقال إلى عالم يقدِّر الاعتبارات البيئية أكثر من تقديره شعار مودي بتقديم التنمية الاقتصادية. ولذلك، حرص أداني في خطابه في مؤتمر الهند الاقتصادي على الإشادة بكلا المعسكرين.
الاعتماد على الذات
قال أداني في خطاب مومباي، مُستخدماً مصطلحاً هندياً يعني الاعتماد على الذات، وهو نفس الموضوع القومي الذي يشدد عليه مودي في كثير من الأحيان في خطاباته: "إن الهند على أعتاب عقود من النمو وسيرغب العالم في الاستفادة منه. لذا لا يمكن أن يكون هناك دفاع أفضل عن مصالحنا في هذا الوقت من الاعتماد على الذات". وتابع أن ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة الخضراء سيكون بمثابة "تغيير لقواعد اللعبة" في البلاد. وأضاف: "يتيح الجمع بين طاقتي الشمس والرياح، إلى جانب الهيدروجين، إمكانيات غير مسبوقة للهند".
الاستراتيجية المركزية في النشاط الاقتصادي لأداني، الذي يُنظر إليه باعتباره الأقرب إلى رئيس الوزراء من أي مليادير آخر، عززت من جهود مودي على مدى العقد الماضي لتطوير اقتصاد الهند البالغ 3.2 تريليون دولار. نسّق أداني طموحات شركاته مع أولويات الحكومة، والأهم هو مضاعفته إنتاج الفحم عندما وعد مودي بتوفير كهرباء بشكل مستقر لمزيد من الهنود. امتد هذا التحالف إلى الشؤون الخارجية. بدأ أداني في تشييد ميناء رئيسي كبير في سريلانكا في 2021، ووفقاً لمسؤولين من كلا البلدين، شجعت حكومة مودي هذا المشروع لأنها ترغب في كبح النفوذ الصيني على الجزيرة المجاورة. يمكن الاعتماد على أداني في توفير المال أو البنية التحتية أو الخبرة، سواء أكان لبناء طرق سريعة أو تطوير مراكز بيانات، مهما كانت أولوية السياسة العامة.
قال أداني، البالغ 60 عاماً، إنه لا يتلقى معاملة خاصة من الحكومة ولا يتوقع ذلك، لكن هذا التحالف أفاده جيداً. شهدت أسهم شركاته السبع المدرجة مكاسب هائلة هذا العام، رافعة قيمتها السوقية المجمعة إلى نحو 255 مليار دولار، أي حوالي 7% من إجمالي السوق الهندية. يُعدّ أداني واحداً من اثنين فقط لم تنخفض ثروتهما في 2022، وذلك من بين العشرة مليارديرات الأوائل الذين تتبعتهم "بلومبرغ" على مستوى العالم، والوحيد الذي يدعمه الفحم بشكل أساسي.
"أداني" يقترض بمستويات قياسية في سبيل التحول لعملاق الطاقة الجديدة
طموحات متشعبة
يستخدم أداني هذه الموارد المالية الآن لتعزيز طموحاته، والتي تتمحور حول الالتزام باستثمار 70 مليار دولار في البنية التحتية للطاقة الخضراء بحلول 2030. كما كشفت مجموعته الشهر الماضي أيضاً عن استثمارات بقيمة 7.2 مليار دولار في مشاريع الألمنيوم وخام الحديد، فضلاً عن استحواذ المجموعة مؤخراً على تشغيل الهند لشركة صناعة الأسمنت "هولسيم" (Holcim) مقابل 10.5 مليار دولار. تتضمن الأعمال الأخرى الانتقال إلى الوسائط والخدمات الرقمية والمطارات ومراكز البيانات والاتصالات.
أداني يستحوذ على أعمال "هولسيم" في الهند بـ10.5 مليار دولار
استمرت شركات أداني في توليد ما يكفي من النقود، في ظل بقاء مودي في منصبه، لتعويض الديون الكبيرة التي تراكمت عليه لتمويل التوسع، حيث يبدو مركز أداني قوياً على الأقل داخل الهند، وفقاً لتيم باكلي، مدير مركز أبحاث "كلايمت إنرجي فاينانس" (Climate Energy Finance) ومقره سيدني، والذي يراقب لأداني منذ فترة طويلة. أضاف باكلي: "إن قوة أداني السياسية، وقدرته على فهم طبيعة الأرض في الهند لا مثيل لها. وتعمل مؤسسته بشكل فعال للغاية، على عكس كثير من المنافسين الهنود، وتنجز الأمور".
ومع ذلك، فإن قوة أداني خارج الهند ليست بنفس القدر داخلها. وهنا يأتي دور رهانه الكبير على مصادر الطاقة المتجددة. إن الرهان بمبلغ 70 مليار دولار هو المخطط الذي يتيح لأداني أن يجعل من إمبراطوريته أكبر منتج للطاقة النظيفة في العالم بحلول نهاية العقد. لا تزال استثماراته الخضراء حتى الآن ضئيلة مقارنة بما ينتجه من الوقود الأحفوري، وهو انقسام يهدد بتقويض سعي أداني لأن يؤخذ على محمل الجد على الساحة العالمية.
انبعاثات أداني الكربونية
وفقاً لمنظمة "سوم أوف أس" (SumOfUs)، وهي منظمة تدير حملات رقمية تهدف إلى ممارسة الضغط على الشركات القوية، تمثّل عمليات التعدين التي تقوم بها مجموعة أداني ما لا يقل عن 3% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من الفحم. رفضت مجموعة "أداني" (Adani Group) التعليق على هذا الرقم وعلى القصة ككل على نطاق أوسع. قال نيك هينز، مدير حملة "سوم أوف أس" في ملبورن: "من الصعب ألا ننظر إلى استثمارات أداني الخضراء باعتبارها غطاء لتوسع شركته في مجال الفحم، أو على الأقل أن يأخذ نصيبه من الكعكة ويلتهمه أيضاً".
تأسست مجموعة أداني الكبيرة على قاعدة صلبة من الفحم، ولا بزال الفحم محور أعماله. تمثّل شركات أداني الرئيسية التي تعتمد على هذا الوقود نحو 62% من إيرادات مجموعته. يُعدّ الفحم مورداً محلياً، وبالغ الأهمية بالنسبة لطموحات مودي للاعتماد على الذات، كما تُعدّ مجموعة "أداني" أكبر مطور خاص لمناجم الفحم في الهند. وقد اشترى ثمانية مناجم جديدة لإنتاج الفحم الهندي منذ 2020، ليصل إجمالي الكتل إلى 17، وفقاً لبيانات "سوم أوف أس".
مخاوف أزمة الطاقة تدفع الهند لزيادة إنتاج الفحم
أصرّ أداني، أثناء مقابلته مع "بلومبرغ نيوز" في 2019، على أنه سيستحيل تحقيق أهداف الهند الاقتصادية دون الفحم، الذي يجب أن "يلعب دوراً كبيراً" في توسيع القدرة على توليد الكهرباء. تُعدّ الهند ثالث أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، وذلك بعد الصين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من توقيع مودي على استهداف الوصول لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول 2070، إلا أن خطه الزمني يتخلف عن الصين بعشر سنوات، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بعقدين.
منجم "كارمايكل"
بينما صرّح أداني أن تعزيز أمن الطاقة في الهند يكمن وراء سعيه للحلم الأخضر الجديد، فإن تجربته في أستراليا قد تفسر هذا التحول جزئياً على الأقل. يطوّر الملياردير الهندي منجماً كبيراً في ولاية كوينزلاند لزيادة الإمدادات الهندية، وتُظهر المعوقات الذي شهدها هناك التحدي الذي سيواجهه لتوسيع نفوذه خارج حدود الهند. أدت الدعاوى والاحتجاجات والاستفسارات الحكومية إلى تأخير منجم مجموعة أداني "كارمايكل" مراراً وتكراراً، كما يُعرف المشروع، منذ طرحه قبل أكثر من عشر سنوات. وأقرّت وحدة التعدين الأسترالية التابعة لأداني بأنها مذنبة في 2020 لتضليل السلطات البيئية بشأن تطهير الأراضي في الموقع، ودفعت غرامة قدرها 20 ألف دولار أسترالي (13520 دولاراً أميركياً). استبعدت بنوك مثل "غولدمان ساكس" تقديم قروض للمشروع، وهو ما أجبر أداني على تمويل المنجم بنفسه.
يتطلّب منجم "كارمايكل" التوسع في الموانئ الرئيسية في المياه الحساسة بيئياً، ويعتقد النشطاء أنه يشكّل خطراً غير مقبول على الحياة البرية وكذلك الحاجز المرجاني العظيم. وهم أيضاً قلقون تجاه ما سيعنيه هذا الاستثمار الكبير في إنتاج الفحم الأسترالي بالنسبة لمزيج الطاقة في الهند. بدأ منجم "كارمايكل" في تصدير الفحم في وقت سابق من هذا العام، ما أدى إلى زيادة الطلب على الوقود في الهند مع ارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف.
لم يذكر أداني، أثناء خطابه الذي استمر 32 دقيقة في مؤتمر الهند الاقتصادي، شيئاً يتعلق بالفحم على الإطلاق. قال أشخاص مطلعون على استراتيجية الملياردير الهندي إن تغيير النظرة إلى أعماله هو جزء من دوافع ظهوره المكثّف، فضلاً عن مواءمة نفسه مع مديري الأصول بشكل أفضل، وكذلك المقرضين الذين يجعلون الطاقة الخضراء والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية أولوية لهم.
مضاعفة إنتاج الفحم
قالت مجموعة "أداني" إن لديها خطة تنفيذ مشروعات بطاقة 20.4 غيغاوات من الطاقة النظيفة، ما يعادل 20% من الطاقة الشمسية الحالية للولايات المتحدة. يعمل ما يزيد عن ربع تلك النسبة في شكل محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المقام الأول في الولايات الهندية، بما في ذلك ولايتي كارناتاكا في الجنوب وأوتار براديش في الشمال.
الملياردير الهندي أداني يتفق على مشروعات خضراء بـ5 مليارات دولار
تُضاعف الشركة في الوقت نفسه من طاقتها العاملة بالفحم إلى 26 غيغاواط، فضلاً عن متابعتها لمشاريع الغاز الطبيعي، وفقاً لمجموعة "ماركت فورسيز" (Market Forces) البيئية غير الهادفة للربح. قالت راشيل كليتس، مديرة سياسات المناخ والطاقة في "يونيون أوف كونسيرند ساينتست" (Union of Concerned Scientists)، إن طموحات الطاقة المتجددة "ليست محوراً بأي حال من الأحوال، لأنها تُوسع الاستثمارات في كل من الفحم والغاز الطبيعي في الوقت نفسه". وأضافت: "في الواقع، يمكن القول إن أداني هو أكبر مستثمر خاص في مشاريع الفحم الجديدة في جميع أنحاء العالم".
بالنسبة للمستقبل القريب، هذا هو المكان الذي يُدرّ الأموال. دفعت قيود إمدادات الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا أسعار الفحم إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يسجل الطلب العالمي أرقاماً قياسية حتى 2024. أعادت دول أوروبا، من بينها ألمانيا وهولندا، فتح مصانع تعمل بالفحم لتعويض عجز مخزونات الغاز الطبيعي. لم يستطع أداني مقاومة ما حذّر منه في أواخر مايو، بعد حضوره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا. قال أداني في منشور له على منصة "لينكد إن" (LinkedIn) إن "الدول المتقدمة التي كانت تضع أهدافاً وتُلقي محاضرات صارمة لبقية العالم حول تغير المناخ تبدو الآن أقل رقابة، لأن أمن الطاقة لديها أصبح مُهدداً".
رحلة الصعود
بعيداً عن أصوله في ولاية غوجارات، احتل أداني المركز الثالث كأغنى شخص في العالم بدلاً من المركز الرابع عشر في أقل من تسعة أشهر. ولد أداني في عائلة من الطبقة المتوسطة تعمل في تجارة النسيج، ودرس التجارة في إحدى الكليات المحلية، لكنه سرعان ما ترك الدراسة. عمل بعد ذلك في تجارة الألماس، وذلك قبل أن يؤسس شركة تجارية في 1988 والتي أصبحت فيما بعد شركة "أداني إنتربرايزيز" (Adani Enterprises).
كانت الهند قد بدأت في ذلك الوقت في تفكيك (License Raj)، وهو نظام معقد من التصاريح واللوائح التي كانت تحكم التجارة سابقاً، في الوقت الذي بدأ أداني يرتقي فيه بسرعة كرجل أعمال محلي. تسبب الملف المتنامي لأداني في جعله هدفاً للعصابات في مرحلة ما، حيث اختُطف واحتُجز مقابل فدية قدرها 1.5 مليون دولار. بدأ أداني في تشغيل ميناء في مدينة موندرا في 1995، وهي بلدة نائية على خليج كوتش، وذلك بعد فوزه بعقد من حكومة ولاية غوجارات. بدأ ملياردير المستقبل في توسيع المجمع، الذي يقع على غابات المانغروف الحساسة وأنظمة الخور. وتلقّت شركته في وقت لاحق غرامة قدرها 2 مليار روبية (25 مليون دولار) لتجاهلها القواعد البيئية، وأُسقطت العقوبة لاحقاً. قال أداني إن منطقة المانغروف زادت بنحو 12% في مدينة موندرا في الفترة بين 2011 و2017، وهي نفس الفترة التي شهد فيها الميناء نمواً كبيراً.
انتُخب مودي، باعتباره النجم الصاعد في حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي في ذلك الوقت، كرئيس وزراء لولاية غوجارات، ما يعادل حاكم الولاية في الولايات المتحدة، في 2001. وبعد أشهر قُتل أكثر من 1000 شخص، معظمهم من المسلمين، في الولاية في واحدة من أسوأ فترات الشغب الطائفي في الهند. اتهم معارضون مودي بالتقصير في إيقاف العنف، وهو ادعاء أنكره مودي ورفضته المحكمة العليا في البلاد لاحقاً. دافع أداني عن مودي ونظم قمة استثمارية نصف سنوية تحت مسمى "حيوية غوجارات"، التي سمحت للسياسي الطموح بإبراز أوراق اعتماده الداعمة للشركات والأعمال. ومنذ ذلك الحين، "تمتع أداني ومودي بما يُطلق عليه زواج المصلحة، السياسي المهووس بالمشروع الضخم ورجل الصناعة الطموح، وأصبحا لا يتخليان عن بعضهما البعض"، حسبما كتب الصحفي جيمس كرابتري في كتابه "الملياردير راج" (The Billionaire Raj)، وهو كتاب يؤرخ صعود أغنى أباطرة الهند.
بناء الإمبراطورية
تزامن انتخاب مودي رئيساً للوزراء في 2014 مع فترة جديدة من النجاح لأداني. نفّذت شركة "أداني إنتربرايزيز" في العام التالي عملية إعادة هيكلة معقدة، حيث جزأت أعمال الموانئ والطاقة والنقل إلى شركات مدرجة منفصلة. استفاد الجميع من خطط التنمية الاقتصادية الطموحة للزعيم الهندي الجديد، والتي تضمنت استثمارات ضخمة في البنية التحتية للنقل والطاقة. وظل أداني مديراً عملياً في كافة أعماله مترامية الأطراف، وفقاً للأشخاص الذين عملوا معه. قال الأشخاص، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم وهم يتحدثون عن رجل الأعمال، إن أداني يكون سعيداً بخوض نقاشات مفصلة في الاجتماعات حول التدفقات النقدية في كل شركة على حدة.
تطلّب بناء هذه الإمبراطورية الاقتراض بصورة لم تشهدها الهند إلا نادراً. لدى مجموعة "أداني" حوالي 8 مليارات دولار من السندات بالعملات الأجنبية، وهي أكبر نسبة مقارنة بأي شركة هندية أخرى، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". بلغ صافي ديون المجموعة مُجتمعة 1.6 تريليون روبية (20 مليار دولار) حتى نهاية مارس، وفقاً لبيانات الشركة. قالت "كريدي سايتس" (CreditSights)، وهي وحدة تابعة لـ"فيتش غروب"، إن نسب الرافعة المالية وهياكل رأس المال للمجموعة "مسألة مثيرة للقلق"، حتى بعد استثمارات الأسهم من قبل الشركاء في الخارج. ومع ذلك، قالت مجموعة "أداني" إنها خفضت ديونها باستمرار على مدى السنوات القليلة الماضية، وأضافت أن مؤشراتها جيدة.
"كريدي سايتس": إمبراطورية الملياردير الهندي أداني قائمة على الديون
أثار هذا الحجم الهائل من الديون بعض الأسئلة حول أنشطة المجموعة في الهند، وكذا علاقتها بالسلطة. فاز أداني بعطاءات لتشغيل مجموعة من مرافق المطار، دون خبرة سابقة في مجال الطيران، من خلال مناقصة الحكومة الاتحادية قبل ثلاث سنوات. أطلق وزير المالية في ولاية كيرالا، حيث يقع أحد المطارات، جائزة "المحسوبية الوقحة". وصرّحت وسائل الإعلام الهندية عن مخاوف البيروقراطيين بشأن فوز أداني بعدة عقود للإدارة. رفضت المجموعة هذه المزاعم، في مرافعات المحكمة رداً على الطعون القانونية، مؤكدة فوزها بالمناقصة من خلال عملية تنافسية.
صناديق موريشيوس
سعى المُشرّعون مؤخراً للتحقيق فيما إذا كانت مجموعة من الصناديق التي تتخذ من موريشيوس مقراً لها، والتي كانت من أكبر المستثمرين في شركات أداني، تُستخدم لتحفيز الزيادات المذهلة في أسعار الأسهم التي دفعتها لتكون من بين أعلى المضاعفات في الهند. قال وزير المالية الهندي الجديد، أمام البرلمان العام الماضي، إن الإدارة الهندية التي تشرف على قواعد الاستيراد والتصدير تُحقق في الأمر، كما يفحص منظم أسواق رأس المال الامتثال لقواعد الأوراق المالية. وأضاف الوزير أن الشركات لا تخضع للمراجعة من قبل مديرية التنفيذ، التي تحقق في الجرائم المالية الخطيرة مثل غسيل الأموال. قال ممثلو شركات أداني إن المجموعة تمتثل لكافة المتطلبات التنظيمية وقدّمت الإفصاحات المطلوبة.
منجم المليادرير أداني في أستراليا يؤكد أن التخلص من الفحم ليس سهلاً
واجه أداني تجربة مختلفة خارج الهند، مثلما أظهر الوضع في أستراليا. على الرغم من توسعات أداني الخارجية وشراكته مع شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال إنرجيز"، التي تعهدت باستثمار 7.3 مليار دولار في أعمال أداني بما في ذلك الطاقة المتجددة ووحدات الهيدروجين الأخضر، إلا أن هذا التوسع سيعرضه لدرجة لا مثيل لها من التدقيق.
اتجهت أنظار أداني قبل بضع سنوات نحو متحف العلوم، أحد أكثر المؤسسات الثقافية شهرة في لندن، بشأن الرعاية المحتملة له. أعربت إدارة المتحف عن قلقها إزاء الملياردير الهندي كمتبرع، واستشارت مبادرة مسار الانتقال (Transition Pathway Initiative)، وهي مجموعة غير ربحية تحلل امتثال الشركات للأهداف المناخية، وفقاً للوثائق التي تم الحصول عليها بناء على طلب قانون حرية المعلومات (Freedom of Information). كانت المجموعة قد صنّفت مشاريع أداني ضمن ثاني أدنى أسوأ فئة من الشركات، بعد "أرامكو" السعودية و"إكسون موبيل". أشارت تقارير المتحف إلى "مجموعة من المخاوف العامة" وخصصت مساحة كبيرة لمشروع منجم "كارمايكل". لكن مديري المتحف قرروا المُضي قُدماً في الشراكة بكل الأحوال. أعلن المتحف في أكتوبر 2021 عن صالة عرض جديدة تُسمّى "ثورة الطاقة: معرض أداني للطاقة الخضراء".
كانت المفارقة أكثر من اللازم بالنسبة للبعض. استقال اثنان من أمناء متحف العلوم، بينما تولى نشطاء السيطرة على الجزء الداخلي من المتحف احتجاجاً على ذلك. وصرّح متحدث باسم المتحف لـ"بلومبرغ" أن المتحف يدرك أن "بعض الأشخاص يفضلون رؤيتنا نقطع جميع الروابط مع الشركات من القطاعات كثيفة الكربون، ونحن نحترم هذا المنظور"، مضيفاً أنه يعتقد أن النهج الصحيح هو تحدي الشركات لبذل المزيد من الجهد لتخفيف الانبعاثات. تُعدّ "أداني غرين إنرجي" (Adani Green Energy) كياناً مستقلاً داخل مجموعة "أداني" وتستثمر "بالشكل الضخم المطلوب لإحداث تغيير ذي مغزى نحو اقتصاد منخفض الكربون"، على حد قوله.
عقبة أمام التمويل
إن السؤال الأكبر الذي يطرحه أداني الآن هو ما إذا أوصياء رأس المال الذي يحتاجه للتوسع سيأخذون وجهة نظر مماثلة. رفضت شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management)، واحدة من أكبر المستثمرين في العالم في أوراق الدخل الثابت، المشاركة في عرض ديون قدمته وحدة موانئ أداني العام الماضي بسبب مخاوف تتعلق بالفحم، في حين موَّل مقرضون عالميون، بما في ذلك "ستاندرد تشارترد" و"باركليز" وغيرهم، وحدة أداني الجديدة للطاقة الخضراء. قد لا تكون الخطابات التي تمجّد طموح خطط الطاقة الخضراء الخاصة بأداني كافية للحفاظ على تدفق الأموال، وذلك في ظل تحرك مديري الأصول العالميين لإزالة الكربون من محافظهم الاستثمارية.
قال ديفيد تشوكسي، العضو المنتدب في شركة الوساطة "كيه آر تشوسكي هولدينغز" (KRChoksey Holdings) والمتابع لسوق الأسهم الهندية منذ أكثر من ثلاثة عقود، إن أسهم شركات أداني يمكن أن تكون أغلى في الوقت الحالي "لأنها المجموعة الوحيدة التي تركز على الطاقة الخضراء والبنية التحتية في الهند والتي تتيح للمستثمرين العالميين الوصول لهذه الشركات من خلال شركاتهم المدرجة". تقدّم المجموعة "عوائد جاهزة للاستثمار وللربح من مشاريع أُنشئت بالفعل". ومع ذلك، يُرجَّح أن يطرح المستثمرون العالميون أسئلة صعبة لأنهم أصبحوا أكثر وعياً تجاه ما يجعل الاستثمار الأخضر قابلاً للتطبيق. الأمر يشبه سبب توسيع أداني للإنتاج في منجم "كارمايكل"، بهدف زيادة إنتاجه السنوي 50% أكثر مما وافق عليه مجلس إدارته في 2019. قال باكلي، من مركز أبحاث "كلايمت إنرجي فاينانس"، إن الملياردير الهندي قد يضطر إلى الالتزام بالفحم الموجود لتحقيق طموحاته في بناء إمبراطوريته. وأضاف: "إنه ليس بالشخص الأحمق، وسيتمكن من التعامل مع المواقف الصعبة. إن برنامج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات 2.0 (ESG 2.0) قادم وهذا لا يعني التحول للأخضر، ولكنه يعني أنه عليك مواصلة السير في هذا الاتجاه".